فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة يقوّض السلطة ويهيئ لكيانات بديلة
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
رام الله- خطوة أخرى يقرها الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) نحو تقويض السلطة الفلسطينية والقضاء على أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفي المقابل تهيئة الظروف لهندسة كيانات محلية بديلة، وذلك بتمرير الأغلبية اليوم الأربعاء، مقترح يدعو إلى فرض وإحلال السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة.
وجاء التصويت، بأغلبية 71 عضوا من بين 120، بعد يومين من دعوة وزراء وبرلمانيين إسرائيليين من بينهم أعضاء في حزب الليكود الذي يرأسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو -خلال مؤتمر في مبنى الكنيست- إلى ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل وفرض السيادة عليها، في تحد واضح للموقف الدولي الرافض لهذه المخططات باعتبارها انتهاكا للقانون الدولي.
كما جاء التصويت، على مشرع القرار المقدم من أعضاء الائتلاف الحاكم قبيل خروج الكنيست للعطلة الصيفية، بعد نحو عام على تصويت الكنيست بالأغلبية لصالح قرار يرفض قيام دولة فلسطينية، وقبل أيام من انعقاد مؤتمر دولي بالأمم المتحدة لتطبيق حل الدولتين.
ومع أن مشروع القرار لا يعد قانونا نافذا ولا يلزم الحكومة الإسرائيلية، إلا أنه يأتي في وقت تتوالى فيه الإجراءات الإسرائيلية على الأرض والتي من شأنها سحب البساط من تحت السلطة الفلسطينية وإفشال إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة والدفع بكيانات بديلة، وفق خبراء.
يقول المستشار السياسي بوزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أحمد الديك إن مشروع القرار امتداد لقرار الكنيست (في يوليو/تموز 2024) الذي اتخذه بأغلبية كبيرة برفض الدولة الفلسطينية، ويندرج في إطار ما تسمى "خطة الحسم" التي يعمل عليها الائتلاف الحكومي منذ أن تولى الحكم في إسرائيل.
إعلانوأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الائتلاف الحكومي يمارس الضم التدريجي بشكل يومي عبر جملة كبيرة من الانتهاكات والجرائم وتقطيع أوصال الضفة وتعميق الاستيطان.
وقال إن قرار الكنيست يأتي ردا على مؤتمر الأمم المتحدة لتطبيق حل الدولتين والمزمع عقده الاثنين القادم، واستخفافا فجّا بهذا المؤتمر وبأكثر من 140 دولة تقوم عليه "وكعادتها تتمرد إسرائيل على كل ما يتعلق بالشرعية الدولية والمجتمع الدولي".
وتابع المسؤول الفلسطيني أن القضية كلها برسم المجتمع الدولي الذي يجب أن يصعّد من عقوباته وإجراءاته العقابية ومساءلته ومحاسبة قادة الاحتلال.
وعن التحرك الفلسطيني في مواجهة الخطط الإسرائيلية، قال الديك "في وقت مبكر بدأنا العمل على المسار السياسي والدبلوماسي والقانوني الدولي لفضح هذا المخطط الاستعماري الذي سيكون له نتيجة واحدة وهي تعميق نظام الفصل العنصري والأبرتهايد في فلسطين المحتلة".
وأشار إلى أن "ملف الاستيطان وضم الضفة وما يتبعهما من جرائم وانتهاكات، أحد الملفات التي أحيلت لمحكمة الجنايات الدولية".
وتحدث عن التحرك على مستوى محكمة العدل الدولية التي أصدرت رأيا استشاريا أكدت فيه أن الاحتلال غير قانوني وطالبت بإنهائه فورا، وقالت إن كل ما نتج عن هذا الاحتلال "باطل وغير شرعي".
وتطرق الديك إلى الاستمرار في رفع تقارير دورية للمحاكم الدولية ومطالبة الدول بتفعيل المسار القانوني في المحاكم الوطنية ضد مجرمي الحرب ودعاة الضم والتهجير.
وعلى مستوى الأمم المتحدة، قال إن هناك إجماعا دوليا على رفض هذه المخططات، و"في مجلس الأمن أي قرار يتم تسليمه يحظى بإجماع 14 عضوا ما عدا صوت الولايات المتحدة الحامي الأكبر لدولة الاحتلال".
وزاد: "نعمل مع جميع المنظمات الدولية المختصة على مدار الساعة لاستصدار مزيد من القرارات" لكنه يؤكد: "لدينا مشكلة جدية أن هذا الإجماع الدولي لا يترجم إلى خطوات وإجراءات عملية قادرة على إجبار الاحتلال على وقف سياساته وتغوله على الشعب الفلسطيني".
واعتبر أن فشل المجتمع الدولي في وقف حرب الإبادة والتهجير والضم هو الذي يشكل غطاء ويشجع الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ المزيد من "الخطوات الاستعمارية لتصفية القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا".
من جهته، يرسم المحلل السياسي أحمد أبو الهيجا صورة قاتمة لما سيكون عليه الوضع في الضفة الغربية بعد تصويت الكنيست، موضحا أن التصويت يضفي شرعية ويعطي صبغة قانونية لإجراءات ممارسة بالفعل.
وتوقع أبو الهيجا "إجراءات أكثر قسوة" في التعامل مع الفلسطينيين وتحديدا في موضوع التهجير الداخلي؛ إذ تسعى إسرائيل للتضييق على سكان المناطق المستهدفة بفرض السيادة لإفراغها بالكامل وبشكل أكثر خشونة، كحرمانهم من الخدمات والكهرباء والمياه، من دون أن يستبعد إعادة تعريف بعض السكان في مناطق قد تخضعها إسرائيل لسيادتها.
كما توقع في حديثه للجزيرة نت، مرونة رسمية في التعامل مع المستوطنين سواء في مجال منح الموازنات أو الصلاحيات أو مصادرة الأراضي الفلسطينية.
إعلانوأضاف أن بعض الإجراءات قائمة بالفعل، لكنها ستستكمل باتجاه الحسم وسيكون بإمكان المستوطنين ممارسة التهجير "لكن ما يؤجل ذلك أن إسرائيل غير قادرة على حسم أي ملف من ملفات الصراع سواء إيران أو سوريا أو لبنان أو غزة بالطريقة التي تريدها، ولذلك هناك بعض الكوابح في مسألة التعامل مع الضفة".
وتوقع المحلل الفلسطيني في المرحلة القادمة مشاريع سيادية وتهجيرا داخليا وتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم وتعطيل كل مقومات البنية التحتية في هذه المناطق "وبالتالي الدفع بالهجرة إلى المدن، تمهيدا للتهجير إلى الخارج".
ويلفت المحلل الفلسطيني إلى انعكاسات أخرى، لفرض السيادة أبزرها ظهور تشكيلات إدارية محلية قد تكون متعاونة مع الاحتلال أو تحركها مصالحها، موضحا أن إسرائيل استغلت الفترة الماضية لإعادة هندسة السلطة للتعامل مع الوضع الجديد.
ووفق رأي المحلل الفلسطيني فإن السلطة "لن تستطيع أن تلبي نَهَم الإسرائيليين مهما كانت مرنة، لذلك تسعى إسرائيل تدريجيا لخلق أجسام بديلة تكون محمية بالقانون الإسرائيلي، وبدأ ذلك في الحديث عن تشكيلات عشائرية".
وكشف عن توجه رجال أعمال إلى ترخيص أعمالهم في إسرائيل حماية لمصالحهم، فضلا عن شراكات تجارية ولقاءات ثنائية مع مانحين، متجاوزين السلطة الفلسطينية وقوانينها.
وأضاف أن الأجسام البديلة موجود وتشتغل بخفاء وتردد، لكن في حال حصلت على حماية إسرائيلية، فلن تستطيع السلطة مساءلتها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الإسرائیلیة على
إقرأ أيضاً:
تداعيات فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة بالضفة على الأردن
عمّان- أعربت شخصيات أردنية بارزة عن رفضها القاطع لقرار الكنيست الإسرائيلي الداعي إلى فرض السيادة على منطقة الأغوار والضفة الغربية المحتلة، معتبرة أنه يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، ولاتفاقية وادي عربة للسلام، وتهديدا مباشرا للأمن الوطني الأردني، ولحقوق الشعب الفلسطيني.
وأكدت أن الرد الأردني الرسمي والشعبي يجب أن يرتقي إلى مستوى التهديد، وأن عمّان لن تقبل بأي تغيير أحادي على الأرض يمس حدود الأردن وسيادته، ودوره الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والوصاية على المقدسات في القدس.
وكان الكنيست قد أقر، أمس الأربعاء، مشروع قرار يدعو إلى فرض السيادة الكاملة للاحتلال على الضفة وغور الأردن، وذلك بأغلبية 71 نائبا من أصل 120.
بدورها أدانت الخارجية الأردنية -في بيان لها- التصويت واعتبرته بمثابة "انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتقويض واضح لحل الدولتين ولحق الشعب الفلسطيني في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط 4 يونيو/حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة".
انعكاسات خطيرةورغم أن القرار غير ملزم للحكومة الإسرائيلية، فإن رمزيته -بحسب مراقبين- تكمن في كونه مؤشرا جديدا على نية السياسة الإسرائيلية تجاه تكريس الاحتلال، ما يثير جملة من التداعيات الخطيرة، خصوصا على الأردن، الذي يرتبط جغرافيا وديمغرافيا وتاريخيا وأمنيا بهذه المناطق.
ورأى الخبير العسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار أن ما يحدث حاليا من خطوات إسرائيلية أحادية، ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لسياسة بدأت منذ اتفاقية أوسلو عام 1993.
وأضاف للجزيرة نت أن القرار يؤكد أن إسرائيل عملت منذ ذلك الحين بشكل ممنهج على إعادة احتلال الضفة الغربية عبر إجراءات العزل والحصار، في إطار حرب غير معلنة على الشعب الفلسطيني.
إعلانووفقا له، فإن العقيدة الإسرائيلية تقوم على مبدأ أن "القوة هي الحق"، وأن فترات السلام ليست سوى مرحلة تحضيرية لحروب قادمة، مضيفا أن نيتها باتت واضحة ومعلنة، وأن ما حدث في الكنيست يُشكّل تهديدا مباشرا وخطيرا للأردن وأمنه الوطني.
مؤكدا أن المملكة تمتلك إستراتيجية دفاعية مدروسة وجاهزة للتعامل مع أي تطورات، وأن أي تنفيذ فعلي لخطط الضم سيقود إلى فوضى شاملة في الضفة تتخذ طابعا دينيا وعرقيا، مما يهدد بتحولها إلى ساحة صراع أهلي داخلي، وقد يتجاوز تأثير ذلك إسرائيل ليهدد استقرار الإقليم بأكمله.
من جانبه، أكد النائب في البرلمان صالح العرموطي أن الأردن هو المتضرر الأكبر من قرار الكنيست، وأوضح أن القرار يخالف بنود اتفاقية وادي عربة من حيث المبدأ، وينزع الوصاية الأردنية عن المقدسات في القدس.
ولفت العرموطي إلى أن الكنيست كان قد صوت عام 1980 على قرار مشابه بضم القدس، وتصدى له حينها مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 478، والذي أكد عدم الاعتراف بالضم واعتبره مخالفا للقانون الدولي، مبينا أن الخطوة الحالية تخرق أيضا الاتفاقيات الدولية، وتُعتبر سابقة خطيرة.
واستنكر العرموطي الصمت العربي والإسلامي تجاه تصويت الكنيست على قرار ضم الضفة، مشيرا إلى أن ما يجري هو امتداد للإعلان عن "يهودية الدولة"، والذي كان مقدمة لطرد الشعب الفلسطيني وإنكار وجود غير اليهود على أرض فلسطين.
ودعا الحكومة الأردنية لاتخاذ خطوات حازمة، على رأسها قطع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، والتقدم بشكوى لدى محكمة العدل الدولية بخصوص التشريعات الإسرائيلية التي تُلحق الضرر بالأمة العربية والإسلامية، وتمس القضية الفلسطينية برمتها.
من جهته، قال الخبير في القانون الدولي أنيس قاسم إن هذا التصويت لا يمكن النظر إليه على أنه مجرد خطوة رمزية، بل يمثل رسالة سياسية مبكرة موجهة إلى الأردن والمنطقة بأسرها.
وأضاف للجزيرة نت أن إسرائيل تتجه نحو تثبيت الضم "القانوني"، متجاوزة بذلك السيطرة العسكرية، وصولا إلى فرض السيادة الكاملة على أراضي الضفة الغربية، وتطبيق منظومتها القانونية عليها، في محاولة لتحويل الاحتلال إلى أمر واقع مشرعن قانونيا.
ولا تكمن خطورة القرار الإسرائيلي فقط في الاتجاه القانوني -حسب قاسم- بل في الرسالة الضمنية التي يحملها، والتي قد تُقرأ على أنها تمهيد لإمكانية ترحيل السكان الفلسطينيين -جزئيا أو كليا- نحو الأردن، في سياق إعادة تشكيل الواقع الديمغرافي للضفة الغربية، وهو ما يتطلب يقظة سياسية ودبلوماسية عاجلة.
وأوضح أن قرار الكنيست لا يحمل صفة الإلزام القانوني بعد ولا يُعد تشريعا نافذا، إلا أنه يمثل تمهيدا لإصدار قانون ملزم في المستقبل القريب، وتابع "القرار يأتي في سياق متصل بقانون القومية الذي أُقر عام 2018، والذي ضمّن الأراضي الفلسطينية المحتلة داخل مفهوم الدولة اليهودية، لكنه لم يُطبق فعليا حتى الآن".
كما اعتبر أمين عام حزب الحياة الأردني ظاهر عمرو أن ما تقوم به سلطات الاحتلال اليوم في الضفة يُعد تصعيدا غير مسبوق، وأضاف للجزيرة نت أن الممارسات الإسرائيلية تكشف عن شعور متزايد لدى الاحتلال بأنه يملك زمام القرار دون رادع أو مساءلة، مشيرا إلى أن المقاومة في غزة هي" الجهة الوحيدة التي لا تزال تقف بثبات في وجه هذه الممارسات العدوانية".
إعلانوأكد أن السردية الإسرائيلية التي طالما سعت لتبرير سياساتها قد تهاوت، حيث أصبحت جرائم الاحتلال موثقة ومكشوفة على نطاق واسع، مستدركًا: "مع ذلك، فإن الصمت العربي الرسمي لا يزال يشكّل الحلقة الأضعف، ويمنح الاحتلال مساحة أكبر للمضي في مخططاته".
وفيما يتعلق بموقف المملكة، أكد عمرو أن الوضع الأردني له أبعاده الخاصة، فهناك تحديات تتعلق بالحدود، وهي مسؤولية لا يمكن لأي جهة التعامل معها إلا الأردن نفسه، والاحتلال يدرك حاجته له، ما يجعل من سيناريو التهجير الجماعي للفلسطينيين نحو الأردن أمرا بعيدا عن التحقق. معتبرا "أننا نعيش اليوم لحظة مفصلية، تلوح فيها بوادر كسر شوكة الاحتلال، والهزيمة باتت ممكنة وأكثر قربا من أي وقت مضى".
ويمثل غور الأردن عمقًا إستراتيجيًا للأردن من الجهة الغربية، كما يشكل شريطا حدوديا حساسا يفصل بين الضفة الغربية والأراضي الأردنية، في حين ترفض عمّان أي خطوات أحادية من الجانب الإسرائيلي لفرض سيادته على هذه المنطقة التي تعني عمليا تحويل الحدود الشرقية لفلسطين المحتلة إلى حدود دائمة لكيان الاحتلال، مما يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأردني.