عربي21:
2025-08-15@17:43:32 GMT

سوريا ولبنان بين اختبار الانفتاح وتراكم الأزمات

تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT

تتهيأ بيروت ودمشق لاستحقاق دبلوماسي غير عادي، مع الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وهي الأولى من نوعها منذ وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الحكم وسقوط نظام بشار الأسد. أهمية هذه الزيارة لا تكمن فقط في كونها بداية التواصل العلني على هذا المستوى بين الحكومتين، بل أيضا في كونها تحمل أربعة ملفات شائكة ستختبر مدى استعداد البلدين لفتح صفحة جديدة أو الاكتفاء بالرسائل الرمزية.



على المستوى الإجرائي، يجري التحضير للزيارة على عدة خطوط متوازية. فالاتصالات بين وزارتي العدل في البلدين نشطة منذ أسابيع بهدف صياغة تفاهم مبدئي حول ملف الموقوفين السوريين في لبنان، وهو الأكثر حساسية من الناحية الإنسانية والسياسية. وبحسب التسريبات، يسعى الجانب السوري إلى ضمان الإفراج عن 375 معتقلا كبادرة حسن نية، على غرار ما فعله الرئيس الشرع في زيارته الأخيرة إلى الإمارات حين عاد برفقة المعتقل السوري مهند المصري. لكن خلف هذا الرقم، هناك واقع أكثر تعقيدا: أكثر من 2700 سوري ما زالوا في السجون اللبنانية منذ 2011، كثيرون منهم معتقلو رأي أو أشخاص موقوفون إداريا دون محاكمة، ما يعني أن أي خطوة جزئية لن تُقرأ إلا باعتبارها اختبارا للنيات لا حلا نهائيا.

أما الملف الثاني، وهو ضبط الحدود، فيحمل طابعا أمنيا بامتياز، إذ يشمل وضع آليات مشتركة لإغلاق المعابر غير الشرعية ووقف تهريب السلاح والمخدرات بين البلدين، وهي أنشطة تداخلت فيها مصالح شبكات سياسية وعسكرية واقتصادية طوال العقد الماضي. من وجهة نظر دمشق، فإن إحكام السيطرة على هذه الحدود لم يعد ترفا، بل ضرورة لوقف استهدافها سياسيا وأمنيا، خاصة بعد الاتهامات الدولية باستخدام بعض المناطق السورية كمراكز لتصنيع المخدرات وتهريبها. ومن وجهة نظر بيروت، فإن وقف تهريب السلاح من سوريا إلى الداخل اللبناني -أو العكس- جزء من الالتزامات التي تفرضها الضغوط الإقليمية والدولية، ولا سيما في ظل التوتر المستمر مع إسرائيل.

الملف الثالث، أموال المودعين السوريين في المصارف اللبنانية، يلامس صميم الأزمة الاقتصادية اللبنانية. منذ انهيار 2019، جُمدت ودائع تُقدَّر بمئات ملايين الدولارات تعود لسوريين، كثير منهم رجال أعمال كبار كانت لديهم حسابات تشغيلية أو استثمارية في لبنان. دمشق ترى أن استعادة هذه الأموال أو على الأقل إعادة جدولتها ضرورة اقتصادية، فيما يجد لبنان نفسه عاجزا عن تقديم ضمانات حقيقية في ظل أزمة مصرفية غير مسبوقة.

الملف الرابع، ملاحقة فلول النظام السابق الفارين من العدالة، قد يكون الأكثر إثارة للجدل سياسيا. فدمشق تريد تسلم شخصيات متهمة بارتكاب جرائم حرب أو فساد مالي، وتقول إنها تملك أدلة على نشاط بعضهم من لبنان ضد الدولة السورية الجديدة. غير أن هذا الطلب سيصطدم بجملة تعقيدات قانونية وسياسية داخل لبنان، من بينها الانقسام حول تعريف "شرعية" النظام السوري الحالي، والحساسيات الطائفية والسياسية المرتبطة بهذه الأسماء.

أما البعد الأمني غير المعلن للزيارة، فيرتبط مباشرة بملف حزب الله واستمرار حضوره كمصدر تهديد للأمن القومي السوري في عهد الشرع. فدمشق الجديدة ترى أن نشاط الحزب في بعض مناطق الساحل السوري -الذي كُشف أخيرا بعد إحباط تحركات عسكرية كانت تتم بالتنسيق مع شبكات محلية- يمسّ باستقرار بيئات تعتبرها القيادة السورية خط دفاع أول عن الدولة. كما تتهم الأجهزة السورية الحزب بلعب دور الوسيط والمموّل في إعادة تنظيم بعض فلول النظام السابق، وتوفير خطوط دعم لوجستي لهم، وهو ما تعتبره دمشق تقويضا لجهودها في تفكيك إرث الأسد. وفي أحداث السويداء الأخيرة، رصدت دمشق إشارات إلى استفادة بعض الفصائل المحلية من قنوات دعم أو تحريض غير مباشر مرتبطة بالحزب، ما عزز قناعة القيادة بأن ملف حزب الله لم يعد شأنا لبنانيا صرفا، بل مسألة أمن قومي سوري تتطلب معالجة مباشرة مع بيروت، ولو في إطار تفاهمات غير معلنة.

هذه الزيارة ستتضمن أيضا بعدا سياسيا داخليا لبنانيا، حيث سيلتقي الشيباني رئيسَ الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يملك قدرة على لعب دور الوسيط بين أطراف لبنانية متباعدة. وهناك أيضا مسعى لترتيب زيارة إلى طرابلس، استجابة لدعوات فعاليات سياسية واجتماعية محلية، تقديرا لمواقف المدينة المؤيدة للشعب السوري خلال الثورة.

لكن القراءة التحليلية للمشهد تكشف أن هذه الزيارة تحمل أكثر من رسالة. أولا، إعلان من دمشق أنها لم تعد تقبل بترحيل الملفات العالقة مع بيروت، وأنها تنظر إلى العلاقة مع لبنان بوصفها جزءا من إعادة تموضعها الإقليمي بعد الانفتاح على الخليج وتركيا. ثانيا، اختبار لمدى قدرة بيروت على التعامل مع الحكومة السورية الجديدة بمرونة أكبر، في وقت تضغط فيه قوى إقليمية، خصوصا السعودية والإمارات، باتجاه تطبيع تدريجي مع دمشق لكن وفق شروط سياسية واضحة. ثالثا، هي أيضا مناسبة لدمشق لتأكيد حضورها الدبلوماسي في ساحة إقليمية تتحرك بسرعة، ولتقديم نفسها كشريك في ملفات أمنية واقتصادية عابرة للحدود.

في المقابل، يواجه هذا المسار عقبات حقيقية. فملف الموقوفين لا يمكن فصله عن الانقسام اللبناني حول اللاجئين السوريين، وملف ضبط الحدود يتطلب تعاونا عسكريا واستخباريا غير مضمون، وملف الأموال رهينة أزمة مصرفية أعمق من أن تُحل بقرار سياسي، أما ملف الفارين فسينفتح على مواجهة داخلية بين حلفاء وخصوم دمشق.

ختاما، يمكن القول إن زيارة أسعد الشيباني لن تكون مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل محطة اختبار جدية لمسار العلاقات السورية-اللبنانية في عهد الشرع. نجاحها سيعني فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون، وفشلها سيعيد تثبيت الجمود وربما يضاعف التوترات. وفي الحالتين، فإنها تعكس حقيقة أن دمشق، بعد سنوات العزلة والحرب، قررت أن تضع الملفات المؤجلة على الطاولة، وأن تفرض إيقاعها على جيرانها، بدءا من لبنان الذي يجد نفسه بين حاجته إلى التعاون مع سوريا، وحساباته الداخلية والإقليمية المعقدة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء لبنان سوريا العلاقات سوريا لبنان علاقات قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

غرفة صناعة دمشق وريفها تبحث تحضيرات المشاركة السورية في المعرض السعودي للأزياء والنسيج

دمشق-سانا

بحثت غرفة صناعة دمشق وريفها مع شركة “بيراميدز جروب” لتنظيم المعارض اليوم تحضيرات المشاركة السورية في المعرض السعودي للأزياء والنسيج المقرر في جدة من ال 25 إلى ال 28 من أيلول المقبل.

وخلال اجتماع موسع مع ممثلي الشركات النسيجية، شدد أعضاء مجلس إدارة الغرفة على أن المشاركة في المعرض تمثل فرصة لتعزيز الحضور في الأسواق العالمية، وإبرام صفقات وشراكات جديدة، والاطلاع على أحدث الاتجاهات بما يدعم تنافسية الصناعة السورية.

من جانبه، أكد الدكتور محمد الشريف رئيس مجلس إدارة شركة “بيراميدز جروب” أهمية التعاون مع غرفة صناعة دمشق وريفها لضمان حضور متميز للمنتج السوري، مشيراً إلى أن المعرض سيجمع أكثر من 550 عارضاً من 25 دولة، بينها السعودية وتركيا ومصر وإيطاليا والولايات المتحدة واليابان والهند والإمارات.

وتأتي هذه المشاركة ضمن جهود غرفة صناعة دمشق وريفها لفتح أسواق جديدة أمام المنتجات السورية، وتعزيز حضورها في المعارض المتخصصة، بما يسهم في زيادة الصادرات وتوسيع شبكة الشراكات التجارية للصناعة الوطنية.

المعرض السعودي للأزياء والنسيج غرفة صناعة دمشق وريفها 2025-08-12malekسابق وزير الإعلام يستعرض خارطة طريق جديدة للإعلام الحكومي انظر ايضاً غرفة صناعة دمشق وريفها: الاستثمارات الجديدة خطوة نحو إعادة الإعمار

دمشق-سانا أكدت غرفة صناعة دمشق وريفها أن مذكرات التفاهم الاستثمارية التي وقعتها سوريا مؤخراً مع …

آخر الأخبار 2025-08-12وزير الإعلام يستعرض خارطة طريق جديدة للإعلام الحكومي 2025-08-12وزير الطوارئ يبحث مع أوتشا آليات تنسيق الاستجابة الإنسانية في سوريا 2025-08-12آفاق جديدة للتعاون بين وزارة النقل ومجلس الأعمال الأمريكي السوري 2025-08-12الخارجية الفرنسية: دمج قوات “قسد” في الجيش السوري مسألة أساسية لتحقيق الاستقرار 2025-08-12رئيس الوزراء الأردني: نقدم كل الدَّعم للحكومة السورية لتحقيق الأمن والازدهار 2025-08-12الرقابة والتفتيش والتنمية الإدارية تبحثان تطوير هيكلية الهيئة الإدارية والتنظيمية 2025-08-12باراك: سوريا ملتزمة التزاماً راسخاً بعملية موحدة تحترم وتحمي جميع مكوناتها 2025-08-12ملك الأردن يؤكد دعم جهود سوريا في الحفاظ على أمنها واستقرارها ووحدتها 2025-08-12مصرف سوريا المركزي يلغي القيود على نقل الأموال بين المحافظات 2025-08-12محافظ السويداء: سيتم تأمين كل مستلزمات المحافظة بالتنسيق مع الوزارات المعنية

صور من سورية منوعات اكتشاف قطع أثرية تعود إلى 50 ألف عام في السعودية 2025-08-12 بطل الجرافة… شاب صيني ينقذ أكثر من 100 شخص من الفيضانات بجرافته 2025-08-12
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • دمشق تمنع طائرة إيرانية من استخدام المجال الجوي السوري
  • تركيا تحذر قسد من مغبّة المماطلة في الاندماج ضمن الجسم السوري
  • يشمل مساحات واسعة من سوريا ولبنان والأردن.. مصطفى بكري يكشف تفاصيل عن المشروع الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي
  • وزارة التربية السورية تناقش التشريعات الناظمة لعملها
  • لاريجاني في بيروت.. زيارة تكرّس التباعد بين إيران ولبنان؟
  • رسائل لاريجاني.. بيروت ليست دمشق
  • لتعزيز منافذ التصدير.. العراق يدرس تصدير النفط عبر سوريا ولبنان
  • فيدان: حريصون على إقامة علاقات إستراتيجية مع سوريا وندعو إلى دعم الدولة السورية في جهودها لبناء سوريا جديدة تحقق مصالح الشعب السوري بجميع أطيافه
  • غرفة صناعة دمشق وريفها تبحث تحضيرات المشاركة السورية في المعرض السعودي للأزياء والنسيج