السليمانية تحيي اليوم العالمي لمكافحة الانتحار بمد جسور الأمل (صور)
تاريخ النشر: 10th, September 2025 GMT
السليمانية تحيي اليوم العالمي لمكافحة الانتحار بمد جسور الأمل (صور).
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق الانتخابات القمة العربية أحمد الشرع نيجيرفان بارزاني سجن الحلة محافظة البصرة الدفاع بابل بغداد دهوك اقليم كوردستان اربيل المياه السليمانية اربيل بغداد انخفاض اسعار الذهب اسعار النفط أمريكا إيران اليمن سوريا دمشق دوري نجوم العراق كرة القدم العراق أهلي جدة النصر الكورد الفيليون مندلي احمد الحمد كتاب محسن بني ويس العراق الحمى النزفية غبار طقس الموصل يوم الشهيد الفيلي خانقين الانتخابات العراقية الأخبار العاجلة
إقرأ أيضاً:
سوداوية الموت في قصة «القتيل» ليوسف الناصري
حصدت قصة (القتيل) ليوسف الناصري المركز الأول في مسابقة الملتقى الأدبي الثاني عشر بولاية صور عام 2006م عن فرع القصة القصيرة في المسابقة، وعبَّرت القصة في مضمونها عن الموت والتفكير فيه بعد تقديم الشخصية الرئيسة صورة متذبذبة عن حالتها النفسية في التعامل مع الانتحار والتفكير فيه. لقد أُحيط الموت في قصة الناصري بهالة من السواد، وأعني بالسواد هنا الطريقة القاتمة التي كانت تلقي بظلالها على الأحداث، وتصبغ فعل الشخصية؛ فالحياة قاتمة في نظره، والانكسار بارز، تحاول شخصية القتيل أن تجد بصيص ضوء تنطلق منه لتصالح الحياة ولكنّ اليأس يغطي الواقع أمامها. يفتتح الكاتب قصته بالتفكير في الانتحار؛ الأمر الذي يدفع القارئ إلى التعلق بالحدث الفجائي باحثًا عن أحداث متتالية بعد ذلك، فطريقة التفكير في الانتحار، والبحث عن أدوات تعين على تحقيق الفعل، دافعٌ لتتبّع الأحداث اللاحقة بفتح باب التخيّل فيما سيحدث.
تتنوع الحوارات في القصة بين حوار داخلي (مونولوج) بما تفيض به النفس من مشاعر وأحاسيس وآلام وقلق وخوف وانكسار وسخط على الواقع، وبين حوار خارجي يدور بين شخصيات عدّة تحاول أن تسير بالشخصية إلى خروج التأزم النفسي.
لقد خلقت هذه الحوارات انفعالات مختلفة بين الشخصية/ القتيل، والآخر/ الأم أو الأستاذ، الشخصيتين اللتين كان لهما دورٌ في تنقلات الحدث وإبراز الانفعالات وكسر الجمود المتمثل في رتابة حدث الانتحار.
بتشكّل حدث الانتحار فإننا نلمس العودة إلى الماضي ومقارنته بالحاضر، ويظهر انكسار الشخصية لحظة التذكّر؛ إنها صورة قادمة من عالم الطفولة إلى الحاضر، كانت فيها الطفولة بريئة وطاهرة، أما الحاضر فيمثّل القسوة التي انعكست على الشخصية، نجد مثل ذلك في قوله: «وها أنا الآن أنكسر أمام صعوبة هذه الحياة، ولا أستطيع قطع خبزة يتيمة أو حجرة ميتة تقف أمامي». (ص150) تستحضر الشخصية المنكسرة الرافضة لآلام الحاضر وواقعه الوجعَ من خلال لعبة كائنة في عالم الطفولة (الدائرة)، إنها لوحة حالمة يواجه بها الراوي قسوة المشهد الواقعي. كما يقوم بالانتقال من عالم الطفولة/ الماضي إلى الحاضر باستحضار الأم التي تمثّل المركز الذي يعود إليه كل شيء. وترتبط الشخصية بالأم التي تعيد الإنسان إلى الارتباط بالمقدس: كـ(الصلاة، والدين) في محاولة رافضة للانتحار: «لا.. لا.. وقت الغروب لا. إنه وقت مقدس». كانت أمي دائمًا تقول لنا: «صلاة يا عباد الله»، اذهبوا إليها، نفسها يذهب سريعًا، وشهيقها يرحل بصورة أسرع. تنزل به ملائكة الليل لكي تريح ملائكة النهار». (ص150) تقطع الأم لحظة الانتحار مرتين: المرة الأولى زمنيًا وذلك برفضه الانتحار في وقت الغروب لقداسة اللحظة مستشهدًا بكلام الأم السابق عن قدسية وقت الغروب، والمرة الثانية تتأخر عملية الانتحار؛ لأن لكلام الأم قدسية أخرى ينبغي احترامها. كما يظهر في القصة اضطراب فعلي عند الشخصية بالتردّد والرجوع عن تنفيذ الفكرة، وإيجاد المسببات في تأجيل الفعل. إنّ محاولة الانتحار مرة بعد أخرى هي تعبير داخلي عن استسلام الروح للسوداوية الكبيرة للموت، والتفكير فيه حتى غدا هاجسًا يشغل الروح، وأصبح متداخلًا في الفعل السردي مع الحدث والشخصيات جميعًا، امتلأت به جوانب السرد: «عاد بعد بزوغ الفجر، وقال: هذه المرة لن يردعني شيء عن فعلتي، وقف على الكرسي ووضع الحبل على عنقه، وبدأت أطراف أصابع قدميه ترتجف عندما وضع قدميه على الكرسي. متردداً
خائفاً
متسائلا: هل سينجح هذه المرة؟
نهر من العرق يجري على جسمه رغم أشعة الشمس الباردة في ذلك الصباح!!». (ص152)
تلعب الشخصيات -الأم والمدرس مثلًا- دورًا مهمًا في تشكيل صورة الشخصية الرئيسة في علاقتهما به. الشخصيتان اللتان تتقاطعان مع شخصية القتيل في دفع حركة النص السردي إلى نهايته في محاولة إلى ترميم ذات القتيل من الداخل، وإعادة تأهيله ليكون أكثر انفتاحًا على الحياة. وتعيش الشخصية الرئيسة لحظات من القلق والرعب من النهايات؛ فهي شخصية غير مستقرة على حال (لا سيما لحظة الانتحار) وتجذبه فكرة الانتحار، ثم يقلقه الموت، ويخيفه الرحيل ونهاياته.
لقد أصبح التردد فعلًا مهمًا في سرد القصة كما أصبح حضورًا مهمًا يربط بين الجانب التخييلي والجانب البصري الذي يحيل على انفتاح ذاكرة الموت والحياة.
في كل ذلك يتنقّل القارئ مع عملية السرد، التي تصبح أشبه باللعبة، هل سينتحر؟ إلى أين ستنتهي الأحداث؟ هل ستتبدّل حال الشخصية؟ ما المصير الذي تنتظره الشخصية؟ أسئلة تنتقل مع عملية السرد متلاعبة بحواس القارئ. نجد مثل ذلك في قوله: «حركة واحدة»
تبعثر ما في جسدي إلى عالم الغيب
«حركة بسيطة»
تميت كل الأشياء الدفينة بداخلي.
لا أستطيع.
مضت نصف ساعة
همس: فاشل في الحياة مثلما فاشل في الموت.
بصوت عالٍ: فاشل في الموت مثلما فاشل في الحياة. كلاهما نفس المصير
نزل من على الكرسي
فكّر:
«يبدو أن الثوابت ما زالت موجودة لدي، ربما كانت تحتضن أنفاسها الأخيرة لكنها موجودة»
صعد من جديد
«لكن ما الفائدة من ثوابت مهزوزة وضعيفة يجب أن أقضى عليها».
نزل.
«هل الهروب يعتبر شجاعة»
صعد. (ص153)
إنها الذاكرة التي تفضي إلى نهايةٍ حلمَ بها القتيل لكنها حدثت أخيرًا بعد تردد طويل، الموت كان حاضرًا، وإن لم يختر طريقته بنفسه، المسافة السردية التي عبّرت بالقارئ طُرُقًا طويلة وحيلًا منتقاة استطاعت أن تختم النص بصورة الموت التي قضت على القتيل وحرَّكتْه إلى نهايته: «وهل السجود يعتبر عبادة».
ظل يتردد بين صعود ونزول، ودون أن يدري انزلق حجر كبير من أعلى الجبل
متدحرجًا بسرعة كبيرة متجهًا إلى الكرسي.
صفع الحجر الكرسي بقوة وتعالى صوت تهشُّمٍ.
تَهَشَّمَ الكرسيُّ.
وبعد ذلك تهشمتْ روحه. (ص154)
إنّ الحركة السردية لهذه الصورة -صورة الحدث الأخير- تقتضي أن تكون مباغتة، كحال الموت الذي يباغت الإنسان وإن طلبه في أماكنه، ينتهي المشهد بطريقة فجائية، فلا دخل للحبل أو الكرسي أو القتيل نفسه في إحداث النهاية، النهايات يشكّلها الحجر، ويعمل على إنهائها وتقريب حُلم الموت إلى القتيل. ما أصعبها من نهاية حتى تأتي مباغِتَة دون أن نطلبها!!