23 أبريل، 2025

بغداد/المسلة:

 ناجي الغزي

في لحظة مشحونة بالتوترات الإقليمية والدولية، جاءت زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران، وعودة ترامب إلى المسرح النووي، والتسريبات الإسرائيلية حول نواياها تجاه إيران، كضربات سياسية متزامنة تهز بنية النظام الإقليمي التقليدي وتعلن ميلاد مرحلة جديدة. لم تعد السعودية تكتفي بدور اللاعب المُنقاد، بل تحولت إلى لاعب مركزي يُعيد تشكيل التوازنات ويضع الإقليم على سكة التقاطع الاستراتيجي بدلاً من الاحتراب الأيديولوجي.

أولاً: السعودية خارج المحورين

لسنوات ظل الشرق الأوسط محكوماً بثنائية قاتلة: محور أمريكي-إسرائيلي مقابل محور مقاومة تقوده إيران. اليوم تقف السعودية خارج هذا الاستقطاب، لا عبر الحياد السلبي، بل من خلال ما يُعرف في التنظير السياسي بـ”التموضع الاستراتيجي السيادي”. هذا التموضع ليس انسحاباً من المسرح، بل انخراط فاعل وفق معايير جديدة تحكمها المصلحة السيادية، لا الإملاءات الأيديولوجية أو ضغوط التحالفات.
السعودية لم تَعُد ورقة تُستخدم في مفاوضات كبرى، بل أصبحت طاولة بحد ذاتها، تتقاطع عليها المصالح، وتُعاد عبرها صياغة الاصطفافات.

ثانياً: زيارة خالد بن سلمان إلى طهران

تمثل زيارة الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي إلى طهران تحولاً مفصلياً في الفكر الأمني السعودي، لا بوصفها خطوة دبلوماسية اعتيادية، بل ترجمة ميدانية لتحول استراتيجي أعمق في عقيدة الردع والتعامل مع التهديدات الإقليمية. هذه الزيارة تعكس انتقالاً من نموذج “العداء الهيكلي” إلى مقاربة جديدة يمكن تسميتها بـ”الاحتواء التفاعلي”، حيث يُعاد تعريف العلاقة مع الخصوم الإقليميين على قاعدة التفاوض من موقع الندية، لا الاستتباع أو التصعيد.
إن تولي وزارة الدفاع إدارة هذا الملف الأمني المعقد – بدلاً من حصره في قنوات الخارجية – يُعبّر عن إعادة هيكلة متقدمة في بنية اتخاذ القرار الأمني السعودي. لم يعد الأمن الإقليمي يُدار من الهامش، بل أصبح في صلب العقيدة الدفاعية الجديدة، التي تمزج بين أدوات الردع العسكري وأدوات التفاعل السياسي، بين الحضور السيادي والانفتاح المدروس.

بهذا المعنى، تتجاوز زيارة الأمير خالد الأطر البروتوكولية المعتادة؛ إنها إعلان صريح عن عقيدة أمنية سعودية متجددة، تقوم على مبدأين متلازمين:
– الردع بالتواصل: أي امتلاك القدرة على الحسم، دون إغلاق قنوات الحوار.
– الدبلوماسية من موقع الندية: أي استخدام الانفتاح كأداة قوة لا كتنازل.
هذه المقاربة تبعث برسائل استراتيجية مزدوجة:

إلى إيران: أن الرياض لم تعد ترى طهران كخصم وجودي، بل كمنافس يمكن ضبط سلوكه عبر قواعد توازن مدروسة.
إلى واشنطن وتل أبيب: أن مرحلة التبعية في صياغة الموقف الأمني السعودي قد انتهت، وأن القرار السيادي في الرياض بات يُبنى وفقاً للمصالح الوطنية، لا الحسابات الخارجية.
إنها لحظة تُجسّد التحول من أمن الوصاية إلى أمن السيادة. فالسعودية لا تعيد فقط ترتيب علاقاتها الإقليمية، بل تعيد تشكيل منطق التفاعلات الأمنية برمّته. وهذه هي السمة الأبرز للجيل الجديد من صناع القرار في الرياض: عقلانية القوة بدل التبعية، وبناء التوازنات بدل تكريس الاستقطاب.

ثالثاً: القلق الإسرائيلي المتصاعد

الاتفاق النووي المزمع بين السعودية والولايات المتحدة، وتمكين السعودية من تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، والذي لا يتضمن شروطاً تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، يُشكل سابقة دبلوماسية غير معهودة، ُولحظة مفصلية في التاريخ الأمني الإقليمي. ليس لكونه خرقاً تقنياً فحسب، بل لأنه يسحب من إسرائيل الذريعة الأزلية لابتزاز الغرب والعرب على السواء. إسرائيل ترى في هذا التطور انقلاباً على عقيدتها ومرتكزاتها الأمنية التي اختزلت التهديد وأحتكرت خطاب “الخطر النووي”. في إيران وحدها، وحشدت عبره الدعم لعقود.
الرسالة الآن واضحة: إذا كان من حق السعودية التخصيب، فلماذا يُمنع عن إيران؟ بهذا المعنى، تفقد إسرائيل احتكارها للرواية الأمنية.

رابعاً: الإمارات والاختلال الخليجي

تواجه المملكة العربية السعودية تحديات متزايدة ضمن محيطها الخليجي، في مقدمتها السلوك الإماراتي المتسرع والمتسارع نحو سياسات خارجية توسعية تعبث بعدد من الملفات الحساسة، مثل ليبيا واليمن والسودان والقرن الإفريقي. هذا الانخراط المتشعب لا يشكل مجرد تباين في الرؤى، بل يمثل تحولاً بنيوياً في التوازنات الإقليمية، ما يُنذر بتقويض البنية الأمنية الخليجية وإضعاف مركز الثقل الذي طالما مثّلته الرياض في المعادلة العربية.

في هذا السياق، لم تعد المملكة في موقع المتفرج أو المهادن، بل تجد نفسها مضطرة لتبني عقيدة دفاعية جديدة تستوعب المتغيرات وتحتوي التحديات. هذه العقيدة تقوم على مبدأ “الردع الصامت” بوصفه أداة استراتيجية لضبط السلوك المنفلت دون الانزلاق إلى مواجهات مباشرة، إلى جانب “إعادة ضبط التموضع العسكري والاستخباراتي” بما يعزز الجاهزية من جهة، ويبعث برسائل غير معلنة ولكن واضحة من جهة أخرى.

المقاربة السعودية لا تنزلق إلى ردود فعل عاطفية أو إجراءات عدوانية، بل تتأسس على تفوق تقني، وشبكة تحالفات إقليمية، وشرعية استراتيجية نابعة من موقعها القيادي في العالمين العربي والإسلامي. ومن هذا المنطلق، تتعامل الرياض مع التحدي الإماراتي بوصفه اختباراً لقدرتها على صيانة الأمن الخليجي دون الانخراط في حروب مستنزفة، عبر أدوات “الاحتواء العسكري غير الصدامي”، وتوازنات دقيقة تُبقي على صلابة البيت الخليجي دون السماح بانفلاته من عقاله.

إن ما تواجهه السعودية اليوم ليس فقط منافسة تقليدية على النفوذ، بل محاولة لإعادة تعريف قواعد اللعبة الإقليمية. وبالتالي، فإن نجاح الرياض في إدارة هذا التحدي يتطلب هندسة استراتيجية متعددة الأبعاد، تزاوج بين الردع الهادئ والحضور الذكي، بما يعيد ضبط الإيقاع الإقليمي وفقاً لمعادلات الاستقرار لا الفوضى.

خامساً: ترامب وإيران – صفقة دون حرب

في خضم هذه الديناميكية، تبرز عودة ترامب إلى البيت الأبيض كلاعب استثنائي يمارس “البراجماتية المتوحشة”. ترامب ليس رجل عقيدة، بل رجل صفقات، وهذا ما يمنح السعودية فرصة لإعادة رسم أولويات واشنطن في المنطقة بمعزل عن الهاجس الصهيوني. إسرائيل تخشى هذا الفصل بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وتخشاه أكثر حين يكون للسعودية اليد الطولى في توجيهه.
في المقابل، تُدرك إيران أن ترامب، على خلاف خطابه الشعبوي، لا يريد حرباً مفتوحة. وهذا ما يُفسر انفتاحها المشروط في مفاوضات مسقط وروما.

سادساً: إسرائيل والتهديدات الفارغة
رغم تصاعد خطاب التهديد الاسرائيلي بضرب منشآت إيران النووية، فإن الواقع الاستراتيجي لا يسمح لإسرائيل بالتحرك العسكري المنفرد. الضربات “الاستباقية” هي في الغالب حملات نفسية تهدف إلى تعطيل التفاوض، لا إلى تفجير الحرب. إسرائيل بحاجة إلى الضوء الأخضر الأمريكي، لذا فأن افتقار إسرائيل للغطاء الأمريكي والمناخ الإقليمي يجعل من أي مغامرة عسكرية انتحاراً سياسياً. وهذا ما لن تحصل عليه في المدى المنظور. الضجيج الإسرائيلي يعكس حالة هلع من خسارة أوراق الضغط لا أكثر.
وهذا الواقع يعزز من قدرة السعودية على التحرك دون اكراه إسرائيلي.

خلاصة التحول الجيوسياسي السعودي

ما تقوم به المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن يتجاوز مجرد إعادة تموضع داخل خارطة التحالفات التقليدية؛ إنه مشروع شامل لإعادة صياغة منطق القوة ومفاهيم القيادة والسيادة في الشرق الأوسط. فالسعودية لا تغيّر موقعها داخل النظام الإقليمي فحسب، بل تُعيد هندسة هذا النظام ذاته، من خلال تبني استراتيجية جديدة يمكن وصفها بـ”التحالف السيادي المرن”.

هذه المقاربة تنطلق من ثلاث ركائز استراتيجية رئيسية:

• هندسة التوازن الإقليمي كأداة لإعادة توزيع النفوذ، لا مجرد تقاسمه أو الخضوع له.
• إدارة التهديدات عبر الترويض والاحتواء الذكي، بدلاً من الانخراط في المواجهة الصفرية أو الصراع المفتوح.
• توسيع فضاء الخيارات الاستراتيجية. وتحرير القرار الوطني من أسر المحاور والتحالفات الصلبة.

وفي هذا السياق، لا تبدو زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران، أو تقاطعات الاتفاق النووي المحتمل بين الرياض وواشنطن، أو حتى التعرية المتزايدة للنهج الإسرائيلي في المنطقة، مجرد محطات منفصلة، بل حلقات ضمن مسار متكامل يهدف إلى تفكيك معادلات الهيمنة وإعادة بناء منطق التفاعلات الإقليمية.

السعودية، عبر هذا التوجه، تطرح نفسها كفاعل ضامن لاستقرار المنطقة، لا كمركز هيمنة أو طرف استقطاب. هي تعيد تعريف دورها ليس فقط بوصفها “بيضة القبان” في توازنات الشرق الأوسط، بل كمصمم لهندسة إقليمية جديدة، قائمة على الواقعية المرنة، والتعددية الوظيفية، والتوازن بين المصالح لا الاصطفافات.

“التحالف السيادي المرن” ليس مجرد وصف سياسي، بل نموذج استراتيجي مفتوح، يسمح للسعودية بالانفتاح على قوى متناقضة دون أن تقع في فخ الازدواجية أو الارتهان. وبهذا التموضع، تصبح القيادة الإقليمية السعودية تعبيراً عن قدرة على الهيكلة والترويض والضبط الاستراتيجي، لا مجرد مجابهة عسكرية أو تبعية سياسية.

إنه تحول بنيوي في فهم دور الدولة الإقليمية، يُمهد لشرق أوسط متعدد الأقطاب، تحكمه معادلات المصلحة لا أيديولوجيات السيطرة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: إلى طهران

إقرأ أيضاً:

WSJ : إسرائيل تسابق الوقت لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وأمريكا تراقب

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تقريرا، أعدته شايندي ريس ومايكل غوردون قالا فيه إنّ: دولة الاحتلال الإسرائيلي تسابق الوقت لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، بدون أي قيود. مبرزين أنّ: "الهجمات الإسرائيلية ضد إيران تجبر الإدارة الأمريكية لتغيير خطتها، وفكّ الإرتباط بالمنطقة. 

وجاء في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنّ: "إسرائيل قبل عام كانت غارقة في رمال غزة ومحاطة بأعداء تدعمهم إيران، وتواجه ضغوطا من واشنطن لوقف القتال؛ أما الآن، فهي تعيد تشكيل الشرق الأوسط بشروطها الخاصة، وتجبر إدارة ترامب على المضي معها في الوقت الذي يصعد فيه القادة الإسرائيليون هجماتهم ضد إيران".

وتابع: "قد تؤدي هذه التحركات إلى قلب الأسواق العالمية رأسا على عقب، وإعادة صياغة الجغرافيا السياسية، وربما تجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية واسعة"، فيما أشارت الصحيفة إلى العمليات الإستخباراتية والعسكرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد حلفاء ووكلاء إيران بالمنطقة من حماس إلى حزب الله وخسارتها النظام السوري في دمشق.

وقالت الصحيفة إنّ: "إسرائيل استغلت غطاء الجهود الدبلوماسية الأمريكية لشن هجوم مفاجئ يتجاوز استهداف البرنامج النووي الإيراني، ليهدف بدلا من ذلك إلى شلّ النظام الإيراني. وأدت المواجهة الجديدة لدفع السياسة الخارجية الأمريكية بعيدا عن المسار الذي رسمه الرئيس ترامب في وقت سابق من هذا العام". 

وأردفت: "بعد سعيه الدؤوب لإيجاد حل سلمي ودبلوماسي لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، أشاد ترامب بالغارات الجوية الإسرائيلية وحذر على وسائل التواصل الاجتماعي قائلاً: "يجب على إيران إبرام اتفاق قبل أن يتلاشى كل شيء، وتنتهي الإمبراطورية الفارسية" بحسب تعبيره. 

وبحسب المصدر نفسه، أمر الرئيس الأمريكي، الذي تعهد سابقا بفك ارتباط الولايات المتحدة بالصراعات في الشرق الأوسط، السفن الحربية والطائرات المقاتلة الأمريكية بالدفاع عن دولة الاحتلال الإسرائيلي من الهجمات الإيرانية المضادة. وأي تحرك من جانب إيران لاستهداف المنشآت العسكرية الأمريكية أو خنق شحنات النفط في الخليج العربي قد يجر واشنطن لموقف محرج أكثر. 


وتعلق الصحيفة بأنّ: "الهجوم لم يسفر بعد عن صراع أوسع نطاقا كان يخشاه الكثيرون. وأطلقت إيران وابلا من الصواريخ على إسرائيل ردا على ذلك، ولكن بتأثير محدود. وبدأ قادة إسرائيل والمؤسسة الأمنية يتحدثون عن إمكانية تحقيق نصر قد يعيد تشكيل النظام القائم".

 وأشارت الصحيفة إلى الرسالة التي وجهها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة، للشعب الإيراني وبشر فيها بتحريره من الإستبداد في وقت قريب. وبشر بعهد من السلام والرخاء في المنطقة لو تحقق هذا. 

إلى ذلك، تأتي محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي لتعزيز أجندتها بالمنطقة في وقت تركز فيه الولايات المتحدة بشكل متزايد على القضايا الداخلية والتهديدات الجيوسياسية في أماكن أخرى. لقد تخلى ترامب عن عقود من البروتوكول والأولويات في رسم نهج سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط. 

"ظلت محاولاته في المنطقة على الرغم من طموحها، متقلبة. فمثلا، ساهم قبل  توليه منصبه، في إبرام اتفاق وقف إطلاق نار طويل في غزة. لكن اهتمامه بهذا الصراع تراجع بعد تصاعد التوتر في أوكرانيا وإيران. ولكنه تحدث عن استيلاء أمريكا على غزة وتحويلها لريفييرا الشرق الأوشط وشن حملة عسكرية ضد حركة الحوثيين في اليمن، إلا أنه أوقف الحرب لاحقا" بحسب المقال ذاته.

واستدرك: "هو ما فتح الباب أمام نتنياهو لتنفيذ اجندته بالقوة. لكن إسرائيل تواجه الآن تحويل انتصاراتها السريعة لتحييد إيران الدائم، والأهم من كل هذا هو تدمير البرنامج النووي الإيراني. أمضى الطيران الإسرائيلي أياما في تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية بغارات جوية وعمليات سرية، ما منحه القدرة على شن هجمات وقتما يشاء. لكنه لم يلحق بعد ضررًا بالغًا بالبرنامج النووي الإيراني المدفون في الأعماق والمنتشر على نطاق واسع"،

وأردف: "يتطلب النجاح تدمير منشأة تخصيب اليورانيوم المُحصنة في فوردو، التي لم تهاجمها إسرائيل بجدية بعد، وتدمير مخزونات اليورانيوم المخصب التي ربما تكون إيران قد نشرتها بالفعل في جميع أنحاء البلاد. ويكمن الخطر في أن الفشل في شل البرنامج قد يدفع إيران لتسريع عملها على صنع قنبلة نووية".


ونقلت الصحيفة عن جوناثان بانيكوف، وهو الضابط الأمريكي الإستخباراتي السابق، ويعمل حاليا في المجلس الأطلنطي: "مستقبل كل من إسرائيل وإيران مرتبط بما إذا كان لدى إيران برنامج نووي في نهاية هذا الصراع، وإذا كان الأمر كذلك، فستظل قدرة إيران على إعادة البناء وبسط نفوذها في جميع أنحاء المنطقة سليمة تماما. وإذا لم يحدث ذلك، فسيفتح ذلك آفاقا جديدة لم نشهدها منذ أكثر من عقدين".

إلى ذلك، تشير الصحيفة إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قد ضربت 250 هدفا منذ بداية الهجوم حتى عصر الأحد وبدون أي قيود من الولايات المتحدة. وهذا تحول كبير عن عقود من السياسة الخارجية الأمريكية. فمنذ أزمة السويس عام 1956، دعمت الولايات المتحدة قوات الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الذي ضغطت فيه على الكوابح للحد من  طموحاتها ومنع تصاعد الصراعات. 

"مارست إدارة بايدن ضغوطا مستمرة على نتنياهو لتقليل شدة الهجمات التي قد تؤذي المدنيين، وإنهاء الحرب في غزة، وتهدئة التصعيد مع حزب الله في الشمال" تابع المقال مردفا: "عندما دخلت إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي في أول تبادل إطلاق نار مباشر بينهما على الإطلاق العام الماضي، حثت الإدارة، الاحتلال الإسرائيلي على عدم ضرب المنشآت النووية أو قطاع الطاقة الإيراني خوفا من التصعيد".

ووفقا للمقال: "قد شكل هذا الضغط في النهاية رد إسرائيل. وهذه المرة، فرض ترامب قيودا قليلة على  العملية الإسرائيلية. وكان الرئيس قد طلب من نتنياهو مرارًا هذا العام تأجيل العمل العسكري لإعطاء فرصة للمحادثات النووية التي يرأسها المبعوث الخاص ستيف ويتكوف للنجاح. لكنه رضخ الأسبوع الماضي، عندما ذكره نتنياهو بانقضاء مهلة الشهرين التي حددها لإيران للتوصل إلى اتفاق، وفقا لمسؤولين مطلعين على المكالمة بينهما". 

وقال سفير دولة الاحتلال الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، مايكل أورين: "إن أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون هو فرض نهاية مبكرة لهذه الحرب. لكن القيد قد يأتي من داخل إسرائيل. فبعد 20 شهرا من الحرب، فاض الكيل لدى الكثيرين. هناك دعم واسع النطاق للعمل العسكري ضد إيران، ولكنه يأتي بعد استدعاء العديد من الجنود المدنيين عدة مرات، ما أدّى لتعطيل وظائفهم وعائلاتهم. ولا يزال ما يصل إلى 20  أسيرا على قيد الحياة في غزة، بالإضافة إلى عشرات الجثث".

وتابع: "يتفاقم هذا الوضع بسبب الانقسامات السياسية العميقة حول قيادة نتنياهو. وقد أدت التحركات الرامية إلى لإبعاد المعارضين السياسيين من الأجهزة العسكرية والأمنية، والجهود الرامية لإصلاح القضاء، والفشل في إنهاء الحرب في غزة، إلى انقسام السكان الذين كانوا متحدين في البداية حول أهدافها. وعلى خلاف المحاولات السابقة من أجل التحكم بالتهديدات التي كانت تمثلها إيران والجماعات الوكيلة لها بالمنطقة، فإن النجاح الأخير قد يعزز الفكرة داخل المؤسسة الأمنية من إسرائيل لا تستطيع فقط العيش مع التهديدات، بما فيها إيران، التي تعد آخر أعداء إسرائيل بالمنطقة على حد قول أحد المحللين.


ومع ذلك، يواصل المقال بالقول: إن جهد  الاحتلال الإسرائيلي يختلف عن إيران عن الجهود الطموحة التي بذلتها إدارة جورج دبليو بوش لغرس الديمقراطية في الشرق الأوسط من خلال إسقاط نظام صدام حسين في العراق. فتغيير النظام في إيران ليس هدفا بحد ذاته، وقد يكون نتيجة للحملة وهي بحاجة لتحويل انتصارها العسكري إلى دبلوماسي. وقد نجحت مع حزب الله، إلا ان غزة ظلت معاكسة.

وبيّن: "يفقد الإسرائيليون الثقة في أهداف تلك الحرب، وظهرت حركة سلام تدعو لإنهائها. وتضاءل الدعم الدولي لإسرائيل وسط الدمار الواسع النطاق في غزة وصور الأطفال الذين يتضورون جوعًا. وتصاعدت الانتقادات مؤخرا مع تكثيف إسرائيل لحملتها العسكرية وإطلاقها برنامج مساعدات جديد لم يوزع سوى كميات محدودة من الغذاء بعد حصار طويل، ما أدى إلى تعميق عزلة إسرائيل بطريقة قد يكون لها تداعيات دبلوماسية لسنوات. 

ويظل التحدي الأكبر لنتنياهو هو تحويل إنجازه التكتيكي إلى انجاز استراتيجي. وتأمل دولة الاحتلال الإسرائيلي وترامب بإجبار إيران للجلوس على طاولة المفاوضات، لكنها قد ترفض. وتواجه دولة الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية طويلة دون مخرج وعليها التفكير مليا في  كيفية وقف الحرب.

مقالات مشابهة

  • الروقي: الوسط الرياضي يعرف المعادلة جيدًا
  • الغارديان: كيف تعيد إسرائيل تشكيل الشرق الأوسط وتواجه عزلة متزايدة؟
  • WSJ : إسرائيل تسابق الوقت لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وأمريكا تراقب
  • متحدث الوزراء: تشكيل اللجنة العليا للأزمات إجراء استباقي لمواجهة التداعيات الإقليمية
  • مجموعة السبع تدعو إسرائيل وإيران إلى تهدئة الصراع وتجنب المساس بالاستقرار الإقليمي
  • مواعيد عرض وإعادة مسلسل "6 شهور" على on e وon drama
  • مشهور كويتي: حامل الجواز السعودي تحت حماية الله ثم السعودية فوق أي أرض وتحت أي سماء.. فيديو
  • «التطبيقات الذكية» تعيد تشكيل تجربة الزائر في المملكة وتعزز التحول الرقمي في القطاع السياحي
  • تصاعد التوتر الإقليمي بين إسرائيل وإيران والحوثي.. عمليات عسكرية متبادلة وخسائر بشرية ومادية
  • مصطفى بكري: التحالفات من دول نووية لإيران قلب موازين المعادلة.. والكيان الصهيوني لن يصمد طويلا