القدس المحتلةـ تتسارع التطورات السياسية في المشهد الإسرائيلي مع استمرار الحرب على قطاع غزة، وسط إشارات إلى تقدم في المفاوضات بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والإدارة الأميركية، بعيدا عن القنوات الرسمية لحكومة بنيامين نتنياهو، مما يربك الحسابات الإسرائيلية في وقت بالغ الحساسية.

ففي خطوة غير متوقعة، أعلنت حماس موافقتها على الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر، في حين وُصف بمبادرة حسن نية، تهدف إلى فتح الباب أمام تهدئة شاملة تشمل وقف الحرب وفتح المعابر، وسط تحركات دولية متسارعة لوقف العدوان المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وجاء الإفراج عن ألكسندر نتيجة حوار مباشر بين حماس وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعيدا عن الحكومة الإسرائيلية، وبإشراف المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي يسعى لإقناع نتنياهو بالموافقة على توسيع صفقة تبادل الأسرى ضمن إطار تفاهمات أوسع.

قنوات بديلة

تتزامن هذه التطورات مع توتر متصاعد بين واشنطن وتل أبيب، بلغ ذروته مع تقارير عن قطع ترامب اتصالاته مع نتنياهو، على خلفية ما اعتبره الأميركيون محاولات من الأخير للتلاعب بمواقف إدارتهم.

إعلان

ويرى مراقبون أن هذه المقاطعة تعكس تحولا في السياسة الأميركية نحو مقاربة أكثر استقلالية في إدارة الملف الفلسطيني، بعيداً عن التنسيق الكامل مع الحكومة الإسرائيلية، لا سيما في ظل ما تعتبره واشنطن تصلبا في موقف تل أبيب من وقف الحرب.

وتزداد مؤشرات التغيير قوة مع جولة ترامب المرتقبة إلى المنطقة، التي تشمل السعودية وقطر والإمارات دون المرور بإسرائيل، وهو ما اعتُبر رسالة سياسية حادة لنتنياهو، ورسالة دعم ضمنية لتفاهمات موازية تسعى واشنطن لترسيخها مع قوى إقليمية.

وتسعى واشنطن إلى حشد دعم إقليمي لصفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار تدريجي، في وقت تستمر فيه إسرائيل بتوسيع عملياتها العسكرية في غزة، رغم التحذيرات الداخلية من جدوى هذه العمليات ومردودها الإستراتيجي المحدود.

تحذيرات

تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن التهديد بتوسيع العملية العسكرية تحت عنوان "عربات غدعون" لا يحظى بإجماع داخل المؤسسة الأمنية، وسط تصاعد أعداد القتلى من الجنود، وضغط متزايد على قوات الاحتياط، مما يكشف هشاشة الجبهة الداخلية ومحدودية قدرة الجيش على المضي في معركة طويلة الأمد.

في المقابل، يعتقد محللون أن الإفراج عن الجندي الأميركي الإسرائيلي قد يكون تمهيدا لصفقة أشمل، تدفع بها واشنطن بقوة، وتشمل تهدئة طويلة الأمد وتبادلا شاملا للأسرى، وتعيد تنشيط المسار السياسي القائم على "حل الدولتين" ضمن تصور أميركي جديد لتسوية الصراع في المنطقة.

ويقوم المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بتنسيق جهود بين واشنطن وقطر ومصر وإسرائيل، للوصول إلى اتفاق سياسي وإنساني، في ظل واقع ميداني معقد وتدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، وتعثر حكومة نتنياهو داخليا وخارجيا.

عزلة نتنياهو

يقول المتحدث باسم حركة "السلام الآن" آدم كلير، للجزيرة نت إن "إعلان حماس إطلاق الجندي ألكسندر في هذا التوقيت يشكل تحديا مباشرا لنتنياهو، الذي يعتبر أن أي صفقة جزئية قد تضعف موقفه التفاوضي".

إعلان

وحذر كلير من أن إسرائيل قد تجد نفسها خارج المعادلة الإقليمية والدولية التي يُعاد رسمها حاليا، في ظل غياب رؤية سياسية واضحة لدى الحكومة الإسرائيلية لما بعد الحرب، مما يفاقم المأزق الراهن ويزيد من عزلة نتنياهو.

ويضيف كلير أن ما يجري من مفاوضات، وإن كانت غير رسمية، يحمل بذور تحول كبير في مسار الحرب على غزة، وربما في مسار القضية الفلسطينية بأكملها، خاصة مع تصاعد الضغوط الدولية، وتنامي الدعوات لإعادة إطلاق عملية السلام استنادا إلى حل الدولتين.

ضغوط أميركية

وفي السياق ذاته، كشفت مراسلة الشؤون السياسية في صحيفة "معاريف"، آنا بارسكي، أن إسرائيل فوجئت بوجود مفاوضات مباشرة بين الإدارة الأميركية وحركة حماس، جرت من دون علم مسبق من تل أبيب.

ونقلت بارسكي عن مصادر إسرائيلية أن صفقة الإفراج عن ألكسندر جرت بترتيب مسبق، بعد وساطة قطرية مكثفة، هدفت إلى تحقيق اختراق قبل جولة ترامب في المنطقة.

ورغم تنفيذ الصفقة، أكدت مصادر أمنية إسرائيلية أن الباب لا يزال مفتوحا أمام اتفاق جزئي يشمل إطلاق المزيد من الرهائن. لكنها أعربت عن قلقها من الضغوط المتزايدة التي قد تُمارس على الحكومة الإسرائيلية، خاصة من واشنطن، لإجبارها على القبول بصفقة لا تلبي جميع شروطها.

وأوضحت بارسكي أن البيت الأبيض يسعى لتحقيق اختراق قبل زيارة ترامب، في حين تضع إسرائيل نهاية الزيارة كمهلة نهائية لأي اتفاق. وفي حال فشل ذلك، تهدد الحكومة الإسرائيلية بشن هجوم بري واسع يشمل "إعادة احتلال مناطق في غزة وتهجير سكانها".

وتقود بعثة البيت الأبيض مفاوضات نشطة حاليا مع كل من حماس وإسرائيل وقطر ومصر، وتشمل إلى جانب صفقة التبادل نقاشات أوسع حول إحياء عملية السلام، في ظل قناعة متزايدة لدى واشنطن بأن استمرار الحرب لم يعد يخدم الاستقرار الإقليمي ولا المصالح الأميركية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الحکومة الإسرائیلیة الإفراج عن

إقرأ أيضاً:

هآرتس: 3 قضايا ساخنة في رحلة ترامب قد تفجر الخلاف مع نتنياهو

قبل يوم من بدء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، تعيش القيادة الإسرائيلية في حالة قلق غير معتادة. وبخلاف نبرة الثقة التي تطغى عادة على مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يسود الصمت والتوجس.

وكشفت مصادر مقربة من مكتب نتنياهو لصحيفة هآرتس أن حالة من "عدم اليقين" تسود داخل الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية، خصوصا مع تكتم فريق ترامب على تفاصيل جدول أعماله.

وقال أحد مساعدي نتنياهو: "في الغالب، لا نعرف ما الذي ينوي الرئيس ترامب فعله أو قوله".

ويبدو أن حالة الغطرسة التي عادة ما تميز سلوك القيادة الإسرائيلية قد تراجعت، لتحل محلها حسابات دقيقة حول كيفية التعامل مع التحركات الأميركية في المنطقة.

وتتضمن الزيارة مؤتمرا اقتصاديا يشارك فيه كبار رجال الأعمال من الولايات المتحدة والسعودية، للإعلان عن استثمارات مشتركة ضخمة، في حين سيعقد ترامب قمة مع زعماء دول الخليج في اليوم التالي، قبل أن يغادر إلى الدوحة، ومن ثم يختتم جولته في أبو ظبي حيث سيتم الكشف عن استثمار ضخم في السوق الأميركي.

خطة المساعدات لغزة: انقسام في الرؤية والتمويل

أولى الملفات الحساسة في زيارة ترامب هو ملف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. حيث صاغت إدارة ترامب، بالتنسيق مع إسرائيل، خطة لإنشاء هيئة رقابية تشرف على توزيع المساعدات وتمنع وصولها إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس). لكن المعضلة الكبرى تكمن في التمويل.

إعلان

ويأمل ترامب، المعروف بميله للعزلة وتفضيله لعدم إنفاق أموال أميركية خارجية، أن تقوم دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، بتمويل هذه الآلية. لكن هذه الدول أبلغت واشنطن صراحة أنها ترفض تمويل هيئة جديدة خارج إطار وكالات الأمم المتحدة، وترى أن الحل يكمن في وقف الحرب، لا الالتفاف على جذورها، وفقا لهآرتس.

ومع تزايد خطر المجاعة، وعدم توفر خطة بديلة لدى إسرائيل، قد يؤدي فشل الخطة الأميركية إلى تصعيد سياسي داخل الحكومة الإسرائيلية، خاصة مع وجود انقسام واضح بين المتشددين ونتنياهو نفسه حول ملف المساعدات.

صفقة الأسرى وإنهاء الحرب: هل يُقصى نتنياهو؟

القضية الثانية التي قد تُفجر الخلاف بين ترامب ونتنياهو تتعلق بمخطط أميركي لإنهاء الحرب في غزة، يتضمن صفقة للإفراج المرحلي عن الأسرى الإسرائيليين، مقابل وقف تدريجي للعمليات العسكرية، وإنهاء حكم حماس في القطاع.

في أفضل سيناريو، سيعلن ترامب، مدعوما من الدول العربية، عن خطة تؤدي إلى إنهاء الحرب دون القضاء على حماس، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى الحركة فورا.

أما في السيناريو الأسوأ، سترفض إسرائيل أو حماس الخطة، ويتخلى ترامب عن الملف لتستمر الحرب ويموت الأسرى، وهو ما يعتبره بعض مسؤولي الحكومة الإسرائيلية "أفضل سيناريو" لبقاء الحكومة اليمينية الحالية لعام إضافي.

في المقابل، تخشى تل أبيب أن يُقدم ترامب على إعلان مبادرة دون التنسيق المسبق معها، بما يشمل تعهده بإنشاء "دولة فلسطينية بدون حماس"، وهو سيناريو تعتبره القيادة الإسرائيلية تهديدا مباشرا لسياساتها.

الملف الإيراني: صوت إسرائيل لا يُسمع

القضية الثالثة والأخطر من وجهة نظر إسرائيل هي الملف النووي الإيراني. فبينما كانت تل أبيب لاعبا رئيسيا في هذا الملف، تبدو الآن خارج دائرة التأثير.

وتسعى إدارة ترامب للتوصل إلى مذكرة تفاهم مؤقتة مع إيران بشأن البرنامج النووي، تتيح للرئيس الأميركي إعلان اتفاق أولي، على أن تستكمل الفرق الفنية التفاصيل لاحقا.

إعلان

ورغم تصريحات مبعوث ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، بأن "إيران يجب ألا يُسمح لها بأي تخصيب لليورانيوم"، إلا أن واشنطن منفتحة على حلول وسط، مثل التخصيب تحت إشراف دولي وفي مواقع محددة فقط.

وفي هذه الأثناء، يبدو موقف نتنياهو أشبه بمن "يصرخ من المدرجات" دون أن يستجيب له أحد، على حد تعبير أحد المراقبين الإسرائيليين.

وتأتي زيارة ترامب في لحظة حرجة، وسط عدوان مستمر على غزة وأزمة إنسانية متفاقمة وفتور في علاقات واشنطن وتل أبيب.

وإذا نجح ترامب في تحريك ملفات غزة والأسرى وإيران، فقد يسجل نقطة مفصلية في ولايته الرئاسية الثانية. أما إذا فشلت زيارته، فقد تترك المنطقة تغرق في حرب طويلة، وتفجّر انقسامات داخلية في إسرائيل نفسها.

والسؤال الأكثر أهمية يطرح نفسه: هل ستكون هذه الزيارة بداية تحول في السياسات الأميركية تجاه إسرائيل؟.

مقالات مشابهة

  • أي مقابل سيقدمه ترامب عن إطلاق الأسير الأميركي؟.. مغردون يتساءلون
  • بعد تغير مزاجه المؤيد للاحتلال.. بماذا وصف ترامب الحرب الإسرائيلية على غزة؟
  • يائير لابيد: المفاوضات بين واشنطن و”حماس” تعكس فشلا سياسيا فادحا لحكومة نتنياهو
  • 3 قضايا ساخنة في رحلة ترامب قد تفجر الخلاف مع نتنياهو
  • هآرتس: 3 قضايا ساخنة في رحلة ترامب قد تفجر الخلاف مع نتنياهو
  • ترامب يصف إفراج حماس عن الجندي الأميركي بـ”التاريخي”
  • المفاوضات المباشرة بين حماس وإدارة ترامب هل يرضخ نتنياهو لنتائجها؟
  • نتنياهو يتحدث عن التقدم بمفاوضات الصفقة في غزة.. أيام مصيرية
  • إيكونوميست: الحرب في غزة يجب ألا تستمر وعلى ترامب الضغط على نتنياهو