حمود بن علي الطوقي

 

مع بداية الإجازة الصيفية لطلبة المدارس والكليات، تتجدَّد الحاجة إلى مبادرات تُمكِّن الشباب من استثمار أوقاتهم بما يعود عليهم وعلى مُجتمعهم بالنفع والفائدة. وفي هذا السياق، أجدُ من الأهمية بمكان التذكير بتجربة ناجحة عاشها جيل الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حينما كانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل- آنذاك- تُشرف على برامج عمل صيفية تُتيح للطلبة فرصًا حقيقية للتدريب والعمل المؤقت خلال العطلة، في القطاعين الحكومي والخاص، مقابل مكافآت رمزية، مع منحهم شهادات معتمدة توثق تلك التجربة.

لقد كان لهذه المبادرة، التي باتت اليوم ذكرى جميلة لدى جيل بأكمله، أثر بالغ في تعزيز قيم المسؤولية والانضباط، وتنمية المهارات العملية، وبناء الثقة في النفس لدى الشباب. وكانت، بحق، مدرسة حقيقية يتعلم فيها الطالب من الحياة والواقع، خارج أسوار المدرسة أو الجامعة.

واليوم، ومع عودة الإجازة الصيفية، أرفع إلى وزارة العمل الموقرة مقترحًا لإحياء هذه المبادرة بصيغة جديدة ومعاصرة، تحت مسمى "برنامج العمل الصيفي للشباب"، يشجع طلبة المدارس والكليات على خوض تجربة العمل خلال شهري الصيف. تقوم الوزارة، بصفتها الجهة المشرفة على سياسات التوظيف وتنمية الموارد البشرية، بتسهيل التحاق الطلبة بالمؤسسات الحكومية أو الخاصة، عبر إصدار خطابات رسمية موجهة للجهات المستهدفة، لتسهيل قبولهم كمتدربين مؤقتين.

وبموجب هذا البرنامج، نقترح أن يُمنح المتدرب أجرًا رمزيًا يُقدر بـ100 إلى 150 ريالًا عُمانيًا شهريًا، إضافة إلى شهادة تدريب رسمية من الجهة المُضيفة، تُضاف إلى سجله المهني وتُعزز من فرصه مستقبلاً في سوق العمل.

هذه المبادرة، برأيي، لا تخدم الشباب وحدهم، بل تعود بالنفع على كافة الأطراف:

       •      فهي تفتح أمام الطلبة آفاقًا جديدة لاكتشاف ميولهم وقدراتهم.

       •      وتُساعد المؤسسات في استقطاب طاقات شابة يُمكن الاستفادة منها مستقبلًا.

       •      كما تُسهم في ترسيخ ثقافة العمل المبكر، وتعزيز القيم المهنية والانضباط.

العديد من الشركات اليوم تستقبل طلبات من شباب راغبين في التدريب الصيفي، لكن يفتقرون إلى مرجعية رسمية تدير هذه العملية. ومن هنا، تأتي أهمية إشراف وزارة العمل، بما يُحقق التنظيم والعدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع.

إنَّ إعادة إحياء مثل هذه البرامج ليست ترفًا، بل ضرورة وطنية لبناء جيل واعٍ، ومهني، ومنتج. فالتجربة العملية في سنوات التكوين لا تُقدّر بثمن، لأنها تُشكّل حجر الأساس في شخصية الإنسان ومسيرته المهنية.

فهل نرى هذه المبادرة ترى النور من جديد؟!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التقاعد بعد 30 عامًا… خطوة إنقاذ قبل فوات الأوان

 

 

 

 

 حمود بن سعيد البطاشي

 

مع تنامي التحديات الاقتصادية في سلطنة عُمان، وارتفاع أعداد الباحثين عن عمل ونسبة المُسرَّحين في القطاع الخاص، تعود إلى الواجهة قضية بالغة الأهمية، وهي: ضرورة إعادة النظر في بقاء الموظف الحكومي في عمله بعد تجاوزه 30 عامًا من الخدمة.

هذه القضية ليست مطلبًا اجتماعيًا عابرًا؛ بل أصبحت اليوم ركيزة أساسية في النقاشات المرتبطة بسوق العمل، والاستقرار الأسري، ورؤية "عُمان 2040".

المؤسسات الحكومية، بطبيعتها، مسؤولة عن تحقيق التوازن بين كفاءة الأداء وبين فتح المجال أمام الأجيال الجديدة. ومع ذلك، فإنَّ واقع الحال يكشف عن تراكمات ممتدة لعقود، أغلقت الباب أمام آلاف الشباب الطامحين لبدء مسارهم الوظيفي. وفي مقابل هذا الانسداد، يتابع المجتمع قصصًا مؤلمة تتكرر يوميًا في بيوت الباحثين عن عمل وأسر المسرّحين؛ قصصًا تمسّ لقمة العيش، والاستقرار النفسي، وقدرة الإنسان على مواجهة متطلبات الحياة.

3 عقود من الخدمة… هل تكفي؟

من منظور إداري وتنظيمي، تُعد مدة 30 عامًا زمنًا كافيًا لإتمام دورة العمل الوظيفي؛ فخلال هذه السنوات يصل الموظف عادة إلى ذروة خبرته، ويكون قد قدّم ما يكفي من العطاء، وحقق أعلى الترقيات الممكنة، واستفاد من تجارب طويلة في خدمة المؤسسة والدولة.

لكن استمرار بقائه لما بعد هذه المدة- رغم تقديرنا واعتزازنا بكل من خدم الوطن بإخلاص- يخلق حالة من الجمود الوظيفي؛ إذ تُغلق المناصب القيادية والمتوسطة، وتتراكم سنوات الانتظار أمام الشباب الذين يحملون مؤهلات وشهادات حديثة، ويملكون طاقة وقدرة على الابتكار والإنتاج السريع، ويبحثون عن فرصة واحدة فقط لفتح أبواب المستقبل.

ولم تعد البطالة أو التسريح أخبارًا اقتصادية تقرأ في صفحات الجرائد أو مواقع الإنترنت والمنصات؛ بل أصبحت واقعًا مؤلمًا في كثير من البيوت؛ فهناك أبٌ فقد وظيفته في لحظة، وشاب ينتظر منذ سنوات دون بارقة أمل، وأمٌ تحتضن أبناءها وهي قلقة من مستقبلهم، وشهادات جامعية تتراكم دون استخدام. لقد انتقلت الأزمة من كونها مسألة معيشية إلى قضية تمسّ الأمن الاجتماعي.

وحين يفقد الشاب مصدر دخله، أو يعجز عن بدء حياته المهنية، تتأثر الأسرة بأكملها: نفسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا. وفي مجتمع يقوم على التكافل مثل المجتمع العُماني، تصبح كل قصة من هذه القصص مسؤولية عامة تتطلب حلولًا عملية.

غياب الإحلال الوظيفي.. أصل المشكلة

الإحلال الوظيفي مبدأ إداري معمول به عالميًا، ويهدف إلى ضمان تدفق مستمر للخبرات الجديدة داخل المؤسسات. لكن غياب تطبيق هذا المبدأ بشكل فعال خلال السنوات الماضية جعل نظام الخدمة الحكومية أقل مرونة في استيعاب التحديات.

وليس من المنطقي أن تنتظر الدولة استيعاب الباحثين عن عمل بينما تستمر الوظائف مشغولة بنفس الكوادر منذ أكثر من ثلاثة عقود. الإحلال ليس انتقاصًا من قدر الموظف المخضرم، بل هو عملية تنظيمية تحفظ للمؤسسات ديناميكيتها، وتحمي السوق من الاختناق.

والتقاعد الإجباري بعد 30 عامًا لا يعني التخلي عن الموظف؛ بل إعادة توجيه دوره بطريقة تحفظ كرامته وتحقق منفعة وطنية. فمن يحصل على حقوقه القانونية الكاملة يمكنه: بدء مشروع صغير، أو العمل في الاستشارات والتدريب، أو استثمار خبرته في القطاع الخاص، أو الانخراط في مبادرات تنموية ومجتمعية.

وبهذا يتحوّل التقاعد من عبء إلى حلقة جديدة في سلسلة التنمية. في المقابل، فإن الإبقاء على العدد نفسه من الموظفين داخل المؤسسات الحكومية يرفع من تكاليف الرواتب، ويقلل فرص توظيف الشباب، ويؤثر مباشرة على حركة الاقتصاد المحلي.

من الناحية القانونية، يمكن تنظيم عملية التقاعد الإجباري من خلال:

1. تحديد حد أقصى للخدمة بـ30 عامًا عبر نص تشريعي واضح.

2. ضمان حقوق الموظف كاملة وفق قانون معاشات ما بعد الخدمة.

3. إقرار فترة انتقالية تدريجية لتطبيق النظام دون إرباك.

4. تطبيق القرار على جميع الجهات الحكومية بصورة شاملة منعًا لعدم العدالة.

5. ربط القرار ببرنامج وطني للإحلال وتوظيف الشباب وفق أولويات مدروسة.

بهذا الإطار يصبح التقاعد الإجباري ممارسة تنظيمية لا تمس حقوق الموظفين، وإنما تعيد تنظيم سوق العمل بما ينسجم مع التحديات الاقتصادية الراهنة.

إنَّ التحديات التي نراها اليوم في بيوت الباحثين عن عمل والمسرّحين ليست هامشية ولا قابلة للتأجيل. إنها أزمة تتطلب قرارًا شجاعًا يعيد التوازن لسوق العمل، ويحمي الأسر من مزيد من الضغوط، ويفتح أبواب الأمل للشباب الذين ينتظرون فرصتهم منذ سنوات.

التقاعد بعد 30 عامًا من الخدمة ليس إقصاءً لأحد؛ بل خطوة إنقاذ وطنية تعيد الحياة للدورة الوظيفية، وتُنعش الاقتصاد، وتضمن استدامة التنمية. فالوطن يسع الجميع، فقط حين تتحرك عجلة الفرص بعدالة واتزان.

مقالات مشابهة

  • الداخلية تواصل فعاليات المرحلة الـ27 من «كلنا واحد» لتوفير السلع بأسعار مخفضة
  • مواصلة فعاليات مبادرة «كلنا واحد» لتوفير مستلزمات الشتاء بأسعار مخفضة
  • طلاب جامعة عمان العربية يطلقون مبادرة وطنية لتعزيز السياحة والانتماء الوطني للاعلام
  • التقاعد بعد 30 عامًا… خطوة إنقاذ قبل فوات الأوان
  • يوم مفتوح للتوظيف بمركز شباب سيدي عبدالرحيم
  • 3.6 مليون سيدة حامل يخضعن للفحص ضمن مبادرة العناية بصحة الأم والجنين
  • من الآن.. فليك يضع خطة استقرار برشلونة في الميركاتو الصيفي المقبل
  • الصحة: فحص 20 مليون و168 ألف مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي
  • الداخلية تواصل فعاليات المرحلة الـ 27 من مبادرة كلنا واحد
  • الشباب والرياضة تستعد لإطلاق مبادرة "١٠٠٠ نقطة جري" لرفع اللياقة البدنية للمواطنين