في رحلة التاريخ الطويلة للأمة الإسلامية، كانت الجاهلية القديمة نقطة سوداء عانى منها الإنسان قبل بزوغ فجر الإسلام، وجاء النبي محمد صلوات الله عليه وآله،  ليقود مع المؤمنين المسيرة المباركة لتحطيم هذه الجاهلية التي قامت على الجهل، والظلم، والشرك، والفساد، فكان لهم بأخلاقهم، وصبرهم، وإيمانهم، وقوة ثقتهم بالله وبنصره، الدور الأبرز في إنهائها وتأسيس مجتمع إيماني قائم على العدل والتوحيد.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

واليوم، تعيش الأمة جاهلية العصر الحديث، التي تختلف في أدواتها وأشكالها لكنها بنفس الروح الاستكباريّة والهيمنة، التي تمثلها القوى الصهيونية الأمريكية، التي تحاول فرض نظام عالمي قائم على الظلم والتفرقة والقهر.

 

النبي صلوات الله عليه وآله في مواجهة الجاهلية الأولى 

حين بعث الله نبيّه محمدًا صلوات الله عليه وآله وسلم، كانت الجاهلية الأولى قد بلغت ذروتها في الانحراف والفساد،
عبادة أصنام، استبداد قريش، ظلم النساء، تفرقة طبقية، وحكم يقوم على القوة والمال لا على القيم والحق.

في هذا الواقع المظلم، جاء الإسلام برسالة تحرير شاملة، تدعو إلى التوحيد والعدل ومقارعة الطغيان، فجاءت المواجهة مع الجاهلية حتمية، بل فرضًا إلهيًا، لأن مشروع الإسلام لا يمكن أن يتعايش مع الباطل والظلم والوثنية.

 الجهاد في سبيل الله .. فريضة التحرير والتغيير

منذ اللحظة الأولى، لم تكن الدعوة الإسلامية دعوة انعزالية أو مهادنة للباطل، بل كانت مشروع تغيير شامل، يهدف إلى إقامة دين الله في الأرض، ونشر العدل، وهدم أركان الطغيان. ولذا، شرع الله فريضة الجهاد في سبيله، دفاعًا عن العقيدة، وردًا على ظلم الكافرين، وكسرًا لهيمنة الجاهلية،  قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِـمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)) الحج .

فكان الجهاد تربية للأمة، وامتحانًا لإخلاصها، ووسيلة لبناء القوة الذاتية والمناعة ضد الطغيان، وقد حدد الله غايته في قوله:(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (الأنفال: 39)

مراحل المواجهة .. من التهيئة إلى التحرير

المرحلة المكية  وهي مرحلة الاستضعاف ، والتي ركز فيها النبي صلوات الله عليه وآله على التربية ، حيث كانت بداية المواجهة بتربية الصف المؤمن على الإيمان والتقوى والصبروالثبات، رغم ما واجهوه من أذى وتعذيب وحصار، هذه المرحلة أعدّت النفوس لتقبل التضحية والفداء.

 المرحلة المدنية وهي مرحلة بناء الدولة وبدء المواجهة المسلحة ، بعد أن أُذن للنبي صلوات الله عليه وآله بالهجرة إلى المدينة، وتأسيس الدولة، بدأت أولى المواجهات في بدر، ثم أُحد، والخندق، فأصبح الجهاد واقعًا عمليًا، وكان المسلمون في كل مرة يزدادون قوة وثباتًا.

مرحلة التمكين والفتح ، بعد صلح الحديبية، بدأت الدعوة تنتشر، ثم جاء فتح مكة، الذي أعلن نهاية الجاهلية رسميًا، حيث تحطمت الأصنام بيد رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وهتف في الناس (قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً) .

 

التمكين الإلهي  ثمرة الصبر والجهاد

لقد وعد الله عباده الصادقين بالنصر، لكنه ربط ذلك بالإيمان والعمل والثبات،(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) سورة النور- آية (55) ، وقد تحقّق هذا الوعد، في بدر حيث نصر الله فئة قليلة على فئة كثيرة، وفي الأحزاب حيث أرسل الله جنودًا من فوقهم، وفي فتح مكة، حيث دخل النبي صلوات الله عليه وآله منتصرًا، متواضعًا، محطمًا آخر أصنام الجاهلية.

 

الجاهلية الحديثة.. خطر أكبر وأدوات مختلفة

الجاهلية لم تنتهِ بفتح مكة، بل هي تتجدد في كل عصر بأدوات مختلفة، جاهلية اليوم لم تعد أصنامًا من حجر، بل أصنامًا من سلطة وإعلام، ومال وسلاح، وشهوات وقوانين وضعية تهيمن على العالم وتستعبد الإنسان، وقد تجسدت هذه الجاهلية الحديثة اليوم في الهيمنة الأمريكية والغربية التي تفرض سيطرتها على الشعوب المستضعفة، والعدو الصهيوني الذي يمارس أبشع أنواع الإجرام بحق الشعب الفلسطيني وأرض الأمة، والأنظمة العميلة والمطبعة التي تقف في صف الطغاة وتخذل قضايا الأمة.

إنها جاهلية عالمية متوحشة، تمتلك أدوات القوة الظاهرة، لكنها مفلسة من القيم والمبادئ، وهي امتداد لذات الجاهلية التي واجهها النبي صلوات الله عليه وآله، لكنها بثوب حديث وأخطر، كما قال عنها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه): (ونحن في مواجهة الجاهلية الكبرى ، والجاهلية الخبيثة، والجاهلية المسلحة بأفتك الأسلحة)

 

 المسيرة القرآنية .. امتداد لخط الجهاد النبوي

في وجه هذه الجاهلية الجديدة، لا يمكن أن تقف الأمة موقف المتفرج، ولا أن تحصر الإسلام في طقوس فردية، بل لا بد من مشروع إيماني تعبوي متكامل، يعيد للأمة دورها وشخصيتها وهويتها، وهذا ما مثّلته المسيرة القرآنية المباركة، التي انطلقت من اليمن بقيادة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، وحمل رايتها من بعده السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه ، ووضعت الأمة أمام خيارين،  إما الاستسلام لهيمنة الطاغوت، أو التحرك الجهادي الواعي انطلاقًا من القرآن الكريم، وتسعى لإحياء فريضة الجهاد، وتربية أمة قوية في مواجهة قوى الاستكبار، على نهج رسول الله صلوات الله عليه وآله.

 

ضرورة مواجهة الجاهلية الحديثة بنفس نهج النبي صلوات الله عليه وآله

كما قاوم النبي صلوات الله عليه وآله، ومن معه من المؤمنين الجاهلية الأولى بالجهاد ، وبالحكمة، والصبر، والالتزام بالمنهج القرآني، فإن الأمة اليوم مطالبة بإحياء هذه المسيرة القرآنية المباركة كأمل ودرع في مواجهة جاهلية العصر الحديث، والتمسك بالقيم القرآنية التي تدعو إلى العدل، الوحدة، الصبر، والثبات، وبناء وعي إسلامي جامع يقود الأمة لاستعادة مكانتها وعزتها، وتوحيد جهودها السياسية والاجتماعية، والدعم المادي والمعنوي لقضايا الأمة العادلة، وعلى رأسها دعم غزة والصمود الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الصهيونية.

 

غزة مثال حي لمواجهة الجاهلية الحديثة

تجسد غزة، بالصمود والتضحيات، نموذجًا حيًا لمواجهة الجاهلية الحديثة،  على الرغم من الحصار والاعتداءات الوحشية، فإن أهل غزة ومن خلفهم أحرار الأمة يؤكدون أن الصمود والثبات هو السبيل لكسر شوكة الاستكبار والهيمنة، إن إسناد غزة اليوم يمثل معركة أخلاقية وفكرية تنبع من المنهج القرآني الذي يمثل نبراس أمل الأمة في الخروج من دوامة الجاهلية الحديثة.

 

خاتمة

قال رسول الله صلوات الله عليه وآله : (بُعثتُ بين جاهليتين، أخراهما أشد من أولاهما) ، حديثٌ لا يكشف فقط عن موقع البعثة النبوية بين مرحلتين من الفساد والضياع، بل هو نبوءة وتحذير يبيّن أن الجاهلية الثانية، التي ستأتي بعد الإسلام، أشد خطرًا، وأعمق ظلمة، وأكثر فتنة من الأولى، فالجاهلية الأولى كانت قائمة على الأصنام، وعبادة الحجر، والتفاخر بالدم والنسب، وقد واجهها النبي محمد صلوات الله عليه وآله بالجهاد، والقرآن، والتوحيد، وبناء أمة مؤمنة لا تخاف في الله لومة لائم،  وكانت النهاية أن سقطت الجاهلية تحت أقدام المؤمنين، وعلت كلمة الله، وانتصر الحق بنور القرآن والسيف في سبيل الله.

أما الجاهلية المعاصرة، فهي أشد لأنها، لا تعلن كفرها صريحًا، لكنها تحارب الله ورسوله باسم الحرية والحداثة،لا تعبد الأصنام، لكنها تُقدّس الدولار، وتخضع للبيت الأبيض،لا تقاتل بالسيوف، بل بالحصار، والإعلام، والتطبيع، والحرب الناعمة، ومن هنا فإن فريضة الجهاد اليوم، بكل أشكاله، أصبحت أوجب من أي وقت مضى، لأن العدو لا يستهدف الأرض فقط، بل الهوية، والدين، والعقيدة، والقرآن، والكرامة.

والمسيرة القرآنية، بما تمثّله من عودة صادقة إلى القرآن، وتجديد لمعنى الجهاد، وإحياء للموقف الإيماني في زمن الخضوع والسكوت، هي المشروع الذي يحمل راية رسول الله صلوات الله عليه وآله في هذه الجاهلية الثانية.

فهي ليست فقط دعوة إيمانية، بل موقف تاريخي ومسؤولية أممية، لمواجهة قوى الكفر الحديث، المتمثلة في الصهيونية وأمريكا وأدواتها، نصرة للمستضعفين، وإسنادًا للمجاهدين في فلسطين وغزة وساحات المواجهة،  وكما كُتب النصر للنبي الأكرم صلوات الله عليه وآله ، والذين آمنوا معه، حين واجهوا الجاهلية الأولى، فإن وعد الله لا يتخلف، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ).

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: رسول الله صلوات الله علیه وآله المسیرة القرآنیة هذه الجاهلیة فی مواجهة

إقرأ أيضاً:

إدارة أمن البيضاء تنظم فعالية خطابية بذكرى المولد النبوي

الثورة نت /..

نظمت إدارة أمن محافظة البيضاء، اليوم، فعالية خطابية بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

وفي الفعالية التي حضرها وكيل المحافظة أحمد السيقل ورئيس جامعة البيضاء الدكتور أحمد العرامي ونائب مسؤول التعبئة عبدالرحمن الحبسي، ألقيت كلمات، أكدت ضرورة تعزيز الولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والارتباط الوثيق به، سيما في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها الأمة وما تتعرض له من مؤامرات إجرامية من قبل أعدائها.

واستعرضت الكلمات، جانبًا من حياة وسيرة الرسول الأعظم، وأخلاقه، وفضائله، وصفاته الحميدة، وجهاده، وصبره، وثباته في تبليغ الدعوة امتثالًا لأوامر الله عز وجل وطاعة له.

وأشار المتحدثون، إلى أن إحياء الذكرى يعكس تمسك الشعب اليمني بهويته الإيمانية ورفضه كل أشكال الهيمنة والاستعمار، واستعداده بذل التضحيات في الدفاع عن قضايا الأمة، في رسالة حضارية وروحية تؤكد وحدة الصف في مواجهة التحديات.

واعتبرت الكلمات، إحياء ذكرى المولد النبوي فرصة لتعزيز الوعي المجتمعي بقيم ومبادئ الرسالة المحمدية التي تمثل طريق العزة والكرامة للأمة، مؤكداً أهمية الاقتداء بالنبي الأكرم.

وأكدت، أهمية الحفاظ على النهج الاسلامي الذي جاء به النبي الأكرم في مواجهة الطغاة والمستكبرين، لا سيما طغاة العصر “أمريكا وإسرائيل”.

وأوضحت أن إحياء المناسبة يأتي في وقت يواصل اليمن مواقفه الثابتة في نصرة قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

تخللت الفعالية، التي حضرها قادة الوحدات الأمنية وأقسام الشرطة، فقرات إنشادية وقصائد شعرية عبّرت عن عظمة المناسبة وقدسية صاحبها عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.

مقالات مشابهة

  • فتاوى وأحكام| ما عدة المطلقة التي تحيض في طلاق رجعي؟ حكم الصلاة بقراءة الفاتحة فقط دون سورة بعدها.. اعرف رأي الفقهاء.. هل يجوز للزوجة أن تذهب إلى المسجد للصلاة دون إذن زوجها؟
  • اليمن سند غزة
  • إدارة أمن البيضاء تنظم فعالية خطابية بذكرى المولد النبوي
  • في ذكرى مولد النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله .. آن للأمة أن تنهض للجهاد ونصرة غزة
  • الحراك الجنوبي: تصريحات نتنياهو تؤكد صوابية الموقف اليمني تجاه فلسطين
  • 114 مسيرة حاشدة في عمران تؤكد الثبات في إسناد الشعب الفلسطيني
  • مليونيه مع غزة جهاد وثبات توجه رسالة قوية للمجرم نتنياهو
  • الصلاة على النبي يوم الجمعة.. صيغة شريفة تكفي همك وتغفر ذنبك
  • أمسيات ثقافية في عدد من مديريات محافظة صنعاء احتفاءً بالمولد النبوي