كشفت دراسة أوروبية أن الإجراءات الصارمة التي فُرضت للحد من انتشار "كوفيد-19"، بما في ذلك الإغلاقات والتباعد الاجتماعي وإقفال المدارس، تركت أثراً غير متوقّع على مناعة الأطفال، إذ تبيّن أنها أخّرت تطوّر جهازهم المناعي في مواجهة الأمراض المعدية. اعلان

تُظهر نتائج البحث، التي نُشرت في مجلة JAMA Network Open وأشرف عليها فريق من علماء جامعة "إمبيريال كوليدج لندن"، أنّ ما يُعرف بالتدخّلات غير الدوائية (NPIs) ساهمت في الحدّ من انتشار الفيروس وإنقاذ أرواح كثيرة، لكنها في الوقت نفسه أعاقت التعرّض الطبيعي للميكروبات الضرورية لبناء المناعة في سنوات الطفولة المبكرة.

ارتفاع غير متوقّع في عدوى "Strep A"

أوضح توم باركس، الأستاذ المشارك في قسم الأمراض المعدية بـ"إمبيريال" وأحد مؤلفي الدراسة، أنّ القيود التي فُرضت خلال الجائحة كانت ضرورية لحماية الفئات الضعيفة وتخفيف الضغط على الأنظمة الصحية، لكنها تسببت أيضاً في تعطيل عملية بناء المناعة لدى الأطفال.

وأشار إلى أنّ الأطفال الذين تراوحت أعمارهم بين ثلاث وأربع سنوات وخضعوا لاختبارات مناعية ضد البكتيريا العقدية المجموعة A (المعروفة بـ"Strep A") بعد الجائحة، تبيّن أنّ نمو مناعتهم تأخّر قرابة عام واحد مقارنة بالأطفال الذين خضعوا للاختبار قبل الجائحة. وانعكس هذا التأخر في ارتفاع مقلق للإصابات الخطيرة بهذه البكتيريا في أوروبا خلال عامي 2022 و2023.

"Strep A" هي بكتيريا شائعة تُسبب التهابات الحلق والحمى القرمزية، وغالباً ما تكون إصاباتها خفيفة، إلا أنّها قد تتحول في حالات نادرة إلى عدوى غازية قاتلة. وتشير التقديرات إلى أنّ نحو نصف مليون شخص حول العالم، بينهم العديد من الأطفال واليافعين، يفقدون حياتهم سنوياً بسبب مضاعفات "Strep A".

اختلال التوازن المناعي بعد الجائحة

أظهرت الدراسة أنّ معدلات الإصابة بـ"Strep A" كانت قد انخفضت بشكل حاد أثناء الجائحة، لكنّها عاودت الارتفاع بعد رفع القيود الصحية. وأظهرت بيانات الفريق البحثي، الذي تابع 452 طفلاً تراوحت أعمارهم بين صفر وأربع سنوات في عشر دول أوروبية ضمن دراستي PERFORM وDIAMONDS، أنّ الأطفال الذين خضعوا لتدابير التباعد والإغلاق خلال الجائحة كانت لديهم مستويات أجسام مضادة أقل بكثير من أقرانهم قبل الجائحة.

وتطابقت هذه الفئة العمرية تحديداً مع الفئة التي شهدت أكبر زيادة في الإصابات المهددة للحياة بـ"Strep A" بعد رفع القيود في إنجلترا. كما كشفت التحاليل عن تأخر مماثل في تكوّن المناعة ضد الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)، وانخفاض طفيف في المناعة ضد بعض فيروسات الزكام الشائعة.

Related العلماء يرصدون أخيرًا السبب البيولوجي لـ"ضباب الدماغ" المرتبط بكوفيد طويل الأمددراسة: "كوفيد-19" قد يغيّر تركيب الحيوانات المنوية ويؤثر على نمو دماغ الأجيال المقبلةدراسة: اللقاح المحدث لكوفيد-19 قلّص الوفيات وحالات الاستشفاء بين المحاربين القدامى في أمريكا الحاجة إلى لقاحات جديدة

شددت البروفيسور شيراني سريسكاندان، المديرة المشاركة لمركز "إمبيريال" لبيولوجيا مقاومة البكتيريا، على أنّ "Strep A" من أبرز أسباب الوفاة المفاجئة بالإنتان لدى الأطفال الأصحاء عادة، مشيرة إلى أنّ تطور العدوى يمكن أن يكون سريعاً للغاية، ما يجعل الوقاية وليس العلاج الوسيلة الأنجع للحد من الوفيات.

وأكدت أنّ الدراسة تبرز أهمية تطوير لقاح خاص بهذه البكتيريا، إلى جانب الاستثمار في برامج تحصين الأطفال ضد العدوى الشائعة. أما البروفيسور مايك ليفين، الذي قاد دراستي DIAMONDS وPERFORM، فأوضح أنّ العديد من الأطفال المصابين بـ"Strep A" كانت لديهم عدوى فيروسية متزامنة، وهو ما يشير إلى أنّ قلة التعرض للعدوى خلال الجائحة جعلت جهازهم المناعي أقل استعداداً لمواجهة الإصابات المتعددة.

وتخلص الدراسة إلى دعوة الخبراء لصياغة استراتيجيات صحية أكثر توازناً في المستقبل، تضمن حماية الأطفال من العدوى الخطيرة دون إعاقة تطوّر مناعتهم الطبيعية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: دونالد ترامب إسرائيل غزة دراسة الصحة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامب إسرائيل غزة دراسة الصحة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بحث علمي كوفيد 19 العدوى قيود كوفيد 19 الصحة أمراض نادرة دونالد ترامب إسرائيل غزة دراسة الصحة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حركة حماس حروب الحرب في أوكرانيا سوريا أوكرانيا فلاديمير بوتين إلى أن

إقرأ أيضاً:

دراسة: كوفيد-19 قد يغيّر تركيب الحيوانات المنوية ويؤثر على نمو دماغ الأجيال المقبلة

أظهرت دراسة على الفئران أن عدوى "كوفيد-19" قد تغيّر الحيوانات المنوية للذكور، مسببة تغييرات جينية وسلوكية في نسلهم، في إشارة لاحتمال تأثير مماثل على الأجيال المقبلة لدى البشر إذا تأكدت النتائج. اعلان

أظهرت دراسة جديدة على الفئران أن عدوى كوفيد-19 يمكن أن تُحدث تغييرات في الحيوانات المنوية للذكور، ما يؤدي إلى تأثيرات سلوكية وجينية على نسلهم.

وتشير النتائج إلى احتمال وجود آثار طويلة المدى على الأجيال القادمة، إذا ما تم تأكيدها لدى البشر.

وأُجريت الدراسة في معهد فلوري لعلوم الدماغ والصحة العقلية. وركزت على التأثيرات الوراثية غير المباشرة للفيروس، والتي قد تنتقل عبر جزيئات RNA الموجودة في الحيوانات المنوية. وقد أظهرت الأبحاث السابقة أن هذه الجزيئات الصغيرة تلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم نمو الدماغ والتطور العصبي للنسل.

تجربة على الفئران

قام الباحثون بإصابة ذكور الفئران بنسخة مكيّفة من فيروس SARS-CoV-2، ثم راقبوها أثناء التعافي. واستغرق التخلص من العدوى بين 7 و10 أيام، وتم استخدام فقدان الوزن كمؤشر لشدة الإصابة.

ولمتابعة التأثيرات على النسل، اقتصر الفريق على الفئران التي فقدت من 9 إلى 15٪ من وزنها، وهي تمثل الحالات المتوسطة والشديدة.

Related أوروبا طوت صفحة كورونا ولكن.. هل ستجبر الإنفلونزا مواطني القارة العجوز على ارتداء الكمامات مجددا؟سحب دراسة ديدييه راوول حول استخدام الكلوروكين في علاج كوفيد 19استمرت أكثر من 700 يوم.. هذه أطول حالة إصابة بكورونا مسجلة في التاريخ

وبعد أربعة أسابيع، تم تزاوج الفئران المصابة مع إناث سليمة، وأجريت على النسل سلسلة من الاختبارات السلوكية بدءًا من عمر 8 أسابيع، شملت قياس التعلم، والذاكرة، والحركة، ومؤشرات القلق والاكتئاب.

"نتائج مقلقة"

أظهرت الاختبارات أن نسل الفئران الذكور والإناث المصنوعة من آباء مصابين أبدى سلوكيات أكثر قلقًا مقارنة بالنسل الناتج عن آباء غير مصابين. وأوضحت التحليلات الجينية أن الإناث تعرضت لتغييرات في نشاط الجينات في منطقة الحصين من الدماغ، وهي منطقة مركزية في التحكم بالعاطفة والذاكرة.

وقالت الدكتورة كارولينا غوبيرت، المؤلفة المشاركة في الدراسة: "تلك التغيرات في الحصين وأجزاء أخرى من الدماغ قد تساهم في زيادة القلق لدى النسل، من خلال آليات الوراثة اللاجينية".

كما توصل الباحثون إلى أن جزيئات RNA الصغيرة في الحيوانات المنوية كانت العامل الرئيس في نقل هذه التغييرات. فقد غيّر فيروس كوفيد مجموعة من هذه الجزيئات، المعروفة بدورها التنظيمي في نمو الدماغ، ما يؤدي إلى تعديل تعليمات التطور العصبي في الجيل التالي.

ولتقييم ما إذا كانت هذه التأثيرات تنتقل إلى الأجيال التالية، قام الباحثون بتربية نسل "الأحفاد" من الفئران المصابة، ولاحظوا انخفاضًا في حجم الولادة ووزن الصغار قبل الفطام، لكن لم تُسجل تغييرات سلوكية واضحة بين الأحفاد مقارنة بمجموعة الفئران غير المصابة.

أهمية النتائج

على الرغم من أن الدراسة أُجريت على الفئران، إلا أن نتائجها تحمل إشارات مقلقة للبشر، خصوصًا في ظل تسجيل أكثر من 7.8 مليون حالة إصابة بكوفيد-19 حول العالم. وإذا تم تأكيد تأثير الفيروس على الحيوانات المنوية البشرية، فقد تكون هناك آثار طويلة الأمد على الأجيال القادمة، وفق ما أكده البروفيسور أنتوني هانان، الباحث الرئيسي

وقال: "تشير هذه النتائج إلى أن جائحة كوفيد-19 قد تترك أثرًا طويل الأمد على النسل" مضيفا : "لا يقتصر الأمر على المصابين مباشرة، بل يمتد إلى أبنائهم الذين قد يتأثرون بتجربة والديهم مع الفيروس".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • لتقليل جراحات الأطفال.. باحثون يطورون دعامة وعائية حيوية قابلة للتحلل
  • احذر.. نصائح لتجنب الإنفلونزا الموسمية وتعرف على الأعراض المبكرة
  • الزهايمر.. هل نخوض معركة مناعية داخل الدماغ؟
  • هل هو كوفيد أم نزلة برد؟
  • دراسة: كوفيد-19 قد يغيّر تركيب الحيوانات المنوية ويؤثر على نمو دماغ الأجيال المقبلة
  • حساسية لبن الأبقار عند الأطفال... إنذار مبكر يبدأ من وعي الأم
  • نتائج صادمة.. باحثون يكشفون تأثير صوت الأم على الأطفال الخدج
  • دراسة صادمة … الاعتداء الجنسي يُحدث خللاً عصبياً عميقاً في دماغ النساء
  • احذر.. باحثون يكشفون أحد أخطر تأثيرات التدخين الخفية