احتفاء إسرائيلي باعتقال عبد الرحمن القرضاوي في الإمارات.. صفينا حسابنا معه
تاريخ النشر: 8th, September 2025 GMT
قالت الكاتبة الإسرائيلية سمدار بيري إن إسرائيل بمختلف مكوناتها تستطيع أن تمنح نفسها لحظة من "الرضا وابتسامة من المتعة الشريرة" عقب اعتقال الشاعر المصري عبد الرحمن القرضاوي، وهو الذي تم في لبنان وجرى ترحيله إلى الإمارات، وذلك بعد زيارة قام بها إلى سوريا من محل إقامته في تركيا.
وأشارت بيري في مقال لها بصحيفة "يديعوت أحرنوت"، إلى أن القرضاوي (55 عامًا)، المتزوج وأب لثلاث بنات، صدر بحقه في مصر مذكرة توقيف بعد أن نشر سلسلة من القصائد والنصوص على مواقع التواصل الاجتماعي ضد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي من تركيا، التي "فر إليها عقب وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة والإطاحة بالرئيس مبارك".
وذكرت الكاتبة أن القرضاوي وصف السيسي بـ"الصهيوني، واتهامه بالسرقة، ووصفه بأنه موظف حكومي يضع كل ما تكسبه مصر في جيبه الخاص"، مضيفة أن "تسليمه إلى القاهرة كان سيعرضه للسجن لفترات طويلة، وربما للمحاكمة أمام محكمة عسكرية، مع ظروف احتجاز قاسية في سجون بعيدة".
ولفتت إلى أن السلطات اللبنانية ألقت القبض على القرضاوي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي قبيل عبوره الحدود إلى سوريا، لكن بعد أسبوع، و"نتيجة منافسة شرسة بين مصر وأبو ظبي، وُضع على متن طائرة هبطت في العاصمة الإماراتية، حيث أصرّ حاكم أبوظبي محمد بن زايد على تسليمه للسلطات القضائية الإماراتية".
وأشارت الكاتبة إلى أن القرضاوي أهدى بن زايد قصيدتين سياسيتين، واصفًا إياه بـ"خادم الصهاينة"، وهو اعتقال يُعد الأول من نوعه لمواطن أجنبي في تاريخ الإمارة القصير بتهم التحريض وإهانة شرف الإمارة وحكامها.
أوردت بيري أن لـ"إسرائيل حسابًا طويلًا مع القرضاوي"، مشيرة إلى كتاباته السابقة عن يحيى السنوار، الذي وصفه بعزيز الأمة، ودعوته العرب إلى توحيد الصفوف ومواجهة الكيان الصهيوني.
وأوضحت أن عشية اعتقاله، جاب القرضاوي شوارع دمشق بعد الإطاحة ببشار الأسد مرتديًا كوفية فلسطينية مخططة بالأبيض والأسود، ملتقطًا صورًا مع المارة وهاتفًا بشتائم ضد "شعب إسرائيل القاتل".
واستعرضت الكاتبة أيضًا الخلفية العائلية للقرضاوي، حيث أشار إلى والده، الداعية يوسف القرضاوي، المعروف بإصداره "فتاوى تدعو إلى قتل والإسرائيليين"، مع توثيق القرضاوي في إحدى قصائده على أن "طريق تحرير فلسطين يمر بقتل الإسرائيليين".
لكن على الرغم من هذه المواقف، حظي الشاعر المصري التركي بشعبية كبيرة لدى منظمات حقوق الإنسان حول العالم، حيث يمتلك محامين متطوعين ونشطاء، أغلبهم من النساء، يطالبون بإطلاق سراحه من السجن في أبوظبي.
وأكدت بيري أن القرضاوي كان واثقًا من شعبيته في الشارع العربي، وحرص على عدم العودة إلى القاهرة، ولم يتوقع أن الإمارة الإماراتية ستقبض عليه. وذكرت أن آخر فيديو صوره القرضاوي عند المعبر الحدودي اللبناني السوري أنشد فيه أبياتًا حول "الحكام العرب الصهاينة الوقحين في مصر والإمارات والسعودية الذين يعملون معًا ضد النظام الجديد في دمشق".
وأضافت أن السعودية لم تُبدِ أي اهتمام بالاعتقال، رغم فتح القرضاوي حسابًا لديهم، وأن هناك عملًا دؤوبًا للإمارات ولبنان لضمان تنفيذ هذا الاعتقال، وسط استعداد الإمارات لمواجهة الانتقادات الدولية.
وأشارت الكاتبة أيضًا إلى تصريح محامي القرضاوي اللبناني، الذي أوضح سبب تسليم موكله إلى أبوظبي، قائلًا: "مصر دولة فقيرة لا تفيد لبنان، الإمارات تتبرع بالتأكيد بأموال طائلة"، مضيفًا: "أما إسرائيل؟ لم تطلب ولن يُستجاب لها".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الإسرائيلية عبد الرحمن القرضاوي الإمارات إسرائيل الاحتلال الإمارات عبد الرحمن القرضاوي صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ركن الحج بين شرف الرفادة والتحول الطبقي
الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، هو رحلة إيمانية تهفو إليها قلوب أكثر من ملياري مسلم حول العالم. إنه ليس مجرد شعيرة، بل هو مؤتمر رباني سنوي تتجسد فيه معاني الوحدة والمساواة والتجرد من متاع الدنيا وزخرفها. تاريخيا، كانت خدمة الحجيج شرفا تتسابق إليه الدول والحكومات على مر العصور، انطلاقا من واجبها الديني. وبحكم الجغرافيا، نالت المملكة العربية السعودية هذا الشرف وهذه المسؤولية الجسيمة بالإشراف على الحرمين الشريفين وتنظيم شؤون الحج والعمرة.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر ممارسات وتوجهات لا تثير القلق من تحويل الحج لنموذج أعمال فحسب، بل تكشف عن أبعاد جيوسياسية عميقة، تطرح سؤالا جوهريا: هل أصبح الحج عملا تجاريا أو أداة نفوذ أم كليهما؟
الحج كورقة سياسية وسلطة ناعمة
إن الإشراف الحصري على الحرمين الشريفين يمنح المملكة العربية السعودية مكانة فريدة و"قوة ناعمة" لا تضاهى في العالم الإسلامي. هذا الدور، الذي يُفترض أن يكون تشريفا خدميا، تحول بشكل متزايد إلى أداة سياسية. فمن خلال التحكم في تأشيرات الحج والعمرة وتحديد حصص الدول، تمتلك الرياض القدرة على مكافأة الحلفاء ومعاقبة الخصوم. وقد ظهر هذا جليا في عدة أزمات سياسية؛ فعلى سبيل المثال، خلال الأزمة مع قطر (2017-2021)، واجه المواطنون والمقيمون في قطر صعوبات بالغة في أداء المناسك، مما أثار اتهامات بتسييس الشعائر الدينية، كما أن العلاقات المتوترة مع دول مثل إيران وسوريا أثرت بشكل مباشر على ترتيبات الحج لمواطنيها في فترات مختلفة. هذا الاستخدام الانتقائي لمنح التأشيرات يحول الفريضة الدينية من حق لكل مسلم قادر، إلى امتياز يخضع للحسابات السياسية والعلاقات الدبلوماسية.
تحويل الحج من ركن وشعيرة إلى نموذج أعمال
بداية التحول كانت في فلسفة التكاليف؛ لم يعد الأمر يقتصر على رسوم منطقية لتغطية نفقات الخدمات، فقد شهدت تكاليف الحج ارتفاعا هائلا لتصل إلى أرقام فلكية تجعل أداء الفريضة حكرا على طبقة الأثرياء. ففي مصر على سبيل المثال، قفزت أسعار برامج الحج السياحي لموسم 2025 لتبدأ من حوالي 225 ألف جنيه للبري وتصل إلى 520 ألف جنيه لبرامج الخمس نجوم، وهذا لا يشمل سعر تذكرة الطيران.
هذا التضخم في الأسعار لا يعكس فقط تحسينا في الخدمات، بل يشير إلى عقلية استثمارية بحتة. فوفقا لـ"رؤية 2030"، تهدف المملكة إلى رفع الطاقة الاستيعابية للمعتمرين إلى 30 مليونا سنويا بحلول عام 2030. وتشير التوقعات إلى أن إيرادات الحج والعمرة قد تتجاوز 50 مليار ريال سعودي (حوالي 13.3 مليار دولار) سنويا مع تحقيق أهداف الرؤية. هذه الأرقام تحول الحاج من "ضيف للرحمن" إلى "مصدر للدخل القومي".
تتجلى العقلية التجارية الحديثة بأوضح صورها، وأكثرها إثارة للمفارقة، في المشهد العمراني المحيط بالحرم المكي. فبدلا من الحفاظ على الطابع التاريخي والروحي للمكان، تم إفساح المجال لأبراج شاهقة وفنادق عالمية فاخرة، في عملية محو ممنهج للذاكرة. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 95 في المئة من المباني التاريخية في مكة قد تم هدمها لإفساح المجال لهذه المشاريع العملاقة.
وهنا تبرز مفارقة تاريخية مؤلمة؛ قبل الإسلام، كان سادة قريش، رغم وثنيتهم، يتنافسون على شرف خدمة الحجيج فيما عُرف بـ"الرفادة" (إطعام الحجاج) و"السقاية" (سقيهم الماء)، كانوا يعتبرون الإنفاق على ضيوف الرحمن من أموالهم الخاصة مصدر فخر ومكانة. لقد كانت خدمتهم للحجيج، على شركهم، قائمة على البذل والعطاء، لا على الأخذ والربح. أما اليوم، وفي ظل إدارة تدعي خدمة الحرمين، نرى منطقا معاكسا تماما، فمشاريع مثل "وجهة مسار مكة"، الذي تبلغ تكلفته حوالي 26 مليار دولار، لا تهدف إلى "رفادة" الحجيج، بل إلى استنزاف جيوبهم. هذه المشاريع العقارية الضخمة تخاطب نخبة قادرة على دفع آلاف الدولارات لليلة الواحدة، وتؤدي إلى طمس الهوية التاريخية لمكة وتحويل محيط الحرم إلى ما يشبه المراكز التجارية الفاخرة، في مشهد يكرس الطبقية ويتناقض مع جوهر الحج القائم على المساواة.
التعامل الأمني
ولعل أكثر ما يثير الاستياء هو طريقة التعامل الأمني مع ضيوف الرحمن. فبدلا من أن تكون العلاقة بين رجال الأمن والحجاج قائمة على الرفق واللين، بدت بعض الممارسات وكأنها مستعارة من منطق تأمين الفعاليات الكبرى. في كل موسم حج، يتم نشر عشرات الآلاف من أفراد قوات الأمن، وتُستخدم تقنيات مراقبة متطورة تشمل آلاف الكاميرات والذكاء الاصطناعي. ورغم أن الهدف المعلن هو "أمن الحجاج"، فإن المشاهد المتداولة لمشادات أو تعاملات فظة، مثل واقعة المعتمر المصري، ترسل رسالة مقلقة. هذا المنطق الأمني الصارم يعامل الحاج كـ"مشارك في فعالية" يجب أن يلتزم بتعليمات صارمة، وأي خروج عنها قد يقابل برد فعل غير متناسب، مما يفرغ الرحلة من جوهرها الروحي.
بين ضرورات التطوير وحفظ الجوهر
بطبيعة الحال، يقدّم المدافعون عن السياسات الحالية حجة أن زيادة أعداد الحجاج تتطلب تطويرا ضخما وبنية تحتية وأمنا على أعلى مستوى، وأن التكاليف المرتفعة هي "ضرورة حتمية" لتمويل هذا التوسع، لكن هذه الحجة تتجاهل جوهر المشكلة. فالتطوير لا يعني بالضرورة الاستبدال الطبقي (gentrification). كان من الممكن توسعة الخدمات دون هدم النسيج التاريخي وبناء أبراج تخدم النخبة فقط؛ التطوير الحقيقي هو الذي يخدم الجميع، لا الذي يخلق فجوة طبقية في أقدس البقاع. أما حجة "الأمن"، فلا أحد يجادل في أهميتها، لكن هناك فرق بين "تنظيم" الحشود لضمان سلامتها، و"عسكرة" الأجواء الروحانية، فالرفق واللين يجب أن يكونا هما الأساس، لا منطق القوة والسيطرة.
إن الإشراف على الحج ليس امتيازا تجاريا، بل هو أمانة ومسؤولية أمام الله والأمة الإسلامية جمعاء. إن تحويل هذه الشعيرة العظيمة إلى مشروع استثماري يهدف للربح المادي وتطبيق منطق "البيزنس" على ضيوف الرحمن، هو توجه خطير يهدد روحانية الركن الخامس ويجعله صعب المنال على غالبية المسلمين.
وعلى السلطات أن تدرك أن دورها ليس دور المستثمر أو منظم الفعاليات، بل هو التشرف بدور الخادم الأمين على أقدس بقاع الأرض. يجب أن تعود الأولوية لخدمة الحاج وتيسير رحلته الإيمانية، لا لتعظيم الأرباح أو الضغط السياسي. فالحج ملك للمسلمين كافة، وسيظل كذلك، مهما حاولت سياسات الخصخصة تغيير هويته.