لبنان.. الاستقرار والإصلاح رهن بحصر السلاح بيد الدولة
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
عبدالله أبو ضيف (بيروت، القاهرة)
أخبار ذات صلةأعلن «حزب الله» أمس، أنه سيتعامل مع قرار تجريده من سلاحه «كأنه غير موجود»، متهماً الحكومة اللبنانية بارتكاب «خطيئة كبرى»، غداة تكليفها الجيش وضع خطة تطبيقية لنزع سلاحه قبل نهاية العام.
وتقف الدولة اللبنانية حالياً أمام اختبار صعب وحاسم، وذلك في إطار جهودها الرامية لحصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية.
وأوضح محللون لبنانيون، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن لبنان يواجه خياراً صعباً بين الاصطفاف وراء منطق الدولة، أو الاستمرار في حالة الشلل والجمود، مشددين على أن السلاح غير الشرعي يشكّل عائقاً رئيساً أمام جهود الإصلاح والاستقرار والدعم الدولي.
وقال المحلل السياسي اللبناني، جورج عاقوري، إن مصير لبنان بات مرتبطاً بسلاح «حزب الله»، حيث إن بقاء هذا السلاح سيؤدي إلى تصعيد إسرائيلي متواصل ضد البلاد، إضافة إلى عزلة دولية تمنع أي دعم اقتصادي أو إصلاح سياسي، وتعرقل جهود إعادة الإعمار.
وأضاف عاقوري، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الموقف الأميركي، الذي استبعد تقديم ضمانات بشأن رد الفعل الإسرائيلي، يُعد تحذيراً واضحاً للحكومة اللبنانية، مؤكداً أن تغريدة الموفد الأميركي حملت رسالة مباشرة بضرورة الانتقال من النوايا إلى الأفعال، وإلا فإن التصعيد سيكون سيد الموقف.
وشدّد على أن لبنان بات أمام خيارين صعبين، إما مواجهة ضربات إسرائيلية أعنف من السابق، أو الاستمرار في وتيرة الاستنزاف الحالية التي تطال «حزب الله» والدولة اللبنانية معاً، مؤكداً أن أي تأخر في معالجة ملف السلاح سيبقي البلاد في دوامة الانهيار والشلل.
من جهته، أكد السياسي اللبناني، شارل جبور، أن الحل الوحيد المتاح أمام الدولة اللبنانية يبدأ بإبلاغ كل الفصائل المسلحة بانتهاء دورها، سواءً على المستوى الإقليمي أو المحلي، موضحاً أن البيئة السياسية والعسكرية الراهنة لم تعُد تسمح باستمرار أي قوة مسلحة خارج إطار الدولة، في ظل الاستهداف الإسرائيلي اليومي للبنية التحتية العسكرية للفصائل، من دون قدرة فعلية على الرد أو حماية ما تبقى من ترسانتها.
وذكر جبور، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن اتفاق وقف إطلاق النار المطروح دولياً، يتضمن بشكل واضح تفكيك البنى العسكرية للمجموعات المسلحة، وتسليم ما تبقى من السلاح إلى الدولة اللبنانية ضمن مهلة تنتهي في أواخر العام الجاري، مشيراً إلى أن دخول الرئيس جوزيف عون بشكل مباشر على خط المفاوضات، يؤشر إلى تحول حاسم، لا سيما مع تكرار دعواته لحصر السلاح بيد الدولة.
وأشار إلى وثيقة الطائف التي نصّت منذ عام 1991 على نزع سلاح كل الميليشيات، وهو ما تعذّر تنفيذه في السابق.
ونوّه جبور بأن التحدي الأهم لا يكمُن في قدرة الدولة على استعادة السلاح، بل في إصرار بعض التنظيمات المسلحة على رفض تسليمه.
وشدّد على أن بقاء سلاحين على الأراضي اللبنانية يُعطل عمل مؤسسات الدولة، ويقوّض سيادتها، ويمنع أي إصلاح حقيقي، موضحاً أن المواقف المتكررة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبيان الوزاري حول حصرية السلاح، تعكس قناعة متزايدة بأن أي طريق نحو الاستقرار والنهوض يبدأ من تطبيق هذا المبدأ من دون تأخير.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: ميليشيات حزب الله جنوب لبنان لبنان لبنان وإسرائيل أزمة لبنان كتائب حزب الله الجيش اللبناني حزب الله الحكومة اللبنانية الأزمة اللبنانية الدولة اللبنانیة
إقرأ أيضاً:
قيادي بـالثنائي الشيعي اللبناني: ما جرى بجلسة الحكومة خطوة متسرعة وخطيرة جدا
قال قيادي بارز في "الثنائي الشيعي" اللبناني ("حزب الله" و"حركة أمل") إن "ما جرى في جلسة الحكومة الأخيرة أمس الثلاثاء، والتي بحثت موضوع حصر السلاح بيد الدولة، أمر لا يمكن اعتباره سوى خطوة متسرعة وخطيرة جدا، تُمثّل انزلاقا نحو تنفيذ إملاءات خارجية، وتحديدا الورقة الأمريكية التي تدعو إلى نزع سلاح المقاومة".
وأضاف القيادي الذي فضّل عدم الإفصاح عن هويته، في حديث خاص مع "عربي21": "القرار يُشكّل خرقا واضحا للدستور اللبناني، والبيان الوزاري، وخطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية، ويغفل حقيقة أساسية: لا دولة في العالم تتخلى عن سلاح يحميها في ظل احتلال وخطر وجودي على أرضها"، مضيفا: "عليهم العودة الى رأي رئيس البرلمان نبيه بري".
وكان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، حليف "حزب الله" الرئيسي، قد طلب -وفق تقارير صحفية- من الولايات المتحدة، ضمان وقف إسرائيل ضرباتها قبل أي بحث سياسي أو عسكري، وذلك كخطوة أولى من أجل التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار، الذي جرى التوصل إليه عام 2024، وأنهى قتالا دام شهورا بين الحزب وإسرائيل.
ومساء الثلاثاء، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن مجلس الوزراء قرّر تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية عام 2025، على أن تُعرض هذه الخطة على المجلس قبل نهاية الشهر الحالي.
وقد اعتُبر هذا القرار، الذي وُصف بـ "التاريخي"، بمثابة إعلان صريح بعدم شرعية سلاح حزب الله، بعدما ظلّ لعقود جزءا من المعادلة المعروفة بـ "الجيش والشعب والمقاومة".
ويأتي ذلك في أعقاب خطاب غير مسبوق لرئيس الجمهورية جوزاف عون، دعا فيه إلى سحب سلاح جميع القوى المسلحة، بمن فيهم حزب الله، وتسليمه إلى الجيش، في خطوة تعكس تحوّلا لافتا في الخطاب الرسمي وسط ضغوط إقليمية ودولية متصاعدة.
معادلة الدفاع الوطني
وبسؤال القيادي البارز في "الثنائي الشيعي" عن إمكانية قبول حزب الله بنزع سلاحه طواعية في إطار تسوية وطنية شاملة، أجاب: "حزب الله أعلن مرارا أنه لا يتمسّك بسلاحه لأغراض خاصة، بل كجزء من معادلة دفاع وطني. وأي نقاش حول هذا السلاح يجب أن يكون ضمن حوار داخلي، وضمن تسوية وطنية تحمي لبنان وشعبه، وتضمن استكمال التحرير وبناء جيش قوي قادر على الدفاع عن السيادة. أما فرض القرار من الخارج، أو تقديمه كبادرة حسن نية للعدو، فهو أمر مرفوض شعبيا ووطنيا".
ونوّه إلى أن "نزع سلاح المقاومة في هذا التوقيت، ومن دون ضمانات سيادية أو قدرات دفاعية بديلة، يفتح الباب أمام اجتياح إسرائيلي أو تكفيري جديد، ويعرض لبنان للانكشاف التام"، على حد قوله.
وأردف: "نحن أمام عدو يدمّر غزة منذ عامين، ويقصف الجنوب والضاحية والبقاع بشكل شبه يومي، فيما المجتمع الدولي عاجز عن ردعه. نزع السلاح الآن، يعني التخلي عن عنصر الردع الوحيد، وتقديم لبنان على طبق من فضة لقوى العدوان".
وزاد: "باختصار، من دون رؤية وطنية جامعة، واستراتيجية دفاعية حقيقية، فإن أي محاولة لسحب السلاح خارج سياق السيادة ستولّد المزيد من الانقسام، وتُهدّد الاستقرار الداخلي".
وردا على قول البعض بأن لبنان دخل مرحلة ما بعد المقاومة وما بعد حزب الله، قال: "الحديث عن ما بعد المقاومة في لبنان يُغفل حقيقة ثابتة في تاريخ هذا البلد، وهي أن المقاومة ليست طارئة أو مستجدة، بل متجذّرة في هوية لبنان منذ تأسيسه؛ فمن مقاومة الاحتلال الفرنسي مع أدهم خنجر وصادق حمزة وعبد الحسين شرف الدين، إلى مواجهة الأطماع الصهيونية منذ 1949؛ فالمقاومة ليست خيارا سياسيا ظرفيا بل نهج وطني فرضه غياب الدولة القادرة".
وشدّد المتحدث ذاته، على أن "المرحلة الحالية لا تُلغي دور المقاومة، بل تؤكد الحاجة إليها، في ظل استمرار الاحتلال، وخطر الاعتداءات، والتقصير التاريخي للدولة في بناء مؤسسة عسكرية قادرة على حماية السيادة. المطلوب اليوم ليس إنهاء المقاومة، بل تنظيم العلاقة بينها وبين الدولة ضمن استراتيجية دفاع وطني، تحفظ الإنجازات وتحمي المستقبل".
تصاعد المتغيرات الإقليمية
وأكد القيادي البارز في "الثنائي الشيعي" اللبناني، أن "المشهد السياسي في لبنان بالغ الدقة، وسط تصاعد المتغيرات الإقليمية واستمرار الضغوط الأمريكية الرامية إلى فرض شروط تصبّ في مصلحة أمن الكيان الإسرائيلي، من دون أن تترافق مع أي التزام دولي بكبح عدوانيته أو طموحاته التوسعية في المنطقة".
ولفت إلى أن "الحكومة اللبنانية الحالية تسعى جاهدة لإعادة ترميم مؤسسات الدولة، وإطلاق ورشة تعيينات واسعة في محاولة لإعادة انتظام عمل الإدارة العامة وتعزيز قدرتها على الاستجابة لتحديات المرحلة الراهنة، رغم الانقسامات السياسية والتجاذبات الحادة".
وردا على المقولة المتداولة بأن "قوة لبنان في ضعفه"، قال: "هذه مقولة مجافية للواقع. فلبنان، حين كان قويا بوحدته ومقاومته وإرادته الحرة، استطاع أن يفرض توازن الردع ويمنع الاحتلال من التمدد. القوة الحقيقية للبنان تكمن في تماسكه الوطني وقدرته على حماية سيادته، لا في ضعف مفترض يجعله عرضة للضغوط والابتزاز".
لحظة سياسية بالغة التعقيد
وحول تقييمه لأداء حكومة نواف سلام، أشار إلى أن "الحكومة الجديدة تشكّلت في لحظة سياسية بالغة التعقيد، أعقبت سنوات من الفراغ الرئاسي، وفترة طويلة من تصريف الأعمال على يد الحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي. وقد تولّت هذه الحكومة مسؤولياتها في ظل إرث ثقيل من الشلل المؤسساتي والانهيار الاقتصادي".
وتابع: "منذ بداية عهدها، انكبت الحكومة على ملفات التعيينات الأمنية والإدارية والقضائية، باعتبارها خطوة أساسية لاستعادة انتظام عمل الدولة. لكن، ورغم الحركة الواسعة على هذا الصعيد، لم نلمس حتى الآن نتائج ملموسة لهذا الجهد، سواء على مستوى الأداء المؤسسي أو معالجة الأزمات البنيوية".
واستطرد قائلا: "تقييم أداء هذه الحكومة لا يزال مبدئيا، ولكن المطلوب اليوم هو الانتقال من النهج الإداري إلى معالجة سياسية واقتصادية شاملة تحفظ السيادة وتعيد ثقة الناس بالدولة".
العلاقة بين حزب الله وحركة أمل
وبشأن طبيعة العلاقة الحالية بين حزب الله وحركة أمل، في ظل الضغوط الإقليمية والدولية على المقاومة، ذكر أن "العلاقة بين حركة أمل وحزب الله هي علاقة تحالف متين، بني على قاعدة وطنية، ومن رحم مواجهة الاحتلال والحرص على الاستقرار الداخلي".
وواصل القيادي في "الثنائي الشيعي"، حديثه بالقول: "رغم الضغوط الإقليمية والدولية التي تستهدف المقاومة ومحورها، فإن التنسيق بين الطرفين مستمر، لأنهما يواجهان معا المشروع ذاته الذي يستهدف لبنان وخياراته".
وتابع: "هذه العلاقة ليست مصلحية ولا موسمية، بل تحمل بُعدا استراتيجيا يتجاوز الظرف السياسي، وتسعى إلى حماية وحدة لبنان وسلمه الأهلي، بقدر ما تسعى إلى الدفاع عن أرضه وشعبه".
السلاح الفلسطيني في لبنان
وحول كيفية معالجة مسألة وجود السلاح الفلسطيني في مخيمات اللاجئين التي تستضيفها لبنان، قال: "مسألة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات هي قضية دقيقة وحساسة، وتتصل بالتوازنات الأمنية والسياسية والاجتماعية في لبنان. لا يمكن مقاربة هذا الملف بعقلية المواجهة أو الفرض، بل من خلال حوار مسؤول وشامل، تشارك فيه القوى الفلسطينية والدولة اللبنانية، ويُبنى على الثقة والضمانات المتبادلة، بهدف تنظيم السلاح وليس بالضرورة نزعه، وضمان عدم استخدامه في الداخل اللبناني".
ولفت القيادي البارز في "الثنائي الشيعي"، إلى أن "المطلوب هو معالجة تدريجية تحفظ أمن المخيمات واستقرارها، وتحول دون أي توتر مع البيئة اللبنانية المحيطة، في ظل واقع إنساني صعب يعيشه اللاجئون".
تنفيذ اتفاق الطائف
وعن موقفهم من الدعوات السابقة التي نادت بإطلاق مؤتمر تأسيسي جديد في لبنان، قال إن "الكلام عن مؤتمر تأسيسي جديد ليس في مكانه ولا زمانه ولا ظرفه، خصوصا في ظل ما يمرّ به لبنان من تحديات وطنية واقتصادية وأمنية. نحن نؤمن أن اتفاق الطائف ما زال يشكّل الإطار الوطني الأكثر توازناً للحفاظ على وحدة لبنان وتنوعه، وهو لم يُنفّذ كاملا بعد لنحكم عليه بالفشل أو القصور".
ودعا جميع القوى السياسية إلى "التكاتف من أجل استكمال تنفيذ اتفاق الطائف، لا سيما البنود الإصلاحية التي لم تُطبّق بعد، وأبرزها إلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس الشيوخ، تمهيدا للانتقال نحو الدولة المدنية، عبر قانون انتخابي يعتمد النسبية ولبنان دائرة واحدة بلا قيود طائفية، وهو ما يُشكّل مدخلا فعليا لبناء دولة المواطنة والعدالة".
وهاجم دعوات التطبيع في لبنان تحت ضغط الانهيار الاقتصادي والسياسي، قائلا: "لبنان، كدولة عربية، يتمسك بثوابته الوطنية والقومية، ويؤمن بأن فلسطين هي القضية المركزية، وأن الكيان الإسرائيلي ما زال يُشكّل تهديدا مستمرا للبنان والمنطقة، من خلال سياساته العدوانية والتوسعية".
وشدّد على أن "أي حديث عن تطبيع مع هذا الكيان، خاصة في ظل استمرار احتلاله لأراضٍ لبنانية وارتكابه الجرائم بحق الفلسطينيين واللبنانيين، هو مرفوض شكلا ومضمونا، ولا يمكن أن يجد له مكانا في الوجدان الوطني اللبناني، مهما اشتدت الضغوط أو تعاظمت الأزمات".
وحول موقع لبنان مما يوصف بـ "صراعات المحاور"، أضاف: "نحن نرى أن لبنان يجب أن يبقى على مسافة واحدة من الجميع، ويعتمد سياسة متوازنة تراعي مصالحه الوطنية، دون أن يتخلى عن انتمائه العربي. والحياد، إن لم يكن مقرونا برؤية واضحة تحفظ السيادة وتؤمّن الحماية في وجه التهديدات، يبقى طرحا غير واقعي في ظل محيط متقلّب وكيان عدو لا يزال يحتل أجزاء من أرضنا وينتهك سيادتنا بشكل دائم".