إيكونوميست تحذر من انزلاق العالم الغني نحو فوضى اقتصادية ومالية
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
يبدو أن الدول الغنية تسير نحو أزمة مالية تشبه ما عاشته الأرجنتين في القرن العشرين، حيث تتّجه الحكومات إلى الإنفاق المفرط والعجز المتفاقم بدلًا من الإصلاح المالي، مما ينذر بعودة التضخم كوسيلة غير معلنة للهروب من الديون، وفق تحليل موسّع نشرته مجلة إيكونوميست في عددها الصادر أمس الجمعة.
وتوضح المجلة أن الديون العامة في الدول الغنية مجتمعة ارتفعت إلى نحو 110% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى لم يُسجَّل منذ حروب نابليون في القرن التاسع عشر عندما أغرقت الدول الأوروبية نفسها في الديون لتمويل حروبها.
وفي تعليق ساخر على الوضع السياسي في فرنسا، تقول إيكونوميست إن باريس "تغيّر رؤساء حكوماتها أسرع مما كان نبلاء قصر فرساي يبدّلون شعورهم المستعارة"، في إشارة إلى عدم الاستقرار السياسي وتكرار تغيير الحكومات، في وقت تظل فيه أزمة الديون والإصلاحات المؤجلة تراوح مكانها.
وبينما تواصل اليابان الإنفاق رغم ديونها الهائلة، وتواجه بريطانيا زيادات ضريبية كبيرة لسد العجز، يهدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإضافة مزيد من التخفيضات الضريبية إلى عجز يبلغ 6% من الناتج المحلي.
عجز سياسي وعقائدي عن كبح الإنفاقوبحسب إيكونوميست، لا يستطيع الساسة اليوم تحقيق توازن في الموازنات العامة؛ فارتفاع الإنفاق الدفاعي وتكاليف الشيخوخة يجعلان تقليص النفقات شبه مستحيل، أما رفع الضرائب فبات انتحارًا انتخابيا، خصوصًا في أميركا.
وتشير المجلة إلى أن كندا في التسعينيات كانت البلد الوحيد بين دول مجموعة السبع التي نجحت في خفض ديونها عبر ضبط مالي حقيقي، معتبرة أن تكرار ذلك اليوم "أمر لا يُعوّل عليه".
ورغم الآمال بأن الذكاء الاصطناعي قد يرفع الإنتاجية ويُخفّف عبء الدين، فإن إيكونوميست ترى أن هذه التكنولوجيا لن تُنقذ المالية العامة، لأن ارتفاع الدخول سيقود تلقائيًا إلى زيادة الإنفاق على التقاعد والرعاية الصحية، في حين سترتفع أسعار الفائدة نتيجة نمو الاستثمار في مراكز البيانات والرقائق، مما سيجعل خدمة الديون القديمة أكثر تكلفة.
إعلانوتتوقّع المجلة أن تلجأ الحكومات إلى التضخم كخيار واقعي لتقليص القيمة الحقيقية للديون، كما فعلت بعد الحرب العالمية الثانية.
وتشير إلى أن البنية المؤسسية لذلك موجودة بالفعل لدى البنوك المركزية التي تسيطر على أسواق السندات. إلا أن خطر "التواطؤ السياسي" بات مرتفعًا، مع هجمات الشعبويين مثل ترامب ونايجل فاراج على استقلال البنوك المركزية.
وتقول إيكونوميست "ارتفاع الأسعار لا يحتاج إلى تصويت سياسي، فهو يحدث ببساطة عندما تفشل الحكومات في إدارة اقتصادها"، وتضيف أن التضخم "يعيد توزيع الثروة بطريقة عشوائية"، إذ يخسر أصحاب المدخرات بينما يربح مالكو الأصول والعقارات، في عملية وصفها جون مينارد كينز بأنها "إعادة ترتيب اعتباطية للثروة".
إيكونوميست: ارتفاع الأسعار لا يحتاج إلى تصويت سياسي، فهو يحدث ببساطة عندما تفشل الحكومات في إدارة اقتصادها
انهيار الطبقة الوسطىوتحذّر المجلة من أن التقلبات المالية والضريبية والتكنولوجية قد تدمّر الطبقة الوسطى التي تُعدّ أساس الديمقراطيات الغربية، تمامًا كما حدث في الأرجنتين التي انتقلت من مصاف الدول الغنية إلى أمة متوسطة الدخل غارقة في الأزمات.
وتقول المجلة إن السباق في بوينس آيرس لم يعد حول من يبتكر أو يعمل بجد، بل "من ينجح في التقاط الدولة واستغلال سلطتها لحماية نفسه من آثار التضخم".
وترى إيكونوميست أن العالم يقف اليوم أمام مفترق طرق: فإما الانزلاق نحو فوضى مالية تشبه الأرجنتين، وإما عودة إلى انضباط شبيه بعهد ريغان وتاتشر في الثمانينيات عندما جعلت السياسات النقدية المستقلة والانضباط المالي "جزءًا من العقد بين الدولة والمواطن".
التضخم يعيد توزيع الثروة بطريقة عشوائية، إذ يخسر أصحاب المدخرات في حين يربح مالكو الأصول والعقارات
وتخلص المجلة إلى أن الخيار القادم سيتحدد من خلال صدام محتوم بين الأسواق والسياسيين، مؤكدة أن "الخروج من الأزمة ممكن فقط إذا تذكّر العالم أن الأموال العامة ليست بلا حدود، وأن تجاهل هذه الحقيقة هو الطريق الأقصر إلى الفوضى الاقتصادية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات
إقرأ أيضاً:
شوقي علام: فوضى الفتاوى على مواقع التواصل تهدد الوعي الديني
حذر الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، من تصاعد ظاهرة الفتاوى الشاذة والمتطرفة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن هذه الفوضى الفكرية تمثل خطرًا على الوعي الديني والمجتمعي، وتغذي الانقسام بين أبناء الأمة بدلًا من توحيدهم حول مقاصد الدين وأخلاقه.
شوقي علام يحذر من الفتاوى على مواقع التواصلوأوضح الدكتور شوقي علام، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، أن ما شهدناه مؤخرًا من جدل واسع حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مثال واضح على سوء إدارة الخلاف الفقهي، حيث تحول الحوار بين أطراف متشددة إلى صراع لا يراعي المنهجية الحضارية في التعامل مع اختلاف الفقهاء، مؤكدًا أن الاختلاف الفقهي له أصول وأدوات، وإدارته يجب أن تكون إدارة راقية تنفع الأمة لا أن تفرقها.
وأشار الدكتور شوقي علام إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة خصبة لترويج الفتاوى غير المنضبطة والأفكار المتشددة، داعيًا إلى ضرورة الوعي بخطورة تداول الفتاوى من غير أهلها.
شوقي علام بعد تعيينه بمجلس الشيوخ: جعلنا الله عند حسن ظن قيادتنا وشعبنا
شوقي علام يحذر من مقولة "استفتِ قلبك": الفتوى ليست ساحة للاجتهاد الشخصي
شوقي علام: المنهج الأزهري الأشعري حمى مصر من التطرف الفكري
شوقي علام: الأزهر الشريف صاغ الشخصية المصرية وترك بصماته على العالم الإسلامي
وقال مفتي الجمهورية السابق: "أنصح أولئك الذين يتصدرون المشهد أن يتكلموا برفق، وأن يدركوا أين مواطن الاجتهاد التي يُعذر فيها المخالف، وأين مواطن الإجماع التي لا يُعذر فيها المخالف".
وأضاف مفتي الجمهورية السابق أن من واجب الشباب والمجتمع عامة ألا يأخذوا العلم أو الفتوى من أي مصدر عشوائي، بل من العلماء المتخصصين وأهل الاختصاص الموثوقين، مؤكدًا أن التثبت والتحقق من مصدر المعلومة أصبح واجبًا شرعيًا في عصر تتدفق فيه المعلومات دون ضابط أو تحقق.
وشدد مفتي الجمهورية السابق على أن سيولة المعلومات وتعدد المنابر غير المؤهلة من أبرز التحديات التي تواجه الفقه المعاصر، مشيرًا إلى أن بعض من يتحدثون في الشأن الديني أو السياسي أو الاقتصادي على المنصات الرقمية قد يوجهون الرأي العام نحو أهداف غير معلنة أو مضللة.
وأكد مفتي الجمهورية السابق على أن ضبط الخطاب الديني والإفتائي ضرورة وطنية ودينية، داعيًا إلى إعادة الثقة في المؤسسات العلمية والفقهية الرسمية، والالتزام بالمنهج الوسطي الذي يجمع ولا يفرق، ويحافظ على الوعي والهوية في مواجهة التطرف والفوضى الفكرية.