لماذا يواصل بن زايد والسيسي الانتقام من القرضاوي وعبدالفتاح؟.. الثأر من 25 يناير
تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT
مع قدوم عيد الأضحى 6 حزيران/ يونيو الجاري، يمر نحو 150 يوما على إخفاء السلطات الإماراتية للشاعر المصري عبدالرحمن يوسف القرضاوي، الذي جرى اعتقاله في لبنان 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ثم ترحيله إلى أبوظبي، التي تواصل رفض جميع المناشدات الحقوقية ومطالبات أسرته بإخلاء سبيله.
وبالتوازي فشلت جميع محاولات النشطاء والمعارضين المصريين وحتى الحكومة البريطانية في إقناع رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، بإطلاق سراح الناشط علاء عبدالفتاح، رغم دخول إضراب والدته ليلى سويف، عن الطعام نحو 250 يوما، وتهديد حياتها.
تعنت بن زايد
قضية عبدالرحمن يوسف، (55 عاما) الذي يحمل الجنسيتين المصرية والتركية، ويقيم في اسطنبول، لاقت اهتماما من الصحافة الغربية، وبينها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، الذي قال إن "الشاعر ونجل العالم الإسلامي الراحل يوسف القرضاوي، مستهدف من قبل حكومتي مصر والإمارات".
ولقب القرضاوي الابن، بشاعر الثورة المصرية عام 2011، والتي أنهت حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وذلك بعد مشاركته بتأسيس "حركة كفاية" عام 2004، ليعمل لاحقا بحملة الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، الذي ترشح للرئاسة المصرية عام 2012.
وعقب الانقلاب العسكري، الذي قاده وزير الدفاع حينها ورئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، 3 تموز/ يوليو 2013، فر يوسف إلى تركيا، قبل أن تطاله حملة أمنية واسعة نتج عنها اعتقال أكثر من 60 ألف رافض لانقلاب السيسي ومعارض لسياساته، وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين الذي يمثل والده الدكتور يوسف القرضاوي المتوفى عام 2022، أحد أهم مفكريها.
وبدأ التنكيل بأسرة القرضاوي مبكرا، باعتقال السيدة علا القرضاوي وزوجها وزوجها القيادي بحزب "الوسط" حسام خلف، منتصف 2017، لتقضي في محبسها 4 سنوات من الحبس الاحتياطي لتخلي السلطات سبيلها نهاية 2021، مع مواصلة احتجاز زوجها.
بداية أزمة القرضاوي الابن، مع ظهوره بمقاطع فيديو نشرها على الإنترنت يحتفل بإزاحة رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، من "المسجد الأموي" التاريخي في دمشق، مرتديا الكوفية الفلسطينية، ومخاطبا من دعاهم بـ"العرب الصهاينة"، ملمحا إلى حكام مصر والإمارات والسعودية.
ومع مروره من الحدود السورية إلى اللبنانية جرى توقيفه، وعلى الفور سلمت أبوظبي، والقاهرة بيروت طلبين لتسليم القرضاوي إليهما، ليتم ترحيله إلى الإمارات 8 كانون الثاني/ يناير الماضي، وسط مناشدات حقوقية للكشف عن مصيره ومخاوف على حياته.
وتمكنت عائلة الشاعر المصري المختفي قسريا ولنحو 150 يوما في حبس انفرادي بمكان مجهول، دون توجيه اتهامات له أو تحديد موعد لمحاكمته، من رؤيته مدة 10 دقائق 23 آذار/ مارس، ووجهت نداء للسلطات الإماراتية للإفراج عنه، دون استجابة.
كما طالب المحامي البريطاني رودني ديكسون، وزارة الخارجية البريطانية، بالتدخل لدى الإمارات لإخلاء سبيل القرضاوي، لما لهما من شراكات استراتيجية، فيما لم يعلن عن مصير طلبه.
ويواجه القرضاوي، أحكاما بالسجن في مصر تصل 9 سنوات، وصفها حقوقيون بالمسيسة، وصدرت غيابيا في 3 قضايا تحمل اتهامات بإهانة القضاء ونشر أخبار كاذبة، في أعوام 2014، و2016، و2018.
وبمناسبة مرور نحو 150 يوما من الإخفاء القسري ليوسف، ينظم نشطاء الخميس، وقفة احتجاجية أمام "المفوضية السامية لشئون اللاجئين"، وأمام السفارة الإماراتية والتركية بالعاصمة الأيرلندية دبلن.
تعنت السيسي
وفي قضية علاء عبدالفتاح، فهو أحد نشطاء ثورة يناير 2011، والمعارضين لحكم الرئيس الراحل محمد مرسي (2012- 2013)، والمؤيدين للانقلاب العسكري، وفض الجيش والشرطة لاعتصام أنصار مرسي، في ميدان "رابعة العدوية" شرق القاهرة، إلا أن السلطات الأمنية في عهد السيسي، قامت باعتقاله مرتين عامي 2015، و2019.
وفي 23 شباط/ فبراير 2015، حُكم عليه بالسجن خمسة سنوات بتهم التظاهر، ليقضي خمسة سنوات في محبسه ويخلى سبيله 29 آذار/ مارس 2019، ليجري اعتقاله مجددا 29 أيلول/ سبتمبر 2019، والحكم عليه 20 كانون الأول/ ديسمبر 2021، بـ5 سنوات جديدة، انتهت 29 أيلول/ سبتمبر 2024، لكن السلطات تواصل احتجازه.
وعلى خلفية رفض السلطات الأمنية احتساب فترة الحبس الاحتياطي السابقة على التصديق على الحكم (من 29 أيلول/ سبتمبر 2019 وحتى 2 كانون الثاني/ يناير 2022) ضمن مدة العقوبة، فإن مدة سجنه تنتهي 3 كانون الثاني/ يناير 2027.
ودفعت إجراءات السلطات المصرية والدته الأكاديمية ليلى سويف للدخول في إضراب عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنه، منذ 30 أيلول/ سبتمبر 2024، ليدخل عبدالفتاح في إضراب مطلع آذار/ مارس الماضي، حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.
ولم تجد مطالبات لجنة خبراء بالأمم المتحدة، بإطلاق سراحه وقولها إن احتجازه "تعسفي ومخالف للقانون"، إلى جانب مطالبات الحكومة البريطانية والتي كانت آخرها الأحد والثلاثاء الماضيين عبر رئيس وزرائها كير ستارمر، ووزير خارجيتها ديفيد لامي، لم تجد لدى السلطات المصرية رد فعل إيجابي.
وفي رؤيتهم لأسباب إصرار ابن زايد والسيسي على الانتقام من ثائري ثورة "يناير 2011"، في شخصي عبدالرحمن القرضاوي وعلاء عبدالفتاح وهما من رموزها، أكد سياسيون ومحللون ونشطاء لـ"عربي21"، أن هذا التنكيل رسالة من أبوظبي والقاهرة لكل ثوار يناير وكل من يفكر في الثورة مستقبلا أو يطمح في إحياء موجة ثانية من "الربيع العربي".
ترسيخ خطاب التخويف
وأكد المتحدث الرسمي باسم "مجموعة تكنوقراط مصر"، المهندس هشام الجعراني، أنهم "يتابعون بقلق بالغ قضية الشاعر المصري، الذي لا يزال رهن الإخفاء القسري في الإمارات منذ ترحيله من لبنان، وقضية الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، المحتجز بظروف قاسية في مصر، وسط تجاهل حكومي واسع لكل النداءات الإنسانية والمحلية والدولية".
وقال لـ"عربي21"، إن "استمرار حبسهما وغيرهم من الرموز المرتبطة بثورة يناير أو بالحراك الديمقراطي، لا يمكن فهمه إلا في إطار محاولة ترسيخ خطاب التخويف من التغيير، وردع أي محاولة مستقبلية لإحياء فكرة المشاركة الشعبية أو مراجعة المسار السياسي".
ويعتقد الجعراني، أن "الرسالة المقصودة من هذا التنكيل هي أنه لا مكان لمن يفكر خارج الصندوق، ولا أمان لمن حلم بالحرية يوما"، مشيرا إلى أنهم في "مجموعة تكنوقراط مصر"، يرون أن "الدولة القوية لا تخاف من مواطنيها، بل تستمد شرعيتها من انفتاحها على النقد، وعدالتها في التعامل مع المختلفين".
وقال إن "الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بالبطش، وإنما ببناء الثقة، واحترام كرامة الإنسان، وتحقيق العدالة وسيادة القانون"، مؤكدا أن "إصرار بعض الأنظمة على معاقبة من ارتبط اسمه بالثورات الشعبية، لا يخدم استقرار الدول، بل يزيد الاحتقان ويؤخر فرص المصالحة الوطنية والتنمية المستدامة".
وختم حديثه موجها نداءه من "منطلق وطني وإنساني"، بـ"إطلاق سراح كافة سجناء الرأي، والاستجابة الفورية للمطالب الحقوقية والإنسانية، والبدء في فتح صفحة جديدة تُبنى على العقل والعلم والعدل، لا على الخوف والتنكيل".
ويقبع أكثر من 60 ألف معتقل سياسي مصري في سجون النظام المصري 12 عاما، بعدما طالتهم أحكام مغلظة في قضايا وصفتها منظمة العفو الدولية أكثر من مرة بأنها "مسيسة" وتفتقد لمعايير المحاكمات العادلة، وتتركهم السلطات الأمنية في ظل أوضاع غير إنسانية، مع رفض المناشدات الدائمة بإنهاء هذا الملف.
مصير من يفهم الحقيقة
وفي رؤيته، قال الناشط السياسي المصري الدكتور يحيى غنيم، إن "السيسي، وابن زايد أعداء لكل إصلاح حقيقي بالوطن العربي"، مضيفا لـ"عربي21"، أن "الثورات الحقيقية تمثل كابوسا لهم".
وأشار إلى أن "الأحقاد تملؤهما ضد الثوار الذين يعرفون حقيقة منهجهم بأنهم ذيول وعملاء للصهيونية العالمية، فتراهم يتفنون في الإيذاء والاعتقال والتدوير والتلفيق والبطش وعدم الشفقة بمن يفهم هذه الحقيقة".
ومضى يؤكد أن "عبدالرحمن القرضاوي، وعلاء عبدالفتاح، فهما هذه الحقيقة متأخرين، ولهما حضور شعري للأول وسياسي للثاني، فمثلهما كمثل معتقلي جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها لا مكان للعفو معهما، مهما كانت التدخلات والمناشدات".
رسالة قاسية لن تلقى استجابة
من جانبه، يعتقد الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي، أن "ما يفعله النظامان الإماراتي والمصري مع الشاعر عبدالرحمن القرضاوي والناشط علاء عبدالفتاح صورة لأبشع صور الانتقام الذي تمارسه حكومات ضد أفراد معارضين سلميين لم يستخدموا العنف أو السلاح، بل عبروا عن مواقفهم وآرائهم بألسنتهم شعرا ونثرا وكتابة على صفحات التواصل الاجتماعي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال العربي، إن "الحكومتين سخرت كل إمكانياتهما لوأد أحلام شعبيهما وبقية شعوب المنطقة في الحرية والانعتاق، ولاحقت كل من رأته من دعاة التغيير والديمقراطية".
ويرى أنها "أرادت بهذا التنكيل البشع إيصال رسالة لكل من يفكر في إحياء الربيع العربي أو ينادي بالحرية أن مصيره سيلحق بعبدالرحمن وعلاء، لكن الرسالة وإن وصلت للبعض فأربكته فإنها لم تلق أي استجابة من آخرين لا يزالون يرفعون أصواتهم طلبا للحرية والديمقراطية".
وتواصل السلطات المصرية قبضتها الأمنية الغليظة على النشطاء والمعارضين بالتوقيف والاعتقال، في إجراءات قاسية طالت آلاف المصريين، وهو ما كشف عنه مقطع فيديو لأحد ضباط الجيش يصفع عشرات الطلاب أثناء دخولهم إحدى المدارس، في واقعة لم يُعرف توقيتها وأثارت غضبا واسعا.
السر في صفقة القرن
وفي تقديره، لأسباب تنكيل السيسي وابن زايد بثوار يناير في شخصي عبدالرحمن وعلاء، قال السياسي المصري محمد سودان، لـ"عربي21"، إن "السيسي قد أُتيي به من وجهة نظري لتنفيذ (صفقة القرن)، وهو ما يسعى إليه من قبل حتي أن يستولي على الحكم ويعتقل الرئيس الشرعي المنتخب".
وفي رؤية القيادي في حزب "الحرية والعدالة" الحاكم (2012- 2013) فإن "السيسي لا ينكل فقط بثوار يناير؛ بل ينكل بكل من يعارضه أو يحاول الاقتراب من كرسي الحكم، وقد رأينا اعتقاله لقائده الذي كان يقف مطأطئ الرأس أمامه ويؤدي التحية له بكل حماس (رئيس أركان الجيش الأسبق الفريق سامي عنان)، حيث أن فارق الرتب العسكرية بينهما كان كبيرا".
وأضاف: "ومن قبله رئيسه الشرعي (الراحل محمد مرسي)، حتى الوصول إلى حبس العقيد أحمد قنصوة، والسياسي أحمد الطنطاوي، -سعيا للترشح للرئاسة 2018 و2024- ناهيك عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين، أو قيادات العديد من الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى انقلابه على كل من تعاون معه لدعم الانقلاب عندما تضاربت مصالحه معهم".
ويعني سودان، بما ذكر أن "السيسي حلقة في سلسلة العسكر المستبدين الذين تسلطوا على حكم مصر منذ انقلاب 1952"، مؤكدا أن "هذه الحفنة من العسكر تسلطوا على حكم مصر بالقوة، وأبدعوا في خرابها وقيادتها من سئ إلى أسوأ، وجعلها في ذيل الأمم".
وخلص للقول: "هذه الحفنة من العسكر لا يعملون أبدا لصالح الشعب المصري وحريته وازدهاره وتحسين مستوى معيشته؛ ولكن يعملون لمصالحهم الشخصية، ثم تنفيذ الأجندات الأجنبية التي تعينهم على الثبات فوق كراسيهم دون اهتزاز".
وعن ابن زايد، يرى السياسي المصري، أنه "منذ أن اعتلى السلطة في الإمارات وهو يعمل على تدمير الإسلام السياسي، ثم تدمير كل من يطالب بالديمقراطية أو تحرير الشعوب العربية من تسلط الحكومات الديكتاتورية، أو من يعارض هؤلاء الحكام، ونصب نفسه حامي حمى الديكتاتورية بالمنطقة العربية، وبالطبع يتعاون معه كل من يحرص على ثبات هؤلاء الحكام المستبدين فوق عروشهم".
الإمارات وثورة يناير
ومنذ اللحظة الأولى لثورات الربيع العربي التي بدأت عام 2011، بثورة تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، اتخذت الإمارات منها موقفا عدائيا، وخاصة ثورة 25 يناير 2011 في مصر، ما دفع موقع "لوب لوج" الأمريكي لتشبيه دور أبوظبي بمواجهة الربيع العربي بـ"الحملات الصليبية" في القرون الوسطى.
قدمت الدولة الخليجية الثرية الدعم المالي والسياسي لقوى "الثورة المضادة"، وشكلت غرف عمليات لدعم قوى إجهاض الثورات و"الدولة العميقة" في محاولة لإعادة الأنظمة السابقة، معلنة العداء الصريح لتيار الإسلام السياسي الذي حكم في مصر وتونس.
ومع وصول الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين لحكم مصر، بدت مخاوف الإمارات من نجاح التجربة إذ ترى في جماعة الإخوان تهديدا وجوديا لنظام حكمها ولنموذجها السياسي، فقدمت الدعم المالي والسياسي للمعارضة، مع تجميد الاستثمارات الإماراتية، ما كشفت عنه تقارير عقب الانقلاب العسكري 2013.
وأيدت أبوظبي، الإطاحة بحكم الرئيس مرسي، ودعمت انقلاب السيسي، وقدمت له إلى جانب السعودية والكويت، حزمة مساعدات مالية واقتصادية ضخمة بلغت وفق بعض التقديرات 50 مليار دولار، لتعيد شركات وصناديق أبوظبي ودبي السيادية استثماراتها بمليارات الدولارات للسوق المصري وتستحوذ على قطاعات اقتصادية واسعة في البلاد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الإماراتية المصري القرضاوي السيسي مصر السيسي الإمارات القرضاوي علاء عبد الفتاح المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جماعة الإخوان المسلمین علاء عبدالفتاح الربیع العربی من القرضاوی فی مصر
إقرأ أيضاً:
«زايد للكتاب» تحتفي بمسيرة حافلة على مدار عقدين
أبوظبي (وام)
نجحت «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، منذ انطلاقها عام 2006، في أن ترسّخ مكانتها كإحدى أبرز الجوائز الأدبية والثقافية في العالم العربي، وواحدة من أهم الجوائز العالمية من حيث القيمة والتأثير، مجسدةً بذلك رؤية دولة الإمارات في جعل الثقافة ركيزة للتنمية المستدامة، وأداة لبناء جسور الحوار والتواصل بين الحضارات.
وتمكنت الجائزة، التي تحمل اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في التحول من مبادرة وطنية للاحتفاء بالمعرفة إلى منصة دولية مرموقة تحتفي بالإبداع والمبدعين، وتسهم في إبراز الوجه الحضاري للثقافة العربية على الساحة العالمية.
وخلال تسعة عشر عاماً، استقطبت الجائزة أكثر من 33 ألف مشاركة من نحو 80 دولة، وكرّمت 136 فائزاً ضمن عشرة فروع تغطي مجالات فكرية وأدبية وثقافية متعددة، منها فروع أدب الطفل والناشئة، المؤلف الشاب، الترجمة، الآداب، الفنون والدراسات النقدية، تحقيق المخطوطات، التنمية وبناء الدولة، الثقافة العربية في اللغات الأخرى، والنشر والتقنيات الثقافية، إلى جانب فئة «شخصية العام الثقافية» التي تُمنح لتكريم الإسهامات النوعية في الحقل الثقافي، وساهمت الفروع في تعزيز الحضور العربي على الخارطة الثقافية الدولية من خلال تكريم كتّاب ومفكرين وناشرين تركوا أثراً واضحاً في المشهد الأدبي والفكري، وأسهموا في ترسيخ مفاهيم الهوية والانفتاح والتنوع.
دورات وإنجازات
بدأت الجائزة دورتها الأولى عام 2007 مع تسجيل 1.220 ترشيحاً، وتم منح لقب «شخصية العام الثقافية» للمترجم البريطاني الدكتور دينيس جونسون ديفيز، تقديراً لإسهامه في نقل الأدب العربي إلى اللغة الإنجليزية.
وفي الدورة الثانية عام 2008، استقبلت الجائزة 731 مشاركة، وذهبت جائزة «شخصية العام الثقافية» إلى وزير الثقافة المغربي السابق محمد بن عيسى. والدورة الثالثة عام 2009 شهدت 621 مشاركة، وفاز بالجائزة الإسباني بيدرو مارتينيز مونتافيز.
أما الدورة الرابعة عام 2010، فقد كرّمت صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، عن جائزة «شخصية العام الثقافية»، وبلغ عدد الترشيحات حينها 693.
وفي الدورة الخامسة عام 2011، استقبلت الجائزة 715 مشاركة، وفاز المستشرق الصيني تشونج جي كون، تقديراً لمسيرته العلمية في خدمة اللغة العربية. وفي الدورة السادسة عام 2012، بلغ عدد الترشيحات 560 عملاً، وحصدت منظمة اليونسكو الجائزة تكريماً لدورها في تعزيز الحوار الثقافي. وشهدت الدورة السابعة لعام 2013 تسجيل 1,262 ترشيحاً، وفاز بلقب «شخصية العام الثقافية» فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر.
أما الدورة الثامنة لعام 2014، فبلغت المشاركات 1,482، ومنحت الجائزة للعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. وفي عام 2015، سجّلت الدورة التاسعة 1,024 مشاركة، وفاز بجائزة «شخصية العام الثقافية» صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي «رعاه الله».
وفي الدورة العاشرة عام 2016، سجلت الجائزة 1,169 مشاركة من 33 دولة، وتُوّج الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف بلقب «شخصية العام الثقافية». وفي 2017، سجلت الدورة الحادية عشرة 1,175 مشاركة من 54 دولة، ومنحت الجائزة للمفكر المغربي الدكتور عبد الله العروي.
وفي الدورة الثانية عشرة عام 2018، استقبلت 1,191 مشاركة، وذهبت جائزة «شخصية العام الثقافية» إلى معهد العالم العربي في باريس. وفي عام 2019، بلغ عدد الترشيحات 1,500 من 35 دولة، ومنحت الجائزة للأكاديميين الدكتور ياروسلاف ستيتكيفيتش والدكتورة سوزان ستيتكيفيتش.
أما الدورة الرابعة عشرة لعام 2020، فقد استقبلت 1,900 مشاركة، وفازت الشاعرة والمترجمة الفلسطينية الراحلة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي. وشهدت الدورة الخامسة عشرة في عام 2021 تسجيل 2,349 ترشيحاً، لترتفع في الدورة السادسة عشرة عام 2022 إلى أكثر من 3,000 ترشيح من 55 دولة، ومنحت الجائزة للناقد الدكتور عبد الله الغذّامي.
أما الدورة السابعة عشرة لعام 2023، فقد سجّلت 3,151 ترشيحًا من 60 دولة، وفاز الموسيقار المصري عمر خيرت بجائزة «شخصية العام الثقافية». وفي الدورة الثامنة عشرة لعام 2024، بلغ عدد الترشيحات 4,240 من مختلف القارات، ومنحت الجائزة لمؤسسة «البيت العربي» في إسبانيا.
وفي الدورة التاسعة عشرة لعام 2025، شهدت أكثر من 4,000 ترشيح من 75 جنسية، وفاز بجائزة «شخصية العام الثقافية» الروائي الياباني العالمي هاروكي موراكامي، تقديرًا لإسهاماته الأدبية العابرة للثقافات، وساهمت في مد جسور الحوار بين الشرق والغرب.
وشارك في الدورة التاسعة عشرة وحدها 75 دولة عربية وأجنبية، بينها 5 دول للمرة الأولى هي: ألبانيا، بوليفيا، كولومبيا، ترينيداد وتوباغو، ومالي. وتصدّرت مصر قائمة الدول الأعلى مشاركة، تلتها العراق، المغرب، والسعودية، في حين جاءت الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا في مقدمة الدول الأجنبية.
فروع الجائزة
أما من حيث الفروع، فحل فرع المؤلف الشاب أولًا ب1,034 مشاركة (26%)، تلاه فرع الآداب بـ 1,001 مشاركة (25%)، ثم فرع أدب الطفل والناشئة ب439 مشاركة (11%)، يليه فروع الفنون والدراسات النقدية، والتنمية وبناء الدولة، وفرع الترجمة، والثقافة العربية في اللغات الأخرى، وتحقيق المخطوطات، والنشر والتقنيات الثقافية، وشخصية العام الثقافية.
وكانت الجائزة قد استحدثت عام 2013 فرع «الثقافة العربية في اللغات الأخرى» لتكريم المؤلفات الصادرة باللغات الأجنبية عن الثقافة العربية. كما أطلقت عام 2023 فرع «تحقيق المخطوطات» ليشكّل إضافة نوعية في دعم التراث.
وفي عام 2018، أطلقت «منحة الترجمة» التي ساهمت منذ 2019 وحتى منتصف 2025 في إصدار 48 ترجمة إلى 12 لغة، لأعمال أدبية وفكرية بارزة مثل: «الدينوراف»، «خريف البراءة»، و«في أثر عنايات الزيات»، وحظيت هذه الترجمات بإشادات نقدية في معارض وفعاليات دولية.
مشاركات وفعاليات
سجّلت مشاركة النساء ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 17% خلال ثلاث دورات فقط، حيث ارتفعت ترشيحات النساء من 1,042 في الدورة السابعة عشرة إلى 1,218 في الدورة التاسعة عشرة، كما فازت كاتبات في فروع متعددة، وشاركت أسماء نسائية في لجان التحكيم والمجالس العلمية، مما عزز حضور المرأة في المشهد الثقافي.
وعلى المستوى الدولي، نظّمت الجائزة أكثر من 200 فعالية في مدن عالمية مثل باريس، فرانكفورت، نيويورك، طوكيو، نيودلهي، مدريد، ولندن، بالتعاون مع دور نشر وجامعات ومراكز أبحاث. كما طورت منصة إلكترونية متقدمة لاستقبال الترشيحات والتحكيم، ونشرت تقارير دورية تدعم الشفافية وتعزز الأداء المؤسسي.
حاضنة الإبداع
تبلغ القيمة الإجمالية للجائزة 7,750,000 درهم إماراتي، وتُمنح عبر عشرة فروع تغطي الأدب، والترجمة، وأدب الطفل، والمؤلف الشاب، والفنون والدراسات النقدية، والثقافة العربية في اللغات الأخرى، وتحقيق المخطوطات، والتنمية وبناء الدولة، والنشر والتقنيات الثقافية، وشخصية العام الثقافية.
وتُعد الجائزة مستقلة ومحايدة، تُكافئ التميز وتدعم المبدعين العرب والعالميين. واليوم، وبعد قرابة عقدين على انطلاقتها، تواصل «جائزة الشيخ زايد للكتاب» مسيرتها بوصفها حاضنة للإبداع، ومنبرًا للثقافة العربية، تجسيدًا لرؤية دولة الإمارات في بناء مستقبل ثقافي مستدام.