فيلم «قدام» حاول نقل صورة عن الحراك الطلابي والثوري الذي بدأ داخل السودان واستمر في المنافي لتأكيد التمسك بالحلم الثوري.

التغيير- كمبالا: فتح الرحمن حمودة

نظم مركز سلاميديا بالعاصمة الأوغندية كمبالا أمس الثلاثاء، عرضاً الفيلم الوثائقي “قدام” للمخرج حمد جمال، في حضور مقدر لعدد من المثقفين والصحفيين والمهتمين بالشأن السوداني، وجاء العرض مترجما إلى اللغة العربية لأول مرة، ليحمل ذاكرة الحركة الطلابية السودانية إلى المنفي.

عرض

ويوثق الفيلم الذي عرض من قبل في فرنسا مسيرة جيل واجه نظام الإنقاذ المقبور في قاعات الجامعات وساحات النقاش، ثم وجد نفسه موزعاً بين المنافي بعد أن ضاق به الوطن الذي ما زالت تشتعل فيه نيران حرب 15 ابريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

الفيلم استعرض قصة حمد جمال ورفاقه الذين كانوا جزءاً من الحركات الطلابية المناهضة للنظام السابق ويعيشون اليوم في فرنسا بعيداً عن السودان لكنهم لم يتخلوا عن حلم الثورة.

ومن خلال المشاهد تتداخل صور الحاضر بالذاكرة فبينما يعيش الأبطال تفاصيل المنفى تعود على الشاشة صورة ثورة ديسمبر وأصوات الجماهير التي خرجت تهتف من أجل إسقاط النظام، تقابلها مشاهد الانقلابات المتكررة حتى انقلاب البرهان- حميدتي الذي قاد لاحقاً إلى دخول البلاد في حرب ما زالت مستمرة.

حفظ ذاكرة اللحظة

المخرج حمد جمال قال تعليقاً على العمل إن الفيلم محاولة للتوثيق لمرحلة معينة من تاريخ السودان، وأضاف: “كنا نتمنى أن ننقل صورة إيجابية عن الحراك الطلابي والثوري وأن نحفظ بعضا من ذاكرة تلك اللحظة”.

وبينما كانت المشاهد تعرض التقط الجمهور صوراً مألوفة لطلاب في أركان النقاش يهتفون ضد النظام، ومواجهات عنيفة مع الأجهزة الأمنية داخل الجامعات والداخليات وأغانٍ من ثورة ديسمبر المجيدة تعيد إلى الأذهان أصوات الحشود في الشوارع.

وتحدث أبطال الفيلم داخل العرض فاتحين صناديق الذاكرة، حيث تحدثت رشيدة القادمة من جامعة النيلين عن دورها في الحركة الطلابية، بينما إسماعيل استعاد تجربته المرتبطة بحركات التحرر في دارفور، فيما وصف مصعب صدمته في سنوات حرب الجنوب وكيف غيرت الجامعة مفاهيمه عن التغيير السياسي، بينما أعادت “خنساء” التذكير بدور النساء في مواجهة النظام خصوصا في أيام الثورة.

وطبقاً للعرض، لم تكن تلك الشهادات مجرد حكايات شخصية بل مثلت صورة أوسع لجيل بكامله ارتبط وعيه بالحراك الطلابي فكانوا في قلب المقاومة منذ سنوات الدراسة و حتى المنافي.

ومن باريس ظهر الأبطال في مشاهد أخرى وهم يحاولون مواصلة نضالهم، مصعب تحدث عن انضمامه إلى لجنة للاجئين هناك والصعوبات التي واجهتهم في الغربة، لكنه اعتبر تلك التجربة فرصة لتعريف المجتمع الفرنسي بمعاناة السودانيين.

وفي خلفية هذه الشهادات تداخلت موسيقى حانية ربما للموسيقار الراحل حافظ عبد الرحمن وصور شوارع باريس، بينما ظل صوت الراوي يردد أن النضال لم ينقطع رغم المسافات.

الفيلم لم يكتف بالعودة إلى الماضي بل تعاطى مع اللحظة الراهنة فمشاهد اندلاع الحرب في الخرطوم جاءت صادمة نيران تتصاعد وأعمدة دخان تغطي السماء، وفي فرنسا جلس لاجئون سودانيون مع أصدقاء فرنسيين يناقشون ما يجري يحاولون فهم حجم الكارثة ويحملون بوقف الحرب.

مواصلة النضال والالتزام

وروت إحدى البطلات كيف هجرت أسرتها قسرا بسبب القتال، وتحدثت عن كيف بعثرت الحرب التنظيمات المدنية الرافضة للحكم العسكري وعن شعورها بالعجز والحزن.

وداخل مطبخها وبين إعداد الطعام جاء صوتها محملا بالحنين إلى مصطفى سيد أحمد حين قالت “كنا نسمع صوت مصطفى بيغني للوطن الذي صار فيه صوت البندقية”. وجاءت مشاهد لصور اللاجئين في فرنسا وهم يغنون و يرددون شعارات الثورة، حيث أكدت أن الحلم لم يمت حتى تساءل احد الأبطال في نهاية الفيلم “ماذا سيتبقى من بلادنا إن دمر كل شيئ؟”.

ولكنه استدرك بأن المنفى لا يعني التخلي عن الوطن بل مواصلة الالتزام من أجل الحرية والعدالة، وجاءت هذه الكلمات مكملة لهذا المعنى حيث قال مخرج الفيلم إن عرض الفيلم في كمبالا يمثل مناسبة مختلفة لأنه جاء محملاً برسالة أمل وتوثيق لذاكرة طلابية تقاوم النسيان.

“قدام” ترك أثراً واضحاً على الحضور، فقد بدا النقاش محتدماً وتعددت المداخلات حول معنى المقاومة في المنفى وحول كيف يمكن أن تحفظ السينما ذاكرة الشعوب في لحظات الانكسار حيث يظل الفيلم شاهداً على جيل لم ينكسر، جيل حمل هموم وطنه حتى وهو بعيد عنه وحاول أن يصوغ من حكاياته الفردية شهادة جماعية تذكر بأن السودان ما يزال يستحق.

الوسومأوغندا الجيش الحرب الدعم السريع السودان المخرج حمد جمال ثورة ديسمبر فرنسا كمبالا

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أوغندا الجيش الحرب الدعم السريع السودان ثورة ديسمبر فرنسا كمبالا حمد جمال فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

مطرقة أممية وسندان رباعية.. البرهان في زاوية حرجة

 

مطرقة أممية وسندان رباعية.. البرهان في زاوية حرجة

أحمد عثمان جبريل

❝إن أقسى الحروب ليست التي تُخاض بالسلاح، بل تلك التي تُخاض بصمت العالم. ❞

— إبراهيم الكوني

في الوقت الذي أصبحت فيه المجازر في رقعة جغرافية عزيزة من السودان، كجزء من المشهد اليومي، والنزوح الجماعي كأنه قدر محتوم، يعود ملف السودان إلى طاولة الأمم المتحدة بثقلٍ غير مسبوق.
قرارٌ يُنتظر صدوره في مجلس حقوق الإنسان، لا ليصف المأساة فحسب، بل ليبدأ “ولو متأخرًا” في تسمية الجريمة باسمها: حربٌ ضد المدنيين، وجرائمٌ ضد الإنسانية لا يمكن أن تُدفن في ركام الخرطوم، ولا أن تُنسى بمرور الوقت.
لكن الأهم من القرار نفسه، هو ما قد يليه: “ضغوط، واصطفافات، وتحولات حاسمة، قد تفتح أمام شعب السودان الذي يعاني ويلات حرب كارثية، طريقًا جديدًا.. أو تعيده إلى هاوية أعمق.

إذ يُنتظر أن يصوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلال اليوميين القادميين، على مشروع قرار جديد بشأن السودان، يطالب بوقفٍ فوري لإطلاق النار، وإنشاء آلية رقابة دولية مستقلة لضمان الالتزام، إلى جانب الدفع باتجاه محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين.
المسودة الأولية للقرار، وفق مصادر دبلوماسية وإعلامية، تذهب أبعد من مجرد الدعوة لوقف الحرب، إذ تعتبر كثيرًا من الجرائم المرتكبة منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، جرائمَ حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستدعي الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

يأتي هذا التحرّك الدولي في لحظةٍ يبدو فيها المشهد السوداني غارقًا في الدم، ومُثقلًا بالانهيارات الإنسانية والمؤسسية.. أكثر من عامين ونصف من القتال، خلفت عشرات الآلاف من القتلى، وملايين المهجّرين، وانهيار البنية الصحية والتعليمية، وفقدان السيطرة على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد، مع تصاعد وتيرة الانتهاكات، بما في ذلك القصف العشوائي، العنف الجنسي، والقتل على الهوية.

لكن القراءة الأعمق لمشروع القرار تكشف عن أبعاده السياسية أيضًا:” فالمجتمع الدولي، على ما يبدو، لم يعد يكتفي بمناشدات خجولة، بل بدأ يلوّح بوسائل ضغط حقيقية على أطراف الصراع، وتحديدًا قيادة الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، للدخول في مفاوضات مباشرة تفضي إلى وقف الحرب، والقبول بعملية سياسية شاملة”.

إذ تسري معلومات في كواليس الدوائر الدبلوماسية عن اتصالات متقدمة بين أطراف الرباعية الدولية (السعودية، الإمارات، مصر، والولايات المتحدةالأمريكية) للضغط على الجنرال البرهان، باعتباره الطرف الأكثر قدرة – من حيث الشكل – على اتخاذ قرار سياسي يمهّد لإنهاء الحرب.
وفي السياق ذاته، يُتوقع أن يتم خلال أيام لقاء مرتقب بين البرهان و السيسي، في خطوةٍ قد تحمل دلالات حاسمة، خصوصًا في ظل تقارير تفيد بأن القاهرة باتت تُمثّل حليفًا رئيسيًا للبرهان، وظهر قويا و”ضمانة إقليمية” في حال غادر محطة التردد وقرر بشكل قاطع، القطيعة مع شركاء الأمس من الإسلاميين.

فالمعلومات المتقاطعة تشير إلى وجود خلافات متزايدة بين البرهان وبعض دوائر الإسلاميين النافذة، الذين يرون في أي اتجاه نحو تسوية سياسية مع القوى المدنية، يمثل خيانة وتفريطًا في مشروعهم القديم.. وفي المقابل، تؤكد المعلومات تتزايد مؤشرات البرهان على الميل إلى خيار التسوية، ولو بصمت حذر، بعد أن استنزفته الحرب عسكريًا وسياسيًا، وفاقمت من عزلته الإقليمية والدولية.

لكن هذه الانعطافة، إن صحّت، لن تكون سهلة. إذ ما زالت بقايا شبكات الإسلاميين تتموضع داخل مؤسسات الدولة، وتستخدم أدواتها الإعلامية واذرعها الأمنية لتقويض أي اتجاه نحو الحل، بما في ذلك بث شائعات في الميديا وملهيات على غرار كيكل وفضيل، مع تحريض داخلي ضد التفاوض، فضلاً عن محاولات ترهيب النخبة العسكرية من تداعيات تسليم السلطة أو الانفتاح على قوى الثورة.

ومن هنا، تبرز أهمية الدور المصري في هذا التوقيت.. فبالنسبة للبرهان، تبدو القاهرة شريكًا يمنحه الغطاء اللازم للانفكاك من ضغط الإسلاميين، دون أن يخسر توازناته الداخلية. كما أن مصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ، لا تنظر إلى ما يجري في السودان كملف خارجي بحت، بل كأمن قومي مباشر، يهدده تمدد الميليشيات، أو الانهيار التام للدولة السودانية.

المفارقة أن هذا الانفتاح – إن تَرسّخ – قد لا يكون انتصارًا لطرف على آخر، بل بارقة أمل للمدنيين، الذين أنهكتهم الحرب وجرّدتهم من كل شيء:” منازلهم، أرزاقهم، مدارس أطفالهم، ومستقبل وطنهم”.

الواقع أن القرار الأممي المرتقب ليس خاتمة الطريق، لكنه قد يشكّل نقطة تحوّل، إن ترافق مع إرادة سياسية صادقة، وضغط دولي فعّال، وتوحيد الجبهة المدنية حول رؤية واضحة لما بعد الحرب.

بقى أن نقول:” السودان اليوم لا يحتاج إلى انتصارات عسكرية جديدة، بل إلى شجاعة سياسية توقف النزيف، وتضع حدًا للانفلات، وتعيد للناس حقهم في الحياة، لا أكثر..
فلا أحد يربح في حربٍ كهذه، إلا الذين اتخذوا من تركيا وكرا للمؤامرات ولا يدفعون ثمنها.. إنا لله ياخ.. الله غالب.

الوسومأحمد عثمان جبريل توقف النزيف زاوية حرجة سندان رباعية.. البرهان مطرقة أممية

مقالات مشابهة

  • دوفيلبان.. خصم أميركا وخصيم إسرائيل الذي صفق له مجلس الأمن طويلا
  • شاهد بالفيديو.. سيدة الأعمال السودانية هبة كايرو بعد افتتاح محلها الجديد: (أنا أول سودانية اسمها يتعلق ف شارع جامعة الدول العربية المهندسين واسم السودان شرف بالنسبه لي)
  • إطلاق الترجمات العالمية لكتابَي أحمد أبو الغيط: توثيق للتاريخ وشهادة على الدبلوماسية المصرية
  • من قلب حرب غزة.. توثيق مأساة القطاع على مدار عامين
  • ترامب: ما الذي تخطط كييف لفعله بصواريخ توماهوك أمريكية الصنع؟
  • المحكمة الجنائية الدولية تدين قائداً في ميليشيا الجنجويد السودانية بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
  • صورة: صورتان تظهران كيف مسحت إسرائيل مدينة غزة
  • الفن صوت لنضالات السودان الخفية
  • مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يحتفي بالثقافة السودانية عبر برنامج خاص
  • مطرقة أممية وسندان رباعية.. البرهان في زاوية حرجة