الجزيرة:
2025-08-17@00:43:13 GMT

الدعم السريع وعملية ذئاب الصحراء

تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT

الدعم السريع وعملية ذئاب الصحراء

كشفت الحكومة السودانية عن مشاركة مرتزقة من جمهورية كولومبيا في الحرب في صفوف مليشيا الدعم السريع.

وقالت وزارة الخارجية السودانية إن الحكومة تمتلك كل الوثائق والمستندات التي تثبت تورط مرتزقة من جمهورية كولومبيا ومئات الآلاف من المرتزقة من دول الجوار.

وأن السودان قد قدم هذه الوثائق إلى مجلس الأمن الدولي عبر بعثته الدائمة بالأمم المتحدة، وأضافت الخارجية السودانية أنها قدمت هذه الوثائق مشفوعة بأدلة تثبت رعاية وتمويل جهات خارجية لعمليات الاستقدام والتجنيد لهؤلاء المرتزقة الأجانب.

ويقول الجيش السوداني إن مليشيا الدعم السريع ظلت ومنذ اندلاع الحرب تستعين بمرتزقة يشاركون في الأعمال الفنية التخصصية كأطقم المدفعية والطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى مشاركتهم كمقاتلين في صفوفها.

وفي تحقيق استقصائي أجراه موقع La Silla Vacia نُشر مؤخرا، كشف عن مشاركة أكثر من 300 عسكري كولومبي سابقين تم تجنيدهم في عملية أُطلق عليها اسم "ذئاب الصحراء"، بقيادة ضابط كولومبي متقاعد برتبة عقيد يقوم بمهام القيادة لعمليات المرتزقة الكولومبيين في الحرب في السودان في صفوف مليشيا الدعم السريع، وتتضمن هذه العمليات التجنيد، والتدريب، والاتصالات، والقتال.

وبالكشف عن هذه المعلومات الخطيرة، تدخل الحرب في السودان منحى آخر وبُعدا جديدا ربما ينقلها من النطاق المحلي إلى النطاق الإقليمي، ومن ثم إلى السياق الدولي.

ويأتي هذا الكشف ليميط اللثام عن جملة من المؤشرات والنتائج والدلالات المترتبة على هذا التطور الذي يمكن وصفه بأنه شديد الأهمية، ذلك أن الحرب في السودان ظلت، وعلى مدى دوران عجلتها الجهنمية التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح وشردت الملايين من السودانيين وخلفت خلفها دمارا واسعا طال كل مناحي الحياة، في حالة يمكن وصفها بالمأساة، ظلت هذه الحرب حبيسة في هامش الاهتمام الدولي، ولم تُقابل بما تستحقه من تعاطٍ إيجابي يدفع في اتجاه إطفائها ووقفها.

إعلان

وما جرى حيالها من تحركات إقليمية ودولية لم يكن بالمستوى المطلوب من الفاعلية، ولم يحدث أي أثر إيجابي مرتجى على الأرض، بل ازداد الأمر سوءا وتصاعدت وتيرة الاعتداءات تجاه المدنيين من قبل مليشيا الدعم السريع، خاصة في مناطق كردفان ودارفور.

وتشهد مدينة الفاشر، التي تحاصرها مليشيا الدعم السريع في الوقت الراهن، مأساة إنسانية، حيث يتعرض سكان الفاشر لقصف يومي ممنهج تقوم به مليشيا الدعم السريع، وتضرب على المدينة طوقا من الحصار، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية والأغذية إلى سكان المدينة الذين يتضورون جوعا، مما اضطر كثيرا منهم إلى تناول أعلاف الحيوانات لسد الجوع وللبقاء على قيد الحياة.

وهناك عدد من المؤشرات والنتائج المترتبة على التطور الخاص بتزايد وتيرة مشاركة المرتزقة الأجانب في الحرب في السودان إلى جانب مليشيا الدعم السريع، وتمثل هذه المؤشرات والنتائج تطورا مهما هي الأخرى يضع إطارا لما ستكون عليه الأوضاع في هذا البلد، ويرسم ملامح أكثر وضوحا لمآلات الحرب ومصير مليشيا الدعم السريع.

أولا: المؤشرات يشير الكشف عن وجود مرتزقة في صفوف مليشيا الدعم السريع إلى تورط مباشر لأطراف خارجية في الحرب، وبالتالي يوفر هذا الكشف مزيدا من القدرة للمجتمع الدولي على تتبع الخيوط التي تساعده على تقصي الحقائق، ومن ثم الوصول بسهولة ووضوح أكثر من ذي قبل لخلاصات تمكّنه من تحديد وتسمية القوى الإقليمية والدولية الداعمة والممولة لمليشيا الدعم السريع على سبيل التعيين لا التكنية. يسلط الكشف مزيدا من الأضواء على مصادر تمويل عمليات التجنيد والاستقطاب للمرتزقة وطريقة نقلهم إلى عمق الحدود السودانية، وإلى داخل مدينة نيالا في دارفور تحديدا، الأمر الذي يوفر "أدلة ظرفية" على تورط قوى إقليمية في تقديم الدعم اللوجيستي لمليشيا الدعم السريع. كما يشير الكشف إلى أن مليشيا الدعم السريع، ليس فقط أنها فقدت بالفعل قوتها الصلبة والضاربة، بل أكثر من ذلك أنها فقدت مصادر التجنيد من داخل حواضنها المجتمعية المؤيدة لها، التي ظلت تمثل "المورد الأساسي" لقواتها وتشكيلاتها المقاتلة. المؤشر السابق أفضى بدوره إلى إضعاف الدافع المعنوي للقتال وتضعضع الروح المعنوية للمقاتلين التابعين عضويا للمليشيا الذين يحملون لقب "الأشاوس"، وهم يرون وجوها غريبة لا تنتمي إليهم تقاتل في صفهم من أجل المال، لا من أجل ما ظلوا يسمونه "القضية". وهو ما يثير في أذهانهم الكثير من التساؤلات، أبرزها: هل هؤلاء حقا يريدون نصرة قضيتهم أم إنهم قد جيء بهم لنصرة قضية أخرى تخص قوى خارج الحدود؟ وهل جلب الديمقراطية والحكم المدني وتحقيق العدالة الاجتماعية يمكن أن تأتي به عناصر أجنبية تقايض أرواحها بالمال؟ الظهور العلني للمرتزقة الأجانب عبر صور وفيديوهات التقطوها بهواتفهم النقالة وبثها في الوسائط متباهين بها، يؤشر هذا السلوك إلى توجه جديد للقوى الإقليمية الداعمة لهم، مفاده أنهم لا يخشون لومة لائم، وأن اللعب في الفترة القادمة سيكون على المكشوف بعد أن كانوا يضربون عليه طوقا من السرية والإنكار، وربما يفسَر ذلك بأنهم يستغلون حالة اللامبالاة الدولية بحرب السودان، أو بأنهم قد تلقوا إشارة ضوئية خضراء للاستمرار في دعمهم للمليشيا وفق ترتيبات محددة. مؤشر أخير يكشف عن حقيقة تدني مستوى كفاءة مقاتلي وقيادات مليشيا الدعم السريع، للحد الذي يتم فيه استجلاب مقاتلين أجانب وفنيين متخصصين لتدريبهم على استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة وتكتيكات قتالية كان يجدر بهم أن يكونوا على علم بها مسبقا، وهم يواجهون جيشا على قدر كبير من الاحترافية، وفي بيئة مألوفة لديهم وعلى أرض يعرفونها جيدا. ثانيا: النتائج جذب المزيد من الانتباه والتركيز الإقليمي والدولي للحرب في السودان، خاصة من القوى الفاعلة في هذين المستويين التي لم تنخرط من قبل، لا من قريب ولا من بعيد، في حرب السودان. وضع الأمن والسلم الإقليميين والدوليين على المحك بما يمثل تهديدا لهما، فعلى الصعيد الإقليمي يؤدي هذا التطور إلى إثارة مخاوف العديد من دول الإقليم عامة، ودول جوار السودان على وجه الخصوص، كونه يمثل وجها جديدا من وجوه انتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية وإثارة الاضطرابات فيها، وزعزعة الاستقرار، وتغيير أنظمة الحكم فيها. وكثير من دول الإقليم تعاني من مشكلات داخلية وأزمات في الأمن والوحدة والتكامل والشرعية، وتخشى هذه الدول من تكرار التجربة السودانية فيها. يوفر هذا التطور- إن لم يتم وقفه- حضنا دافئا لتفريخ ورعاية الإرهاب الدولي العابر للحدود، ويشجع على تنامي المليشيات وتوسيع نطاق استخدامها في النزاعات على مستوى العالم، واستشراء ظاهرة الحروب بالوكالة. وبالتالي يترتب على هذه الظاهرة خرق للبروتوكولات والقواعد والأسس المرعية بخصوص بيع واستخدام الأسلحة المتوسطة والإستراتيجية، التي يتعين قصر استخدامها على الجيوش النظامية والمؤسسات الدفاعية في الدول ذات السيادة، وليس العبث بها بتسليمها لمليشيات وتشكيلات شبه عسكرية هي أقرب إلى العصابات المنظمة. وهو ما يمهد الطريق إلى نشوء كارتيلات سلاح تغذي الإرهاب الدولي وتزيد من نفوذ المليشيات والتشكيلات شبه العسكرية حول العالم، وهو أمر يضع الأمن والسلم الدوليين تحت التهديد وعدم الاستقرار. وآخر النتائج في هذا الترتيب، وأولها بالنسبة للحرب في السودان، أن تورط المرتزقة الأجانب فيها وقتالهم في صف مليشيا الدعم السريع غيّر مسار هذه الحرب التي بدأت بتمرد مليشيا الدعم السريع على قيادة الجيش والسلطة القائمة ومحاولتها الاستيلاء على السلطة بالقوة، ثم انتقلت الحرب إلى مسار الحرب بالوكالة نيابة عن قوى خارجية، وهي الآن تتجه نحو مسار الحرب الإقليمية، التي بدورها من المرجح أن تجر إليها أطرافا دولية ترى في استمرارها تهديدا لأمنها القومي. كيف السبيل إلى الخروج من هذه المعضلة؟

تفاديا للمآلات غير المرغوب فيها، التي ستطال الجميع إقليميا ودوليا، فيما لو استمر المجتمع الدولي في التزام حالة "الفرجة" على تطورات الحرب في السودان، فإنه يتعين على القوى الإقليمية والدولية التحرك لاحتواء الوضع عبر تنظيماتها ممثلة في الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة، بوضع الأمور في نصابها الصحيح، بدءا بكف أيدي القوى الداعمة لمليشيا الدعم السريع عن دعمها، وإيجاد مقاربة لحمل الدول التي تشكل مصدرا للمرتزقة على تحمل مسؤولياتها لوقف تدفق المقاتلين المرتزقة من جنسياتها.

إعلان

وأن تكف دول الممر عن السماح لهؤلاء المرتزقة بعبور أراضيها، وأن تمارس القوى الدولية التي يرد منها السلاح مزيدا من الرقابة على مبيعاتها من السلاح بما يحول دون وصولها إلى أيدي المليشيا، واستخدام أقصى درجات نفوذها للضغط على الدول التي تصدر إليها السلاح بألا يصل إلى وجهة أخرى.

وإلا فإن الخطر سيحدق بالجميع، فالاعتماد المتبادل أصبح سمة للسياسة الدولية، بحيث تتأثر الدول والمجتمعات في ساحتها بكل ما يقع فيها سلبا أو إيجابا، بكل صغيرة وكبيرة، وتحكمها نظرية رفرفة جناح الفراشة التي صاغها عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورينتز في ستينيات القرن الماضي لوصف حساسية الأنظمة المناخية للتغيرات الأولية، وهي نظرية تقوم على وصف الترابط بين الأحداث الصغيرة والأحداث الكبيرة، وكيف أن الأحداث الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى أحداث كبيرة غير متوقعة.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله حقيقة أن السودان يتبوأ موقعا إستراتيجيا مميزا، وتتصل حدوده بصورة مباشرة بدولتين عربيتين تطلان على البحر المتوسط، هما مصر وليبيا، وله حدود بحرية مع أكبر دولة عربية خليجية وهي السعودية، وحدود أرضية مع خمس دول أفريقية، منها أربع بلا منافذ بحرية، ويطل بساحل طويل على البحر الأحمر، وهو ممر بحري تجاري شديد الأهمية بالنسبة للعالم، فإن أي فوضى تعم فيه وفي محيطه الجغرافي بسبب أطماع قوى إقليمية تستخدم أذرعا عسكرية غير منضبطة وغير نظامية ستكون تداعياتها كارثية على الجميع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات ملیشیا الدعم السریع الحرب فی السودان فی الحرب

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: الدعم السريع ترتكب فظائع بحق المدنيين في الفاشر

أدانت الأمم المتحدة الأربعاء الهجمات الدامية أسفرت عن مقتل 57 مدنيا على الأقل يوم الاثنين، وشنتها قوات الدعم السريع في شمال دارفور، مؤكدة أنها ترتكب فظائع لا تطاق بحق المدنيين في الفاشر.
أعرب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان عن "استيائه للهجوم الواسع النطاق الذي شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر المحاصرة ومخيم أبو شوك المجاور".
أخبار متعلقة مصر تطلب إيضاحات للتصريحات الإسرائيلية عما يسمى "إسرائيل الكبرى"التهمت 500 هكتار.. جهود الإطفاء تتواصل لإخماد حريق غابات في المغربوفقًا للأمم المتحدة، فقد قُتل ما لا يقل عن 57 مدنيًا بينهم 40 في المخيم وحده، ويُشتبه أيضًا في وقوع عمليات إعدام تعسفي.مقتل أكثر من 40 مدنيًاوهاجمت قوات الدعم السريع يوم الاثنين مخيم أبو شوك، وفتحت النار على المدنيين وفقًا لخلية الطوارئ بالمخيم، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنيًا وإصابة 19 آخرين على الأقل، بينما كان المقاتلون يتقدمون نحو الفاشر، آخر مدينة في منطقة غرب دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش.
وقال تورك: "نشهد بأسف شديد مرة أخرى فظائع لا تُطاق ترتكب بحق المدنيين في الفاشر حيث بعيشون منذ أكثر من عام تحت الحصار والهجمات المتواصلة والظروف الإنسانية الكارثية".
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الأمم المتحدة تتهم الدعم السريع بارتكاب فظائع بحق المدنيين في الفاشر - متداولة
في الأشهر الأخيرة، استهدفت قوات الدعم السريع الفاشر والمخيمات المجاورة عقب انسحابها من العاصمة الخرطوم في مارس.خطر الاضطهاد بدوافع عرقيةوأضاف تورك: "مرة أخرى، أُحذّر من خطر الاضطهاد بدوافع عرقية في ظل محاولات قوات الدعم السريع السيطرة على الفاشر ومخيم أبو شوك".
ودعا الأطراف المتحاربة إلى الإسراع في إبرام هدنة إنسانية مؤقتة في المناطق المحاصرة للوصول إلى السكان المنكوبين.

مقالات مشابهة

  • 17 قتيلا بهجوم الدعم السريع على الفاشر في دارفور
  • مقتل 17 شخصًا وإصابة 25 في قصف لقوات الدعم السريع على الفاشر
  • منصة إيكاد: كتيبة ليبية تقاتل مع “الدعم السريع” عبر ممر إمداد من الكفرة
  • حركة العدل والمساواة السودانية: السلام العادل والمستدام لن يترسخ إلا بالحسم الكامل لتمرد مليشيا الدعم السريع
  • البرهان: لا مهادنة مع قوات الدعم السريع والقتال مستمر مهما كان الثمن
  • الاتحاد الأوروبي يصدر بيانا مهما عن السودان.. ويطالب الدعم السريع بالآتي:
  • البرهان يتحدى الضغوط الدولية: لا مصالحة مع الدعم السريع مهما كانت الكلفة
  • السودان يرحب ببيان أممي يدين خطط الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية
  • الأمم المتحدة: الدعم السريع ترتكب فظائع بحق المدنيين في الفاشر