لجريدة عمان:
2025-06-29@22:53:33 GMT

لأجل مَنْ يحكُم ترامب ؟

تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT

ترجمة : قاسم مكي -

من المستفيد من ترامب؟ مصالح مَنْ يخدم؟ إنه -كما ذكر إيفان كراستيف- يخدم مصالحه الخاصة به بطريقة بشعة. لكن ماذا عن الآخرين؟ نحن نعلم من الإغلاق الفظ للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنه لا يهتم البتَّة بالفقراء في الخارج. لكن هل يُظهِر فعلا اهتماما بالأمريكيين العاديين الذين صوتوا له؟

مشروع قانون الموازنة «الكبير والجميل» والذي يأخذ طريقه الآن عبر الكونجرس يوضح أن الإجابة بالنفي؛ فهو مثال فاقع لما سبق لي أن أسميته «شعبوية الأثرياء» أول مرة في عام 2006؛ فالأغنياء يحصلون على معظم المنافع، والفقراء يصبحون أكثر فقرا، ويبقى عجز الموازنة ضخما.

الرسوم الجمركية ضريبةُ مبيعاتٍ على السلع المستوردة، وتميل أيضا إلى رفع أسعار البدائل المحلية. وعلى العموم؛ الفقراء ينفقون نسبة أعلى من دخلهم على السلع مقارنة بمن هم أكثر ثراء. فهؤلاء ينفقون نِسَبا أعلى من الدخل على الخدمات أو يدَّخرون معظمه. لذلك الرسوم الجمركية تراجعية (بمعنى أنها أكثر تأثيرا على الفقراء)؛ كما تحاجج كيمبرلي كلاوسينج، وماري لافْلي الباحثتان بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي. وربما ذلك أحد أسباب غرام ترامب بها؛ فتخفيضاته الضريبية يذهب جُلُّها إلى الأثرياء.

قدَّر مختبرُ الموازنة بجامعة ييل أثرَ الرسومِ الجمركية التي تم تطبيقها ابتداء من 1 يونيو 2025 ومشروعِ قانون موازنة ترامب الذي أجازه مجلس النواب. بالطبع من المرجح إجراء تعديلات على هذا المشروع بواسطة مجلس الشيوخ، لكن ما يذهل أن يصادق عليه مجلس النواب أساسا. (مشروع قانون الموازنة لم يصادق عليه مجلس الشيوخ بعد، وينتظر ترامب إجازته بواسطة مجلسي الكونجرس؛ لإقراره يوم 4 يوليو- المترجم).

باختصار؛ زيادات الرسوم الجمركية، ومشروع قانون الموازنة الكبير والجميل «سيخفِّضان -بعد خصم الضرائب والتحويلات- متوسط دخول عائلات الشريحة التي تشكل نسبة الـ 80% الأدنى من سلم الدخل. وستواجه عائلات الشريحة التي تشكل نسبة 10% الأدنى خفضا في المتوسط بنسبة تزيد على 6.5% من الدخل، فيما ستشهد عائلات الشريحة العليا زيادة تقارب 1.5%».

أيضا حسب مختبر الموازنة بجامعة ييل «تشير التقديرات التقليدية إلى أن مشروع قانون موازنة ترامب يكلف 2.4 تريليون دولار كما هو مكتوب (4 تريليونات دولار إذا تحولت البنود المؤقتة في الموازنة إلى دائمة). ويفترض أن تبلغ حصيلة الرسوم الجمركية التي دخلت حيز التطبيق اعتبارا من 1 يونيو 2.4 تريليون دولار».

إذا لم يتطابق هذا التقدير مع الواقع -وأنا أشك في تحصيل مثل هذا المبلغ من الرسوم- سيصح استنتاج الباحثتين كلاوسينج ولافلي والذي مفاده أن «أجندة ترامب كسياسة مالية عبارة عن تخفيضات ضريبة تراجعية تُموّل جزئيا فقط بزيادات ضريبة تراجعية».

في مقالاته بالمنصة الرقمية «سَبْستاك»؛ يكتب بول كروجمان: «لدي نظرة شديدة الارتياب في نوايا الجمهوريين. لكن قسوة مشروع قانون الموازنة بضرائبه التنازلية التي تثقل كاهل الفقراء صادمة حتى بالنسبة لي».

أيضا مشروع الموازنة -حسب اعتقادي- لا يبالي بالآثار الضارة التي قد تترتب عنه على الناس. فوفقا لخطاب من مكتب الموازنة بالكونجرس غير الحزبي؛ قد تزداد أعداد من لا يشملهم التأمين الصحي بحوالي 16 مليون شخص كنتيجة للتغييرات المقترحة في مشروع قانون الموازنة وغيره. كما هنالك أيضا تخفيضات في برنامج طوابع الطعام. ولن يخطئ من يقول: إن عديدين سيموتون من أجل تدبير تخفيضات ضريبية كبيرة لأصحاب البلايين.

إذا افترضنا عدم وجود أثر يذكر لسياسة ترامب الاقتصادية (ترامبونوميكس) على النمو الاقتصادي للولايات المتحدة؛ سيبدو الأثر الصافي لكل من الرسوم الجمركية، ومشروع موازنة ترامب على الموقف المالي استمرارا للاتجاهات المالية السابقة. وهكذا ستظل العجوزات المالية كبيرة، وسيرتفع الدين قياسا إلى الناتج المحلي الإجمالي. ففي تقرير آفاق الموازنة الفيدرالية في الأجل الطويل 2025- 2055؛ توقع مكتب الموازنة بالكونجرس ارتفاع نسبة الدين الفيدرالي لدى الجمهور إلى الناتج المحلي الإجمالي من 100% هذا العام إلى 118% في عام 2035. في كتابه «كيف تفلس البلدان: الدورة الكبيرة»؛ يحاجج راي داليو مؤسس وعضو مجلس إدارة صندوق التحوط «بريدْجواتر» بوجوب أن يتراوح الخفض في العجز بين 3% و4% من الناتج المحلي الإجمالي؛ لتثبيت معدل الدين إلى الناتج الإجمالي. هل مثل هذا التعديل في السياسة المالية ضروري الآن؟ الإجابة الأمينة «لا أحد يدري». اقتصاد الولايات المتحدة هو الأكبر في العالم والأكثر دينامية وباطراد، كما تُصدِر عملة احتياط العالم. هذا يمنحها مجالا هائلا للمناورة، لكن لا شيء يدوم إلى الأبد. وإذا فقد الناس الثقة في الولايات المتحدة قد تُجبَر على تدوير دينها بشروط يتزايد تشددها.

في نهاية المطاف قد يتحول الكثير منه إلى دين قصير الأجل بسعر فائدة يقررها بنك الاحتياطي الفيدرالي.

حينها سيتعرض البنك إلى ضغوط للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة.

ويمكن أن يقوض أثر «تنقيد الدين» مع «الجبر المالي» الاستقرارَ بشدة. (بمعنى تمويل الدين الحكومي بطباعة النقود، وفرض أسعار فائدة منخفضة قسرا من شأنهما زعزعة استقرار الاقتصاد الكلي؛ لأنهما يقوضان الثقة في السياسة النقدية للبنك والسياسة المالية للحكومة - المترجم)

وكما سبق أن صرح روديجر دورنبوش أستاذ الاقتصاد بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «في الاقتصاد؛ الأشياء تأخذ وقتا أطول مما تعتقد لكي تحدث. ثم تحدث بأسرع مما كنت تعتقد»؛ لذلك الخيار المعقول هو تغيير المسار قبل فوات الأوان. وهذا أكثر معقولية عند اتخاذ قرار بشن حرب تجارية مريرة على كل دائني الولايات المتحدة تقريبا. ومن المؤكد أن التجربة القاسية لدائني الولايات المتحدة، وشركائها التجاريين مع رئاسة ترامب ستغير نظرة العالم للولايات المتحدة. عموما يجب تعريف الشعبوية بأنها شكل من أشكال السياسة يُمَوضِع «الشعب» ضد «النخبة»، ويمكن أن يكون الشعبويون يساريين أو يمينيين. ومن الواضح أن شعبوية ترامب تنتمي إلى اليمين؛ فهي تؤكد على الثقافة والعِرق والقومية. وهذا يوفر غطاء ممتازا للسياسات التي تفيد النخبة البلوتوقراطية (نخبة الأثرياء) على حساب كل أحد آخر.

لكن في ورقة ممتازة صدرت عام 2023 بعنوان «القادة الشعبويون والاقتصاد» توصَّل كل من مانويل فونكه، وموريتس شولاريك، وكريستوف تريبش إلى استنتاجين ينطبقان على الشعبويين من الجناحين اليميني واليساري. أولهما أن كلا الجناحين يميلان إلى إلحاق ضرر دائم بالديموقراطية نفسها. وثانيهما أن تصرفاتهما المتهورة، ونزعتهما القومية، وتعدياتهما على المؤسسات غالبا ما تترتب عليها كلفة اقتصادية باهظة.

في الولايات المتحدة كلا الحزبين يتفقان فعليا الآن على عدم أهمية الحصافة المالية. ومن المؤكد أن الديموقراطيين ما عادوا يرون فائدة تذكر منها؛ لأنها مهَّدت كثيرا لتخفيضات ضريبية تراجعية.

يمكن القول إذن: إن مديونية الولايات المتحدة ستواصل ارتفاعها، وتحذيرات ديالو تكشف عن بصيرة نافذة. وكما قال مرة الاقتصادي الأمريكي الراحل هربرت شتاين: «إذا لم يكن في مقدور شيء ما الاستمرار إلى الأبد سيتوقف». السؤال هو: متى سيتوقف ارتفاع الدين الأمريكي؟ وإلى أي حد سيكون ذلك مؤلما؟

مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مشروع قانون الموازنة الولایات المتحدة الرسوم الجمرکیة

إقرأ أيضاً:

قانون ترامب لخفض الضرائب يتجاوز عقبة رئيسية في مجلس الشيوخ

واشنطن"أ.ف.ب": ناقش أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد مشروع قانون دونالد ترامب للإنفاق "الكبير والجميل"، وهو مقترح مثير للانقسامات سيحقق جزءا من أجندة الرئيس الأمريكي مع خفض كبير في برامج الرعاية الاجتماعية.

ويأمل ترامب في أن يتم إقرار "مشروع القانون الواحد الكبير والجميل" والذي سيمدد الخفض الضريبي الذي أقره في ولايته الأول والبالغة كلفته 4.5 تريليونات دولار ويعزز الأمن على الحدود.

لكن تدور انقسامات بين الجمهوريين بشأن الحزمة التي تحرم ملايين الأمريكيين الذين يعدون من بين الأفقر من الرعاية الصحية وتضيف أكثر من ثلاثة تريليونات دولار على ديون البلاد، قبل انتخابات التجديد النصفي المقررة العام المقبل.

وبدأ مجلس الشيوخ رسميا مناقشة مشروع القانون في وقت متأخر امس، بعدما أخّر جمهوريون رافضون للمقترح ما كان يفترض بأن تكون عملية تصويت إجرائية، في تطور أثار حفيظة ترامب.

وصوّت أعضاء مجلس الشيوخ بفارق ضئيل لصالح بدء مناقشة المقترح (51-49)، بعد ساعات على صدور الدعوة للتصويت إذ انضم نائب الرئيس جاي دي فانس إلى المفاوضات.

وفي نهاية المطاف، انضم جمهوريان في مجلس الشيوخ إلى الديموقراطيين الـ47 الذي صوّتوا ضد بدء النقاش.

وضغط ترامب على حزبه لإقرار مشروع القانون ووضعه على طاولته ليوّقع عليه ليصبح قانونا بحلول الرابع من يوليو، يوم عيد الاستقلال الأمريكي.

وقال ترامب على منصته "تروث سوشال" بعدما تم التصويت لصالح بدء النقاش "شهدنا الليلة انتصارا كبيرا في مجلس الشيوخ".

وأفاد في منشور سابق "على الجمهوريين أن يتذكروا بأنهم يحاربون ضد مجموعة من الأشخاص الخبيثين جدا والفاسدين والذين لا يتمتعون بالكفاءة (لجهة السياسات)، ممن يفضّلون بأن يحترق بلدنا على القيام بالأمر الصحيح".

ويعارض الديموقراطيون بشدّة التشريع وأجندة ترامب وتعهّدوا تعطيل النقاش. وأصرّوا في مستهل الجلسة على وجوب قراءة مشروع القانون بأكمله علنا أمام المجلس قبل بدء النقاش.

ويقع مشروع القانون في حوالى ألف صفحة وستستغرق قراءته كاملا قرابة 15 ساعة.

وقال رئيس كتلة الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر إن "الجمهوريين لن يقولوا لأمريكا ما هو مضمون مشروع القانون.. لذا يجبرهم الديموقراطيون على قراءته من أوله لآخره في المجلس. سنبقى هنا طوال الليل إذا كان ذلك ما تتطلبه قراءته".

وفي حال إقراره في مجلس الشيوخ، فسيعود مشروع القانون إلى مجلس النواب لتمريره حيث لا يمكن للجمهوريين تحمّل خسارة إلا بضعة أصوات فيما يواجهون معارضة قوية من صفوف حزبهم.

يعمل الجمهوريون على موازنة كلفة مقترح ترامب لخفض الضرائب والبالغة 4.5 تريليون دولار إذ أن العديد من مقترحات الخفض ستأتي من خفض التمويل للتأمين الصحي الذي يعتمد عليه الأمريكيون من ذوي الدخل المحدود "ميدك إيد".

وتدور انقسامات بين الجمهوريين بشأن خفض "ميدك إيد" الذي يهدد عشرات المستشفيات الريفية وسيحرم نحو 8.6 ملايين أمريكي من الرعاية الصحية.

كما تنص خطة الإنفاق على إلغاء العديد من الحوافز الضريبية المخصصة للطاقة المتجددة والتي وضعت في عهد جو بايدن، سلف ترامب.

وامس، وصف إيلون ماسك الذي اختلف الرئيس معه علنا على خلفية انتقاده لمشروع القانون، المقترح بصيغته الحالية معتبرا بأنه "مجنون تماما ومدمّر".

وقال ماسك، أثرى رجل في العالم والذي يملك شركة "تيسلا" للمركبات الكهربائية وشركة "سبايس إكس" للفضاء وغيرهما، إن مشروع القانون "يقدّم مساعدات لصناعات الماضي بينما يضر بشكل كبير بصناعات المستقبل".

يظهر تحليل مستقل أيضا بأن مشروع القانون سيمهّد لإعادة توزيع تاريخية للثروات من أفقر 10 في المائة من الأمريكيين إلى الأكثر ثراء.

وكشف استطلاع واسع النطاق أجري مؤخرا بأن مشروع القانون لا يحظى بأي شعبية في أوساط عدة فئات سكانية وعمرية ودخلية.

ورغم أن مجلس النواب أقر نسخته الخاصة به، إلا أنه يتعيّن على مجلسي النواب والشيوخ الاتفاق على النص ذاته قبل أن يكون من الممكن تحويله إلى قانون.

مقالات مشابهة

  • ترامب يعتزم فرض عقوبات جديدة ضد روسيا
  • تعديلات قانون التعليم.. أبرز ملامح مشروع الحكومة الجديد وقيمة الرسوم
  • قانون ترامب لخفض الضرائب يتجاوز عقبة رئيسية في مجلس الشيوخ
  • بالفيديو.. مختص: الصين تشترط المشاورات المتكافئة لحل الخلافات مع الولايات المتحدة وترفض سياسات ترامب
  • بعد ضربه إيران.. ترامب أخرج الولايات المتحدة من صدمات العراق
  • مجلس الشيوخ الأمريكى يقر مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب
  • ماسك ينتقد قانون ترامب للضرائب
  • ماسك يعلّق على مشروع قانون ترامب للضرائب
  • الأحد.. مجلس النواب يناقش مشروع قانون اعتماد إضافي لموازنة 2024/2025