لجريدة عمان:
2025-07-28@00:14:50 GMT

معنى معاداة السامية

تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT

معاني المصطلحات والمفاهيم محددة في العلوم الطبيعية والعلوم الدقيقة exact sciences، ولكنها في العلوم الإنسانية بمعناها الواسع تظل فضفاضة، بل تفقد أحيانًا دلالاتها الأصلية بما يطرأ عليها بمرور الزمن من تأويلات خاطئة تنأى عن معانيها الحقيقية. ولذلك، فإن إحدى المهام الرئيسة للفلسفة هي تنقيح المصطلحات والمفاهيم وتحديد معانيها، بل إن من مهامها إعادة النظر في المصطلحات والمفاهيم الفلسفية ذاتها التي اغتربت عن أصولها الأولى وتشوهت أو انحرفت معانيها، وتلك هي المهمة التي يقوم بها كبار الفلاسفة العارفين بفقه اللغة، ومنهم هيدجر على سبيل المثال.

ومن المصطلحات الشائعة في العلوم الاجتماعية (خاصة في العلوم السياسية)، وأصبحت متداولة في حياتنا اليومية في الصحف والأخبار: مصطلح «السامية» أو بالأحرى مصطلح «معاداة السامية» antisemitism. فكيف نشأ هذا المصطلح؟ وما أصوله التي يستند إليها؟

أول من استخدم هذا المصطلح هو الباحث الألماني فيلهلم مار سنة 1879 لوصف حالة العداء لليهود التي تفاقمت خلال القرن التاسع عشر، وقد شاع تداول هذا المصطلح بعد ذلك. والواقع أنه كانت موجات من حالات العداء والكراهية لليهود عبر التاريخ، منها: كراهية المسيحيين لليهود باعتبارهم المسؤولين عن صلب المسيح، والطرد من إنجلترا سنة 1290، ومذابح اليهود الإسبان سنة 1391، وملاحقات محاكم التفتيش الإسبانية لليهود وطردهم من إسبانيا سنة 1492، والمجازر التي تعرضوا لها في أوكرانيا في القرن السابع عشر، وفي روسيا في القرن التاسع عشر، والمحارق النازية لهم في القرن العشرين؛ فضلًا عن تهجيرهم من البلاد العربية، فلم يبق منهم سوى جالية بمملكة المغرب، وجماعات ضئيلة في جربا بتونس.

ويحق للمرء التساؤل عن أسباب هذا العداء لليهود عبر التاريخ من جانب دول وشعوب مختلفة، وهي أسباب عديدة بلا شك، ولكننا سوف نحجم عن الخوض فيها هنا. وبعد نشأة الصهيونية، قامت جماعات الضغط اليهودية بترويج مصطلح «معادة السامية» بشكل هائل في نوع من المظلومية، إلى أن تمكنت في النهاية من دفع الحكومات الغربية من إقرار قانون يجرم معاداة السامية باعتبارها جريمة عنصرية بحق اليهود! وهكذا أصبحت «معاداة السامية» تعني «معاداة اليهود»؛ لأن كلمة «سامي» أصبحت مرادفة لكلمة «يهودي»!!

وهنا ينبغي أن نفهم أولًا معنى مصطلح «السامية» كي يمكن أن نقف على معنى «معاداة السامية». إن التوحيد بين السامية أو الساميين وبين اليهود هو تصور مغلوط؛ لأنه- كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»- ناتج عن جهالة الباحثين الأوربيين في القرن التاسع عشر بالحضارات الشرقية، وبتنوع الانتماءات العرقية والإثنية واللغوية للجماعات اليهودية؛ ثم إنه ناتج عن فهم للمصطلح يضرب بجذوره في الفكر العنصري الغربي الذي يرمي إلى التمييز الحاد بين الحضارات والأعراق (الجزء الأول، ص. 137).

وحتى عندما يميز بعض الباحثين المعاصرين بين «معاداة اليهودية» و«معاداة السامية» على أساس أن الأولى هي عداء ديني للعقيدة اليهودية، بينما الثانية هي عداء لليهود بوصفهم عرقًا؛ فإن هذا التمييز لا يزال غيرَ شافٍ؛ لأنه يظل ناتجًا عن تصور عنصري. فالشعوب السامية هي الشعوب التي تنتمي إلى جنس كان في الأصل ولا يزال يتحدث اللغات السامية: كالعربية والعبرية، أو كان يتحدث اللغات السامية المنقرضة: كالآشورية والآرامية والفينيقية؛ وبالتالي يمكن القول من جانبنا بأن عرب الجزيرة والشام (من المسلمين والمسيحيين) يشكلون الأغلبية العظمى من الساميين، أما اليهود فلا يشكلون أغلبية الساميين، ولا يدخلون في عداد الساميين باعتبارهم جنسًا أو عرقًا بعينه؛ ببساطة لأنه فكرة «نقاء الأجناس البشرية» أصبحت الآن من الخرافات العلمية، ولقد وُصفوا بأنهم ساميون لأنهم كانوا الجنس الوحيد في أوروبا الذي يتحدث لغة سامية.

وفضلًا عن ذلك، فإن اليهود المعاصرين ينتمون إلى أجناس وأعراق متباينة، منهم الأوروبيون والآسيويون والعرب من أصول آسيوية والحاميون من الحبش وغيرهم (والجميع من أبناء نوح).

وعلى هذا فلا يمكن احتكار اليهود للسامية على أساس من العرق أو على أساس من الدين كما أسلفنا؛ لأن مفهوم «العداء للسامية» بهذا المعنى الخاطئ يصبح مفهومًا عنصريًّا، ومع ذلك فإنه هو المفهوم السائد حتى يومنا هذا، وهو السلاح القانوني الذي يتم إشهاره في وجه كل مَن ينتقد اليهود أو يعاديهم باعتباره مرتكبًا لجريمة العداء للسامية.

ولكن كل ما تقدم قد يثير في أذهاننا السؤال التالي: إذا كان أصحاب الأصول العربية ينتمون إلى الجنس السامي، فلماذا لا نعتبر العداء لكثير من العرب المسلمين في الغرب نوعًا من العداء للسامية، وهو ما يتبدى أحيانًا في كراهيتهم والنظر إليهم باعتبارهم جنسًا أدنى أو محتقَرًا؟ ولقد تبدت هذه الكراهية مؤخرًا بوضوح في كراهية إسرائيل لشعب فلسطين باعتباره شعبًا يستحق القتل والإبادة التي تحدث على مرأى ومسمع من العالم مع عجز المنظمات الدولية عن التدخل لإنقاذه، ومن دون اعتبار ذلك نوعًا من معاداة السامية بالمثل. أفلا يدل ذلك على أن هذا المصطلح بشكله العنصري المتداول في عالمنا هو مصطلح مصنوع بفعل جماعات الضغط الصهيونية. خلاصة القول: إن العداء للسامية لا ينبغي النظر إليه باعتباره عداءً لعرق أو جنس بعينه، ولا باعتباره عداءً لليهود حصريًّا، وإنما باعتباره عداءً لأي جنس له أصول سامية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العداء للسامیة معاداة السامیة هذا المصطلح فی العلوم فی القرن

إقرأ أيضاً:

النيجيرية شيماماندا أديتشي.. معنى أن تكون صاحب بشرة ملوّنة

الشتات الإفريقي في الولايات المتحدة من وجهة نظر نسوية، هو محور “جمع الأحلام”، للكاتبة النيجيرية الأميركية شيماماندا نغوزي أديتشي، التي تتناول العلاقات بين الأميركيين من أصول أفريقية، والأفارقة المهاجرين في أوروبا، انطلاقاً من حكايات النساء في عالمها.

ولدت الكاتبة في مدينة نسُكا عام 1977، وهي المدينة نفسها التي عاشت فيها بمنزل كان يسكنه الكاتب النيجيري الشهير شينوا أتشيبي، فتأثرت به أدبياً. ثم انتقلت بعدها للدراسة في الولايات المتحدة، وحصلت على ماجستير في الكتابة الإبداعية، وفي الدراسات الإفريقية.

الرواية صدرت باللغة الإنجليزية والفرنسية عن (دار غاليمار) في مارس 2025، ولقيت اهتماماً واسعاً، وذلك بعد 12 عاماً من إصدار الكاتبة رواية “أمريكانا”، التي عرفت نجاحاً باهراً حينها، وخصوصاً أن الكاتبة تتمتع بنظرة نقدية ثاقبة، تجاه واقع ذوي البشرة الملوّنة في أميركا والعالم، وخصوصاً النساء منهم.
أربع نساء وأربع حكايات

تتبع الرواية مصير 4 شابّات إفريقيات في “أدغال” أميركا الحضرية. شيا، الشخصية الرئيسة، وهي نيجيرية من عائلة ثرية تحلم بالكتابة، وتنشر مقالات عن أدب السفر. خلال فترة الجائحة، تبدأ بجمع أحلامها المتعلقة بقصصها العاطفية.

زيكورا، صديقة شيا، محامية تحلم باستعادة أب ابنها، الذي أجبرت على تربيته بمفردها.
كتاب جمع الأحلام – gallimard.fr

أما أوميليغور، فهي ابنة عم شيا، سليلة أكاديميين نيجيريين، جمعت ثروة كبيرة من عملها في مصرف، يراكم أمواله أساساً من طريق الفساد والتهرّب الضريبي، وهي لا تفتأ تسأل عن معنى الحياة. عادت إلى نيجيريا، وحاولت مساعدة النساء النيجيريات من خلال أموال البنك.

أما كادياتو، فتدور حولها سرديات الرواية وتلتقي عندها، التقت بها شيا خلال إقامة لها في واشنطن، في الفندق الذي كانت تعمل فيه. وصارت تقيم باستمرار في منزل شيا كمكلفة بالخدمة.

شخصية كادياتو مستوحاة من نوفيساتو ديالو، المرأة الغينية التي كانت في قلب الحدث الشهير، عندما اعتقل مدير صندوق النقد الدولي سابقاً، بعد اتهامه باعتداء جنسي عليها.

بخصوص هذا الحدث الذي تابعه العالم، أوردت الكاتبة في نهاية الرواية أنها تناولته، “لأن تلك القصة لامست نقاطاً عدّة حساسة في الحياة الأميركية المعاصرة: السلطة، والاعتداء الجنسي، النوع الاجتماعي، والهجرة والعرق”.
تهمة البشرة الملونة

كانت مسألة العرق أساسية في تحديد الكثير من ملابسات الأحداث في الرواية، كانعكاس لما يعتمل في مجتمع متعدّد الإثنيات، وخصوصاً من هم من أصحاب الجذور الإفريقية. لكن الكاتبة لا تقع في فخ الإشارة المباشرة أو التركيز على التاريخ المرير والسيء للعبودية، بقدر ما تنقّب في آثارها المستمرة إلى يومنا هذا، على حيوات شخصياتها بشكل يجعله أبلغ تأثيراً.

في خضم زخم السرد، تستعيد الكاتبة اضطرار كل من له بشرة سوداء في أميركا وأوروبا، إلى إعلان حسن نواياه، وتبرير وجوده في أماكن معينة. على غرار زيكورا المحامية الناجحة، التي اضطرت إلى التكيّف مع واقع، أنها المرأة الوحيدة ذات البشرة الملوّنة في مكان عملها بوزارة العدل”.

كذلك شيا، البطلة، التي تجد نفسها دائماً في موقف الشك، بسبب الثروة التي تملكها عائلتها، والتي تسمح لها بالعيش الرغيد. حدّثها صديقها عن شخص أميركي يناضل كي تحصل عائلة إفريقية مهاجرة على أوراق إقامة، واصفاً إياها بعائلة إفريقية حقيقية، ليس كعائلتك، فتعقّب عليه قائلة :” كأن الثراء جعل منا أفارقة غير أصليين، أفارقة مشكوك في نقائهم”.

يقول بشيء من المزاح :”هل تعلمون أن أجداد شيا باعوا على الأرجح أجدادي؟ إنها وريثة ثروة قديمة تعود لقرون. على هذا الساحل من غرب إفريقيا، لم يكونوا يبيعون للناس البيض فواكه النخيل فقط”.

تؤثر تلك التفاصيل بقوة في مسار الرواية، حين يتعلق الأمر بالإفريقي المهاجر، أما الأميركي ذو البشرة الملوّنة، فلون جواز سفره الأزرق يعوّض لون بشرته وييسّر له كل المسالك في العالم.

تقارن الكاتبة هذه الحالة مع حالة الملونين الفرنسيين، فتكتب “أن هؤلاء بشرتهم رمادية، كما لو أن الاحتقار الودي الذي تكنّه فرنسا لمواطنيها السود، شكّل طبقة رماد فوق جلودهم [..] هم يبدون رماديين وباهتين”.

تضيف: “يعامل الفرنسيون المواطنين الملوّنين وكأنهم قمامة، لكن إن كنتَ أميركي من أصل إفريقي، فالأمر يُحتمل نوعاً ما”.
العنصرية كمنظومة مقنّعة

ترفض الكاتبة التعامل مع العنصرية كحدث معزول. بل تربطها ببنية متكاملة تمارس هيمنتها بشكل رمزي في طريقة التعامل، التي تظهر عبر الإعلام والنظام القضائي والوعي الجمعي. وهو ما أبرزته أساساً من خلال بطلتها كادياتو، الخادمة الغينية التي تجد نفسها محكومة ليس فقط بواقعة الاعتداء، بل بأسلاك خفية من التحيّز والعنف الرمزي.

لم يعاقب الرجل الأبيض المتهم، بل تمّ إسقاط القضية عنه لأن دفاعه كان قوياً، بنىاه على ضعف موقف الضحية المحكومة بشتى الظروف غير المساندة.

إنها مثال للمهاجرين الأفارقة في أميركا، الذين لا حول لهم ولا قوة، المُجبَرين على الانضباط مع واقع لا يتفق مع حياة وتقاليد سابقة، تسود فيها المعتقدات المختلفة وسلطة الذكورة على الأنوثة، إلى جانب العنصرية المقنّعة.

تتطرّق الكاتبة إلى الإرث الاستعماري الذي ما زال يحكم نظرة الغرب إلى الأجساد الملوّنة، وخصوصاً منها أجساد النساء. ولهذا تعتبر مآل قضية كادياتو خطأ يجب تصحيحه، عن طريق الإبداع الروائي، بكتابة سردية مختلفة، كي “نوازن كفّة القص، فالقصص تموت وتُمحى من الذاكرة الجمعية فقط، لأنها لم تُروَ”.

تضيف: لا يجب أن ينتصر سرد واحد فقط، لأن السرديات الأخرى تم إسكاتها، الأدب يحافظ على الإيمان، ويعيد سرد القصة كتذكرة، كشهادة، كتوثيق”.

نظرت وسائل الإعلام العالمية إلى كادياتو ليس كإنسانة، بل كجسد يمكن التلاعب به، وامرأة مجرّدة من كل شيء، في محكمة كل ما فيها غريب عنها، حيث يتحدث أميركيون غرباء بسرعة، ويوردون اسمها على ألسنتهم، فيفتتون حكايتها إلى قطع صغيرة بسكين، يمزقونها ويدعون النسور إلى الوليمة، بينما هي ممددة هناك، ما تزال على قيد الحياة، وجراحها مكشوفة أمام أنظار الجميع”.

من خلال ذلك، تؤكد أديتشي النيجيرية، أنها صوت أدبي معاصر بارز، نسجت في روايتها سرداً إنسانياً موجعاً، تعيد فيه الاعتبار للنساء الإفريقيات المنسيات في زوايا العالم الواقع تحت سيطرة العولمة، وتلقي الضوء بجرأة على أشكال العنصرية الصريحة والمقنّعة. وهي فعلت ذلك في إطار قصص حب عاطفية، مليئة بالتفاصيل المشوّقة المكتوبة بأسلوب أدبي جميل.

كتبت أديتشي روايتها هذه، كرد فعل عن الحزن العميق الذي ألمّ بها، عقب وفاة والدتها، قائلة:: “مات والدي فجأة عام 2020، وكان أول أستاذ إحصاء في نيجيريا، ثم تلقيت الصدمة الثانية بوفاة والدتي بعد أشهر عام 2021”.

تضيف: “كنت منهارة تماماً، ولم يكن أمامي خيار إلا إعادة إحياء الخيال. هكذا بدأت كتابة “جمع بالأحلام” ولم أدرك السبب،إلا عندما شارفت على إنهائه، فصرخت: “يا إلهي، إنه عن أمي”. إنها كتابة من داخل الذات، ضد الوجع الكبير.

مبارك حسني – الدار البيضاء – الشرق للأخبار

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حماس: لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الحصار والتجويع
  • حماس: لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الحصار والإبادة في غزة (شاهد)
  • حماس : لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الحصار والإبادة والتجويع
  • لوموند: ما معنى أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين؟
  • رئيس مجلس القضاء الأعلى يؤكد استمرار محكمة النقض في أداء رسالتها السامية
  • عندما تطالب الأقلية بتغيير الأغلبية: تأمل في معنى التعايش
  • النيجيرية شيماماندا أديتشي.. معنى أن تكون صاحب بشرة ملوّنة
  • شركة طيران تتعرض لهجوم بسبب طردها لعدد من اليهود..فيديو
  • يهدف لمنع انتقاد إسرائيل.. تعريف جديد لـمعاداة السامية يثير الغضب في الجامعات الأمريكية
  • تعلن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن إنزال مناقصة عامة