طهران – عقب تفاؤل حذر سيطر على نتائج الجولات الثلاث الأولى من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، جاء إعلان تأجيل الجولة الرابعة التي كانت مقررة السبت الماضي، ليكشف عن عقبات حقيقية تعترض المباحثات التقنية انطلاقا من تصور كلا الطرفين للاتفاق المرجو بشأن النووي الإيراني.

وبغض النظر عن التصعيد الأميركي -قبيل تأجيل المفاوضات وبعده- المتمثل في فرض عقوبات جديدة وتأكيد واشنطن عزمها "إنهاء التصدير غير المشروع للنفط الإيراني والمواد البيتروكيميائية"، فإن الأوساط السياسية في طهران قرأت بين سطور بيان الاستنكار واللهجة المستخدمة فيه، وكذلك في محادثة وزير الخارجية عباس عراقجي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مؤشرا على تصاعد الخلافات بين طرفي المفاوضات.

وعلى وقع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر منصته تروث سوشيال، بمعاقبة كل دولة أو شركة تستورد النفط أو المواد البيتروكيميائية من إيران، ومطالبة وزير خارجيته ماركو روبيو بضرورة وقف تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، والحد من صواريخها الباليستية، واحتواء سياستها الإقليمية، يشكو عراقجي "السلوك الأميركي المتناقض" لغوتيريش، مؤكدا حق بلاده في تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

إعلان أسباب التأجيل

وبينما ذهب مراقبون إيرانيون في قراءة ما بين سطور مواقف عراقجي بأنها تكشف إصرار الجانب الأميركي علی تجاوز خطوط إيران الحمر، بما فيها نقل ذخائر طهران من اليورانيوم العالي التخصيب إلى خارج البلاد، يفسّر آخرون الصمت الأميركي حيال تأجيل المفاوضات بأنه نجاح للدبلوماسية الإسرائيلية التي ضربت المباحثات الإيرانية الأوروبية قبل عقدها، إلى جانب التشويش على مفاوضات مسقط.

وفي السياق، يعدد الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه ثلاثة أسباب رئيسية لتأجيل المفاوضات النووية؛ أولها نابع من التشدد في المواقف والتصعيد في التهديدات الأميركية، مما أدى إلى استشعار طهران أنها تتفاوض مع طرف تتغير مواقفه يوميا وعليها أخذ الحيطة والحذر.

ويعود السبب الثاني إلى حرص الوساطات الأوروبية وكذلك إسرائيل على ضرورة ضمان مصالحها عبر المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، وفق فلاحت بيشه، الذي توقع -في مقابلة صحفية- عودة الجانب الأميركي إلى طاولة المفاوضات قريبا، لكنه استدرك أن واشنطن قد تتشدد أكثر حيال إيران خلال الأيام المقبلة لكي لا تتهم في الداخل بالتراجع أمامها.

ويعتبر فلاحت بيشه أن إقالة ترامب مستشاره السابق للأمن القومي مايكل والتز السبب الثالث وراء تأجيل المفاوضات النووية، ويعوّل على الوساطة العمانية للتقريب بين مواقف طرفي المفاوضات وإقناعهما بضرورة استئنافها خلال الفترة المقبلة.

يذهب محللون إيرانيون إلى أن مصالح إسرائيل سبب في تأجيل المفاوضات مع واشنطن (الجزيرة)

وانطلاقا من التقارير الإعلامية حول الانقسام في الفريق الأمني للإدارة الأميركية حيال إيران، يقرأ طيف من المحللين الإيرانيين إقالة والتز في إطار مساعي ترامب لتوحيد فريقه الأمني.

ويترقبون الأنباء الواردة من واشنطن حول استمرار المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف في مهمته، لأن هناك من يفسر مواقف روبيو الأخيرة تجاه طهران وقيامه بمهام والتز بأنها مؤشر على ارتفاع حظوظه لقيادة فريق بلاده التفاوضي.

إعلان

وفي ظل التزام طرفي المفاوضات والوسيط العماني الصمت بشأن الجهة التي تقدمت بطلب لتأجيل الجولة الرابعة من المفاوضات، تذكّر بعض الأوساط الإيرانية بأن إعلان تأجيلها جاء عقب تأييد طهران أنها ستعقد في روما، وأن الجانب الأميركي يريد بتأجيلها توحيد فريقه المشرف على المفاوضات ورفع الصوت عاليا في مطالبه للضغط على طهران.

من جهته، يتساءل الكاتب السياسي محمد صفري عن سبب تأجيل واشنطن المفاوضات التي يبدو أن ترامب على عجلة لحسمها، موضحا -في افتتاحية صحيفة "سياست روز" المحافظة- وجود خلافات حقيقية تعصف بالداخل الأميركي حيال المفاوضات مع إيران، ناهيك عن الدور السلبي الذي يقوم به الكيان الصهيوني لإفشالها.

ويرى صفري أن سلوك الإدارة الأميركية بفرض عقوبات جديدة على إيران لا يتناسب والمفاوضات، ويستبعد التوصل إلى اتفاق مع "جهة لا تثبت على قرار، بل تتفنن في تغيير مواقفها بين ليلة وضحاها"، حسب وصفه. ويقول إن الكرة أضحت في الملعب الأميركي، وإن واشنطن -التي سبق أن نسفت الاتفاق النووي المبرم عام 2015- ستتحمل مسؤولية فشل المفاوضات المتعثرة حاليا.

استنزاف وتهديد

بالعودة إلى مواقف روبيو كشروط مسبقة لأي اتفاق بشأن النووي الإيراني، ترى أوساط إيرانية أن من شأن أي بند منها أن يقضي على المسار الدبلوماسي الجاري، مما یطرح علامة استفهام كبيرة عما إذا كان تأجيل المفاوضات سيعني توقفها نهائيا.

ویبدو أن الحديث عن بلوغ المفاوضات النووية طريقا مسدودا ما زال مبكرا، وأنه في ظل إسراف بعض الجهات في التفاؤل عقب الجولتين الأولی والثانية قد يكون تعثرها في محطة المباحثات التقنية ضروريا لإعادة الطرفين النظر في حساباتهما لتعديل المواقف والمطالب، أو التفكير في حلول لعقبات اتضح جزء منها خلال الجولة الثالثة.

 

لكن هناك من يخشی إطالة أمد المفاوضات وتحولها إلى "استنزاف" بما يمكّن أعداء المسار الدبلوماسي من تفعيل آلية الزناد من بوابة الترويكا الأوروبية، خاصة وأن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو قد لوَّح بالآلية قائلا "إن باريس لن تتردد في إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا لم تنجح المفاوضات الرامية للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج طهران النووي".

وبالنظر إلى الفترة الزمنية المتاحة لتفعيل الجانب الأوروبي آلية الزناد حتى قبيل يوم النهاية (18 أكتوبر/تشرين الأول 2025) في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، فإن إطالة أمد المفاوضات الجارية قد لا يصب في صالح المسار الدبلوماسي لاسيما في ظل المناورة الأميركية لمناقشة سياسة إيران الإقليمية وصواريخها الباليستية على طاولة المفاوضات النووية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المفاوضات النوویة المسار الدبلوماسی تأجیل المفاوضات

إقرأ أيضاً:

بوتين يؤكد لنتنياهو ضرورة احترام سيادة سوريا ويعرض الوساطة في محادثات إيران النووية

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالًا هاتفيًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تناول فيه الأوضاع في سوريا وإيران، مؤكدًا "أهمية وحدة الأراضي السورية"، ومقترحًا دورًا روسيًا في "إحياء المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني". اعلان

أفاد الكرملين بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالًا هاتفيًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين 28 تموز/يوليو، تناول خلاله عدة مستجدات في الشرق الأوسط، من بينها العنف الطائفي الأخير في سوريا وبرنامج إيران النووي.

التأكيد على سيادة سوريا واستقرارها

وجدد بوتين خلال الاتصال تأكيده على احترام "السيادة وسلامة الأراضي" السورية، وذلك عقب موجة العنف الطائفي في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية التي شهدت تدخلًا إسرائيليًا من خلال غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية سورية في السويداء ودمشق.

وبحسب شهود وخبراء ومنظمة "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، بدأت الاشتباكات في محافظة السويداء في 13 تموز/يوليو بين مقاتلين دروز وقبائل بدوية سنية، وتوسعت لاحقًا بتدخل القوات الحكومية الإنتقالية إلى جانب البدو، وأسفرت عن مقتل أكثر من 1400 شخص، أغلبهم من الدروز، مع اتهامات بتنفيذ قوات الحكومة إعدامات ميدانية لأكثر من 250 مدنيًا درزيًا.

وأكد بيان الكرملين أن بوتين شدد على أهمية "دعم وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها"، مشددًا على أن "الاستقرار السياسي في البلاد يجب أن يتحقق من خلال احترام مصالح جميع الجماعات العرقية والدينية".

Related بوتين ولاريجاني يبحثان النووي الإيراني والتطورات في الشرق الأوسطنتنياهو: لا مزيد من الأعذار للمنظمات الدولية بعد إعلان الجيش فتح ممرات إنسانيةالكرملين يُعلّق على مهلة ترامب.. وأوكرانيا تعلن مقتل 16 شخصا بقصف على منشأة إصلاحية في زابوريجيا عرض روسي للوساطة في الملف النووي الإيراني

وخلال الاتصال نفسه، عرض بوتين مرة أخرى الوساطة في محادثات البرنامج النووي الإيراني، التي توقفت الشهر الماضي بعد شن إسرائيل هجومًا مفاجئًا على أهداف عسكرية ونووية إيرانية، ما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 12 يومًا بين البلدين.

ولم يصدر مكتب نتنياهو أي بيان فوري حول تفاصيل الاتصال.

وتُعرف روسيا بقربها من إيران، حيث عززت العلاقات العسكرية في ظل الحرب في أوكرانيا، لكنها تسعى أيضًا للحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل التي تضم مجتمعًا كبيرًا من المهاجرين الروس.

لذلك، امتنعت روسيا عن تقديم دعم ملموس لطهران خلال الغارات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية الشهر الماضي.

وفي وقت سابق من تموز/ يوليو، أفادت إذاعة "كان" بأن إسرائيل تجري محادثات دبلوماسية سرية مع روسيا بشأن كل من إيران وسوريا، معتبرة موسكو وسيطًا محتملاً لخفض التصعيد مع البلدين.

وفي يونيو الماضي، قبل أيام من الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران وخلال مفاوضات نووية مكثفة مع الولايات المتحدة، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف استعداد بلاده لنقل اليورانيوم المخصب بدرجة عالية من إيران وتحويله إلى وقود مفاعلات مدنية، كوسيلة محتملة لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وكان هذا العرض يعيد إلى الأذهان الدور الرئيسي الذي لعبته روسيا في نقل اليورانيوم الإيراني المخصب خلال اتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في عهد إدارة الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • ترامب: على إيران تغيير نبرة تصريحاتها بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة
  • بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران
  • من بينها التعويض..إيران تضع شرطين لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة
  • إيران تشترط تعويضات قبل استئناف المفاوضات مع واشنطن
  • طهران تطالب واشنطن بالتعويض قبل استئناف المحادثات النووية
  • عراقجي: إيران لن تقبل بأن تمضي الأمور كما كانت عليه قبل حرب الـ12 يوم مع “إسرائيل”
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعود إلى إيران للمرة الأولى منذ حرب الأيام الـ12
  • حرب الاستخبارات السرية بين إيران وإسرائيل بدأت
  • نائبة بلجيكية: إيران تخطط لاختطافي ونقلي إلى طهران
  • بوتين يؤكد لنتنياهو ضرورة احترام سيادة سوريا ويعرض الوساطة في محادثات إيران النووية