أكدت صحيفة "التلغراف" البريطانية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عزز مكانة بلاده كقوة عظمى خلال لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أراضي الولايات المتحدة، مشددة على أن هذا اللقاء يجب أن يجعل أوروبا تشعر بالرعب.

وقالت الصحيفة إن "ترامب وبوتين التقيا على قدم المساواة على الأراضي الأمريكية، ليس لأن ترامب مستبعد لبوتين، بل لأن تقدمه في أوكرانيا لم يُوقفه شيء رغم أكثر من ثلاث سنوات من الجهود الغربية"، مضيفة أن "القوات الأوكرانية قاتلت ببسالة وشجاعة ومهارة وتضحية هائلة".



وتابعت: "لقد أحبطوا الهجوم الروسي الخاطف المُخطط له في بداية الحرب، ودفعوا روسيا إلى التراجع في بعض المناطق. بل شنّوا هجمات جريئة على الأراضي الروسية، وألحقوا أضرارًا غير متوقعة بقوات موسكو، بما في ذلك في البحر الأسود، وحتى في مناطق بعيدة مثل شرق سيبيريا".

واستدركت: "لكن بوتين لا يزال يعتقد أنه قادر على استيعاب أي ضربات تُوجّهها إليه كييف، وكسب المزيد من الأراضي مع استمرار قواته في التقدم بقوة في دونباس. تُعدّ هذه المنطقة، الغنية بالثروات المعدنية، المحور العسكري الرئيسي لروسيا. وقد تبيّن أن صد الدفاعات الأوكرانية المُجهّزة جيدًا هنا مُكلفٌ من حيث الرجال والذخائر، وأن التقدم بطيء".



ولفتت الصحيفة إلى أن بوتين قال إنه يفضل عدم الاستمرار في القتال من أجلها إذا كان بإمكانه الحصول عليها بوسائل أخرى، وقد أخبر ترامب في أنكوريج أن الحرب يمكن أن تنتهي إذا انسحبت أوكرانيا من 30 بالمئة من دونيتسك التي لم تسيطر عليها قواته بعد.

ونوهت إلى أن فولوديمير زيلينسكي سيتردد في الموافقة على ذلك، وقد صرّح بأن التنازل الطوعي عن أي أرض أوكرانية سيتطلب تعديلًا دستوريًا. وسيتعين عليه موازنة ذلك برأيه بشأن قدرة القوات الأوكرانية على الاحتفاظ بها إذا استمرت الحرب، وما قد يكون عليه ثمن ذلك.

وأكدت أنه "يجب أن يشمل هذا التقييم مدى قدرة الغرب، ساعيًا إلى إمكانية السلام، على دعم جهوده الدفاعية، ومدى فعالية أوكرانيا بمفردها. علاوة على ذلك، سيضع زيلينسكي في اعتباره أنه في هذه المرحلة من هذه الحرب الباهظة التكلفة، تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية السكان ترغب في رؤية نهايتها، مع وجود نسب كبيرة منهم على استعداد للتخلي عن أراضيهم على مضض".

وتابعت: "ما الذي يقدمه بوتين في المقابل؟ لا شيء تقريبًا. سيطرت روسيا على مساحات صغيرة من الأراضي في الشمال الشرقي، حول خاركيف وسومي، وأعلنت استعدادها للانسحاب من هناك مقابل استعادة دونيتسك. كما وافقت على تجميد خطوط المواجهة في الجنوب، في منطقتي زابوريزهيا وخيرسون، اللتين تسيطر روسيا حاليًا على حوالي ثلاثة أرباعهما".

وشددت على أنه "لم يكن وقف إطلاق النار قبل "صفقة" بوتين ذا أهمية بالنسبة له، ويبدو أن أي أمر من هذا القبيل، والذي كان يُمثل أولوية غربية، لم يُؤخذ على محمل الجد في أنكوريج. ورغم العيوب العسكرية الجسيمة التي تجلّت جليةً منذ بداية الحرب، أثبتت روسيا أن قواتها ليست مجرد سلاح. فالعتاد الغربي المُتباهى به، والتطور التقني، والعقائد العسكرية، لا تكفي لهزيمتها. في الواقع، لقد تعلمت روسيا دروس الحرب الحديثة، حيث كيّفت قواتها واستراتيجياتها للتعامل مع الطائرات المسيرة وغيرها من ابتكارات ساحة المعركة بطريقة لم يفعلها الغرب".

وأشارت إلى أن "روسيا تحافظ على مستويات مذهلة من إنتاج الأسلحة، وتُكمل إنتاجها بإمدادات من إيران وكوريا الشمالية والصين. في هذا النوع من حرب الاستنزاف، عجز الغرب، أو لم يكن راغبًا، عن مواكبة هذا التطور".



وذكرت أن "بوتين أعاد توجيه اقتصاده بعيدًا عن أوروبا، وخاصةً نحو دول البريكس. ورغم الصعوبات المالية التي تواجهها روسيا، إلا أن الغرب لم يكن مستعدًا بعد للتعامل مع مستوى الصدمة الذي قد يؤدي إلى انهيار شبه كامل. وبدلًا من ذلك، واصلت الدول الأوروبية، معتمدةً على الطاقة الروسية، دورها في تأجيج الحرب. وكانت العقوبات الغربية صارمةً لكنها غير كافية، ويبدو أن العقوبات الإضافية التي هدد بها الرئيس ترامب، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية الثانوية، قد تلاشت منذ موافقة بوتين على قمة ألاسكا".

وأردفت الصحيفة: "النتيجة الحتمية لكل هذا هي أن الحرب ستستمر على ما يبدو ما لم يذعن الرئيس زيلينسكي لمطالب بوتين المتطرفة، والتي، كما أظهرت القمة، لم تتغير منذ اليوم الذي أطلق فيه عمليته العسكرية الخاصة. في هذه الأثناء، اكتفى الأوروبيون بالوقوف متفرجين على مصير أوكرانيا – ومصيرهم".

وأوضحت أن "القادة الأوروبيين لا يدركون حتى أن سبب هذا الوضع برمته، وما ينجم عنه، يقع إلى حد كبير على عاتقهم. يدّعي بوتين أن أحد أسباب غزو أوكرانيا هو عدوان الناتو على الشرق. لكن الحقيقة عكس ذلك. فقد أشار إلى أنه لم يكن هناك ثمنٌ يُدفع لغزوه شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، على الرغم من الضمانات الغربية بأن أوكرانيا لن تُهدد بموافقتها على التخلي عن ترسانتها النووية. لقد قرأ بوتين الوضع بدقة: الناتو هو النمر الورقي".

وتطرقت الصحيفة إلى أن ترامب يناقش ضمانات أمنية مع الأوروبيين كجزء من تسوية نهائية. لن يشمل ذلك عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو أمرٌ لن يكون مقبولاً لدى بوتين في حال موافقته على أي اتفاق سلام. من غير المرجح أن تكون هذه الاتفاقية مُلزمة دولياً، بل ترتيباً من نوع "المادة الخامسة" من حلف الناتو، حيث توافق الدول المشاركة على الدفاع عن أوكرانيا في حال تعرضها لهجوم. ولن يكون ذلك سوى وعود سياسية على غرار الضمانات السابقة التي مُنحت لكييف والتي لم تُوفَ بها لاحقاً.

ورأت أن "الجغرافيا وحدها تُملي على الدول الأوروبية، نظريًا، استثمارًا أكبر في مستقبل أوكرانيا مقارنةً بالولايات المتحدة، وهي من ينبغي أن تسعى لتحمل عبء الضمانات الأمنية بدلًا من النظر دائمًا إلى ما وراء المحيط الأطلسي. نسمع باستمرار عن "تحالف الراغبين"، حيث تُرسل قوات أوروبية بقيادة بريطانيا وفرنسا قوات لضمان وقف إطلاق النار أو ربما اتفاق سلام. ومع ذلك، يُصاحب هذا دائمًا تحذير من وجود شبكة أمان أمريكية لضمان نجاحه".

وقالت الصحيفة: "نسمع أيضًا من القادة الأوروبيين أن حصول بوتين على ما يريده في أوكرانيا سيشجعه على المزيد من العدوان. حسنًا، يبدو الآن أنه قد يحصل على ما يريده، أو على الأقل جزء كبير منه. لذا، بدلًا من التباكي على الوضع المأساوي الذي ساهم إهمالهم في تفاقمه، على هؤلاء القادة الأوروبيين أن يأخذوا مسألة الدفاع على محمل الجد – وبسرعة".

وختمت بقوله: "هذا يعني أكثر من مجرد وعود بزيادة الإنفاق الدفاعي لإصلاح قواتهم المسلحة المتهالكة مستقبلًا. بل يعني أيضًا ترسيخ الفكر السياسي بعيدًا عن عقود من التنازلات الهزيلة والتهدئة والتسوية، وإحداث تغيير مجتمعي بحيث عندما يعود الدب الروسي للمزيد، يكون هناك عدد كافٍ من الوطنيين المستعدين والراغبين في الانخراط في المعركة بدلًا من الأمل في أن ينقذهم العم سام".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية بوتين ترامب أوروبا روسيا روسيا أوروبا بوتين اوكرانيا ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لم یکن إلى أن

إقرأ أيضاً:

قمة ترامب ـ بوتين في ألاسكا.. لا اتفاق حول أوكرانيا وابتسامة موسكو أوسع

انتهى اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة عسكرية بمدينة أنكوراج بولاية ألاسكا، مساء الجمعة، دون التوصل إلى أي اتفاق بشأن الحرب في أوكرانيا، رغم الأجواء الاحتفالية التي صاحبت القمة، والتي أثارت جدلاً واسعًا داخل الولايات المتحدة وخارجها.

اللقاء، الذي وُصف بأنه "تاريخي"، استمر ثلاث ساعات فقط بدلاً من جولتين كان من المقرر أن تمتدا لوقت أطول. وفي المؤتمر الصحفي المقتضب الذي أعقب المحادثات، بادر بوتين إلى الحديث أولاً معلنًا تحقيق "تفاهمات"، قبل أن يقاطعه ترامب بالقول إنه "لا اتفاق حتى الآن"، ليُنهي المؤتمر فجأة دون السماح للصحفيين بطرح أسئلة.

ورغم فشل المحادثات، سعى ترامب في مقابلة لاحقة مع الإعلامي المقرب منه شون هانيتي (فوكس نيوز) إلى تصوير اللقاء باعتباره "مثمراً للغاية"، قائلاً إن محادثاته مع بوتين كانت "10 من 10"، وإن الرئيس الروسي تحدث "بصدق" عن رغبته في إنهاء الحرب. لكنه في الوقت نفسه نصح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ"عقد صفقة"، مؤكداً أن "الحروب سيئة جداً، لكن لدي قدرة على إنهائها".

القمة التي قوبلت بانتقادات حادة في كييف، اعتبرها مراقبون وفق صحيفة الغارديان البريطانية، انتصاراً دعائياً لبوتين، إذ ظهر على الأراضي الأمريكية بعد عزلة دولية استمرت لسنوات، وحظي بمعاملة وُصفت بأنها "استقبال الملوك" من ترامب، في مشهد قارنته صحيفة Kyiv Independent بزيارة زيلينسكي السابقة للبيت الأبيض حيث تعرّض لـ"إذلال علني".

جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، قال لشبكة CNN إن "ترامب لم يحقق شيئاً ملموساً سوى وعد بلقاءات جديدة، بينما خرج بوتين منتصراً باستعادة صورته الدولية وتجنب أي التزامات بوقف إطلاق النار".

في الخارج، تظاهر محتجون في أنكوراج رافعين علماً أوكرانياً ضخماً رفضاً لمصافحة بوتين على الأراضي الأمريكية، في حين خرج مؤيدون لترامب لتحيته على الطريق المؤدي إلى القاعدة العسكرية، ما عكس الانقسام الداخلي العميق حيال سياسته الخارجية.

وفيما أصر ترامب على أن "لا اتفاق حتى يكون هناك اتفاق"، يبدو أن الكرملين حقق هدفه الأساسي: إعادة بوتين إلى صدارة المشهد الدولي كشريك تفاوضي لا يمكن تجاوزه، بينما خرجت أوكرانيا من القمة بقلق متزايد من أن تُترك وحيدة في مواجهة الحرب الطويلة.

وتأتي هذه القمة في وقت تواصل فيه الحرب الروسية الأوكرانية حصد الأرواح، حيث تشير تقديرات أممية إلى سقوط أكثر من 500 ألف قتيل وجريح منذ اندلاع الغزو الروسي في فبراير 2022، فضلًا عن نزوح الملايين وتدمير واسع للبنية التحتية، ما يجعل أي فشل في جهود الوساطة الدولية كلفة مباشرة على المدنيين العالقين في أتون الصراع.


مقالات مشابهة

  • بوتين يطالب بتبادل أراض مع أوكرانيا.. مقابل إنهاء الحرب
  • ترامب يكشف شروط بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا بعد قمة ألاسكا
  • دبلوماسي أمريكي سابق: بوتين يحاول كسب الوقت.. والوضع في أوكرانيا يتطلب إصلاحًا جذريًا
  • قادة أوروبا يؤكدون دعم أوكرانيا بعد قمة "ترامب–بوتين" في ألاسكا
  • ميدفيديف: بوتين حدد شروط روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • ماكرون: يجب مواصلة دعم أوكرانيا والضغط على روسيا
  • قادة أوروبيون في بيان مشترك: بوتين يريد تقسيم أوروبا واضعاف وحدة الغرب
  • قمة ترامب ـ بوتين في ألاسكا.. لا اتفاق حول أوكرانيا وابتسامة موسكو أوسع
  • ألاسكا.. بوتين يطالب أوروبا بعدم "خلق عقبات" أمام السلام في أوكرانيا