حياة الغرب.. وجه «مظلم» للفقر الاجتماعي والعاطفي
تاريخ النشر: 10th, July 2025 GMT
في مقطع مرئي، تحدّث ذلك الرجل الذي يعيش منذ سنين طويلة في المهجر عن حالة الانعزال التي يعيشها بعض الناس في أماكن مختلفة من العالم، خاصة في القارة العجوز.
كان يعقد في حديثه المليء بالشجن مجموعة من المقارنات بين العالم الغربي المتطور، والشرقي «المحافظ» على عاداته وتقاليده الأصيلة، وعلى كل ما فُطر عليه.
ذكر الرجل معلومات قيّمة، وأسرد تفاصيل مثيرة للاهتمام، ومن بين ما قاله: إن ثمة أحياءً بأكملها لا تجد بها أصواتًا أو حركة غير طبيعية توحي بأن مئات من البشر يعيشون في ذلك المكان.
هناك انغلاق تام على ما يدور في الخارج، وانفصال متعمّد عما يدور حولهم من أشياء يظنون بأنها لا تعنيهم. في الحي الذي يقف فيه ذلك الرجل وهو يتحدّث عن وجه الحياة، كل شيء من حوله فعليًّا لا حياة فيه. ثم يقول: «هذه بعض الحدائق التي شُيدت لتكون متنفسًا للكبار وواحة للهو عند الصغار، لكن انظروا جيدًا»، ثم يلتفت تارة شمالًا ويمينًا، ثم يقول: «ها هي الحديقة فارغة، وقبلها أيضًا الشوارع خالية من المارة».
إنها حياة الغرب، كلٌّ في حال سبيله. يشير بيديه قائلًا: «في هذه المساكن الجميلة، المغلقة على أصحابها، يعيش الكثير من الناس بصمت الأموات. يعيشون يومهم دون أن يحدثوا ضجيجًا يمكن أن يُعرّفوا به عن أنفسهم أنهم لا يزالون أحياء».
الأغرب من ذلك، أن البعض من السكان يموت وحيدًا، وبعد مضي نحو قرابة شهر كامل، تفوح رائحته النتنة في الحي الذي يسكنه، مما يدفع «الصامتين» إلى الحديث عبر الهاتف، حيث يطلبون حضور رجال الشرطة من أجل معاينة الشقة المغلقة التي تنبعث منها رائحة كريهة. وما أن يأتي رجال الشرطة والقسم المختص ويفتحوا الباب على صاحبها، حتى يكتشفوا بأنه قد فارق الحياة منذ فترة تجاوزت الشهر! مات دون أن يعلم أحد بوفاته!
أي فقر عاطفي واجتماعي هذا الذي يعيشه الناس؟! حياة يسودها انعدام تام لمعنى البُعد الاجتماعي والأسري. في بلداننا الشرقية، وإن كنا نراها أحيانًا مليئة بالفوضى، إلا أنها نابضة بالحياة. فعندنا نفتقد بعضنا بعضًا حتى وإن كنا غير أصدقاء. إذن، نحن نعيش نمط الحياة بوجهة نظر مغايرة لحياة الغرب الصامتة.
قد نكون فضوليين أكثر من غيرنا من البشر، وربما كثير منا لديه شغف المعرفة والتطفل في معرفة الخصوصيات: أين ذهبت؟ لماذا اختفت؟ وهكذا. لكن، مع كل هذه العيوب، نحن لا نعيش حياة الانزواء والتفرد والانطواء على أنفسنا.
لذا، عندما يموت شخص ما، يلتف الناس من كل حدب وصوب، يشاركون في وداعه، سواء في حضور الجنازة أو تقديم واجب العزاء. تجد الناس، رغم كل العيوب التي فيهم، يتضامنون مع بعضهم بعضًا.
نحن لسنا فقراء عاطفة اجتماعية وأسرية، بل نحن أفضل من غيرنا بكثير ممن يعتقدون أن سؤالنا عن أحوالهم هو تدخل في حياتهم الخاصة!
علّمنا ديننا الإسلامي الحنيف أن نؤدي الواجب الذي علينا، سواء لجيراننا أو من يعيش إلى جوارنا، كالمقيمين على أرضنا الطيبة.
ولذا، نحن نحاول أن نؤدي ما فُرض علينا كبشر، وألا نتجاهل ما أُمرنا به. أما الغرب، فالحياة فيه مختلفة تمامًا عن الشرق.
في دفتر الذكريات، أتذكر شيئًا خاصًّا، عندما ذهبت ذات مرة إلى إحدى المدن الغربية، منذ الوهلة الأولى شعرت بغربة الروح قبل أي شيء آخر. كل شيء صامت، يدعو إلى الرهبة والخوف والضياع. الحياة «تموت» مبكرًا على غير العادة، والناس مختلفون عنا كثيرًا في طريقة عيشهم وفهمهم للحياة التي يسيرون في طرقاتها. حتى في تصرفاتهم وأفكارهم، نحن مختلفون عنهم. فكيف هي عواطفهم تجاه بعضهم بعضًا؟!
الكثير من كبار السن في الغرب يعيشون حياة الانعزال التام عن العالم المحيط بهم، حتى إن حركاتهم واهتماماتهم أشبه بغربة أخرى يدخلون أنفسهم فيها.
أما نحن في الشرق، فالكبار يهتمون كثيرًا بالسؤال عن الآخرين من حولهم، حتى وإن لم يكونوا من أهلهم وذويهم. يعيشون أجواء الأُلفة مع الجيران والحي الذي يسكنون فيه، ينسجمون مع الواقع والحياة معًا.
عدة مرات حاولت أن أفهم الواقع الغربي، وما فيه من اضطراب في المشاعر، وبعدٍ عن العواطف والمشاعر التي وُجدت بداخلنا كبشر، لكني فشلت في تحديد سرّ إصرار الكثير منهم على الانعزال عن الآخرين من حولهم.
ولذا، فإن أغلب كبار السن «العجزة» يُفضّلون قضاء ما تبقى من أعمارهم محاصرين بين وجع المرض، وغربة الروح، وانعزال عن الناس. يُفضّلون أن تكون خاتمتهم إما في دار العجزة، أو على سرير المستشفيات، أو منعزلين في مسكنهم، لا يعرفون شيئًا عمّا يدور في الخارج!
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: نظام كييف قد يقبل بتنازلات إقليمية مقابل ضمانات أمنية موثوقة من الغرب
ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن نظام كييف قد يتخلى عن جزء من الأراضي في إطار تسوية الأزمة الأوكرانية، شريطة حصوله على ضمانات أمنية موثوقة من الدول الغربية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أوروبيين لم يُكشف عن هويتهم قولهم إن “الضمانات الأمنية القوية والموثوقة تمثّل الحافز الأبرز الذي قد يدفع أوكرانيا إلى القبول بالتنازل عن جزء من أراضيها".
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن الولايات المتحدة "ترفض حتى الآن تقديم مثل هذه الضمانات أو دعم أي قوة أوروبية يمكن أن تتولى مهمة تنفيذها".
وفي وقت سابق، أفادت صحيفة "واشنطن بوست"، نقلا عن مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، بأن خطة تسوية الأزمة الأوكرانية التي يجري بحثها في بروكسل، ستشمل "تعهّد أوروبا بتقديم ضمانات أمنية منفصلة إلى جانب ضمانات أمريكية مشابهة لمضمون المادة الخامسة من ميثاق الناتو".
كما ذكر موقع "أكسيوس" أن فلاديمير زيلينسكي ناقش خلال اتصال هاتفي مع المبعوثين الأمريكيين ستيف وجاريد كوشنر مسألتي الأراضي والضمانات الأمنية.
ونقل الموقع عن مصادر أوكرانية، أن ويتكوف وكوشنر حاولا خلال مكالمة هاتفية مع زيلينسكي استمرت ساعتين يوم 6 ديسمبر الحصول على "موافقة واضحة منه على المقترح الأمريكي للتسوية، بما في ذلك التنازل عن إقليم دونباس لصالح روسيا".
يأتي ذلك في إطار جولة مفاوضات مكثفة شملت لقاءات مباشرة بين مبعوثي ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، ومحادثات مطولة مع الفريق الأوكراني في ميامي.
وأشارت تقارير سابقة إلى أن الخطة الأمريكية تتضمن تنازلات إقليمية كبيرة من جانب أوكرانيا.
وكان زيلينسكي قد وصف محادثاته مع المبعوثين الأمريكيين بأنها "بناءة وإن لم تكن سهلة"، لكنه لم يعلن عن أي تنازلات جوهرية.
يذكر أن الإدارة الأمريكية أعلنت سابقا عن عملها على إعداد خطة لتسوية الأزمة الأوكرانية، فيما أكد الكرملين أن روسيا ما تزال منفتحة على المفاوضات وتبقى ملتزمة بمنصة الحوار في أنكوريدج