مفارقة تريفين: عندما تصطدم الهيمنة المالية بالاستقرار الاقتصادي
تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT
كنت أتصفح الشبكة العنكبوتية قبل أيام عندما صادفني هذا الموضوع الشيّق الذي أعترف بأنني لم أكن أعرف عنه من قبل، فقررت البحث فيه. بداية لم أشعر بأن له علاقة بموضوع اهتمامي هذه الفترة في الثقافة المالية، لكن وجدتني مخطئة تماما.
الموضوع ببساطة يدور حول إحدى المفارقات الاقتصادية التي تواجه العالم الحديث، والتي تعرف بـ«مفارقة تريفين»؛ نسبة إلى الاقتصادي روبرت تريفين.
وتتلخص هذه المفارقة في الصراع بين المصلحة الوطنية قصيرة المدى للدولة التي تُستخدم عملتها كعملة احتياط عالمية وبين الاستقرار الاقتصادي طويل المدى للعالم بأسره.
فعندما تُستخدم عملة ما «مثل الدولار الأمريكي» كعملة احتياطية عالمية يجب أن تكون هذه العملة متوفرة بكميات كبيرة في الأسواق الدولية؛ حتى تلبي احتياجات التجارة والتمويل عبر الحدود. ولكي يحصل ذلك يجب على الدولة المصدّرة للعملة «في حالتنا: الولايات المتحدة الأمريكية» أن تُغرق العالم بالدولارات، وغالبًا ما يتحقق هذا عن طريق عجز مستمر في ميزان المدفوعات، أي أن أمريكا تستورد أكثر مما تصدّر، وتنفق أكثر مما تجني.
لكن هذا العجز المستمر -رغم فائدته في المدى القصير؛ لضمان توفر السيولة العالمية- يؤدي على المدى البعيد إلى إضعاف الثقة في الدولار، وتهديد الاستقرار المالي الأمريكي، وربما حتى حدوث أزمة ثقة عالمية، وهنا تكمن المفارقة: لا يمكن للدولار أن يكون عملة العالم، ويظل في الوقت نفسه عملة وطنية مستقرة وقوية.
وقد أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مرارًا إلى هذا الخلل منتقدًا العجز التجاري الضخم دون أن يتطرق غالبًا إلى حقيقة أن هذا العجز -وإن كان يزعج الداخل الأمريكي- يخدم في الوقت ذاته النظام المالي العالمي.
من المنظور المالي؛ تذكّرنا مفارقة تريفين أن المصالح قصيرة المدى ليست دائمًا في صالح المصالح طويلة المدى، سواء على مستوى الدول أو الأفراد.
وما يُهدد الاستقرار غدًا قد يبدو «مفيدًا» اليوم، لكنه في الحقيقة يؤسس لأزمات مستقبلية.
ولكن ما علاقة هذه المفارقة بموضوع الثقافة المالية الفردية؟ العلاقة وثيقة؛ لأن ما يُقال في الاقتصاد العالمي ينطبق علينا كذلك في حياتنا المالية الشخصية بمعنى أن الإفراط في الاستدانة أو الإنفاق غير المدروس قد يلبّي حاجاتنا الفورية، لكنه يؤسس لأعباء مالية طويلة المدى، والتوازن بين الحاضر والمستقبل هو لبّ الثقافة المالية الواعية.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
روث الخيول.. عندما يصبح «التحدي» فرصة للحياة
في شوارع الأقصر التي تعج بتاريخ الفراعنة، توجد قصص حية لا تقل عظمة عن معابدها. قصص لأناس بسطاء، وجدوا في مشكلة مزمنة فرصة لتغيير حياتهم وحياة مدينتهم.
كان روث الخيول، الذي يخلّفه أصحاب عربات «الحنطور» السياحية، يمثل تحديًا بيئيًا وصحيًا مزعجًا، يهدد جمال المدينة وسمعتها السياحية. لكن بفضل مشروع إنساني فريد، تحوّل هذا التحدي إلى بصيص أمل، يضيء حياة العشرات من الأسر.
من مشهد يومي مزعج إلى مشروع حياة«كان المنظر غير حضاري بالمرة»، هكذا يصف عم أحمد، وهو سائق حنطور يعمل في المهنة منذ أكثر من عشرين عامًا، مشهد روث الخيول المتراكم. «كنا نتحرج من السياح. ندرك أن هذا المنظر لا يليق بالأقصر. لكن ماذا نفعل؟ لا يوجد حل آخر».
لم يعد عم أحمد وزملاؤه وحيدين في مواجهة هذه المشكلة. فمن خلال مبادرة من جمعية نور الإسلام الخيرية، وبدعم من برنامج المنح الصغيرة التابع لمرفق البيئة العالمية (GEF/SGP)، وُلد مشروع «روث الخيول». لم يكن المشروع مجرد خطة لجمع النفايات، بل كان رؤية إنسانية ترى في أصحاب الحنطور شركاء فاعلين في التنمية، لا مجرد مشكلة يجب حلها.
قصصبابتسامة لا تفارق وجهه، يروي عم أحمد كيف تغيّرت حياته. «قدموا لنا حفاضات للخيول وأكياسًا لجمع الروث. في البداية، كنا نظنها مزحة. لكن بعد ذلك، وجدنا أنفسنا نكسب مقابلًا ماديًا بسيطًا أو كمية من العلف الجيد لخيولنا، مقابل كل كمية نسلمها. لم تعد الخيول عبئًا، بل أصبحت مصدر رزق إضافي يفتح لنا أبوابًا جديدة».
لم يقتصر الأمر على المكافأة المادية. فالمشروع أوجد نظامًا اجتماعيًا متكاملًا. أصبح أصحاب الحنطور جزءًا من منظومة تعمل بانسجام: يجمعون الروث، ويسلمونه لشباب من المجتمع المحلي تم تدريبهم على تحويله إلى سماد عضوي طبيعي. هذا السماد لا يلوث الأرض، بل يغذيها، ويجد إقبالًا كبيرًا من المزارعين المحليين الذين سئموا من الأسمدة الكيماوية باهظة الثمن والضارة.
«أشعر بفخر حقيقي»، تقول الحاجة أم محمد، إحدى المزارعات المستفيدات من المشروع. «هذا السماد جعل أرضي أكثر خصوبة، وزاد محصولي. والأهم من ذلك أنه صحي لنا ولأطفالنا».
تأثيرمشروع «روث الخيول» ليس مجرد قصة نجاح بيئية أو اقتصادية، بل هو قصة عن كرامة الإنسان ووعيه. لقد أثبت أن أبسط الأفراد، عندما يجدون من يوجههم ويدعمهم، يمكنهم أن يكونوا قوة دافعة للتغيير.
من خلال حملات التوعية التي نظمتها الجمعية، أصبح أطفال المدارس في الأقصر يشاركون في أنشطة فنية لتعليمهم أهمية النظافة وحماية البيئة. هذا الوعي الذي ينمو في الجيل الجديد هو الاستثمار الحقيقي الذي يضمن استدامة هذا المشروع، ويحول الأقصر من مدينة عانت من مشكلة بيئية إلى نموذج يحتذى به في التنمية المجتمعية.
اقرأ أيضاًإحتفالات المرماح الصعيدى موروثات للفروسية الأسوانية تعرف عليها
برلماني: نحن أمام مرحلة جديدة من الاهتمام بتربية الخيول العربية الأصيلة
ختام سباق مرماح الخيول في أسوان