تأتي زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، إلى تركيا في توقيت بالغ الحساسية، حيث تُجسد تحولاً دبلوماسياً يعكس استراتيجيات متعددة الأوجه في ظل التحديات الداخلية والإقليمية التي يواجهها السودان. فيما يلي تحليل مُفصل للأبعاد الرئيسية لهذه الخطوة:
تعزيز العلاقات السودانية–التركية: بين الجغرافيا السياسية والمصالح الاقتصادية
الموقع الاستراتيجي للسودان: يمثل السودان بوابة تركيا إلى أفريقيا والقرن الأفريقي، خاصة مع امتلاكه ساحلًا على البحر الأحمر، ما يجعله محط أنظار القوى الدولية الراغبة في تعزيز نفوذها الجيوسياسي.

تركيا، التي تسعى لتنويع شراكاتها بعيدًا عن الاعتماد على الغرب، ترى في السودان شريكًا استراتيجيًا لتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي (مثل اتفاقية جزيرة "سواكن" السابقة).
المصالح الاقتصادية: قد تهدف الزيارة إلى تفعيل اتفاقيات استثمارية متوقفة، خاصة في مجالات البنية التحتية والزراعة، والتي تُعتبر حيوية لإنعاش اقتصاد السودان المنهك. كما أن التعاون في مجال الطاقة (كالنفط والكهرباء) قد يكون على الطاولة، خاصة مع سعي أنقرة لضمان أمن إمداداتها.
إعادة ضبط المحاور الدبلوماسية: التحرر من التبعية التقليدية
الخروج من المحاور الإقليمية الضيقة- بعد عقود من التحالف مع دول الخليج ومصر، يسعى السودان لتنويع تحالفاته لتجنب التبعية لأي محور واحد. يأتي التقارب مع تركيا كجزء من سياسة "التوازن النشط"، خاصة في ظل توتر العلاقات مع الإمارات ومصر بسبب قضايا مثل سد النهضة والأزمة الليبية.

الاستجابة للعقوبات الدولية: قد يكون التعاون مع تركيا محاولةً لفتح قنوات تمويل بديلة في ظل العقوبات الغربية، لا سيما أن أنقرة لديها سجل في التعامل مع حكومات تواجه عُزلة دولية (كقطر وإيران).

الدبلوماسية السرية: تفادي الضغوط وترتيب الأوراق
حساسية الملفات المُناقشة: الطابع السري للزيارة يشير إلى مناقشة قضايا قد تثير ردود فعل إقليمية، مثل التعاون العسكري أو الأمني (نقل أسلحة، تدريب قوات)، أو تفاهمات حول الملف الليبي حيث تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني، بينما تدعم دول أخرى الجنرال حفتر.
حماية المفاوضات من التدخلات: تُجنب السرية السودان ضغوطًا من دول مثل السعودية أو الإمارات، اللتين قد تعارضان تقارب الخرطوم مع أنقرة، كما تسمح للبرهان بتجاوز الانتقادات الداخلية من قوى معارضة لتحالفه مع الجيش.
تأكيد الجدية الرسمية: توحيد الصف الداخلي
التنسيق بين المؤسسات: مشاركة وزير الخارجية (رغم عدم ذكر اسمه) تؤكد أن الزيارة مُخطط لها بمباركة النخبة الحاكمة، مما يُرسل رسالة داخلية بتماسك المؤسسة العسكرية والمدنية في إدارة الملف الخارجي، رغم الخلافات الظاهرة بينهما.
تعزيز شرعية البرهان: في ظل الانقسامات الداخلية والاحتجاجات المطالبة بتسليم السلطة للمدنيين، تُستخدم الدبلوماسية كأداة لتعزيز شرعية البرهان كـ"ضامن للاستقرار" وقادر على جلب الدعم الدولي.
التحديات والمخاطر المحتملة
ردود الفعل الإقليمية: قد تتعرض الخرطوم لضغوط من دول مثل مصر والإمارات، اللتين تنظران بقلق إلى النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة. كما أن تقارب السودان مع تركيا قد يزيد من توتر العلاقات مع إثيوبيا، خاصة مع استمرار أزمة سد النهضة.
المخاطر الداخلية: إذا تضمنت الاتفاقيات تنازلات تُعتبر "مساسًا بالسيادة" (كالتدخل في السياسات الداخلية)، قد تواجه الحكومة انتقادات من القوى الثورية والجماهير التي تطالب بالشفافية.
التوازن مع الغرب: يجب على السودان الحفاظ على علاقته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لضمان رفع العقوبات، مما يتطلب تجنب أي تعاون مع تركيا في ملفات تتعارض مع المصالح الغربية (كشراء أسلحة قد تفرض عقوبات عليها).
بين الفرص والمجازفة
زيارة البرهان إلى تركيا ليست مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل هي جزء من استراتيجية مركبة تهدف إلى- خلق تحالفات بديلة لمواجهة العزلة الاقتصادية والأمنية.
ترسيخ دور السودان كطرف فاعل في المعادلة الإقليمية، لا كمجرد مسرح للتنافسات.
استغلال التنافس الدولي في المنطقة لجذب استثمارات ودعم سياسي.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه الاستراتيجية مرهون بقدرة السودان على المناورة بين التحالفات المتنافسة دون إثارة صراعات جديدة، وفي الوقت ذاته تحقيق منافع ملموسة لشعب يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة.
إذا أُدارت هذه الخطوة بحكمة، فقد تُعيد تعريف دور السودان الإقليمي؛ وإن فشلت، فقد تزيد من تعقيد مشاكله.

 

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مع ترکیا

إقرأ أيضاً:

زيارة مرتقبة للبرهان الى موسكو و القاعدة الروسية في السودان فى انتظار هذه الخطوة

متابعات ـ تاق برس – قال رئيس الوفد السوداني المشارك في الاجتماع الدولي لقضايا الأمن بموسكو، عباس محمد بخيت، إن اتفاق إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان لا يزال” بانتظار مصادقة البرلمان”.
.

وكشف بخيت عن استعدادات لزيارة مرتقبة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان إلى موسكو، أكتوبر للمشاركة في القمة الروسية العربية.

 

واوضح بخيت إلى أن غياب مجلس تشريعي منتخب منذ سقوط نظام البشير عام 2019 حال دون إتمام إجراءات المصادقة الرسمية.

ولفت بخيت في تصريحات، على هامش مشاركته في الاجتماعات الأمنية بالعاصمة الروسية، أن” الاتفاق أُبرم إبان عهد نظام الرئيس السابق عمر البشير، لكنه لم يُفعّل بعد بسبب غياب السلطة التشريعية اللازمة”.

 

 

وقال أن السودان يتطلع إلى تشكيل برلمان منتخب بعد انتهاء الحرب الحالية، بهدف الدفع بمثل هذه الاتفاقات التي تخدم مصالح البلاد الاستراتيجية.

وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علي اتفاقية اقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر في 16 نوفمبر 2020. ويتيح الاتفاق،توسيع حرية الحركة للسفن الحربية الروسية في البحر الأحمر، بإقامة منشأة بحرية روسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكريا ومدنيا.

 

 

وكشف بخيت عن استعدادات لزيارة مرتقبة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان إلى موسكو في أكتوبر للمشاركة في القمة الروسية العربية.

ويمكن لهذه القاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.

 

 

وقال بخيت إن العلاقات بين موسكو والخرطوم، خاصة على الصعيدين الأمني والاستخباراتي، تمتد لعقود، وتتضمن تبادلاً تدريبياً وتنسيقاً في قضايا عدة من بينها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، مضيفاً “هناك تبادل بين ممثلي أجهزة المخابرات في البلدين، والتعاون في هذا المجال مستمر ومتطور”.

 

وشدد المسؤول السوداني على أن الخرطوم تسعى لتعزيز شراكتها مع موسكو في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الشأن الأمني، بما يضمن حماية المصالح الوطنية السودانية والحفاظ على أمن البلاد القومي.

وأوضح أن التعاون الأمني والاستخباراتي مع روسيا يشهد تطوراً ملحوظاً، بينما تظل اتفاقية إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان معلقة حتى تصديق البرلمان الجديد.

وحذَّر بخيت من تداعيات العقوبات الأميركية على الاقتصاد السوداني، مشيراً إلى مخاطر مخطط دولي لتقسيم البلاد.

 

 

وكان وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين قد قال خلال زيارة سابقة إلى موسكو إن الحديث في الواقع لا يدور عن اتفاقية واحدة، بل عن 4 اتفاقيات متعلقة بالتعاون العسكري بين البلدين تقضي بإنشاء ممثلية لوزارة الدفاع الروسية في السودان وتسهيل دخول السفن الحربية الروسية في الموانئ السودانية، ومن ثم الاتفاق على إنشاء مركز دعم لوجيستي روسي في السودان.

 

 

ولفت إبراهيم إلى أن 3 من هذه الاتفاقيات لا تزال مستمرة، وهناك بعض المسائل التكميلية بالنسبة لها.

البرهانالقاعدة الروسيةموسكو

مقالات مشابهة

  • الداخلية: يمنع التصوير ورفع الأعلام السياسية والمذهبية والهتافات بالمـشاعر المقدسة
  • مكالمة تكشف حجم المعاناة.. العراق لتركيا: نواجه التحدي الأصعب
  • جانب من حفل تخريج الدورة التأهيلية رقم (٢١) أمن ومخابرات وأبرز ما ورد في خطاب البرهان
  • زيارة مرتقبة للبرهان الى موسكو و القاعدة الروسية في السودان فى انتظار هذه الخطوة
  • انطلاق عملية تغيير جذرية في تركيا.. التطبيق يبدأ أولًا في إسطنبول ويشمل 81 ولاية بحلول عام 2027
  • رئيس وزراء جديد.. آخر مستجدات الأوضاع في السودان
  • “رجال الأمن.. عيون الوطن الساهرة” .. البرهان يؤكد أن المعركة مستمرة ولن تتوقف إلا بالقضاء على مليشيا آل دقلو الإرهابية
  • إدريس كامل يؤدي اليمين الدستورية رئيسا لوزراء السودان
  • البرهان: المعركة مستمرة ولن تتوقف ويتحدث عن خارطة طريق الحكومة الجديدة ومطلوبات الفترة الإنتقالية
  • كامل إدريس يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للوزراء في السودان