وسط النزاع مع باريك غولد..سلطات مالي تتجه إلى تشغيل منجم الذهب بإدارة جديدة
تاريخ النشر: 15th, May 2025 GMT
في خطوة توصف بالجريئة، وتؤدي إلى مزيد من التوتّر مع المستثمرين الأجانب، بدأت السلطات الانتقالية في مالي اتخاذ إجراءات فعلية لتشغيل منجم "لولو- غونكوتو" لتعدين الذهب التابع لشركة "باريك غولد الكندية" بإشراف إدارة مؤقّتة.
ومن المقرّر أن تعقد المحكمة التجارية في مالي اليوم الخميس، جلسة للنظر في الطلب الذي قدّمته السلطات لإعادة فتح منجم الذهب "لولو-غونكوتو" وتشغيله بإدارة مؤقتة جديدة.
ونقلت وكالة رويترز عن سليمان مايغا، نائب رئيس المحكمة التجارية في باماكو، أن إجراءات تقديم الملفات والتحضير للقضية ستتم اليوم الخميس.
وقالت رويترز، إن 3 مصادر تحدثت معها، تتوقّع أن يُصدر القاضي حكمًا بشأن طلب الحكومة بإخضاع مناجم "باريك غولد" لإدارة محلية جديدة مؤقتة.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قالت الشركة إنها تلقّت في 17 أبريل/نيسان الماضي إشعارًا من الحكومة المالية يهدد بفرض إدارة مؤقتة إذا لم تُستأنف العمليات بحلول 20 أبريل/نيسان.
جذور النزاعتعود جذور الأزمة بين الحكومة والشركة إلى عام 2023، حيث أقرّت السلطات قانونا جديدا للتعدين يرفع نسبة الضرائب، ويمنح الدولة حصة أكبر في قطاع الذهب تصل إلى 30%.
وعندما اتهمت الحكومة الشركات الأجنبية العاملة في مجال التعدين بالتهرّب الضريبي، وتزوير الأرقام المتعلّقة بالإنتاج، وألزمتها بدفع غرامات مالية، لم تستجب باريك غولد في البداية، ففرضت السلطات حظرا على صادراتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وفي بداية العام الجاري، قامت السلطات في باماكو بمصادرة كميات من الذهب من مخازن الشركة تقدّر قيمتها بنحو 317 مليون دولار، كما اعتقلت بعض موظفيها، وأصدرت مذكّرات توقيف في حقّ آخرين.
إعلانوفي فبراير/شباط الماضي، تحدّثت مصادر متعددة عن توقيع اتفاق بين الطرفين لإنهاء النزاع، حيث تدفع باريك غولد مبلغ 275 مليار فرنك أفريقي (438 مليون دولا أميركي) مقابل الإفراج عن 4 مديرين محتجزين، وإرجاع كميات الذهب المصادَر، والعودة لاستئناف العمل دون عراقيل.
لكن الشركة قالت إن السلطات لم تلتزم بتعهداتها في التوقيع على الاتفاق، واتهمت أعضاء المجلس العسكري الحاكم بالاهتمام بمصالحهم الشخصية فقط.
وتعدّ "باريك غولد" من أكبر شركات تعدين الذهب العاملة في مالي، إذ أنتجت العام الماضي 19.4 طنا من أصل 51 هي مجموع الإنتاج العام.
وتملك "باريك غولد" 80% من شركتين تابعتين لمجموعة منجم "لولو- غونكوتو"، في حين تختصّ الدولة المالية بالحصة المتبقية، أي 20% فقط.
وتسبّب الخلاف بين الشركة الأجنبية والحكومة في باماكو إلى تراجع إنتاج الذهب بنسبة 23% عام 2024، إذ توقف عند عتبة 51 طنا مقابل 66.5 عام 2023.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات باریک غولد فی مالی
إقرأ أيضاً:
عصفور الكناري الياباني في منجم فحم الديون العالمية
في وقت سابق من هذا الشهر، اهتزت أسواق السندات العالمية على وقع تصريحات محافظ بنك اليابان المركزي كازو أويدا التي أشار فيها إلى أن بنك اليابان المركزي سيبحث قريبا ما إذا كان سيرفع أسعار الفائدة.
وتسببت عمليات البيع التي نتجت عن ذلك في سوق السندات الأمريكية في رفع العوائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات وثلاثين سنة بشكل حاد.
عادة، لا تتسبب تعليقات معتدلة من قِبَل محافظ معتدل على رأس البنك المركزي الياباني في إرباك الأسواق الأمريكية والعالمية.
لكن بنك اليابان المركزي الياباني يتمتع بسمعة اكتسبها عن جدارة كعصفور الكناري الذي يوضع في منجم فحم (لاختبار مدى سُـمِّية الهواء). في فبراير 1999، خفض بنك اليابان أسعار الفائدة إلى الصفر في محاولة يائسة لدرء الانكماش، مستبقا بذلك سياسات سعر الفائدة صِفر التي انتهجتها بنوك مركزية أخرى عندما واجهت شبح الانكماش. اليوم، قد يشير التحرك المرتقب لبنك اليابان المركزي في الاتجاه الآخر إلى أن اقتصادات أخرى مثقلة بالديون، بما في ذلك الولايات المتحدة، وليس فقط اليابان، أصبحت على وشك مواجهة عوائد أعلى بشكل حاد على السندات الحكومية، مع كل الصعوبات التي قد يترتب عليها ذلك. يبلغ إجمالي ديون الحكومة اليابانية كحصة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 230%، أي ضعف ديون الولايات المتحدة. بطرح أصول الحكومة اليابانية، يصبح صافي الدين أكثر قابلية للإدارة، وإن كان لا يزال مرتفعا، عند مستوى 130%.
ومن المؤسف أن كثيرا من هذه الأصول الحكومية، مثل حيازات الأراضي، غير سائلة، أي أنها لن تكون عونا للمسؤولين عن إدارة الدين العام. لم يكن أي من ذلك ليمثل مشكلة ما دامت أسعار الفائدة ــ وبالتالي مدفوعات خدمة الدين ــ عند مستوى الصفر أو قريبة منه. ولكن إذا ارتفعت أسعار الفائدة الآن إلى 4% على سبيل المثال، فسوف تبدأ خدمة الدين في إجهاد ميزانية الحكومة.
أبقى بنك اليابان على أسعار الفائدة منخفضة بالاستعانة بمزيج من شراء السندات والتحكم في منحنى العائد، مُستَهدِفا آجال استحقاق محددة، حيث يتركز الدين. والآن مع عودة التضخم، ينتهي هذا الدعم الذي كان ساريا بحكم الأمر الواقع. لا توجد حلول سهلة لمشكلة ديون اليابان. فالضرائب كحصة من الناتج المحلي الإجمالي أعلى من المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويؤدي عدد السكان المسنين إلى تعقيد أي محاولة لخفض تكاليف معاشات التقاعد والرعاية الصحية. والآن، تواجه اليابان، مثلها كمثل دول أخرى، ضغوطا جيوسياسية تحملها على إنفاق مزيد من الأموال على الدفاع.
الـمَخرج الوحيد من هذه الأزمة يتمثل في زيادة مقام نسبة الدين: الناتج المحلي الإجمالي. كانت الحوافز المالية التي قدمتها رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي مصممة لتحفيز النمو. فإعانات الدعم لفواتير الكهرباء، والمعونات النقدية للأسر التي لديها أطفال، والمدفوعات لصيادي الدببة المرخص لهم من الحكومة (أنت لم تُخطئ في القراءة الجملة الأخيرة) كفيلة بتحفيز الطلب.
السؤال الآن هو كيفية تحفيز العرض. قد تساعد زيادة الهجرة. وكذا السياسات التي تزيد من مشاركة الإناث وكبار السن في قوة العمل، وإعادة التأهيل الشامل للعمال الأكبر سنا، وإلغاء القيود المفروضة على قطاع الخدمات، والحوافز الضريبية لرفع مستوى التكنولوجيا من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ولكن على جانب العرض، تتحرك اليابان ببطء، إن كانت تتحرك على الإطلاق.
وعلى هذا فإن الميزانية التكميلية التي أقرتها الحكومة الجديدة تهدد بتدهور الوضع المالي وليس تحسينه. قد يكون من السابق للأوان الشعور بالذعر، ولكن السيدة واتانابي، تلك المستثمرة الأسطورية في السندات الحكومية اليابانية، تبدو الآن منتبهة تماما للمخاطر. علاوة على ذلك، ما يحدث في اليابان لا يظل في اليابان. فهو ينتقل إلى الولايات المتحدة عبر قناتين. أولا، إذا ارتفعت العوائد على السندات الحكومية اليابانية، فإنها ستصبح أكثر جاذبية مقارنة بسندات الخزانة الأمريكية، وهذا كفيل بفرض ضغوط تدفع تكاليف الفائدة الأميركية إلى الارتفاع. ثانيا، كلما زادت الصعوبات التي تواجهها اليابان في إدارة ديونها، بدأ عدد أكبر من المستثمرين في القلق بشأن بلدان أخرى مثقلة بالديون. ما يدعو إلى التفاؤل أن الولايات المتحدة لديها مـخرَج سهل. ففي الولايات المتحدة، على عكس اليابان، نجد أن الضرائب كحصة من الناتج المحلي الإجمالي أقل من المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وسد حتى نصف الفجوة في المتوسطات بين الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة من شأنه أن يقضي على العجز الأساسي في الميزانية (باستثناء مدفوعات الفائدة) ويثبت استقرار نِسَب ديونها. بطبيعة الحال، تمثل الزيادات الضريبية للولايات المتحدة ما يمثله إصلاح جانب العرض لليابان: خط سياسي ثالث.
لقد سعت إدارة الرئيس دونالد ترمب دون جدوى إلى معالجة مشكلة العجز عن طريق خفض الإنفاق الحكومي. وكانت النتيجة خفض الإنفاق الأساسي وليس الثانوي، وبالتالي التهام الإنفاق الجامعي على الأبحاث والخدمات العامة الضرورية لنمو الإنتاجية. وكان الإرث الذي خلفته «إدارة الكفاءة الحكومية» التي أنشأها ترمب عدم إحراز أي تقدم في تقليص العجز.
الآن، يركز الديمقراطيون، كما ينبغي لهم، على أزمة القدرة على تحمل التكاليف الناجمة عن ارتفاع تكاليف الغذاء، والرعاية الصحية، والإسكان. ولكن ينبغي لهم أن يقلقوا أيضا بشأن تكاليف الرهن العقاري التي ستترتب على ارتفاع أسعار الفائدة، وبشأن التضخم السام سياسيا الذي سيحدث في الوقت الذي يأملون أن يكون في عهدهم، بعد عام 2028. لن يساعد فرض ضريبة على أصحاب المليارات في سد فجوة الميزانية وصد هذه الأخطار.
المطلوب يتمثل في زيادة عريضة القاعدة ولكن تدرجية في الضرائب، إلى جانب ذلك الإغلاق الموهوم للثغرات مثل الفوائد المنقولة. يستلزم تنفيذ كل هذا وجود كونجرس مختلف تماما ورئيس مختلف تماما.
وغالبا، يتطلب الأمر اندلاع أزمة لإحداث ذلك النوع من إعادة الاصطفاف السياسي الذي قد يحقق كلا الأمرين. من المؤكد أن أزمة ديون، ترتفع خلالها معدلات التضخم وأسعار الفائدة، ستكون مؤهلة لتحقيق هذا الغرض. السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت السياسة الأمريكية قادرة على إعادة الاصطفاف في غياب أزمة من هذا القبيل.
باري إيشنغرين أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، و مستشار سياسي سابق في صندوق النقد الدولي.
خدمة بروجيكت سنديكيت