في مقطع مرئي، تحدّث ذلك الرجل الذي يعيش منذ سنين طويلة في المهجر عن حالة الانعزال التي يعيشها بعض الناس في أماكن مختلفة من العالم، خاصة في القارة العجوز.

كان يعقد في حديثه المليء بالشجن مجموعة من المقارنات بين العالم الغربي المتطور، والشرقي «المحافظ» على عاداته وتقاليده الأصيلة، وعلى كل ما فُطر عليه.

ذكر الرجل معلومات قيّمة، وأسرد تفاصيل مثيرة للاهتمام، ومن بين ما قاله: إن ثمة أحياءً بأكملها لا تجد بها أصواتًا أو حركة غير طبيعية توحي بأن مئات من البشر يعيشون في ذلك المكان.

كل شيء جامد وصامت، أحياء كاملة لا روح تحلّق بين شوارعها، السكان يعيشون في «زجاجة منغلقة»، وزاوية منعزلة عن العالم.

هناك انغلاق تام على ما يدور في الخارج، وانفصال متعمّد عما يدور حولهم من أشياء يظنون بأنها لا تعنيهم. في الحي الذي يقف فيه ذلك الرجل وهو يتحدّث عن وجه الحياة، كل شيء من حوله فعليًّا لا حياة فيه. ثم يقول: «هذه بعض الحدائق التي شُيدت لتكون متنفسًا للكبار وواحة للهو عند الصغار، لكن انظروا جيدًا»، ثم يلتفت تارة شمالًا ويمينًا، ثم يقول: «ها هي الحديقة فارغة، وقبلها أيضًا الشوارع خالية من المارة».

إنها حياة الغرب، كلٌّ في حال سبيله. يشير بيديه قائلًا: «في هذه المساكن الجميلة، المغلقة على أصحابها، يعيش الكثير من الناس بصمت الأموات. يعيشون يومهم دون أن يحدثوا ضجيجًا يمكن أن يُعرّفوا به عن أنفسهم أنهم لا يزالون أحياء».

الأغرب من ذلك، أن البعض من السكان يموت وحيدًا، وبعد مضي نحو قرابة شهر كامل، تفوح رائحته النتنة في الحي الذي يسكنه، مما يدفع «الصامتين» إلى الحديث عبر الهاتف، حيث يطلبون حضور رجال الشرطة من أجل معاينة الشقة المغلقة التي تنبعث منها رائحة كريهة. وما أن يأتي رجال الشرطة والقسم المختص ويفتحوا الباب على صاحبها، حتى يكتشفوا بأنه قد فارق الحياة منذ فترة تجاوزت الشهر! مات دون أن يعلم أحد بوفاته!

أي فقر عاطفي واجتماعي هذا الذي يعيشه الناس؟! حياة يسودها انعدام تام لمعنى البُعد الاجتماعي والأسري. في بلداننا الشرقية، وإن كنا نراها أحيانًا مليئة بالفوضى، إلا أنها نابضة بالحياة. فعندنا نفتقد بعضنا بعضًا حتى وإن كنا غير أصدقاء. إذن، نحن نعيش نمط الحياة بوجهة نظر مغايرة لحياة الغرب الصامتة.

قد نكون فضوليين أكثر من غيرنا من البشر، وربما كثير منا لديه شغف المعرفة والتطفل في معرفة الخصوصيات: أين ذهبت؟ لماذا اختفت؟ وهكذا. لكن، مع كل هذه العيوب، نحن لا نعيش حياة الانزواء والتفرد والانطواء على أنفسنا.

لذا، عندما يموت شخص ما، يلتف الناس من كل حدب وصوب، يشاركون في وداعه، سواء في حضور الجنازة أو تقديم واجب العزاء. تجد الناس، رغم كل العيوب التي فيهم، يتضامنون مع بعضهم بعضًا.

نحن لسنا فقراء عاطفة اجتماعية وأسرية، بل نحن أفضل من غيرنا بكثير ممن يعتقدون أن سؤالنا عن أحوالهم هو تدخل في حياتهم الخاصة!

علّمنا ديننا الإسلامي الحنيف أن نؤدي الواجب الذي علينا، سواء لجيراننا أو من يعيش إلى جوارنا، كالمقيمين على أرضنا الطيبة.

ولذا، نحن نحاول أن نؤدي ما فُرض علينا كبشر، وألا نتجاهل ما أُمرنا به. أما الغرب، فالحياة فيه مختلفة تمامًا عن الشرق.

في دفتر الذكريات، أتذكر شيئًا خاصًّا، عندما ذهبت ذات مرة إلى إحدى المدن الغربية، منذ الوهلة الأولى شعرت بغربة الروح قبل أي شيء آخر. كل شيء صامت، يدعو إلى الرهبة والخوف والضياع. الحياة «تموت» مبكرًا على غير العادة، والناس مختلفون عنا كثيرًا في طريقة عيشهم وفهمهم للحياة التي يسيرون في طرقاتها. حتى في تصرفاتهم وأفكارهم، نحن مختلفون عنهم. فكيف هي عواطفهم تجاه بعضهم بعضًا؟!

الكثير من كبار السن في الغرب يعيشون حياة الانعزال التام عن العالم المحيط بهم، حتى إن حركاتهم واهتماماتهم أشبه بغربة أخرى يدخلون أنفسهم فيها.

أما نحن في الشرق، فالكبار يهتمون كثيرًا بالسؤال عن الآخرين من حولهم، حتى وإن لم يكونوا من أهلهم وذويهم. يعيشون أجواء الأُلفة مع الجيران والحي الذي يسكنون فيه، ينسجمون مع الواقع والحياة معًا.

عدة مرات حاولت أن أفهم الواقع الغربي، وما فيه من اضطراب في المشاعر، وبعدٍ عن العواطف والمشاعر التي وُجدت بداخلنا كبشر، لكني فشلت في تحديد سرّ إصرار الكثير منهم على الانعزال عن الآخرين من حولهم.

ولذا، فإن أغلب كبار السن «العجزة» يُفضّلون قضاء ما تبقى من أعمارهم محاصرين بين وجع المرض، وغربة الروح، وانعزال عن الناس. يُفضّلون أن تكون خاتمتهم إما في دار العجزة، أو على سرير المستشفيات، أو منعزلين في مسكنهم، لا يعرفون شيئًا عمّا يدور في الخارج!

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المخابرات التشكية: روسيا تجند مهاجرين لزعزعة استقرار الغرب عبر "تيليغرام"

كشف تقرير الاستخبارات التشيكي أن روسيا تجند مهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي لتنفيذ "أنشطة إجرامية وإثارة الفوضى"، بهدف "زعزعة الثقة في المؤسسات وتعطيل الدعم العسكري لأوكرانيا". اعلان

كشف جهاز المخابرات التشيكي (BIS) في تقريره السنوي لعام 2024، الصادر يوم الخميس، عن استخدام روسيا لشبكات من المهاجرين من خارج دول الاتحاد الأوروبي لتنفيذ "عمليات إجرامية تهدف إلى نشر الخوف وتقويض ثقة المواطنين في حكوماتهم".

وأوضح التقرير أن موسكو تعتمد على تطبيق "تيليغرام" لتجنيد هؤلاء الأفراد وتكليفهم بمهام متنوعة، تشمل تصوير منشآت عسكرية ومراكز لوجستية مخصصة لدعم أوكرانيا، بالإضافة إلى تنفيذ هجمات حرق متعمد.

وأكد جهاز المخابرات أن هذه الأنشطة "لا تقتصر على جمع المعلومات وإلحاق الضرر المادي فحسب، بل تسعى إلى تحقيق أهداف نفسية أوسع".

وذكر التقرير أن من بين هذه الأهداف "إضعاف التماسك الاجتماعي في الدول الغربية، ونشر حالة من الخوف وعدم اليقين، وزيادة الضغط لتقليص الدعم المقدم لأوكرانيا".

ووفقًا للوثيقة الاستخباراتية، فإن العديد من هؤلاء المجندين لا يعلمون أنهم يعملون لصالح روسيا، حيث يتم توظيفهم عبر وسطاء.

Relatedالتشيك تدعو لإغلاق أبواب أوروبا أمام الغاز الروسي بعد انتهاء عقد غازبروم والبحث عن بدائلمداهمات في التشيك وتفكيك شبكة تهريب دولية تدير الهجرة غير الشرعية داعش في التشيك؟ اعتقال 5 مراهقين يشتبه أن التنظيم جندهم عبر الانترنت من سوريا

وأشار التقرير إلى أن التشيك كانت مسرحًا لهجمات متعددة نفذها عملاء روس على مدى السنوات الماضية، مستشهدًا بحادثة طرد 18 دبلوماسيًا روسيًا عام 2021 بعد ثبوت تورط موسكو في تفجير مستودع ذخيرة عام 2014.

وفي سياق متصل، حكمت السلطات التشيكية مؤخراً على رجل كولومبي بالسجن ثماني سنوات بعد إدانته بمحاولة إشعال حريق في مستودع حافلات، وهو هجوم رجح رئيس الوزراء بيتر فيالا أن روسيا تقف خلفه.

كما نوه التقرير إلى أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في التشيك تُستخدم كأداة لتوسيع النفوذ الروسي، واصفًا إياها بأنها "مؤسسة موالية بالكامل للكرملين".

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • التحول الكامل.. قصة الفنان الذي يعيش حياة المشاهير في باريس
  • عبدالله: الغرب ينتظر انجازات أكثر من لبنان
  • حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 11 يوليو 2025 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي
  • المخابرات التشكية: روسيا تجند مهاجرين لزعزعة استقرار الغرب عبر "تيليغرام"
  • روسيا ومؤامرة تسميم ذكاء الغرب الاصطناعي
  • حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 10 يوليو 2025 على الصعيد الصحي والمهني والعاطفي
  • فيضانات بجميع أنحاء العالم.. ما الذي يمكن فعله للتكيف؟
  • يهود الغرب والضغط الخانق على إسرائيل