25 يوليو، 2025

بغداد/المسلة: وسط زحامٍ خانق يتكرر كل صباح، يُطل مشروع القطار المعلّق في بغداد كحلم معلّقٍ هو الآخر، تتقاذفه التصريحات الرسمية وتضعف خلفه الإرادة التنفيذية.

وفيما تتفاقم أزمات النقل بفعل تضاعف أعداد المركبات الخاصة وتهالك البنية التحتية، تُطرح مشاريع كبرى مثل المترو والقطار المعلّق كأنها أوراق سياسية لا مشاريع استراتيجية، تفتقر إلى جدية التخطيط واستقرار القرار.

وتُظهر مواقف مسؤولي أمانة بغداد أنّ المشروع لا يزال في طور الدراسة والمراجعة، رغم مرور سنوات على توقيع مذكرات التفاهم مع شركات دولية. وبدلاً من الشروع في التنفيذ أو تحديد جدول زمني، يعاد تدوير الملف بين مؤسسات الدولة، وسط شروط فنية وعطاءات مرفوضة وأحاديث عن تحالفات مع القطاع الخاص، بلا نتائج ملموسة.

ويتبيّن من التصريحات الرسمية أن المترو بات جزءًا من منظومة ثلاثية تدمج النقل السطحي والقطار المعلّق والمترو الأرضي، في محاولة لتوسيع الفكرة وتبرير التأخير، بينما تؤكد الوقائع الميدانية غياب أي خطوة تنفيذية. ويبدو أن الرؤية الحكومية تفتقر إلى التحديد العملي والربط بين المخططات والمتغيرات الحضرية المتسارعة التي تشهدها العاصمة.

وتتعدد الأصوات التحليلية التي تحمّل ضعف التنسيق الإداري مسؤولية التأخير، لا العجز المالي كما يروج أحيانًا. فالعراق لا يعاني من ندرة الموارد بل من غياب إرادة استثمارها وفق رؤية تنموية بعيدة المدى.

وفي سياق متداخل بين التخطيط الحضري والتجاذبات السياسية، تُختطف المشاريع من سياقاتها الفنية لصالح معارك النفوذ، فتصبح قرارات النقل جزءًا من لعبة التوازنات بدل أن تكون استجابة لحاجة سكانية ملحة.

ويعكس موقف الشارع البغدادي حالة نفاد صبر تراكمت على مدى سنوات من الوعود المتكررة والعقود غير المنفذة، حتى بات الحديث عن المشروع مادة ساخرة بين المواطنين، بين من يتذكره كحكاية قديمة لا تتغير، ومن يشكك في وجوده أصلًا خارج إطار التصريحات الإعلامية.

وفي غياب وضوح مؤسسي وإطار زمني ملزم، تظل منظومة النقل الحديثة في بغداد مؤجلة بقرار غير معلن، وتعاني العاصمة من مفارقة موجعة: اختناقات تزداد حدة، ومشاريع تنتظر قرارًا لا يأتي.

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

صعود “الطبقة المخملية” يُعيد تشكيل ثقافة الأكل في العراق

24 يوليو، 2025

بغداد/المسلة: كتب حسن الحيدري:

يُعد ارتياد المطاعم لدى العوائل العراقية ثقافة شائعة في الآونة الأخيرة. وكنت قد زرت أحد أصدقائي المقرّبين من سكان منطقة الداوودي في بغداد أواخر عام 2012 تقريبًا، فانتابني شعور بالرفاهية التي تمتاز بها المنطقة، حيث المنازل الراقية، والحدائق الخضراء، والأرصفة المخططة. غير أنني، حين اتصلت به، ضللتُ الطريق داخل الحي بسبب تشابه البيوت والشوارع، وعدم وجود معالم واضحة تساعد في الاستدلال.

وحين أدخل اليوم إلى شارع “التانكي”، أجد المطاعم والمقاهي متجاورة بشكل لافت. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدل على تحسن الوضع الاقتصادي لشريحة واسعة من العوائل العراقية، وظهور طبقة “مخملية” تعتمد في أحيان كثيرة على الطعام الجاهز بدل الطهو المنزلي، بحكم انشغالها أو عدم امتلاكها طباخًا. وهي ثقافة بدأت ترتبط بمظاهر الرفاهية والتفاخر، لا سيما من خلال عادات “العزيمة” وكرم الضيافة في الأماكن العامة.

وتشير تقارير الجهات المختصة إلى أن في بغداد نحو 540 مطعمًا فخمًا، منتشرة في المناطق الراقية، وقد امتد انتشارها إلى مختلف أحياء العاصمة.

ويُلاحظ تميّز العديد من تلك المطاعم، لاسيما الواقعة في الكرادة، شارع فلسطين، البلديات، والبنوك، بطابع ملكي لافت، وتصاميم معمارية يدخل الرخام في تفاصيلها، فضلًا عن الزخارف الخشبية التي توحي أحيانًا بأنها ليست مطاعم بقدر ما هي قصور مؤقتة!

ويسجّل عراقيون امتعاضهم من الأسعار المبالغ بها لوجبات طعام لا تتناسب من حيث الكم أو الجودة، وغالبًا ما تتكون من مواد زهيدة متوفرة، مع انتشار واضح لظاهرة الطمع والرغبة في تحقيق أرباح سريعة. ويستغرب كثيرون من تسعيرة قناني المياه، التي تبلغ ألف دينار أحيانًا، بينما تنشر بعض العوائل مقاطع ترفيهية ساخرة، تبيّن أنهم بعد أن تناولوا الطعام بـ14 شخصًا، دفعوا 14 ألف دينار فقط مقابل الماء، مقارنة بسعر علبة كاملة تحوي 12 قنينة فقط!

ويستذكر بعضهم طيبة البغداديين وكرمهم في الماضي، حين كان من المعيب أن يغادر غريب باب منزلك دون أن يشرب الماء. واليوم، يشكون من رسوم “الخدمة” التي تبلغ 3000 دينار، ولا تدخل ضمن سعر الطعام أو الشراب، وكأنها تُجمع بشكل منفصل لتسديد رواتب العاملين. وهناك من يرى أن انتظار فتح السلاسل الحديدية أمام المطاعم من أجل السماح بالمغادرة مقابل 3000 دينار أخرى، يعد إساءة لتصميم بغداد الحضري والإنساني.

وعلى مواقع التواصل، انتشر مؤخرًا مقطع لإحدى الناجيات من كارثة “الهايبر”، الذي يسميه البعض ساخرين “مر وكت”، على لسان أحد “الحجّاية” الظرفاء. تروي الناجية أن العاملين طمأنوا الزبائن أول الأمر بأن الحريق تحت السيطرة، ثم طلبوا منهم الصعود إلى الطابق العلوي بعد اشتداد الحريق، وهنا “تُسكب العبرات”، كما تقول.

ويؤكّد شهود أن غالبية المتواجدين في “الهايبر” لحظة الكارثة، كانوا جالسين مع عوائلهم في المطعم. بينما تشير شهادات إلى أن إدارة المطعم كانت تشدد على العاملين ضرورة متابعة الطلبات بدقة، وخصم أي خطأ من رواتبهم. ويرجّح البعض أن الزبائن كانوا قد دفعوا ثمن وجباتهم مسبقًا، كما تجري العادة تحت ذريعة “السستم ينغلق الساعة 11″، ما يعني أنه لو لم يدفعوا، لربما طُلب منهم المغادرة مبكرًا، وتم إنقاذهم. لكن الجشع، وضغط أصحاب المطاعم على العاملين من ذوي الأجور المتدنية، وغالبيتهم من العرب غير العراقيين، ساهم في تعميق الكارثة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • الشعلة تتنفس بمشاريع أمانة بغداد.. أمواج الصرف الصحي تُعبّد طريق التغيير
  • رئيس الجمهورية يحيل محافظ بغداد الى التقاعد (وثيقة)
  • ماذا سيبحث وزيرا خارجية سوريا وتركيا في العراق؟
  • النقل العراقية: خلل فني يعيق رحلة جوية من مطار القاهرة إلى بغداد
  • انتقادات للاتفاق النفطي: كوردستان تدفع ثمن النفط من عمر آبارها
  • الحرائق تكشف عورة البنية التحتية وتُوقد غضب الشارع
  • صناديق تشرين بين أعين المراقبين وعقول اللاعبين السياسيين
  • صعود “الطبقة المخملية” يُعيد تشكيل ثقافة الأكل في العراق
  • بغداد وواشنطن في مفترق السيادة: ملف الحشد يكشف أعصاب العلاقة المتوترة