إسرائيل والحرب على الحقيقة.. إبادة ممنهجة للصحفيين في غزة
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
دفع الصحفيون الفلسطينيون -على مدى 22 شهرا من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة– ثمنا باهظا من حياتهم وأمنهم وصحتهم واستقرارهم؛ إذ تعرّضوا لشتى أصناف الجرائم والانتهاكات، التي وثّقتها منظمات حقوقية تُعنى بحماية الصحفيين، في محاولة لإسكات أصواتهم وحجب التغطية عن فصول الإبادة.
وبلغ عدد الصحفيين الذين اغتالهم الجيش الإسرائيلي حتى اليوم 238 صحفيا، لذلك أصبح أفراد الجماعة الصحفية الفلسطينية في غزة يتحسبون استهدافهم في أي لحظة قد تبطش فيها آلة الإبادة بمكان وجودهم، سواء كانوا في خيام الصحفيين بالمراكز الصحية والمستشفيات، أو أثناء زيارة خاطفة لأسرهم في مخيمات النزوح والتهجير القسري.
وهكذا صار الصحفي يعتقد أن اسمه ربما يكون "التالي" في قائمة الشهداء إثر القصف الذي قد يستهدفه أينما كان، حتى لو كان يتلقى العلاج في المستشفى، مثل الصحفي حسن إصليح، الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي بطائرة مسيّرة أثناء تلقيه العلاج بقسم الحروق في مجمع ناصر الطبي بخان يونس. ولعل هذا ما يُفسّر لجوء الصحفي إلى كتابة وصيته قبل لحظة استشهاده؛ إذ يكون مُتحسّبا لـ"اليوم التالي" من الإبادة، مثل مراسل الجزيرة أنس الشريف.
ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة بعنوان "الإمعان الإسرائيلي في إبادة الجماعة الصحفية الفلسطينية بقطاع غزة"، للباحث محمد الراجي، المشرف على برنامج الدراسات الإعلامية بالمركز، ومدير تحرير مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، حاولت الإجابة عن الأسئلة التالية:
لماذا تُمْعِن إسرائيل في إبادة الجماعة الصحفية الفلسطينية في قطاع غزة؟ ومن الذي يمنحها "رخصة بالقتل" الواسع والممنهج للصحفيين الفلسطينيين؟ ولماذا يكون صحفيو قناة الجزيرة بؤرة الإبادة المتوحشة للسياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة؟ توثيق وتأريخ للإبادة المتوحشةرغم أن الصور التي تصل للعالم لا تمثل سوى 10% من حجم المأساة اليومية، فإن الجهد التوثيقي للصحفيين الفلسطينيين كان حاسما في كشف المجازر والجرائم التي حاولت إسرائيل إخفاءها.
إعلانهذا التوثيق يتجاوز العمل الإخباري اللحظي، إذ يهدف إلى أرشفة الأدلة لتكون مرجعا قانونيا وتاريخيا بعد الحرب، ولتدحض الرواية الإسرائيلية أمام المحاكم الدولية، كما حدث في دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.
كما يسهم الجهد التوثيقي لفظائع الإبادة الجماعية في تزويد منظمات الإغاثة بالمعلومات عن الوضع الإنساني. وأسهم كذلك في تحريك الرأي العام الدولي في مختلف بقاع الأرض مطالبا بوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي. كما دفع عددا من الدول الغربية إلى تغيير مواقفها تجاه ما يجري في غزة.
إسرائيل تخسر معركة الروايةوكان لجهود الصحفيين في غزة أكبر الأثر في تراجع تأثير الدعاية الإسرائيلية، خصوصا بعد انتشار صور المجاعة والدمار، ما أجبر بعض وسائل الإعلام الغربية على الاعتراف بفظاعة الوضع في غزة.
هذا التحول الإعلامي والدبلوماسي شكّل خسارة كبيرة لإسرائيل، التي وجدت في استهداف الصحفيين، خصوصا العاملين في الجزيرة، وسيلة لإسكات الشهود وكبح تدفق الصور والأخبار التي تضر بصورتها.
اجتثاث الشهوداغتيال الصحفيين الفلسطينيين ليس جديدا في سياسة إسرائيل، بل هو نهج متكرر في محطات الصراع، مثل اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة عام 2022 لمنع توثيق جرائم الاحتلال في جنين.
خلال حرب غزة، استهدفت إسرائيل بشكل متكرر صحفيي الجزيرة، ومنهم:
وقبل الاغتيال، ظل أنس الشريف يتلقى تهديدات من الجيش الإسرائيلي تُحذّره من الاستمرار في التغطية بعد استشهاد والده وتدمير منزله. وقد شنّ الإعلام الإسرائيلي أيضا حملة إعلامية مُمنهجة يقودها الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، للتحريض على الشريف واتهامه بالانتماء لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في محاولة لتبرير النية المبيّتة للاغتيال، وإسكات صوته وإخراجه من التغطية المستمرة التي تقوم بها قناة الجزيرة للإبادة الجماعية.
هدف مزدوج.. التصفية ومنع التغطيةترتبط هذه الاغتيالات بسعي إسرائيل للسيطرة على غزة وتحقيق أهدافها في القضاء على حماس وفرض التهجير القسري، مع منع أي تصوير أو تغطية تكشف حقيقة ما يجري.
شبكة الجزيرة تحديدًا أصبحت هدفًا بارزًا نظرًا لتأثيرها العالمي المتنامي، ما ضاعف من خشية إسرائيل من قوة روايتها.
ولم تكتف إسرائيل بالاغتيالات، بل أصدرت قرارات بإغلاق مكاتب الجزيرة في القدس (مايو/أيار 2024) ورام الله (سبتمبر/أيلول 2024)، ومنعت تغطيتها في الضفة الغربية والجبهة اللبنانية، في محاولة لاجتثاث القناة من المشهد الإعلامي.
"رخصة بالقتل"يُشير هذا الإمعان في إبادة الجماعة الصحفية الفلسطينية إلى حقيقة واضحة تتمثَّل في "رخصة القتل" التي قدَّمتها القوى الكبرى للاحتلال الإسرائيلي، من خلال الدعم العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي والإعلامي، خاصة الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية، وهو ما جعل إسرائيل تفلت من المحاسبة والعقاب على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها في قطاع غزة.
إعلانوقد ذكر هذه الحقيقة الأكاديمي الفرنسي باسكال بونيفاس في كتابه "رخصة بالقتل.. غزة بين الإبادة الجماعية والإنكار والهاسبارا" (2025)، مشيرا إلى أن هذا الدعم يمنح إسرائيل الغطاء لارتكاب إبادة جماعية وعقاب جماعي بحق الفلسطينيين، في تحدٍّ صريح للقانون الدولي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات دراسات الجیش الإسرائیلی قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
العفو الدولية: إسرائيل تتعمد قتل الصحفيين في غزة ضمن جرائم الإبادة الجماعية
أدانت منظمة العفو الدولية، الثلاثاء، بأشد العبارات ما وصفته بـ"القتل المتعمد" الذي ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين الفلسطينيين، وذلك إثر غارة جوية استهدفت خيمتهم الإعلامية في مدينة غزة المحتلة، ما أدى إلى استشهاد الصحفي أنس الشريف وعدد من زملائه.
جاء ذلك عقب اغتيال إسرائيل 6 صحفيين، بينهم 4 من قناة الجزيرة، بقصف خيمتهم بمحيط "مستشفى الشفاء" بمدينة غزة مساء الأحد، ضمن إبادة جماعية مستمرة للشهر الـ22.
والصحفيون الستة هم: مراسلا قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، والمصوران إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة، ومساعدهم محمد نوفل، فضلا عن محمد الخالدي الذي توفي صباح الاثنين متأثرا بجراحه.
وقالت المنظمة في بيان رسمي، إن الشريف وزملاءه كانوا "عيون وصوت غزة" في وجه الحصار والدمار، واستمروا في تغطيتهم الميدانية الشجاعة رغم الجوع والإرهاق والتهديدات المباشرة بالقتل، ورغم الألم الجسدي والنفسي الذي تعرضوا له منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وأكدت "العفو الدولية" أن استهداف الصحفيين في غزة يمثل سابقة مأساوية في النزاعات المسلحة الحديثة، إذ لم يشهد التاريخ المعاصر سقوط هذا العدد الكبير من الصحفيين خلال فترة زمنية قصيرة، معتبرة ذلك جزءًا من سياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين في القطاع.
وطالبت المنظمة بفتح تحقيق دولي مستقل ومحايد في جرائم قتل الصحفيين الفلسطينيين، وضمان تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، إلى جانب تعويض عائلات الضحايا بما يتوافق مع القوانين والمعايير الدولية.
وحثت جميع الدول على التحرك العاجل لوقف "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل في غزة، داعية إلى فرض ضغوط سياسية وقانونية واقتصادية على سلطات الاحتلال من أجل إنهاء الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان ووقف استهداف المدنيين والعاملين في المجال الإعلامي.
وأكدت المنظمة أن حماية الصحفيين واجب قانوني وأخلاقي على المجتمع الدولي، وأن أي تقاعس عن ذلك يشجع على الإفلات من العقاب ويفتح الباب أمام مزيد من الجرائم.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة الإسرائيلية 61 ألفا و499 شهيدا و153 ألفا و575 مصابا من الفلسطينيين، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.