عبدالله بن زهران البلوشي **

[email protected]

 

لأكثر من سبعة عقود، تتصرف إسرائيل بلا رقيب أو حسيب، مدعومة بتحالف راسخ مع الولايات المتحدة وعدد من القوى الأوروبية. هذا التحالف- السياسي والعسكري والاقتصادي- مَنَحَ إسرائيل الضوء الأخضر لاحتلال الأراضي الفلسطينية وضمّها، ومكّنها من الإفلات من أي محاسبة حقيقية على الساحة الدولية.

الهدف لم يكن يومًا خفيًا: تهجير الفلسطينيين، مصادرة الأرض، وتغيير الحقائق على الأرض استعدادًا لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى مستقبلًا.

ما نشهده اليوم هو أشبه بلعبة شطرنج طويلة وبطيئة بدأت منذ النكبة عام 1948، كان المدنيون الفلسطينيون هم البيادق الذين دُفعوا أولًا إلى حافة الفناء. وخلال العقود الماضية، تم تحييد القلاع والفيَلَة- أي الدول العربية المجاورة والأطر الدولية- وترويضها أو إخضاعها. أما الفرسان- حركات المقاومة- فقد تم تهميشها أو إسكاتها.

واليوم ومع الهجوم الشرس الإسرائيلي غير المبرر وغير المسبوق على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمدعوم مباشرة من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية بطريقة غير مباشرة، يبدو أن العدو يسعى إلى إسقاط الملك وإنهاء لعبة الشطرنج لصالحه.. أو هكذا يعتقد.

قد تكون إسرائيل قد أخطأت التقدير، وربما تناولت هذه المرة لقمة أكبر من أن تتمكن من ابتلاعها.

إيران ليست دولة هينة؛ فهي تمتد على مساحة 1.6 مليون كيلومتر مربع، ويقطنها أكثر من 83 مليون نسمة، وتحمل إرثًا حضاريًا يتجاوز ألفي عام. خاضت الكثير من الحروب ورضخت تحت العقوبات الاقتصادية لأكثر من 40 عامًا. لم يعد لديها الكثير لتخسره.

أما إسرائيل؛ فهي أكثر هشاشة. فهي أصغر بكثير من حيث المساحة والسكان، واعتاد سكانها المدللون على نمط حياة مرتفع الرفاهية، ولا تملك العمق الاستراتيجي الذي يمكّنها من خوض صراع طويل الأمد مع دولة بحجم إيران. وكلما طال أمد الحرب، زادت فرص إيران في كسب المعركة. ولعل شعار القوات الخاصة البريطانية (SAS): "من يجرؤ ينتصر"، هو أبلغ وصف لهذه اللحظة.

في هذه اللحظات الحاسمة، هناك بصيص من الأمل يأتي من الصدع في آلة الإعلام الصهيوني.

ولأول مرة منذ عقود، بدأ قبضة إسرائيل على الإعلام الغربي التقليدي يضعف. فقد بثّت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مظاهر الحرب الوحشية على غزة مباشرةً إلى العالم، من خلال الناجين والصحفيين وأصوات شجاعة. ولم يعد في وسع التصريحات الصحفية المدروسة ولا التغطية الإعلامية الغربية المنحازة أن تخفي حجم الجريمة.

هذا الشرخ في السيطرة على السرد لم يكن بفضل الحكومات أو غرف الأخبار الكبرى، بل بفضل الطلبة النشطين، والصحفيين المستقلين، وأصحاب القنوات الحرة على اليوتيوب وتيك توك وتلغرام. جيل الشباب حول العالم، وخصوصًا في الولايات المتحدة وأوروبا، لم يعد متلقيًا سلبيًا لعناوين الأخبار المُنمَّقة؛ بل أصبح يرى الحقيقة بأمّ عينيه، ويتكلم بصوت أخلاقي عالٍ.

لقد أعادت حركة التضامن مع معاناة الشعب الفلسطيني في الجامعات الأميركية والغربية إشعال نقاش أخلاقي ظلّ مدفونًا لعقود. وألهمت هذه الحركة بعض الأعضاء في الكونغرس والمجالس المحلية والبرلمانات الأوروبية ليتحدّوا صراحةً المعايير المزدوجة القديمة. سياسيون كانوا بالأمس صامتين أو مطيعين، بدأوا اليوم يرفعون أصواتهم، ليس لأنهم أصبحوا أكثر إنصافًا، بل لأن جمهورهم أصبح كذلك.

ومع ذلك، فإن هذه اللحظة لا تزال هشّة، ولن تدوم طويلًا. فشبكات الضغط المؤيدة لإسرائيل قوية ومتجذّرة في الأنظمة السياسية الغربية. وردة الفعل وآلة الصمت ستأتي لا محالة من خلال قمع الاحتجاجات الطلابية إلى الرقابة على وسائل التواصل، وارهاب النشطين والساسة المعارضين. وهنا بالضبط يكمن التحدي.

تتجاوز معركة اليوم حدود غزة والضفة الغربية، إنها معركة لكسب الوعي العالمي. ولا بد لجهةٍ ما؛ سواء كان تحالفًا من المجتمع المدني، أو صحفيين مبدئيين أو سياسيين تقدميين أو قادة فلسطينيين من الشتات، أن يبادر بقيادة الركب لضمان استمرار الضغط وعدم تلاشي الزخم. لم تعد معركة كسب قلوب وعقول الرأي العام العالمي مجرد حلم، بل أصبحت مهمة جارية بالفعل، ولكنّها تتطلب إدارة تدفعها للأمام بذكاء وإصرار وكثير من التحدي.

التاريخ يراقب ما سيقرّره ويفعله العالم في هذه اللحظة، كيف نتصرف، وكيف نقاوم، وكيف نروي، وكيف نتذكر، هو ما سيحدّد إن كانت إسرائيل ستواصل إفلاتها من العقاب.

الملك والملكة على رقعة الشطرنج.. تحركت الملكة لمحاصرة الملك.

الملك مُهدَّد.. لكن "كش ملك" لم يصبح قدرًا بعد!

** رئيس تقنية المعلومات والنظم الذكية بمؤسسة الزبير

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لعبة التراشق النووية بين واشنطن وموسكو إلى أين؟

بعد فترة من التهدئة النسبية والتصريحات الدبلوماسية الناعمة، عاد التوتر ليخيم على العلاقات بين واشنطن وموسكو خلال الأيام الأخيرة. فقد صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الجمعة الماضي، بأنه أمر بنشر غواصتين نوويتين في مواقع "مناسبة"، ردا على ما وصفه بـ"تصريحات استفزازية للغاية" للرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف.

وجاء هذا التطور في سياق إنذار وجهه ترامب إلى روسيا، طالبها فيه بوقف هجومها العسكري في أوكرانيا خلال 10 أيام، ملوحا بعقوبات شاملة إن لم تستجب.

وفي تصعيد إضافي، أعلنت روسيا، الاثنين، انسحابها رسميا من معاهدة عام 1987 للحد من انتشار الصواريخ النووية متوسطة المدى، في خطوة أثارت قلقا دوليا بشأن مستقبل الاستقرار الإستراتيجي.

فهل يمثل هذا التصعيد المتسارع خطرا فعليا يهدد الأمن العالمي؟ أم أنه مجرد جزء من تكتيكات ترامب التفاوضية للضغط على الكرملين من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا؟

الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان (يمين) ونظيره السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يوقعان معاهدة القوى النووية متوسطة المدى عام 1987 (رويترز)توتر مفاجئ

اتسم وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلطة بتقارب ملحوظ بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وصل حدا أزعج الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأميركية خصوصا من الأوروبيين.

بيد أنه وحسب تقرير مشترك بصحيفة "ذا هيل" الأميركية بعنوان "ترامب يُصعّد التوترات النووية مع اقتراب الموعد النهائي لروسيا"، فإن الأسابيع الأخيرة شهدت تغيرا في المزاج الأميركي فيما يتعلق بروسيا وحالة إحباط متنام من الرئيس الأميركي تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أجهض وعدا كان قد تباهى به ترامب خلال حملته الانتخابية، حين تعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة من توليه السلطة.

لكن الحرب لا تزال مشتعلة بعد أكثر من نصف عام على دخول ترامب البيت الأبيض، بل تزداد سخونة وتزداد الضربات الروسية ضراوة.

إعلان

ويبدو، بحسب ما أوردته الصحيفة الأميركية، أن صبر ترامب تجاه بوتين قد نفد، إذ أعلن عن مهلة 50 يوما، قلصها الأسبوع الماضي إلى 10 أيام تنتهي يوم الجمعة الثامن من أغسطس/آب، طالبا من الرئيس الروسي إنهاء الحرب في أوكرانيا وإلا فإن روسيا، وكذلك الدول التي تشتري النفط الروسي، ستواجه عقوبات أميركية شاملة.

هذه الإنذارات -كما يبدو- أثارت غضب الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، فصرح بأن كل إنذار من ترامب لروسيا يُمثل تهديدا وخطوة نحو الحرب، ليس فقط بين روسيا وأوكرانيا، بل بين روسيا وأميركا، مذكرا ترامب بأن روسيا تمتلك "اليد المميتة"، وهو اسم يطلق على المنظومة النووية التي أنتجها الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.

وفي يوم الجمعة الماضي، وصف الرئيس الأميركي تصريحات ميدفيديف بأنها "استفزازية للغاية"، وأعلن ردا عليها إصدار أوامر بنشر غواصتين نوويتين في "مناطق مناسبة".

تحول في المسار

وفي تقرير بعنوان "الحرب في أوكرانيا: هل غير دونالد ترامب مساره بنشر الغواصات النووية؟ اعتبرت صحيفة "فرانس إنفو" الفرنسية أن هناك تحولا في مسار الرئيس الأميركي تجاه روسيا فبعد مرحلة من التقارب والمواقف الودية مع الرئيس الروسي جاء التحول فجأة ليصل حد إطلاق تهديدات صادمة باستخدام الغواصات النووية.

ورأت الصحيفة أن إعلان ترامب نشر الغواصتين في حد ذاته مؤشر على أنه مُنزعج بشكل بالغ، حيث إن الغواصتين يُمكنهما الوصول إلى أهدافهما على بُعد آلاف الكيلومترات، لكنها إشارة من ترامب إلى تغيير في توجهه.

وتضيف الصحيفة أنه بعد إذلال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، أصبحت روسيا بقيادة بوتين الآن مُهددة بالإنذارات والعقوبات الأميركية.

وتنقل الصحيفة عن أستاذ التاريخ في الجامعة الكاثوليكية الأميركية مايكل كيميج قوله: "أعتقد أن تعامل البيت الأبيض في الأشهر الأولى فيما يخص بوتين وروسيا طبعته السذاجة، والآن أدرك ترامب أن الوضع في طريق مسدود ولا طائل منه، لكني لا أشك في أن حصول مزيد من التقلبات والمنعطفات يبقى واردا".

روسيا تصعد

في بيان نشرته قناة "آر تي" الروسية الاثنين أعلنت روسيا انسحابها من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لعام 1987، مُلقية باللوم على ما وصفته بـ"أفعال الدول الغربية" في خلق "تهديد مباشر" لأمن روسيا.

وقال بيان لوزارة الخارجية الروسية إن شروط الحفاظ على المعاهدة "انتهت"، وإن البلاد لم تعد تلتزم بالقيود التي فرضتها على نفسها سابقا.

وحظرت معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، الموقعة عام 1987، الصواريخ الأرضية التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر.

وفي منشور لاحق على موقع إكس، ألقى ميدفيديف باللوم في انسحاب بلاده من معاهدة الحد من الصواريخ النووية على ما وصفه بالسياسة المعادية لروسيا التي تنتهجها دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وحذّر من "توقع خطوات أخرى".

بوتين أعلن دخول صاروخ أوريشنيك الباليستي متوسط المدى والقادر على حمل رؤوس نووية الخدمة (غيتي)

وبحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية بعنوان "روسيا تقول إنها ستتوقف عن الالتزام بمعاهدة الصواريخ"، فإن روسيا كانت قد جسدت الجمعة الماضي فعليا وبشكل علني خروجها من معاهدة حظر نشر الصواريخ النووية متوسطة المدى.

إعلان

فقد أعلن الرئيس بوتين أن صاروخ أوريشنيك الباليستي متوسط المدى والقادر على حمل رؤوس نووية دخل الخدمة وسيتم نشره في بيلاروسيا التي تشترك في حدود مع 3 دول أعضاء في الناتو.

ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن إعلان انهيار معاهدة الصواريخ النووية يثير مخاوف في الغرب خصوصا في أوروبا، حيث يمكن للصواريخ الروسية فائقة السرعة والمزودة بأسلحة نووية الوصول إلى العواصم الأوروبية في غضون دقائق، مع قدرة ضئيلة على التصدي.

وأشارت الصحيفة إلى أن وسائل الإعلام الروسية تفاخرت بأن صاروخ أوريشنيك يمكن أن يصل إلى قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا في غضون 15 دقيقة فقط.

وتعد اتفاقية الحد من الأسلحة الرئيسية الوحيدة المتبقية بين موسكو وواشنطن هي معاهدة ستارت الجديدة، لكن بوتين أعلن عام 2023 أن روسيا ستعلق مشاركتها في تلك المعاهدة.

ونقلت الصحيفة عن الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي فيل بريدلوف -الذي قاد القيادة الأوروبية الأميركية من عام 2013 إلى 2016- قوله إنه لم يتفاجأ بإعلان روسيا عن هذه الخطوة بعد وقت قصير من تهديد ترامب باتخاذ موقف صارم تجاه موسكو بشأن الصراع في أوكرانيا.

هل ينجح ويتكوف في خفض التصعيد؟

اعتبر تقرير للكاتبة لورا غوزي من هيئة البي بي سي البريطانية أنه رغم التوتر المتصاعد بين الطرفين، لا تزال واشنطن وموسكو على تواصل، وقد رحب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بزيارة المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف الذي وصل روسيا، يوم الأربعاء السادس من أغسطس/آب، وأجرى مباحثات مع مسؤولين روس.

وقال بيسكوف: "يسعدنا دائما رؤية السيد ويتكوف في موسكو.. نعتبر هذا التواصل مهما وذا معنى ومفيدا".

لكن تقرير البي بي سي لا يتأمل كثيرا من زيارة ويتكوف، حيث يشير إلى أن 3 جولات سابقة من المحادثات بين روسيا وأوكرانيا لم تُفلح في إنهاء الصراع، كما أن الشروط العسكرية والسياسية التي وضعتها موسكو للسلام منذ بداية الحرب لا تزال كما هي.

وتتلخص هذه الشروط التي يؤكد عليها القادة الروس من وقت لآخر في:

أن تصبح أوكرانيا دولة محايدة. أن يتم خفض حجم جيشها بشكل كبير. أن تتخلى عن طموحاتها للانضمام لحلف الناتو. أن تتنازل عن 4 مناطق محتلة جزئيا (دونيتسك، لوغانسك، زابوريزجيا، خيرسون)، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم.

ووفقا للتقرير، فإن هذه الشروط لا تزال مرفوضة من كييف وشركائها الغربيين.

وفي السياق ذاته، اعتبر الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز والخبير في الشؤون الروسية سيرجي رادشينكو في مقابلة معه نشرتها محطة "إن بي آر" الأميركية أنه لا يتوقع أن تختلف كثيرا زيارة ويتكوف الحالية لموسكو عن زياراته السابقة والتي التقى خلالها بوتين عدة مرات.

وأوضح رادشينكو أنه لا يوجد دليل حتى الآن على أن بوتين يُفكّر جديا في الرضوخ لمهلة ترامب وقبول وقف إطلاق النار، إذ يشعر بأن الحرب تسير في صالحه، حيث تحرز قواته تقدما في ساحات القتال بأوكرانيا، وبالتالي فهو يعتقد أنه يُمكنه إجبار أوكرانيا على السلام الذي يريده هو، وليس السلام الذي يريد ترامب.

ولا يرى رادشينكو أن مهلة ترامب ستحدث تغييرا فحتى الدول التي تشتري النفط الروسي مثل الصين والهند من الصعب جدا أن تذعن لضغوطات ترامب ولو فرض عليها رسوما جمركية إضافية، وإن كان الأمر قد يتسبب في مشاكل خصوصا في العلاقات الصينية الأميركية.

بوتين (يسار) استقبل ويتكوف بالعاصمة موسكو في 6 أغسطس/آب 2025 (الفرنسية)حقيقة التهديد الأميركي

ووفقا لتقرير صحيفة ذا هيل، فليس من الواضح ما إذا كان ترامب بإعلانه نشر الغواصتين النوويتين يشير إلى الغواصات المُسلحة نوويا أم الغواصات الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية.

لكن الصحيفة تؤكد أن الالتباس يُفاقم التهديد الذي يتزامن مع قرب انتهاء الموعد النهائي الذي حدده ترامب لروسيا لإنهاء الحرب أو مواجهة المزيد من العزلة الاقتصادية.

إعلان

ونقل التقرير عن خبراء أن هذا تكتيك محفوف بالمخاطر، ومن غير المرجح أن يُقنع بوتين، فقد قالت إيرين دومباتشر، وهي عضو سابق في قسم الأمن النووي بمجلس العلاقات الخارجية بالبنتاغون: "لا أرى الكثير من الفوائد أو المزايا، بالنظر إلى أن الروس يدركون جيدا أننا، لعقود، نمتلك غواصات مُسلحة نوويا قادرة على استهدافهم.. أرى خطر استخدام مثل هذه التصريحات أكبر من فوائدها".

وأوضح التقرير أن الخبراء قد لا يرون تهديدا وشيكا، إلا أنهم يحذرون من التصريحات الطائشة والمبالغ فيها التي قد تؤدي إلى سوء تقدير ومواجهة خطيرة.

وبدوره، اعتبر جون تيرني النائب الديمقراطي السابق عن ماساتشوستس والمدير التنفيذي لمركز الحد من التسلح في تصريح لصحيفة ذا هيل أن تبادل التراشق اللفظي بين ترامب وسياسي روسي عادي "غير لائق وغير مفيد"، مضيفا: "المطلوب هو موقف ثابت، وليس شخصا يسمح لغضبه من إهانة شخصية أن يتفاقم إلى موقف خطير".

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا ليس أول تهديد لترامب باستخدام الترسانة النووية الأميركية، فقد فعلها خلال محاولاته إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن طموحاتها النووية أثناء ولايته الأولى، وطرح حينها احتمال نشوب حرب نووية مع بيونغ يانغ، متفاخرا بأنه سيُطلق "نارا وغضبا" على كوريا، وبأن لديه ترسانة نووية "أكبر بكثير" و"أقوى".

لكن ذا هيل ترى أنه من غير المرجح أن تُثير خطوة ترامب الأخيرة بإرسال غواصتين نوويتين أميركيتين للدوران قرب روسيا قلقا كبيرا لدى موسكو، نظرا لأن هذه السفن تُجوب محيطات العالم يوميا، وفقا للخبراء.

بيد أن التقرير يؤكد أن الخطاب المُتصاعد والمخاوف من سوء التقدير يُبرزان ثغرات رئيسية في جهود ضبط الأسلحة النووية ومنع انتشارها.

وأشارت الصحيفة إلى حالة من التناقض في مواقف ترامب الذي يعلن نشر غواصات نووية لمواجهة روسيا رغم أنه تفاخر مؤخرا بأنه تمكن من وقف القتال بين باكستان والهند وأنه نجح بذلك في تفادي حرب نووية.

الغواصة النووية "ميشيغان" تقترب من قاعدة بحرية في كوريا الجنوبية (أسوشيتد برس)الحرب النووية مُحتملة

اعتبر الأستاذ في جامعة جونز والخبير في الشؤون الروسية هوبكنز سيرجي رادشينكو أن التراشق النووي بين روسيا والولايات المتحدة يمثل لعبة مغامرة، لكنه يؤكد أن الحرب النووية مُحتملة دائما، مهما كان احتمالها ضئيلا.

لكنه قلل من أهمية عملية إعادة نشر الغواصات النووية التي أعلنها ترامب، موضحا أن هناك دائما غواصات تُجوب المحيطات، وبعضها مُسلّح بصواريخ نووية باليستية، ويُمكن استخدامها للرد على روسيا، لذا لا يرى رادشينكو أي جديد بهذا الخصوص.

وفيما يتعلق بدلالة الخطوة التي أعلنها ترامب أوضح رادشينكو أن هناك طرقا مُختلفة للإشارة إلى مستوى التأهب في المجال النووي.

فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، لديها نظام يُسمى بـ"ديفكون" لقياس مستوى الخطر، وقد استخدم هذا النظام خلال الحرب الباردة وتم رفعه أثناء أزمة الصواريخ الكوبية إلى "ديفكون 2″، وهو مستوى أقل بدرجة واحدة من الحرب النووية.

ويضيف رادشينكو: "لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، لذا فالأمر أشبه بتغريدة من ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي لا نعرف تداعياتها، ولكن الشيء المُثير للاهتمام هو أن ذلك لم يحدث قط، فلم تُنقل الغواصات من قبل ردا على تغريدة نُشرت على موقع إكس، لهذا فهو أمر جديد فعلا من هذه الزاوية".

مقالات مشابهة

  • “هيديو كوجيما” يكشف الأسرار والرؤى الحصرية لتطوير لعبة Death Stranding 2 خلال مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025
  • هيديو كوجيما يكشف الأسرار والرؤى الحصرية لتطوير لعبة Death Stranding 2 خلال مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025
  • الشطرنج يجمع الهواة في «مكتبة محمد بن راشد»
  • ما هو مرض السيلان وكيف تختلف أعراضه بين النساء والرجال؟
  • لعبة التراشق النووية بين واشنطن وموسكو إلى أين؟
  • كسبوا ملايين من لايفات تيك توك .. يعني إيه غسيل أموال وكيف يتم مع البلوجرز؟
  • «عربي الشطرنج» يعلن نتائج بطولة السيدات
  • أبو زيد: ٧ آب بداية النهاية لزمن الوصاية
  • مصطفى بكري: خطاب الرئيس السيسي في الأكاديمية العسكرية إدراك لخطورة اللحظة وتحذير للداخل والخارج
  • إسرائيل تعرض على رئيس مجلس النواب الأمريكي خرائط لضم الضفة الغربية