لعبة فرنسا الجديدة في أفريقيا.. لوبوان: على باريس التواري عن الأنظار
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
قالت مجلة لوبوان الفرنسية في افتتاحية بقلم "لوك دي باروشي" إن تزايد المعارضة لوجود فرنسا في مستعمراتها السابقة يدفع باريس إلى تساؤل عميق؛ وهو هل عليها الخروج من هذه العلاقة التي أصبحت عقيمة بعد أن تدهورت صورتها إلى حد أن أصبحت كبش الفداء الأول في أفريقيا الناطقة بالفرنسية، وتكررت فكرة مناهضتها خلال الانقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو، وأخيرا في النيجر؟
وأوضحت المجلة أن الانقلابيين لا يحتاجون إلا إلى رفع فزاعة "الاستعمار الجديد" لتبرير جرائمهم وحشد السكان، في حين يصبح الزعيم الأفريقي الشرعي في خطر إذا قدم نفسه كصديق لفرنسا، فها هو رئيس النيجر محمد بازوم المنتخب يختطفه المجلس العسكري الذي عزله -كما يقول الكاتب- وها هي فرنسا تضطر إلى إجلاء جنودها من مالي ثم من جمهورية أفريقيا الوسطى ومن بوركينا فاسو، وربما قريبا من النيجر حيث لا تزال تنشر 1500 جندي.
الضجة المناهضة لفرنسا
ورأت افتتاحية المجلة أن تصور كون يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وراء كل هذه الأحداث أمر عبثي، مع اعترافها أن الدعاية الروسية لها دور في إثارة الضجة المناهضة لفرنسا، لكن ما يغذي هذه الضجة قبل كل شيء هو الإحباط في مواجهة انعدام الأمن المتفشي، والفقر المستشري، والفساد المستمر، واستحالة الوصول إلى أوروبا المحصنة، إضافة إلى شعبوية الهوية والسيادة وتشويه سمعة الديمقراطية، والجاذبية الوهمية للرجال الأقوياء، وإغراء الحلول الأكثر تطرفا، حتى أصبح ينظر إلى الاستعمار الجديد على أنه أمر لا يمكن التسامح معه.
وهكذا -تقول المجلة- أصبحت فرنسا هدفا لأنها على خط المواجهة، بتاريخها الاستعماري وانتشارها العسكري ودبلوماسيتها المفرطة في النشاط، وأدواتها المؤسسية الاستثنائية مثل الفرنك الأفريقي، ولم تشفع لها تدخلاتها ضد الإسلاميين المسلحين في منطقة الساحل، بل إن السكان الأفارقة ينسبون إخفاق القضاء على التهديد إلى فرنسا إلى حد الاشتباه في تواطؤها مع الإسلاميين.
ومع أن الرئيس إيمانويل ماكرون حلّل حجم التحدي عند وصوله إلى الإليزيه فإنه لم يقدم سوى بعد الحركات، وفق المجلة، وبالتالي تتعرض السلطات الفرنسية لأحداث مؤسفة أكثر مما تتوقع، بحيث لم يتوقعوا الانقلاب في مالي ولا الانقلاب في النيجر، خاصة أن تغير العصر في أفريقيا يدعو إلى اتخاذ قرارات جريئة.
وخلص الكاتب إلى أن على فرنسا أن تضع البلدان الأفريقية أمام مسؤولياتها، وأن تعيد إليها سيادتها النقدية بالكامل، وأن تتوقف عن اعتماد نفوذها على انتشارها العسكري، لأن التدخل المسلح ضد المجلس العسكري الجديد في النيجر -كما يتلاعب البعض بهذه الفكرة- سوف يكون ضربا من الجنون، ولن تستعيد فرنسا صوتها في أفريقيا إلا إذا جعلت نفسها أقل ظهورا هناك ولعبت بالبطاقة الأوروبية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی أفریقیا
إقرأ أيضاً:
لماذا تحتاج أمريكا إلى الخليج في معركة الذكاء الاصطناعي مع الصين؟
نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرًا تناولت فيه الاتفاقيات التي أبرمتها الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية مع دول الخليج في مجال الذكاء الاصطناعي، والشروط الضرورية لنجاحها في ظل المنافسة المحتدمة مع الصين.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يركز خلال زيارته للخليج في أيار/ مايو على غزة أو إيران أو حتى مسألة التطبيع بين إسرائيل والسعودية، بل كان اهتمامه منصبًا على الصفقات التجارية، وعلى وجه الخصوص الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت المجلة أن ترامب وافق على بيع رقائق متقدمة للسعودية والإمارات والاستثمار في مجمعات ضخمة للذكاء الاصطناعي في المنطقة، وتعهدت دول الخليج في المقابل بضخ عشرات المليارات في مشاريع داخل الولايات المتحدة.
وأكدت المجلة أن دول الخليج، بما تملكه من رقائق وتقنيات وثروات سيادية ووفرة في الطاقة، قد تتفوق على أوروبا والهند في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، لتصبح ثالث أكبر مركز عالمي بعد الولايات المتحدة والصين، ما يجعل الحوسبة ركنًا أساسيًا في العلاقة الأمريكية مع دول الخليج إلى جانب النفط.
وأضافت المجلة أن التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي يحمل مكاسب كبيرة، إذ سيسمح بضخ أموال خليجية طائلة في شركات أمريكية ناشئة ويوفر لهذه الشركات فرص التوسع في منطقة لا تواجه فيها الكثير من العوائق من حيث الطاقة والتراخيص.
كما أن موقع الخليج الجغرافي قد يتيح للولايات المتحدة توسيع نطاق منظومة الذكاء الاصطناعي الأمريكية لتصل إلى مئات الملايين في أفريقيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، بما يساعد واشنطن على إزاحة الصين من موقع الشريك التكنولوجي الأول للخليج.
وحذرت المجلة من أن تصدير التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة لدول الخليج ينطوي على عدة مخاطر، فقد تقع في الأيدي الخطأ أو تضر بعمليات الشركات الأمريكية داخليًا.
وكان ترامب قد أعلن عن هذه الصفقات قبل استكمال تفاصيلها، وهو بحاجة ماسة إلى ضبط الشروط الدقيقة وإلزام هذه الدول بضمانات صارمة مقابل الحصول على الابتكارات الأمريكية، وفقا للمجلة.
الرهان على الذكاء الاصطناعي
أشارت المجلة إلى أن أبوظبي والرياض راهنتا منذ نحو عقد على الذكاء الاصطناعي لتنويع مصادر الاقتصاد بعيدًا عن النفط.
فقد أنشأت الإمارات عام 2017 أول وزارة للذكاء الاصطناعي وأطلقت شركة "جي 42"، وافتتحت جامعة متخصصة، وطورت نماذج عربية، وأطلقت صندوقًا استثماريًا ضخمًا، حتى باتت صاحبة أعلى معدل اعتماد على الذكاء الاصطناعي عالميًا وفق تقرير أصدرته "مايكروسوفت".
وبدأت السعودية منذ 2016 استثمار مليارات الدولارات في شركات تقنية أمريكية مثل "أوبر"، وعملت على دمج الذكاء الاصطناعي في مشاريعها الكبرى، بما في ذلك جامعتها البحثية الرائدة وشركة النفط الوطنية.
وقالت المجلة إن هذا التوجه واجه عقبات بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 على يد أجهزة الأمن السعودية، إذ ترددت بعض شركات وادي السيليكون في التعاون مع حكومات الخليج.
في تلك الفترة، سارعت الصين لملء الفراغ، مقدمةً خدمات شبكة الجيل الخامس والحوسبة السحابية بأسعار تنافسية، غالبًا عبر رقائق "هواوي"، وبدا أن الذكاء الاصطناعي الصيني في طريقه للهيمنة على المنطقة.
لكن في أواخر عام 2022 -تضيف المجلة-، أثبت نجاح "شات جي بي تي" أن الولايات المتحدة تتصدر مجال الذكاء الاصطناعي، ما جعلها الشريك الأكثر جاذبية.
وفي عام 2023 فرضت واشنطن شروطًا جديدة على تصدير الرقائق المتقدمة، إذ طُلب من أي دولة راغبة في شرائها أن تنأى بنفسها عن الكيانات الصينية الخاضعة للعقوبات الأمريكية، بما فيها "هواوي".
وحسب المجلة، استوعبت دول الخليج الرسالة، فبدأت شركة "جي 42" الإماراتية، التي كانت مرتبطة بشدة بالشركات الصينية، باستبدال معدات "هواوي".
بين المتشددين ومؤيدي الانتشار
وذكرت المجلة أن صفقات ترامب مع دول الخليج في مجال الذكاء الاصطناعي أعادت إشعال جدل محتدم منذ فترة طويلة في واشنطن حول كيفية الحفاظ على التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة.
يدعو المتشددون في مجال الرقائق الإلكترونية إلى حصر صادرات أشباه الموصلات على الحلفاء المقربين والشركات الأمريكية في الخارج، وذلك لمنع تسريب التكنولوجيا الحساسة إلى خصوم الولايات المتحدة.
ويعارض هؤلاء بيع الرقائق المتطورة لدول الخليج بسبب الروابط التكنولوجية والعسكرية مع الصين، ويرون أنه يمكن للولايات المتحدة أن تكون انتقائية في صادراتها لأن الصين لا تستطيع حتى الآن تقديم بديل عملي للرقائق الأمريكية على نطاق واسع، كما يحذرون من أن الدول الاستبدادية قد تسيء استخدام الذكاء الاصطناعي.
في المقابل، يؤكد مؤيدو انتشار الذكاء الاصطناعي أن التفوق في هذا المجال يعتمد على تبني الدول الأخرى أدوات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي الأمريكية واستخدامها على نطاق واسع.
ويحذر هؤلاء من أن الإفراط في فرض الرقابة التنظيمية على الذكاء الاصطناعي سيعيق الشركات الأمريكية، ويرون أن انتشار التكنولوجيا الأمريكية أمرٌ حتمي ومرغوب فيه، ويقللون من شأن مخاطر سرقة الرقائق.
واعتبرت المجلة أن اتفاقيات ترامب مع دول الخليج تمثل انتصاراً كبيراً لمعسكر انتشار التكنولوجيا، موضحة أن هذه الاتفاقيات بدأت في عهد إدارة بايدن، إلا أن إدارة ترامب وسّعت نطاقها بشكل كبير وألغت القيود التي فرضتها إدارة بايدن على صادرات أشباه الموصلات.
قيود ضرورية
ترى المجلة أن فوائد تعزيز التعاون مع دول الخليج في مجال الذكاء الاصطناعي تفوق حجم المخاطر، إذ قد تسهم هذه الاتفاقيات في تنويع الاقتصادين السعودي والإماراتي، وتمنح الولايات المتحدة التفوق في المنافسة الاستراتيجية مع الصين عبر إزاحتها من موقع الشريك التكنولوجي المفضل لدول الخليج.
كما أن هذه الصفقات تضمن -حسب المجلة- توسيع الحضور العالمي للذكاء الاصطناعي الأمريكي، حيث يمكن للشبكات الخليجية في أفريقيا وآسيا، بالشراكة مع الشركات الأمريكية أو بالاعتماد على منظومة التقنية الأمريكية، أن توفر وصولاً إلى أسواق يصعب على الشركات الأمريكية دخولها منفردة، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية للإنترنت في تلك المناطق، وفي ظل المنافسة مع الصين التي تقدم خدمات أقل تكلفة.
وأكدت المجلة أن خطر تسرب التكنولوجيا يبقى قائمًا، ما يستدعي معالجة الأمر مبكرًا أثناء صياغة تفاصيل الصفقات، خاصة أن كثيرًا من الرقائق ما يزال يحتاج موافقة وزارة التجارة الأمريكية قبل شحنه للخليج.
ووفقا للمجلة، يجب أن تتضمن الاتفاقيات بنوداً تلزم المشترين بإبعاد التكنولوجيا الحساسة عن شركات مثل "هواوي"، ويجب على واشنطن أن توضح أن أي تقارب عسكري أو تقني مع الصين سيعرض هذا التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي للخطر.
وتضيف المجلة أن هذه القيود يجب أن تقتصر على المجالات الأكثر خطورة، وأن تكون مفهومة بوضوح من الطرفين، مع إدراك أن دول الخليج قد توظف الذكاء الاصطناعي في حملات القمع الداخلية أو التدخلات الخارجية، حتى دون امتلاك الرقائق المتقدمة.
وتوضح المجلة أن واشنطن تملك أدوات الضغط اللازمة لضمان الالتزام بهذه القيود، إذ تحتاج الرقائق إلى تحديث واستبدال كل بضع سنوات، ما يمنحها القدرة على وقف الشحنات إذا خالفت السعودية أو الإمارات شروط الاتفاق، على أن يتم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء كخيار أخير.
وتستطيع إدارة ترامب -وفقا للمجلة- تفادي النزاعات التقنية عبر التنسيق الدبلوماسي وتوسيع مكتب الصناعة والأمن المسؤول عن صادرات الرقائق في وزارة التجارة، وتعزيز التعاون بين وكالات الاستخبارات الأمريكية وشركات التكنولوجيا المحلية والدولية للتحقق من التزام الشركاء الدوليين.
شروط نجاح الصفقات
تؤكد المجلة أن إسهام اتفاقيات الذكاء الاصطناعي الدولية في دعم الولايات المتحدة على المدى البعيد، يتطلب أن يتم تصميمها لتُكمّل صناعة الذكاء الاصطناعي المحلية، لا أن تُضعفها.
وهذا يعني أن على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الإسراع في تنفيذ استثماراتهما الموعودة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة. كما يعني أيضاً أن على الولايات المتحدة التحرك بشكل عاجل لتشييد بنية تحتية للذكاء الاصطناعي محلياً، وذلك عبر إزالة معوقات الترخيص وزيادة القدرة الإنتاجية المحلية للطاقة.
وحسب المجلة، ستحدد قدرة الولايات المتحدة على توليد جيجاوات إضافية من الكهرباء للذكاء الاصطناعي الحد الأقصى لحجم الطلب العالمي الذي يمكن تلبيته من الأراضي الأمريكية.
وأشارت المجلة إلى أن نجاح هذه الصفقات يعتمد أيضًا على قبول الرأي العام الأمريكي، خاصة أن التفاوض عليها تم على عجل وخلف أبواب مغلقة، كما استفاد أقارب كبار المسؤولين الأمريكيين من صفقات مع دول الخليج في قطاعي العقارات والعملات المشفرة.
وتقول المجلة إنه إذا رأى الأمريكيون أن صفقات الذكاء الاصطناعي مُعرّضة للخطر، فقد يُقوّض ذلك استدامتها ويُغذي رد فعل محليا عنيفا، خاصة أن المشاركين في هذا المشروع، بمن فيهم مسؤولو إدارة ترامب، وملوك الخليج، وعمالقة وادي السيليكون، يثيرون جدلًا واسعًا بين الأمريكيين.
وتضيف بأن هناك عقبات أخرى، منها ضرورة أن تثبت دول الخليج قدرتها على بناء مراكز بيانات ضخمة وتقديم أسعار تنافسية وخدمات تلبي الطلب، مع مواجهة اضطرابات السوق التي قد تبطئ موجة الاستثمار الحالية.
وتختم المجلة بأن نجاح التعاون الأمريكي الخليجي في هذا المجال سيشكل نقطة تحول في انتقال دول الخليج من اقتصادات نفطية إلى أطراف فاعلة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، فيما تستعيد الولايات المتحدة موقعها كشريك أول في هذه التقنيات الحاسمة.