زيارة البرهان لتركيا- الأبعاد السياسية والاستراتيجية
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
تأتي زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، إلى تركيا في توقيت بالغ الحساسية، حيث تُجسد تحولاً دبلوماسياً يعكس استراتيجيات متعددة الأوجه في ظل التحديات الداخلية والإقليمية التي يواجهها السودان. فيما يلي تحليل مُفصل للأبعاد الرئيسية لهذه الخطوة:
تعزيز العلاقات السودانية–التركية: بين الجغرافيا السياسية والمصالح الاقتصادية
الموقع الاستراتيجي للسودان: يمثل السودان بوابة تركيا إلى أفريقيا والقرن الأفريقي، خاصة مع امتلاكه ساحلًا على البحر الأحمر، ما يجعله محط أنظار القوى الدولية الراغبة في تعزيز نفوذها الجيوسياسي.
المصالح الاقتصادية: قد تهدف الزيارة إلى تفعيل اتفاقيات استثمارية متوقفة، خاصة في مجالات البنية التحتية والزراعة، والتي تُعتبر حيوية لإنعاش اقتصاد السودان المنهك. كما أن التعاون في مجال الطاقة (كالنفط والكهرباء) قد يكون على الطاولة، خاصة مع سعي أنقرة لضمان أمن إمداداتها.
إعادة ضبط المحاور الدبلوماسية: التحرر من التبعية التقليدية
الخروج من المحاور الإقليمية الضيقة- بعد عقود من التحالف مع دول الخليج ومصر، يسعى السودان لتنويع تحالفاته لتجنب التبعية لأي محور واحد. يأتي التقارب مع تركيا كجزء من سياسة "التوازن النشط"، خاصة في ظل توتر العلاقات مع الإمارات ومصر بسبب قضايا مثل سد النهضة والأزمة الليبية.
الاستجابة للعقوبات الدولية: قد يكون التعاون مع تركيا محاولةً لفتح قنوات تمويل بديلة في ظل العقوبات الغربية، لا سيما أن أنقرة لديها سجل في التعامل مع حكومات تواجه عُزلة دولية (كقطر وإيران).
الدبلوماسية السرية: تفادي الضغوط وترتيب الأوراق
حساسية الملفات المُناقشة: الطابع السري للزيارة يشير إلى مناقشة قضايا قد تثير ردود فعل إقليمية، مثل التعاون العسكري أو الأمني (نقل أسلحة، تدريب قوات)، أو تفاهمات حول الملف الليبي حيث تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني، بينما تدعم دول أخرى الجنرال حفتر.
حماية المفاوضات من التدخلات: تُجنب السرية السودان ضغوطًا من دول مثل السعودية أو الإمارات، اللتين قد تعارضان تقارب الخرطوم مع أنقرة، كما تسمح للبرهان بتجاوز الانتقادات الداخلية من قوى معارضة لتحالفه مع الجيش.
تأكيد الجدية الرسمية: توحيد الصف الداخلي
التنسيق بين المؤسسات: مشاركة وزير الخارجية (رغم عدم ذكر اسمه) تؤكد أن الزيارة مُخطط لها بمباركة النخبة الحاكمة، مما يُرسل رسالة داخلية بتماسك المؤسسة العسكرية والمدنية في إدارة الملف الخارجي، رغم الخلافات الظاهرة بينهما.
تعزيز شرعية البرهان: في ظل الانقسامات الداخلية والاحتجاجات المطالبة بتسليم السلطة للمدنيين، تُستخدم الدبلوماسية كأداة لتعزيز شرعية البرهان كـ"ضامن للاستقرار" وقادر على جلب الدعم الدولي.
التحديات والمخاطر المحتملة
ردود الفعل الإقليمية: قد تتعرض الخرطوم لضغوط من دول مثل مصر والإمارات، اللتين تنظران بقلق إلى النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة. كما أن تقارب السودان مع تركيا قد يزيد من توتر العلاقات مع إثيوبيا، خاصة مع استمرار أزمة سد النهضة.
المخاطر الداخلية: إذا تضمنت الاتفاقيات تنازلات تُعتبر "مساسًا بالسيادة" (كالتدخل في السياسات الداخلية)، قد تواجه الحكومة انتقادات من القوى الثورية والجماهير التي تطالب بالشفافية.
التوازن مع الغرب: يجب على السودان الحفاظ على علاقته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لضمان رفع العقوبات، مما يتطلب تجنب أي تعاون مع تركيا في ملفات تتعارض مع المصالح الغربية (كشراء أسلحة قد تفرض عقوبات عليها).
بين الفرص والمجازفة
زيارة البرهان إلى تركيا ليست مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل هي جزء من استراتيجية مركبة تهدف إلى- خلق تحالفات بديلة لمواجهة العزلة الاقتصادية والأمنية.
ترسيخ دور السودان كطرف فاعل في المعادلة الإقليمية، لا كمجرد مسرح للتنافسات.
استغلال التنافس الدولي في المنطقة لجذب استثمارات ودعم سياسي.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه الاستراتيجية مرهون بقدرة السودان على المناورة بين التحالفات المتنافسة دون إثارة صراعات جديدة، وفي الوقت ذاته تحقيق منافع ملموسة لشعب يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة.
إذا أُدارت هذه الخطوة بحكمة، فقد تُعيد تعريف دور السودان الإقليمي؛ وإن فشلت، فقد تزيد من تعقيد مشاكله.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مع ترکیا
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع تتحدث عن تقدم غرب كردفان والبرهان يطالب بتفكيك هذه القوات
أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر الفرقة 22 وكامل مدينة بابنوسة الاستراتيجية في ولاية غرب كردفان، في وقت طالب فيه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان بتفكيك هذه القوات.
ونشر جنود من قوات الدعم السريع صورا قالوا إنها التقطت لهم داخل مقر الفرقة.
وتعدّ بابنوسة ممرا حيويا بين الخرطوم وإقليم دارفور، وقد شهدت في الأسابيع الأخيرة مواجهات عنيفة بعد إعلان الجيش إرسال تعزيزات لصدّ هجمات متكررة للدعم السريع.
في المقابل، أكد الناطق باسم حكومة غرب كردفان أن الجيش والقوات المساندة يحققون "تقدما كبيرا في كافة المحاور"، مشيرا إلى أن الطيران الحربي "وجه ضربات ناجحة" ضد مواقع الدعم السريع.
وفي شمال كردفان، قال مصدر عسكري رفيع بالجيش السوداني للجزيرة إن قوات الجيش تمكنت من تمشيط المنطقة بين مدينتي الأبيض والخوي استعدادا للتقدم نحو مدينة النهود.
معارك شرسة في جنوب كردفانوتشهد ولايات جنوب كردفان—خاصة البلدات التابعة لمحلية العباسية تقلي—معارك ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة.
وفي أحدث التطورات، قُتل 40 شخصا على الأقل في قصف جوي على منطقة كُمو بمحلية هيبان يوم السبت، وفق مصادر محلية وحقوقية.
واتهمت قوات الدعم السريع في بيان –أمس الأحد– الجيش باستهداف منطقة كُمو بإقليم جنوب كردفان/جبال النوبة صباح السبت، بينما قالت الحركة الشعبية لتحرير السودان–شمال (المتحالفة مع قوات الدعم السريع) إن القصف شمل مدينة كاودا ومناطق حولها.
وذكرت مجموعة محامو الطوارئ أن "الجيش استهدف في قصف جوي يوم السبت منطقة كُمو التابعة لمحلية هيبان بولاية جنوب كردفان مدرسة حكيمة للتمريض العالي، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا من الطلاب وإصابة آخرين بجروح بالغة".
ونقل مواطنون مشاهدتهم لخروج 40 جنازة من البلدة في اليوم ذاته. بدوره، نفى الجيش السوداني استهداف المدنيين أو المنشآت المدنية.
سياسيا، شدد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان على رفضه أي مبادرة لوقف إطلاق النار "لا تتضمن تفكيك قوات الدعم السريع وتجريدها من السلاح".
إعلانوقال البرهان خلال خطاب في بورتسودان إن "الخيارات باتت محدودة بسبب حجم الدماء والمعاناة"، مؤكدا أن "الجيش لن يقبل بأي حل يبقي على المليشيا في مناطقها".
وأشار إلى أن الحل الأمثل للحرب هو "زوال المليشيا"، متوعدا بـ"القصاص من المجرمين والقتلة الذين ارتكبوا كل أنواع الجرائم التي لا يستحقون بعدها أن يعيشوا معنا في السودان".
كذلك، قدم البرهان خلال خطابه مقترحا لإرجاع علم السودان القديم الذي كان مستخدما بعد الاستقلال من الاحتلال الإنجليزي عام 1956، ودعا إلى العودة للعلم القديم ذي الألوان الثلاثة (أزرق وأصفر وأخضر) الذي رفع في زمن الاستقلال.