بين الحسم الميداني والحل التفاوضي.. تباين خطابات الجنرالات؟
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
ما بين الحسم الميداني والحل السلمي التفاوضي، تأرجحت خطابات قادة الجيش السوداني وممثلي حكومة الأمر الواقع، الأمر الذي أظهر نوعاً من التباين في الخطاب الرسمي.
التغيير- الخرطوم: سارة تاج السر
ظهرت حالة من التناقض والارتباك في أحاديث مسؤولي حكومة الأمر الواقع في الخرطوم، ما بين الإصرار على الحسم العسكري وإنهاء الحرب ضد مليشيا الدعم السريع بتسوية تفاوضية.
رئيس مجلس السيادة الانقلابي، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ظل يردد هو ونوابه ومساعديه في الجيش، أنه لا حل للأزمة الحالية سوى بدحر المليشيا وإخراجها من المشهد تماماً، بيد أن نائبه في المجلس الانقلابي أظهر موقفاً يبدو مختلفاً وهو يختط طريقاً يعتمد الحوار.
مفارقاترغم ارتفاع فاتورة الاقتتال التي دخلت شهرها الخامس فلا تزال مفردات الهزيمة والخيانة والتهديد تتصدر خطابات جنرالات الجيش، ليخرج الرجل الثاني في الحكومة بخارطة طريق تتركز على وقف فوري للقتال وتدشين حوار شامل يؤسس لمرحلة انتقالية، حيث اعتبر نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي مالك عقار إير أن ذلك سيمثل الخطوة الأولى التي ستؤدي إلى إجراء انتخابات ديمقراطية في البلاد.
وأوضح عقار الذي يرأس الحركة الشعبية- شمال، في آخر خطاب له في منتصف اغسطس الحالي، أن عملية سياسية شاملة ستعقب إنجاز خارطة الطريق وتضم جميع القوى السياسية المدنية المهتمة بتأسيس الدولة السودانية.
تبني مالك عقار لاستراتيجة إنهاء الصراع بعد مضي أكثر من 100 يوم على حرب 15 ابريل، قوبل بأصوات رافضة ومستنكرة من قبل بعض قوى الداخل على رأسهم الإسلاميين، إذ أكد عقار أن السلطة التنفيذية ستشرف على تنفيذ خارطة طريق لإنهاء الأزمة الحالية.
ومن ضمن الجهات التي خصها عقار بالرسائل، قوات الدعم السريع، حيث طالبها بالنظر بعين المسؤولية إلى التطورات الحاصلة، وقال: أسباب القتال التي أعلنتها الدعم، طغت عليها سلسلة من الجرائم والانتهاكات ويجب أن يعي أنه لا وجود لجيشين في دولة واحدة.
وأبدى عقار الذي جاء للمنصب بعد إقالة قائد الدعم السريع محمد حمدان (حميدتي)، اعتذاره للشعب السوداني عن “الاخفاق في تأسيس الدولة السودانية”، مؤكدًا التزامه ببذل كل الجهود لإيقاف الحرب.
كما تحدث عن أولويات الفترة القادمة التي تبدأ من تنفيذ الخارطة، لإيقاف الحرب وإيصال المساعدات لأنحاء السودان كافة، والتواصل مع جميع الأطراف، ومنع انتشار الحرب لباقي أطراف السودان.
وجاء عقار إلى عضوية مجلس السيادة وفقاً لاتفاقية جوبا لسلام السودان الموقعة في اكتوبر 2020م، قبل أن يعينه البرهان نائباً له بعد اندلاع الحرب.
محلل سياسي: عقار متردد ومواقفه متأرجحة ما بين الحسم الميداني والحل السلمي التفاوضي
غياب الحلول عمليةتباينت آراء المراقبين حول ما ورد في خطاب عقار، ففي الوقت الذي اعتبره البعض مبادرة تقرب الفرقاء السودانيين من عساكر ومدنيين (مجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي والدعم السريع) ما يعني العودة لمربع ماقبل اندلاع الحرب، رأى آخرون أن عقار نفسه يمثل شخصية الأمر الواقع، فضلاً عن تردده ومواقفه المتأرجحة ما بين الحسم الميداني والحل السلمي التفاوضي.
وقال الخبير المختص في العلاقات السياسية د. كباشي البكري في حديثه لـ(التغيير)، إن المتتبع لنائب البرهان، يلاحظ عدم ثبات مواقفه المتأرجحة ما بين الحسم الميداني والحل التفاوضي.
وتساءل عن إمكانية امتلاك عقار مجموعة قيادة من حكومة الأمر الواقع للدفع بالعملية التفاوضية بعيداً عن الخطب.
ورأى أن الرجل الثاني في الحكومة لا يرى صورة التدني في الخدمات التي تسير بإيقاع متسارع حتى في الأماكن الآمنة، وتوقع تفاقمها بزيادة هطول الأمطار وظهور الأوبئة والأمراض.
وقال البكري إن الصراع الحالي من المحتمل أن يدفع بانفصال الحكم في مناطق الوسط والشمال، واعتبر ان استمرار الحرب قد يوصل الناس لهذا السيناريو فضلاً عن متغيرات خطيرة.
ولفت إلى أن الإسلاميين يسعون للسيطرة على الحكم على أشلاء الموتي، وقال: الصورة بدات واضحة، حيث أن سلطات الأمر الواقع تسمح للإسلاميين بحرية الحركة وممارسة عملهم تحت حماية المؤسسات الأمنية والعسكرية، معتبراً ذلك من أكبر المهددات التي تواجه عملية التفاوض.
واختلف الناطق الرسمي الأسبق باسم الجيش، القائد العام لقوات كيان الوطن- شمالي السودان العميد المتقاعد الصوارمي خالد سعد، مع ما ذهب اليه البكري، وقال لـ(التغيير) إن المبادرة أحدثت تقارباً كبيراً بين مجلس السيادة وقوى إعلان الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع ممثلة في مستشاره السياسي يوسف عزت الماهري.
وتوقع الصوارمي أن تؤدي في الأيام المقبلة إلى اتفاق بين طرفي الصراع لاسيما حال استئناف المباحثات في منبر جدة.
ناطق رسمي أسبق: ما يثار بشأن انقسام الجيش غير صحيح ولا يخرج عن نطاق آراء المحللين
تباين آم آراء محللين؟وأكد كباشي البكري وجود تباين واضح داخل القوات المسلحة بشأن الحل التفاوضي، واعتبر أن الأخيرة تفتقر للرؤية الكلية في التعاطي مع العملية سياسياً وعسكرياً، كما لا يوجد توحد حول الموقف من خيار التفاوض حيث يركز البعض على الحسم العسكري، في وقت تقول المؤشرات إن هناك صعوبة في تغيير موازين القوى بعد مرور أربعة أشهر على الحرب، وأن الواقع الميداني من حيث السيطرة منذ بداية المعارك لم يتغير، واتهم قوى بالداخل والخارج بالاستفادة من إطالة الحرب.
بيد أن البكري أشار إلى أن هناك أصوات عاقلة داخل الجيش تساند الحل التفاوضي عبر منبر جدة، لكنه ذهب إلى أن ذلك الصوت خافت ولا يملك قوى دفع إعلامية.
غير أن، الصوارمي خالد، فند حديث البكري ونفى بشدة أن يكون هناك انقسام حول الحل التفاوضي داخل القوات المسلحة، واعتبر أن ما يثار بشأن ذلك لا يخرج عن نطاق آراء المحللين.
وقال الصوارمي: ضباط الجيش وجنوده وفرقه المختلفة تقاتل تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وهو المتحدث بلسانهم ومن يحدد ما إذا كان هناك تفاوض أو لا.
انتقادات الإسلاميينوقوبلت مبادرة عقار وهي الثانية من نوعها، بهجوم وانتقادات حادة من التيارات الإسلامية، على رأسها الحركة الإسلامية السودانية، التي أصدرت بياناً في الرد على نائب رئيس مجلس السيادة، واعتبرت ما أرسله المسؤول الثاني في الحكومة، عبر رسالته السادسة الموجهة لهم، “تنم عن فهم قاصر لا يتماشى وحالة الراهن”.
ووجهت رسالة للقوات المسلحة، مفادها أنها على العهد باقية ولن يثنيها عن واجبها غدر خائن أو تراجع جبان”- حسب البيان.
وقالت الحركة، إنها تعي تماماً أنّ الوقت الآن للتركيز على الملحمة الكبرى في استعادة البلاد من أيدي الغزاة والعملاء والمأجورين والخونة الذين تسوّروا بليل، يرهبون المواطنين ويسرقون الأحلام والذكريات ويمارسون أبشع أنواع الإرهاب والتدمير والتشريد والاغتصاب- على حد وصف البيان.
وقال البيان مخاطبا عقار: مضى الزمان الذي يتسوّر فيه “فرد” على إرادة وقرار أهل السودان.
وأضاف: لا تحتاج إلى رسائلكم المشوّهة، وإملاءاتكم المستفزة، والفيصل بيننا وبين رواج بضاعتنا رأي الشعب وصناديق الانتخابات وليس كلمات يتشدّق بها شذاذ آفاق لاسترضاء ساداتهم”.
وجددت الحركة الإسلامية “وقوفها صفاً واحداً خلف المؤسسة_العسكرية، وعدم الالتفات للمغرضين والمشككين، والجبناء”- طبقاً للبيان.
وكانت قوى الحرية والتغيير اتفقت مع جزء مما طرحه عقار واختلفت مع آخر، ويرى كثيرون أن الحل التفاوضي هو الأقرب لإنهاء أزمة الحرب الحالية والتي اشتدت مؤخراً، بالنظر إلى الحالة التي تشبه توازن الضعف بين طرفي النزاع، وعدم قدرة أي منهما على تحقيق نصر حاسم بعد مضي قرابة الخمسة أشهر من القتال.
الوسومالجيش الدعم السريع السودان الصوارمي خالد سعد عبد الفتاح البرهان مالك عقار مجلس السيادة الانقلابي محمد حمدان دقلو (حميدتي)المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان الصوارمي خالد سعد عبد الفتاح البرهان مالك عقار الحل التفاوضی الدعم السریع مجلس السیادة الأمر الواقع
إقرأ أيضاً:
تقترب من الحسم.. ترامب يقود مساعي إنهاء الحرب في غزة.. ونتنياهو يواصل تصريحاته المعرقلة
في خضم الحرب المتواصلة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، تتسارع وتيرة التحركات السياسية والدبلوماسية لإيجاد مخرج للأزمة المتفاقمة، وسط ضغوط متزايدة من الداخل الإسرائيلي والمجتمع الدولي.
وبرزت تقارير إعلامية تتحدث عن دور نشط للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في دفع جهود تهدف إلى التوصل إلى اتفاق شامل يفضي إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس وإنهاء القتال.
بينما تدور مفاوضات دقيقة في الكواليس، تتفاوت التقديرات بين التفاؤل الحذر والانقسام السياسي داخل الحكومة الإسرائيلية، في وقت يبقى فيه مصير الأسرى ومعاناة المدنيين على جانبي الصراع في صلب الاهتمام العالمي.
ومن خلال هذا التقرير، نرصد لكم أبرز ما تناولته الصحف الإسرائيلية والأميركية حول مستجدات الملف، وتفاصيل التحركات الجارية على المستويين السياسي والأمني.
وذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أمس، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبذل جهودا حثيثة لدفع اتفاق يهدف إلى إطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة، بالتوازي مع التوصل إلى تسوية تنهي الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة على مسار المفاوضات قولها إن ترامب "يعمل بنشاط من أجل التوصل إلى صفقة تضمن تحرير جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، وتمهد الطريق لإنهاء العمليات العسكرية الجارية في غزة".
كما أشار مسؤول أميركي إلى وجود تفاؤل داخل الأوساط الأميركية بإمكانية التوصل إلى اتفاق قريب، قائلا: "نحن متفائلون بإمكانية التوصل إلى اتفاق".
وفي السياق نفسه، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، اجتماعا أمنيا مغلقا في مقر القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، بمشاركة عدد محدود من الوزراء وكبار مسؤولي الدفاع، لبحث تطورات الحرب في غزة.
وأشارت جيروزاليم بوست إلى أن من أبرز الملفات التي طرحت للنقاش خلال الاجتماع مسألة مشاركة إسرائيل في الجولة المقبلة من المفاوضات، والتي يرجح أن تعقد إما في القاهرة أو الدوحة.
ومن جانبها، أفادت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، نقلا عن مصدر مطلع على مجريات التفاوض، بأنه تم التوصل إلى حلول لحوالي 75% من القضايا العالقة خلال الأسابيع الأخيرة، بينما لا تزال 25% من المسائل موضع خلاف، وتشمل قضايا حساسة تتعلق بالوضع الإنساني في غزة، وآلية إنهاء الحرب، فضلا عن الضمانات الأمنية التي تطالب بها إسرائيل لمنع حماس من إعادة بناء قدراتها العسكرية بعد انتهاء النزاع.
من جانبها، كشفت صحيفة إسرائيل هيوم، مساء أمس، أن الوزراء في الحكومة الإسرائيلية عبروا عن قدر من التفاؤل بشأن احتمالية التوصل إلى اتفاق جزئي، يسمح بالإفراج عن بعض الأسرى، رغم المواقف المتشددة التي لا تزال حماس متمسكة بها، والتي تعيق إحراز تقدم ملموس في المفاوضات حتى الآن.
من ناحية أخرى، جدد نتنياهو في تصريح علني أمس موقفه من الحرب، مؤكدا أن الحكومة الإسرائيلية "ستواصل العمل على حل الوضع في غزة وهزيمة حماس"، مضيفا: "أعتقد أننا سننجح في كلا الأمرين"، دون أن يشير إلى أي تقدم مباشر في المفاوضات الجارية.
ويأتي هذا التحرك السياسي والدبلوماسي المكثف في ظل تزايد الضغوط الشعبية داخل إسرائيل، حيث تشهد المدن الإسرائيلية تظاهرات واسعة للمطالبة بإيجاد تسوية تؤدي إلى عودة الرهائن سالمين، خاصة مع تصاعد المخاوف من أن استمرار العمليات العسكرية قد يهدد حياتهم.
كما تترافق هذه التطورات مع ضغوط دولية متزايدة على الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق انفراجة إنسانية في القطاع، وسط تحذيرات من تداعيات كارثية في حال استمرار الحرب دون أفق للحل.