لجريدة عمان:
2025-08-06@18:43:19 GMT

نحو حوكمة فاعلة لحماية المستهلك

تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT

مسألة حماية المستهلك تعتبر أحد جوانب الحوكمة الاقتصادية حيث إنها تعمل على التوازن في العلاقة بين مزودي السلع والخدمات وبين المستهلك النهائي لحمايته من شتى أنواع الغش والتلاعب والاحتيال سواء في الأسعار أو المواصفات. ومع تعدد الأنشطة الاقتصادية وتداخلها بين القطاعات المختلفة فتم الأخذ بالنهج في حماية المستهلك على المستوى الوطني والذي يوزع الصلاحيات الرقابية على أكثر من جهة حكومية بين هيئة حماية المستهلك وبين بعض الجهات الحكومية ذات الاختصاص ومنها: البنك المركزي العماني فيما يخص قطاع البنوك والمصارف، وهيئة الخدمات المالية لقطاع التأمين وهيئة تنظيم الاتصالات التي لها صلاحيات رقابية على قطاع الاتصالات والبريد ووزارة التجارة والصناعة التي تشرف على جوانب حماية المنافسة ومنع الاحتكار والذي كان سابقا تحت مظلة هيئة حماية المستهلك.

بيد أن التعديلات التي طالت هيئة حماية المستهلك في الفترة السابقة، قد تكون أدت إلى تقليل صلاحياتها وتحويل بعض منها للجهات الحكومية السالفة الذكر والتي أغلبها أصبحت تمارس صلاحيات تنفيذية ورقابية. هذا التعدد وإن كان منطقيا بحكم الاختصاص ولكن قد تبرز معه تحديات حول مدى كفاءة الإطار التنظيمي الحالي والحاجة إلى حوكمة فاعلة لحماية المستهلك. فغالبا ما يؤدي تعدد الجهات التي تتابع حماية المستهلك إلى تباين في مستوى الحماية المقدمة للمستهلكين، فبينما قد تلجأ هيئة حماية المستهلك في أحيان كثيرة إلى رد الأموال أو تعويض المتضرر، قد تكتفي جهات رقابية أخرى لا تتمتع بصلاحيات كافية إلى توجيه إنذارات. كذلك، فإن بعض الجهات الحكومية قد تتمتع بآليات رقابية قوية، وأخرى قد تكون محدودة الموارد أو الأثر التنفيذي، مما قد يوجد فجوة في شكل حماية المستهلك بين القطاعات الاقتصادية والخدمية. ونأخذ بعضا من الأمثلة على عدم فاعلية حماية المستهلك في الجوانب التجارية والاقتصادية. ففي حال قام مركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار التابع لوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بمنح ترخيص التركيز الاقتصادي والذي يمنح لعدد محدود من الشركات تعمل في قطاع معين في السوق والذي قد يتم عن طريق الاستحواذ أو الاندماج أو أي نوع من أنواع التكتلات الاقتصادية، فإن لذلك الترخيص تبعات قد تصل إلى حالات الاحتكار والتحكم في حصة كبيرة في السوق وأيضا تأثير ذلك على تنافسية الأسعار. عليه فمن غير الممكن أن تقوم الوزارة بنفسها باتخاذ قرار بمنح ترخيص التركيز الاقتصادي ثم تمارس أعمال الرقابة على قراراتها التنفيذية بل ينبغي أن تكون هناك جهة حكومية محايدة تقوم بجمع الاستدلالات والتقصي في حال عدم تحول ذلك التركيز الاقتصادي إلى معيق للمنافسة أو أن يوجد شكلا من أشكال التكتلات الاحتكارية أو الهيمنة في السوق. ومن الملحوظات الجوهرية بأن قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار صدر في عام (2014) إلا أن اللائحة التنفيذية للقانون صدرت بعد سبع سنوات تقريبا مما يدعو للتساؤل حول تراخي المتابعة من الجهات الرقابية في استكمال التشريعات المتعلقة بحماية المنافسة ومنع الاحتكار.

أيضا فإن قيام عدد كبير من شركات التأمين خلال المدة القليلة الماضية بالاتفاق مجتمعة على رفع أسعار تأمين المركبات - الطرف الثالث - والاكتشاف لاحقا بأن ما حدث تم دون أخذ الموافقات الرسمية من هيئة الخدمات المالية - المسؤولة عن قطاع التأمين - وإن كان ما حدث له ما يبرره من بعض شركات التأمين فإنه أيضا يعطي صورة مبهمة على وجود خلل وضعف في الأطر التنظيمية لحماية المستهلك، وأن تعدد الجهات الحكومية المعنية بتلك الحماية يعمل على تشتت الجهود الحكومية ويقلل التكاملية والشفافية المتعلقة. إضافة إلى ذلك فإن توجه شركات التأمين برفع أسعار وثائق التأمين يندرج تحت شكل التكتلات الاحتكارية والذي يتعارض مع قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار حيث قامت أكثر من شركة تأمين بانتهاج سلوك موحد في رفع أسعار التأمين في مدة زمنية واحدة.

كما وإن كانت من مسؤوليات هيئة حماية المستهلك اكتشاف حالات الغش والتلاعب في الأسعار أو التحايل في المواصفات الفنية للسلع والخدمات المقدمة للمستهلكين فإنه ينبغي أن يقوم البنك المركزي العماني بالنهج نفسه وبالتنسيق مع البنوك التجارية بإيجاد آلية أكثر فاعلية في الحد من حالات الاحتيال الإلكتروني التي تطال الحسابات البنكية للمستفيدين. هذه الظاهرة التي أصبحت مقلقة وهي في تزايد مستمر وضحاياها كُثير. وهنا لا نلقي كل اللوم على البنوك التجارية أو البنك المركزي العماني لأن اكتشاف حالات الاحتيال الإلكتروني تكون على قدر ثقافة المستهلك والذي ينبغي ألا ينجر إلى كل ما يصل إلى من اتصالات أو بيانات، ولكن أيضا في ذات الوقت يجب على البنك المركزي العماني والبنوك التجارية أيضا أن تعمل على تطبيق أعلى المعايير الفنية والتقنية في الحد من انتشار حالات الاحتيال الإلكتروني وتكون لديها برامج متكاملة في جوانب التوعية والتثقيف لأصحاب الحسابات البنكية في كيفية التحوط الآمن لحساباتهم حيث يلاحظ بأن أغلب حالات الاحتيال يتم اكتشافها أولا من الضحايا أنفسهم وليس عن طريق استجابة سريعة من البنوك التجارية.

ومن المفارقات في حماية المستهلك فإنه في حال تكليف شركات التأمين ورشة صيانة السيارات للقيام بإصلاح المركبات الناتجة من الحوادث المروية ولم تقم الأخيرة بإنجاز التصليح في المدة الزمنية، فإن هيئة الخدمات المالية ليست لديها صلاحيات تُلزم بموجبها شركات التأمين بجبر الضرر وتعويض المتضررين من التأخير في تقديم الخدمة، وإنما تطلب منهم الذهاب للمحاكم التجارية. وهذه إشكالية ينبغي وضع حلول لها لحماية حملة وثائق التأمين حيث إن غالبية المتضررين من التأخير- والذي قد يمتد لشهور- لا يتوجهون للمحاكم نظرا للتكاليف المالية وأيضا لطول المدة الزمنية لسير قضايا المحاكم.

عليه فإن هناك غيابا لمظلة تنسيقية شاملة تعمل على توحيد جهود تلك الجهات وضمان تكامل الأدوار فيما بينها لحماية المستهلك. فكل جهة تنظم أعمالها ضمن إطارها الخاص بها دون وجود جهة حكومية فاعلة لتبادل المعلومات أو إحالة الشكاوى بينها بسلاسة، وهو ما يطيل زمن التعامل مع الشكاوى ويثقل كاهل المستهلك. في بعض الحالات تتعامل الجهة مع الشكوى ثم تحيلها إلى جهة أخرى باعتبارها غير مختصة، ليجد المستهلك نفسه في دوامة من الإحالات الإدارية غير الفاعلة.

ومما يزيد الأمر هو التفاوت في آليات تنفيذ الشكوى لدى كل جهة، سواء من حيث النماذج المستخدمة أو المنصات المتاحة أو المدة الزمنية للبنت في الطلبات. فبينما تعتمد هيئة حماية المستهلك نظاما إلكترونيا، قد تعتمد جهة أخرى على إجراءات أبطأ أو أقل وضوحا، وهو ما يؤدي إلى التباين في الحصول على سرعة علاج الضرر الذي قد يقع على المستهلك. هذا التفاوت ينعكس مباشرة على ثقة المستهلك في النظام الرقابي الذي يعطيه الحماية مما يدفع بعض المتضررين على سبيل المثال، في حوادث المركبات البسيطة إلى العزوف عن المطالبات التأمينية نظرا لطول الإجراءات والمدة الزمنية لتنفيذ الخدمة.

والقول هنا ليس بتحويل منظومة حماية المستهلك لتكون مركزية في جهة واحدة ولكن التوجه نحو حوكمة فاعلة تمنح الجهات الحكومية التخصصية على سبيل المثال، المسؤولة عن قطاع البنوك وشركات التأمين وقطاع الاتصالات الصلاحيات ذاتها لتكون مسؤولة عن الجوانب المتعلقة بالرقابة على تلك القطاعات مع رصد الشكاوى الفنية ذات الطابع التخصصي. في حين تتولى هيئة حماية المستهلك بالإضافة إلى اختصاصاتها، مسؤوليات التنسيق المؤسسي بين القطاعات كافة ومتابعة التأكد من جودة الخدمات والعمل على نشر جوانب التوعية في كل الجوانب التي لها علاقة بحماية المستهلك. كما يمكن لهيئة حماية المستهلك أن تكون الجهة الحكومية المسؤولة عن إعداد التقارير الدورية والسنوية عن حماية المستهلك تشمل تلك التقارير جميع الأنشطة التجارية والاقتصادية والمصرفية. أيضا لعله مناسب منح هيئة حماية المستهلك صلاحيات المراجعة الدورية للجهات الحكومية السالفة الذكر والتأكد من فاعلية المعايير والأدلة المستخدمة في حماية المستهلك مع عدم المساس بالصلاحيات الرقابية لتلك الجهات المتعلقة بحماية المستهلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حمایة المنافسة ومنع الاحتکار البنک المرکزی العمانی هیئة حمایة المستهلک الجهات الحکومیة لحمایة المستهلک البنوک التجاریة حالات الاحتیال شرکات التأمین المدة الزمنیة المستهلک فی

إقرأ أيضاً:

التأمين الصحي الشامل: حصر المستحقات المالية المتأخرة لدى الجهات المنوطة

ترأس الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، اجتماعًا بحضور السيد أحمد كوجاك، وزير المالية، والمهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، لمتابعة موقف سداد الشركات والهيئات الاقتصادية للمساهمة التكافلية في منظومة التأمين الصحي الشامل.

تفاصيل اجتماع وزير الصحة العاصف بالقيادات.. ‎تشديد الرقابة لتطوير المنظومةوزير الصحة يبحث نقل تكنولوجيا أدوية القدم السكري وأمراض الكلى بين مصر وكوباوزير الصحة يدلي بصوته في انتخابات الشيوخ 2025وزير الصحة يصدر تعليمات عاجلة لـ التأمين الصحي الشامل والرعاية الصحية

‏‎وفي مستهل الاجتماع، رحب الدكتور خالد عبدالغفار بالحضور، وأشار إلى وضع ضوابط وآليات تتعلق بموقف الجهات الخاصة بالمساهمة التكافلية، بهدف استدامة التمويل والتوازن المالي لمنظومة التأمين الصحي الشامل، وفقًا لتوجيهات دولة رئيس مجلس الوزراء.

‏‎وقال الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، إن الاجتماع استعرض موقف سداد الجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان، والوضع الحالي للهيئات الاقتصادية ونسبة مساهمتها التكافلية المستحقة في مشروع التأمين الصحي الشامل، كما ناقش الاجتماع عددًا من المقترحات المقدمة بشأن المتأخرات المالية المستحقة لدى بعض الجهات.

حصر المستحقات المالية المتأخرة لدى الجهات المنوطة

‏‎وأضاف المتحدث الرسمي أن الاجتماع استعرض مقترحات تشمل حصر المستحقات المالية المتأخرة لدى الجهات المنوطة، والعمل على جدولة وتسوية تلك المستحقات لضمان استدامة منظومة العمل، إلى جانب إعداد برامج تحفيزية للشركات والجهات الملتزمة بالسداد.

‏‎حضر الاجتماع الدكتور أحمد السبكي، رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية، والسيد حسام هيبة، رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة و السيدة رشا عبدالعال، رئيس مصلحة الضرائب المصرية، والدكتور إيهاب أبو عيش، نائب رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، واللواء ماهر محمد يوسف، مدير عام الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق، والدكتور أمير التلواني، المدير التنفيذي للهيئة العامة للرعاية الصحية، والسيد عمرو زكي، رئيس الشؤون المالية بالهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، والسيد عابد مهران، معاون وزير الاستثمار، والمستشار محمود صبحي، عضو هيئة مستشاري مجلس الوزراء، والدكتور محمد عبدالمقصود، معاون وزير الصحة للشؤون المالية والإدارية، والأستاذ محمد رمضان، رئيس الإدارة المركزية للأمانة العامة، والسيد محمد الجارحي، مستشار مساعد وزير المالية للسياسات والتطوير الضريبي ، واللواء أحمد سعيد، مدير الإدارة القانونية بالشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق.

طباعة شارك لمساهمة التكافلية التأمين الصحي الشامل وزير الصحة وزير الاستثمار وزير المالية

مقالات مشابهة

  • وزارة التجارة والصناعة تخالف أربعة نواد صحية لعدم التزامها بالقيم المجتمعية وبقانون حماية المستهلك
  • حماية المستهلك ومحافظ الجيزة يلتقيان لمتابعة جهود خفض أسعار السلع
  • أوكازيون الصيف.. تخفيضات تصل إلى 70% ومراقبة صارمة لحماية المستهلك
  • التأمين الصحي الشامل: حصر المستحقات المالية المتأخرة لدى الجهات المنوطة
  • "حماية المستهلك" تستقبل قرابة 4 آلاف بلاغ بنهاية يونيو
  • رئيس جهاز حماية المستهلك يدلي بصوته في انتخابات مجلس الشيوخ 2025
  • هيئة التأمين.. مقترح لحذف شرط الإفصاح الطبي في التأمين الصحي - عاجل
  • "حماية المستهلك" تتعامل مع أكثر من 16 ألف شكوى خلال النصف الأول من العام الجاري
  • لحماية المستهلك.. القانون يحدد ضوابط وإلزاميات لعقود شركات التمويل الاستهلاكي