البلاد – بروكسل
في خطوة أثارت جدلاً واسعًا على الصعيدين الحقوقي والدبلوماسي، قرر الاتحاد الأوروبي تشديد قواعد منح التأشيرات لنحو 60 دولة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. هذا القرار، الذي استند إلى ما وصفه الاتحاد بـ “عدم التعاون الكافي من قبل بعض الدول في إعادة مواطنيها المقيمين غير الشرعيين في أوروبا”، يثير تساؤلات حول ما إذا كانت أوروبا تتبع نفس النهج الذي تبنته أمريكيا تحت قيادة ترامب.


ويتضمن القرار الجديد، الذي تم الإعلان عنه من قبل المفوضية الأوروبية، فرض قيود على التأشيرات قصيرة الأجل، تشمل تقليص مدة الإقامة، زيادة رسوم الطلب، وتقليص عدد التأشيرات الممنوحة. وستكون هذه القيود موجهة إلى الدول التي تتأخر أو ترفض إصدار الوثائق اللازمة لإعادة طالبي اللجوء المرفوضين.
ورغم التأكيدات الأوروبية بأن هذه الإجراءات “تنظيمية وليست عقابية”، إلا أن خبراء وصفوا هذا التوجه بأنه امتداد للخطاب السياسي المعادي للهجرة الذي اكتسب دعمًا داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وهو ما يرتبط بصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي.
ورغم الاختلافات الواضحة بين السياقين الأوروبي والأمريكي، فإن بعض التعليقات الصحفية الأوروبية لاحظت أوجه تشابه بين هذا التحول في سياسات التأشيرات وبين سياسات الرئيس الأمريكي ترامب، الذي كان قد تبنى سياسات مثيرة للجدل بشأن منع دخول رعايا بعض الدول الإسلامية. وفي هذا السياق، يرى بعض الخبراء أن النتائج قد تكون متشابهة، مع احتمال حدوث انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي والعزلة الدبلوماسية تجاه بعض الدول.
منظمات حقوق الإنسان سارعت إلى التنديد بهذه السياسات، واصفة إياها بأنها “تمييزية وغير إنسانية”. بعض العواصم الأوروبية مثل مدريد وروما دعت إلى اعتماد سياسات “أكثر توازنًا” تأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان والعلاقات التاريخية والثقافية مع دول الجنوب.
ومع تصاعد النزاعات والهجرة غير النظامية والتحديات الأمنية في العديد من الدول، تبدو أوروبا الآن على مفترق طرق، حيث تواجه التحدي المتمثل في موازنة مصالحها الداخلية مع قيم الانفتاح والتضامن. وفي هذا السياق، قد تكون سياسات التأشيرات المشددة مجرد بداية لسلسلة من التدابير التي قد تثير مزيدًا من الجدل والانقسامات في المستقبل القريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح صورة: لاجئون في أوروبا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی

إقرأ أيضاً:

الكلمات وحدها لا تكفي.. لماذا تغير الموقف الأوروبي الآن ضد إسرائيل؟

تشهد الساحة الأوروبية تصاعدا غير مسبوق في وتيرة التحولات السياسية والدبلوماسية تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتحولت مواقف القادة الأوروبيين من مجرد الإدانة وتصريحات الشجب إلى تحركات ملموسة تهدد بتغيير ملامح العلاقات مع تل أبيب.

وفي ضوء هذا التحول، برزت في الخطاب الأوروبي دعوات صريحة لفرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وتقليص الامتيازات التجارية، بل وتطبيق قرارات المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة.

وفي الوقت ذاته، تصاعد النقاش حول الاعتراف بدولة فلسطين كخطوة رمزية وإستراتيجية للضغط على إسرائيل وإعادة إحياء مسار حل الدولتين.

وفي تقرير تحليلي نشرتها مجموعة الأزمات الدولية بعنوان "أوروبا تندد بحرب غزة: الكلمات وحدها لا توقف الحرب"، أكدت المجموعة أن هذه التطورات تعكس وعيا أوروبيا متناميا بأن الكلمات وحدها لم تعد كافية لوقف نزيف الدم وتردي الأوضاع في غزة، وأن التحول من مربع الإدانة اللفظية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة أصبح ضرورة ملحة لاختبار جدية أوروبا وقدرتها على التأثير في ميدان السياسة الدولية.

تحولات الموقف الأوروبي

فبعد أشهر من الاكتفاء بالتحذيرات والقلق اللفظي، بدأت عواصم أوروبية عدة اتخاذ مواقف أكثر وضوحا وحزما ضد عدوان جيش الاحتلال، مدفوعة بتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة التي أودت بحياة ما لا يقل عن 54 ألفا، ودفعت أكثر من 2.2 مليون فلسطيني إلى حافة المجاعة.

إعلان

وتقول مجموعة الأزمات في تقريرها إن دولا مثل فرنسا وهولندا والسويد والمملكة المتحدة وكندا انضمت مؤخرا إلى دول أخرى كإسبانيا وأيرلندا والنرويج في الدعوة العلنية لوقف الحرب، في حين بدأت ألمانيا -التي طالما اتسم موقفها بدعم قوي لإسرائيل- تعبر عن قلق متزايد.

وامتدت التحولات إلى إيطاليا والنمسا، حيث وجه قادتهما رسائل مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعكس تغيرا في المزاج الأوروبي العام.

هذه المواقف التصاعدية جاءت إثر تزايد الانتقادات داخل إسرائيل نفسها لطول أمد الحرب، وتزايد القلق الأوروبي إزاء استخدام المساعدات الإنسانية سلاحا لتجويع الفلسطينيين، وصعوبة تبرير استمرار الهجوم في ظل صور الأطفال الجوعى وتدمير البنية التحتية المدنية بشكل ممنهج.

 "الكلمات لا تكفي"

وجاء في تقرير المجموعة أن أوروبا لم تعد تكتفي بالإدانة اللفظية، بل بدأت فعليا استخدام أدوات ضغط دبلوماسية واقتصادية.

ففي مايو/أيار الماضي، صوّت وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بالأغلبية على مراجعة مدى التزام إسرائيل ببند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة التجارية، وهي خطوة قد تفتح الطريق لتعليق بعض الامتيازات التجارية والعلمية التي تتمتع بها إسرائيل، كما تستعد بروكسل أيضا لمناقشة خيارات جديدة خلال اجتماع وزراء الخارجية في 23 يونيو/حزيران الجاري.

وعلى المستوى الثنائي، أوقفت المملكة المتحدة "مؤقتا" مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات على مستوطنين متشددين، وذلك في الوقت الذي تفكر فيه إسبانيا جديا في حظر تصدير السلاح لإسرائيل.

أما ألمانيا -التي طالما عرفت بدعمها القوي لإسرائيل- فتواجه ضغوطا من داخل البرلمان لوقف صادرات الأسلحة، بينما علقت بريطانيا بعض التراخيص العسكرية.

ورغم أن بعض قادة الدول الأوروبية (مثل المجر والتشيك) رفضوا تنفيذ مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحق نتنياهو ومسؤولين آخرين، فإن تزايد الأصوات المطالبة بعقوبات شخصية أو اقتصادية ضد القادة الإسرائيليين الذين يتورطون في انتهاك القانون الدولي أصبح ملموسا في الخطاب الأوروبي، وهناك توجه لتطبيق هذه المذكرات على أفراد محددين ليكون أكثر عمليا.

إعلان

رمزية الدولة الفلسطينية

وأشارت مجموعة الأزمات إلى بروز الاعتراف بدولة فلسطين كأداة ضغط سياسي ورمزية متزايدة في الوقت الحالي، مع تلويح دول عدة باتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.

فمع إعلان مالطا وسلسلة من الدول الأوروبية عزمها العمل على الاعتراف بدولة فلسطينية، يكتسب حل الدولتين زخما في المحافل الدبلوماسية في هذا الوقت، ولذلك تستعد فرنسا لاستضافة مؤتمر دولي في الأمم المتحدة لتعزيز حل الدولتين، وهذا التحرك يعد تحديا لحكومة نتنياهو التي ترفض هذا الحل.

ورغم أن الاعتراف الأوروبي لا يكفي لتغيير واقع غزة على الأرض، فإنه يحمل رسالة سياسية قوية ويشكل ضغطا معنويا على إسرائيل، وتبقى الفكرة أن الاعتراف يجب أن يترافق مع خطوات واقعية لوقف الحرب وكبح التوسع الاستيطاني، وليس مجرد إعلان رمزي معزول، حسب ما جاء في تقرير مجموعات الأزمات.

ردود فعل الحكومة الإسرائيلية تعكس قلقا كبيرا من فقدان الامتيازات التجارية مع أوروبا (وكالات) الموقف الإسرائيلي

وعلى الجهة الأخرى، جاء الرد الإسرائيلي على التحولات الأوروبية "حادا واستفزازيا"؛ فقد اتهم نتنياهو كلا من باريس ولندن "بمساعدة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)"، وهدد بضم رسمي لمناطق بالضفة الغربية إذا استمرت الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين.

وفي الوقت ذاته، أكد مسؤولون إسرائيليون أن حكومتهم ليست معنية كثيرا بمواقف أوروبا، لكن التهديدات بعزل دبلوماسي وفرض عقوبات لم تعد محل تجاهل من قبل القادة الإسرائيليين، حسب تحليل مجموعة الأزمات.

وأشار تقرير المجموعة كذلك إلى أن ردود الفعل الإسرائيلية تعكس قلقا كبيرا من فقدان الامتيازات التجارية والتوجه نحو عزلة دولية أعمق، خاصة مع موافقة الحكومة الإسرائيلية مؤخرا على إقامة 22 مستوطنة جديدة، وهو ما يعد أكبر توسع استيطاني منذ 3 عقود.

ويصل تحليل مجموعة الأزمات الدولية للموقف الأوروبي من الحرب الإسرائيلية على غزة إلى أن أوروبا رغم كونها ليست صاحبة التأثير الحاسم المنفرد على القرار الإسرائيلي، فإن مواقفها الأخيرة تفتح الباب أمام تحولات جوهرية في العلاقات مع إسرائيل، وتمنح المجتمع الدولي خيارات ضغط إضافية قد تسهم في وقف الحرب أو الحد من تداعياتها الإنسانية والسياسية، شريطة أن تقترن الأقوال بالأفعال والإجراءات الملموسة على الأرض.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يطلق استراتيجية شاملة لمكافحة تلوث المياه
  • ترامب يعيد سياسة الحظر: قيود صارمة على دخول مواطني 12 دولة بينها اليمن
  • ترامب يدافع عن قيود السفر الجديدة: لن نسمح بتكرار هجمات الإرهابيين الأجانب
  • ما الذي يُفسر الارتفاع المفاجئ في وفيات الرضع بدول الاتحاد الأوروبي؟
  • المفوضة الأوروبية: لا شك أن المساعدات المالية كان يمكن أن تتم عبر البنوك لكنني اخترت أن أقف بينكم وأعبر عن موقف الاتحاد الأوروبي بالالتزام بدعم الشعب السوري.
  • الوزير الشيباني: تقوم القوات السورية بملاحقة هذه العناصر لحماية الشعب السوري ونناشد الاتحاد الأوروبي وجميع الدول لدعم مساعي سوريا بحماية أمنها واستقرارها.
  • الوزير الشيباني: نشيد بالدور الحيوي الذي أداه الاتحاد الأوروبي بدعم اللاجئين حيث فتحت أوروبا أبوابها لمن فر من جرائم النظام البائد.
  • مجلس النواب يدشن استوديو سمعي بصري متطور بدعم الاتحاد الأوروبي
  • الكلمات وحدها لا تكفي.. لماذا تغير الموقف الأوروبي الآن ضد إسرائيل؟
  • الاتحاد الأوروبي يعلن إجراءات مضادة في حال فشل محادثات الرسوم الجمركية مع ترامب