قوة الصُحبة الصالحة في تشكيل حياتنا
تاريخ النشر: 18th, May 2025 GMT
صالح بن سعيد بن صالح الحمداني
abumandar279@gmil.com
في زحمة الحياة وتقلّب الأيام يحتاج الإنسان إلى من يُضيء طريقه ويمنحه دفعة للأمام لا من يُثقله ويُعيقه، من هنا جاءت الحكمة "عاشر من يزيد حياتك حياة".
إنها دعوة لاختيار الصحبة بعناية فائقة فالصديق الحقّ ليس مجرد رفيق طريق، بل هو نبض آخر لقلبك وعين ثالثة تُبصر بها جمال العالم، للصحبة في حياة الإنسان أهمية بالغة حيث لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الآخرين؛ فالاجتماع طبيعة فطرية أودعها الله في النفس البشرية غير أن جودة هذه العلاقات هي ما يصنع الفرق بين حياة مليئة بالبهجة والنماء وحياة مُثقلة بالضيق والهموم لذلك فإنَّ اختيار من نصاحبهم هو قرار مصيري يؤثر بشكل مباشر في سعادتنا وطموحاتنا وحتى في أخلاقنا وقيمنا.
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل." وهذا تأكيد نبوي عظيم على أنَّ الصاحب قد يكون مرآتك في الحياة، فإما أن يعينك على الخير أو يجرّك إلى حيث لا تُريد.
ولو سألنا أنفسنا من هو الذي "يزيد حياتنا حياة"؟ ونتأمل الإجابة لوجدنا إنه الشخص الذي نشعر في حضرته أننا أفضل حالًا مما كنَّا عليه قبله هو الذي يحترمنا ويؤمن بنا ويدفعنا إلى الأمام، شخص ينقلنا من حال إلى حال ومن قاع الإحباط إلى قمم الإنجاز، قد يكون صديقًا وفيًّا، أو أخًا صادقًا، أو حتى معلمًا مرشدًا وملهمًا.
نجده يبعث فينا الطمأنينة دون أن يتحدَّث، ويشحذ همتنا دون أن يأمرنا وتستمد منه طاقة إيجابية تجعلك تتطلع لغدٍ أجمل لا لأنَّ الدنيا تغيرت؛ بل لأنك تغيرت بمن تصاحب.
وعند تأملنا لصفات من يجب أن نعاشرهم ونبحث جيدا نرى أن من الضرورة أن كل شخص فينا يفترض من عين الحكمة أن يحيط نفسه بأشخاص يزيدون حياته حياة، لا بد أن نبحث عن صفات معينة فيهم ومن أبرزها الإيجابية ففيها من يرى في كل تحدٍ فرصة وفي كل محنة منحة والصدق أساس متين فهو يكون مرآتك الصافية التي تعكس حقيقتك بدون زيف أو مجاملة زائدة ويكون الداعم الذي يقف بجانبك وقت الشدة قبل الرخاء والطموح الذي يشعل في داخلك شرارة السعي والتطور.
والأخلاق العالية؛ حيث يحترمك ويقدرك، ويصون غيبتك كما يصونك في حضورك، فأثر الصحبة الصالحة على حياتك بالغ الأهمية عظيم النتائج؟ فقد يظن البعض أن الصحبة أمر ترفيهي أو مجرد وسيلة لقضاء الوقت لكن الحقيقة أن الأثر أعمق بكثير. الصحبة الصالحة قد تغيّر مصير الإنسان بأكمله قد تفتح له أبواب العلم والعمل أو تقوده إلى الالتزام الديني والروحي أو حتى تحميه من السقوط في مهاوي اليأس والضياع.
إن دراسات علم النفس والاجتماع الحديثة تؤكد أن الدعم الاجتماعي وبخاصة من الأصدقاء الحقيقيين يساهم في رفع معدلات السعادة وتقليل مستويات التوتر وزيادة فرص النجاح المهني والشخصي.
وكما أن من يزيد حياتك حياةً نعمة عظيمة، فإن من يستنزف طاقتك ويثقل كاهلك يعدّ عبئًا ينبغي التخلص منه فلا تتردد في الابتعاد عن العلاقات السامة، فبعض الناس كالغبار كلما طالت صحبتهم غشوا رؤيتك وأثقلوا صدرك.
لذلك.. اعمل على تنظيف دائرة علاقاتك بين فترة وأخرى واجعل لنفسك محيطًا صحيًا يدفعك للأمام أنت تستحق أن تكون محاطًا بمن يحبك لنفسك لا لمصلحةٍ أو مصلحة زائلة.
هنا نستلهم ونقف مع المقولة "عاشر من يزيد حياتك حياة"؛ فهي ليست مجرد نصيحة عابرة؛ بل هي منهاج حياة كامل.. إنها دعوة لإعادة التفكير في اختياراتنا اليومية وفيمن نمنحهم وقتنا واهتمامنا، فالحياة قصيرة وأثمن ما نملك فيها هو الوقت والروح، فلا تُهدِرهما مع من لا يُقدِّرهما ولا تتهاون في بناء بيئة من الحب والدعم والاحترام من حولك، وابحث عن الذين حين تجالسهم تشعر أنَّ روحك تزهر وأنك أقرب إلى أفضل نسخة منك؟ فإن وجدتهم فتمسك بهم؛ فهُم زاد الطريق ورفقاء الدرب نحو حياة أجمل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نهيان بن مبارك: «حياتنا في الإمارات» شهادة على نجاح إنسانيتنا
هالة الخياط (أبوظبي)
شهد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس إدارة صندوق الوطن، افتتاح جلسات اللقاء المفتوح الذي نظمته وزارة التسامح والتعايش وصندوق الوطن مع قادة كافة الأديان الموجودة على أرض الإمارات للتعريف بالمبادرة المجتمعية التي أطلقتها الوزارة والصندوق معاً احتفاء بعام المجتمع.
وتهدف مسابقة «حياتنا في الإمارات»، التي تنطلق تحت شعار«يداً بيد»، إلى مشاركة كافة المواطنين والمقيمين على أرض الدولة تجاربهم ورؤيتهم للمجتمع الإماراتي من خلال الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
وفي كلمته الافتتاحية، قال معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان: «إن الاحترام والتقدير بين الأديان الذي تعتز به دولة الإمارات العربية ومجتمعها المتنوع لم ينشأ مصادفة، بل هو ثمرة قيادة حكيمة ورؤية ثاقبة، فصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، هو نصير حقيقي للسلام والتعايش، ويقودنا سموه بإخلاص لاحترام وفهم المعتقدات الدينية المتنوعة لكافة الذين يعيشون ويعملون في بلدنا».
وقال معاليه في مستهل كلمته: «إن الإمارات العربية المتحدة بلد فريد، ففي عالم قد تؤدي فيه الاختلافات في كثيرٍ من الأحيان إلى الانقسام، اختار وطننا الغالي طريقاً مغايراً، فنحن وطن تجتمع فيه المساجد والكنائس والمعابد اليهودية والهندوسية وغيرها بلا تعارض، بل في سلام وتفاهم، فالإمارات موطن لنحو 200 جنسية يمارسون شعائرهم الدينية بحرية وسلام، في روح من الاحترام المتبادل. ففي دولة الإمارات، كرامة المعتقد مصونة، وحق العبادة محترم ومكفول».
وأضاف معاليه: «أيها القادة الدينيون الأفاضل، الإخوة والأخوات في الإنسانية، أرحب بكم بكل احترام وتقدير صادق، فحضوركم هنا يعكس التزامكم المتواصل بتعزيز قيم السلام والتفاهم المتبادل والوئام الروحي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، لأنكم تجسدون المشاعر الصادقة لوطننا المتنوع، وتثرون مجتمعاتكم الدينية كنسيج حي في مجتمعنا، وتسهمون في تشكيل بوصلتنا الأخلاقية المشتركة، وصلابتنا الجماعية، وقوتنا الثقافية، وإيماننا بقيم التسامح والأخوة الإنسانية، ويسعدني أن أدعوكم اليوم للانضمام إلى مبادرة وطنية مهمة ترعاها وزارة التسامح والتعايش بالتعاون مع صندوق الوطن، احتفاءً بعام المجتمع، إنها مبادرة تحتفي بتجارب الحياة الحقيقية لكل من يعتبر الإمارات وطنه، من خلال الكتابة، وسرد القصص، وأشكال التعبير الإبداعي الأخرى، وهي مسابقة حياتنا في الإمارات».
واقع ملموس
وأكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، أن الهدف من «مسابقة حياتنا في الإمارات» بسيط، لكنه عميق؛ لأنه يمثل دعوة كل أفراد المجتمع، من جميع الأعمار والخلفيات والمعتقدات، لمشاركة قصته الشخصية عن معنى دولة الإمارات بالنسبة له، موضحاً أنه يمكن للمشاركين كتابة قصة قصيرة أو قصيدة أو رسالة أو مقالة أو تأمل باللغة العربية أو الإنجليزية، ليعبروا عما يعنيه لهم العيش في هذا الوطن العزيز، حيث السلام والأمن والتنوع وحرية المعتقد ليست مجرد شعارات، بل واقع ملموس.
منارة للتسامح في العالم المعاصر
أوضح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان أن «حياتنا في الإمارات» ليست مجرد مسابقة أدبية، بل هي شهادة على نجاح إنسانيتنا المشتركة، وأرشيف حي لكيفية كون دولة الإمارات منارة للتسامح في العالم المعاصر.
ودعا معاليه جميع القادة الدينيين المشاركين في اللقاء لتشجيع جماعاتهم ومتابعيهم وشبابهم وكبارهم على المشاركة في هذه المبادرة، وتحفيز قدراتهم على التأمل، ودعوتهم للكتابة، وتشجيعهم على مشاركة رحلتهم في الإمارات كأناس مؤمنين يعيشون جنباً إلى جنب مع آخرين من خلفيات مختلفة، ليكتبوا عن تجاربهم في بناء الجسور، وتربية الأسر، والاحتفال بالمناسبات الدينية، ومساعدة الجيران، وخدمة الصالح العام، وغيرها من القصص الصادقة والحقيقية مهما كانت بسيطة، فإنها ستظل قيمة كبيرة يعتز بها المجتمع الإماراتي، مشيراً إلى أن هذه القصص الشخصية التي تعبر عن الإيمان والمحبة والسلام، هي جوهر هذه المسابقة. وإنه بإسهامات جميع القادة الدينيين ومساعدتهم الصادقة سنتمكن من أن نضمن لكل عقيدة صوتها ورؤيتها، ولكل معتقد تمثيله، ولكل قصة مكانها في ذاكرتنا الوطنية.
وأوضح معاليه أن «هذه المسابقة تتضمن أيضاً تكريماً ذا معنى، حيث ستُقيَّم المشاركات بإنصاف، وسينال الفائزون جوائز وستُنشر أعمالهم في سلسلتين خاصتين من الكتب، إحداهما باللغة العربية والأخرى باللغة الإنجليزية، لتُوزَّع في أنحاء البلاد ونتشارك بها مع العالم. كما سيُكرَّم المشاركون في احتفال وطني كبير تُعزَّز فيه روح السلام والتنوع والتعايش من خلال أصوات الناس العاديين، وإن الإيمان يعلمنا أن نصغي ونحب ونأمل، وهذه المبادرة تجسد تلك المبادئ ذاتها. لأنها تدعونا لأن نصغي إلى قصص بعضنا البعض، ونتشارك رحلاتنا، ونفخر بعطاءات هذا الوطن الذي نسميه جميعاً وطننا، فلنحفز معاً مجتمعاتنا على المشاركة ومشاركة تجاربنا الشخصية المفعمة بالامتنان والفخر والسلام».
وشهدت الجلسة الافتتاحية للملتقى فيلماً وثائقياً حول المجتمع الإماراتي وتنوعه وثرائه، كما قدم عدد من المشاركين في المسابقة نماذج لمشاركاتهم لتكون مثالا للآخرين، ثم انطلقت فعاليات الجلسة الثانية تحت عنوان «جلسة تعريفية بالمشاركة في المسابقة»، والتي تضمن تقديم فكرة عامة حول المسابقة وأهدافها وكيفية المشاركة فيها عبر خطوات بسيطة وسريعة، كما تم توزيع نموذجين للمشاركة، على الحضور من القيادات الدينية والفكرية، قبل أن يتم فتح الباب للمناقشة الحرة حول مسابقة «حياتنا في الإمارات» والاستفسارات بين القادة الدينين والمسؤولين عن المسابقة.
وحضر اللقاء عفراء الصابري، المدير العام بوزارة التسامح والتعايش، وكبار القادة الدينيين والمفكرين والمؤثرين بالإمارات.
ووجه ياسر القرقاوي، مدير عام صندوق الوطن، دعوة لكافة أطياف المجتمع للمشاركة في المسابقة بكتاباتهم حول حياتهم في الإمارات، ويعبّرون من خلالها عن رؤيتهم لهذه الدولة الغالية، وعن اعتزازهم بالحياة في مجتمع قوي ومتلاحم له إنجازات هائلة ومتواصلة في كل المجالات. وبين أن المشاركات ستكون بسهولة عبر الموقع الإلكتروني: www.myuaestory.ae، مشيداً بجهود القادة الدينيين في الدولة وعلى التزامهم بالتسامح والتعايش، وعلى إسهاماتهم المقدرة في دولة الإمارات، داعياً الجميع إلى أن تتواصل جهودهم لتعزيز مكانة ونهضة هذا الوطن، وأن يستفيد الجميع من التجارب الشخصية التي يشاركها أفراد المجتمع.