منذ اللحظة التي خرج فيها ملايين المصريين في ثورة 30 يونيو 2013 مطالبين بإنهاء حكم جماعة الإخوان، أدركت الدولة المصرية أنها لا تواجه خصمًا سياسيًا فقط، بل تنظيمًا يحمل في قلبه فكرًا متطرفًا وسلاحًا موجهًا ضد الوطن. وما إن أُطيح بالإخوان من الحكم حتى انكشفت حقيقة مشروعهم، وبدأت حرب مفتوحة ضد الدولة، كان فيها الإرهاب هو السلاح، وسيناء هي الميدان.


لم تكن المواجهة عسكرية فقط، بل كانت حربًا شاملة شنتها الدولة المصرية ضد فكر ظلامي، وتنظيمات إرهابية استغلت سقوط الإخوان لتفجير كمائن، استهداف الكنائس، اغتيال الجنود، ومحاولة شل مؤسسات الدولة. وتحمّلت القوات المسلحة والشرطة العبء الأكبر من المواجهة، ودفع أبناءها أرواحهم فداءً للوطن.

سقوط الإخوان كشف الوجه الحقيقي للجماعة التي لطالما ادعت السلمية. أعقب عزلهم موجة عنف ممنهجة، استهدفت كمائن الجيش والشرطة، ودور العبادة، ومؤسسات الدولة، وسقط خلالها مئات الشهداء من رجال القوات المسلحة والشرطة، بل ومن المدنيين الأبرياء، في محاولة فاشلة لإسقاط الدولة أو جرّها إلى الفوضى.


واجهت الدولة المصرية هذا الإرهاب بثبات أمني وعسكري، وبحرب فكرية وإعلامية. شنت القوات المسلحة والشرطة عشرات الحملات العسكرية في شمال سيناء، وأعادت السيطرة على مناطق كانت تحت تهديد دائم من عناصر تكفيرية، وتحطمت أوكار التطرف تباعًا.

وفي موازاة ذلك، كانت هناك حرب من نوع آخر تخوضها المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، لتفكيك الخطاب المتطرف وكشف زيف شعارات الجماعات الإرهابية.

من المحطات الخالدة في هذه الحرب، جاءت ملحمة البرث التي استُشهد فيها العقيد أحمد المنسي ورجاله في مواجهة تنظيم إرهابي بسيناء عام 2017. كانت هذه المعركة بمثابة نقطة فاصلة في الوعي الشعبي، حين أدرك المصريون حجم التضحيات المبذولة، وأصبح منسي ورفاقه رموزًا للوطنية الخالصة.
رغم تفوق الإرهابيين في العدد والعتاد، قاوم منسي ورجاله ببسالة حتى الرمق الأخير. رفض الانسحاب، رفض الاستسلام، وفضّل الشهادة على أن يُرفع علم الإرهاب فوق نقطة عسكرية مصرية. وقد استشهد ومعه عدد من أبطاله، لكنهم أفشلوا المخطط، وأكدوا أن أمن مصر لا يُنتزع بالسلاح، ولا يُخترق بالدم
ملحمة البرث لم تكن مجرد معركة، بل رمزًا للثمن الذي دفعته مصر لتحرير مؤسساتها من قبضة جماعة استباحت الوطن باسم الدين، لقد خاضت مصر بعد الإخوان معركة البقاء والهوية، وواجهت الإرهاب بعزيمة وإرادة ودماء طاهرة. ومنسي ورفاقه ليسوا مجرد شهداء، بل عناوين حقيقية لوطن لا يُهزم، وجيش لا يترك موقعه، وشعب لا ينسى من ضحى لأجله. وستظل ملحمة البرث دليلًا على أن من خانوا الوطن سقطوا، ومن دافعوا عنه خُلدوا.

ملحمة البرث كانت تجسيدًا لصورة الجندي المصري وقت الشدة، الذي يختار الشهادة على أن يرى علم بلاده يُهان. واستشهاد "منسي" لم يُطفئ نوره، بل جعله خالدًا في قلوب المصريين، ورمزًا خالصًا للبطولة والولاء.

وقد نجحت مصر خلال السنوات الماضية في كسر شوكة الإرهاب وتقليص عملياته بشكل كبير، كما استعادت السيطرة الأمنية على المناطق التي كانت ملتهبة. لكن الأهم من ذلك، أنها كسبت معركة الوعي، وفضحت حقيقة الجماعات التي تاجرت بالدين وسعت لهدم الدولة من الداخل.

حرب مصر ضد الإرهاب بعد الإخوان لم تكن مجرد صراع أمني، بل معركة من أجل بقاء الدولة وهويتها الوطنية. ومع كل شهيد سقط، وكل خلية أُجهضت، تأكد أن مصر لا تُهدد، وأن جيشها وشرطتها وشعبها سد منيع أمام من يحاول العبث بأمنها واستقرارها.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: حملات قوات شمال سيناء عناصر تكفيرية ضد الدولة مؤسسات الدولة دور العبادة الوجه الحقيقي

إقرأ أيضاً:

د. إيمان شاهين تكتب: اتيكيت التعامل بين الأزواج في الإسلام

الإسلام قدّم أرقى صورة للتعامل بين الزوجين، ووضع أُسسًا راقية تشبه ما نسمّيه اليوم «اتيكيت الحياة الزوجية»، قائمة على المودة والرحمة والاحترام المتبادل.


حسن المعاشرة: من أهم قواعد الإتيكيت أن يتعامل الزوجان بلطف وكلمة طيبة، وأن يبتعدا عن الألفاظ الجارحة، لأن الله قال: «وعاشروهن بالمعروف»، والمعروف يشمل الكلام الحسن والرفق والتقدير.


الاحترام المتبادل: الاحترام عبادة، ويظهر في احترام الرأي والمشاعر وخصوصية كل طرف، وعدم التقليل أو السخرية، واحترام العائلات وعدم ذكرها بسوء.


 الحوار الراقي: الخلافات تُحل بالكلمة الهادئة بدون صراخ أو تهديد أو تعميمات. اختيار الوقت المناسب وتجنّب الحدة من أرقى صور الإتيكيت الذي دعا إليه الإسلام.


 التعبير عن المودة: النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُظهر حبه لزوجاته، وهذا دليل على أن التعبير عن المشاعر حق وضرورة، كلمة حلوة، شكر بسيط، لفتة تقدير كلها تزيد الألفة وتبني جسور المودة.


التعاون في شؤون البيت: من السنة أن يساعد الزوج زوجته، وأن تتعاون الزوجة أيضاً، المشاركة في الأعمال تخفف الضغوط وتقوّي الشراكة وتمنع تراكم المشكلات.


 حفظ الأسرار الزوجية: من أهم القواعد ألا يُخرج أحد الزوجين ما يدور داخل البيت. حفظ السر يحفظ الثقة، أما كشفه فيكسر العلاقة.


 الرفق في الطلب والعتاب: الإتيكيت الحقيقي هو اللين، تطلبي بلطف وتعاتبي بهدوء، ويكون الهدف الإصلاح مش جرح المشاعر. العتاب الرقيق أقوى من العتاب القاسي.


 الاهتمام بالمظهر: ابن عباس قال: «أحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي»، الاهتمام بالنظافة والمظهر والرائحة من احترام الشريك وحقه عليك.
 

 الدعاء لبعض: الدعاء يربط القلوب: «اللهم ألّف بين قلوبنا وبارك لنا»، وهو من أجمل صور المودة والرحمة.


حفظ الحقوق: الإسلام وضع حقوقاً للطرفين: النفقة بالمعروف، الكرامة، الرحمة، وعدم الاستغلال. الالتزام بها أساس الاستقرار وجوهر الإتيكيت.

الدكتورة إيمان شاهين - مدرس إدارة المنزل والمؤسسات بجامعة المنوفية

طباعة شارك إيمان شاهين اتيكيت التعامل بين الأزواج اتيكيت التعامل بين الأزواج في الإسلام التعامل بين الأزواج في الإسلام الإسلام

مقالات مشابهة

  • عبر الخريطة التفاعلية.. ما أهمية المنطقة التي وقع فيها كمين تدمر؟
  • مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء
  • د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا
  • ائتلاف المالكي:الحاج أبو إسراء قد يكون هو رئيس الحكومة المقبلة او مرشحا عنه
  • اسماء عبدالعظيم تكتب: «حين سبقنا التطوير.. ونسينا الإنسان»
  • روضة الحاج: يا بلادي أنا بالبابِ وفي كفي الأناشيدُ التي كنتِ تحبينَ
  • عادل نعمان: النجاة من التطرف تتطلب التمسك بمبدأ الدولة المدنية
  • د. إيمان شاهين تكتب: اتيكيت التعامل بين الأزواج في الإسلام
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • كريم قاسم: واجهت ترددا في الموافقة على فيلم القصص في البداية