يقيم جنازة لنفسه مدعيًا الموت.. والسبب غير متوقع!
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
الرؤية- كريم الدسوقي
في ساعات الفجر الأولى، سمع سكان قرية كونتشي أصوات المراثي والأناشيد الحزينة تتصاعد من الشوارع. موكب جنازة يسير بوقار، والأقارب ينتحبون، والجميع يحمل نعشا خشبيا مزينا بالورود البيضاء. لكن في لحظة مسرحية مذهلة، رفع "الميت" رأسه من النعش، وابتسم للحشد المصدوم، ونهض واقفا!
إنه الهندي "موهان لال"، البالغ من العمر 74 عاما، والذي نظم جنازته الخاصة ليعرف إجابة السؤال الذي يؤرق البشر: "من سيبكي علي حقا عندما أموت؟"، حسبما أورد تقرير نشرته منصة NDTV.
لم يكن موهان رجلًا عاديًا؛ بل كان ضابطًا متقاعدًا من القوات الجوية، رأى الحياة والموت عن قرب، وقرر أن يعكس المعادلة، قائلا: لماذا ننتظر الموت لنرى كم نحن محبوبون؟ لماذا لا نكتشف ذلك ونحن أحياء لنستمتع بالمشهد؟
استلقى موهان على النعش الذي صنعه خصيصا، وغطى نفسه بكفن أبيض ناصع، وطلب من بعض الأصدقاء تنظيم موكب جنازة كامل بكل تفاصيله المؤثرة.
انتشرت أخبار "وفاة" موهان كالبرق، وهرع المئات من القرى المجاورة، بعضهم يبكي بصدق، وآخرون يتساءلون بصمت عن سبب عدم إخبارهم بمرضه.
تحرك الموكب بوقار عبر الشوارع الضيقة، والنساء يلطمن خدودهن، والرجال يحملون النعش على أكتافهم نحو أرض المحرقة.
كان مشهداً مهيبا ومؤثرا حتى انتهت المسرحية، فعند أرض المحرقة، التي يحرق فيها الهندوس موتاهم، وفي اللحظة التي كان من المفترض أن تُضرم فيها النار، حدثت المعجزة، ونهض موهان من النعش كأنه يعود من الموت، تاركا الحشد في ذهول تام. بعض النساء فقدن الوعي من الصدمة، وآخرون اعتقدوا أنهم يشهدون معجزة حقيقية، ليضحك موهان لال قائلا: "أردت أن أرى كم شخص سيحمل نعشي، وكم دمعة ستُذرف عليّ وأنا ما زلت أستطيع الاستمتاع بالمشهد.
لكن الحقيقة كانت أعمق مما ظهر للوهلة الأولى، فموهان لم يكن مجرد رجل مهووس بحفل وداعه، بل كان رجلا رأى مشكلة في قريته وقرر حلها بطريقته الخاصة.
أنفق موهان 7200 دولار من مدخراته الشخصية لبناء "موكتيدهام"، وهو الاسم الهندي لأرض محرقة الموتى، مجهزة بالكامل لحل مشاكل الجنازات في موسم الأمطار. وكان السبيل الوحيد لجذب الانتباه لهذا المشروع هو هذه المسرحية الجنائزية.
اليوم، يستخدم القرويون "موكتيدهام" الذي بناه موهان، وكلما رأوه في الشوارع يتذكرون اليوم الذي "مات" فيه وعاد للحياة. لكن بقي السؤال: هل يستحق الأمر واحدة من مسرحيات الكوميديا السوداء؟!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رسالة إلى العالم الآخر
تحت الرماد تختبئ جمرات لا تعرف شيئا اسمه الهدوء.. كذلك الفراق هو جزء من تلك الجمرات الملتهبة بمشاعر الفقد والألم، فكلما انزاح جزء من رماد خامد حتى طفت على الوجه حمرة الوجد، وكلما أبحرت الأيام في طريقها تظل بعض الشظايا معلقة في سقف الذكريات.
إلى كل الذين فقدناهم في تفاصيل حياتنا اليومية.. إلى أولئك الراحلين سيرا نحو حياة الخلود..وللذين توقف نبض قلوبهم وانطفأت شموع منيرة برحيلهم وخفتت أصوات إلى الأبد..«سلاما».
أيها الاغتراب، رفقا بقلوب الناس، فكم من رحيل أصبح موجعًا للإنسان !، لكل الذين رحلوا عنا جسدا.. أنتم باقون في ثنايا الروح لا تفارقنا رائحة الطيب التي تركتموها وراءكم في لحظات الوداع. في الفقد هناك اختناق ذاتي يعيش معنا لسنوات طويلة حتى لو غفلنا فيها عن إخراج مشاعرنا الإنسانية الممتلئة بألوان مزهرة من الحب والأمان. ها نحن اليوم، نخبركم بأن وجودكم قلعة شامخة في سوداء القلب، وأن بهاء حضوركم وروعة أماكنكم ستظل بيننا خالدة بخلود الأثر.. عذرًا منكم فمشاعركم اللطيفة لا تزال تهب كالريح الشتاء الجميلة، «فكم نحن كنا ممتنين لله تعالى على وجودكم».
نسأل أنفسنا، هل كانت تلك الطاقة العاطفية محتجزة فينا أو كنا نحن مكبلين بسلاسل الغفلة.. لا أعلم ؟!...كلمات بقيت على قيد الصمت، وعلى رفوف الأيام موصودة بقفل التعابير الباهتة. كل شيء كان محاطا بانشغال الوقت، وتفاصيل حياتية لم تتركنا نلتقط أنفسنا،أو ندرك قيمة الأوقات التي نجالس حضوركم، ونخلق ذكريات مغلفة بشرائط مشاعر حريرية تبقينا موصولين بكم وأنتم خلف مشاهد الحياة وضوئها الساطع..هنا تستحضرني مقولة لتوفيق الحكيم حين قال:»لا شيء يجعلنا عظماء إلا ألم عظيم».. فالموت من أعظم مصائب الحياة حتى وإن كان لطيفا في بعض المرات !.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فراق ابنه إبراهيم: «إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون»..
وفي الأدب العالمي يقول الكاتب الأمريكي الراحل جيف ماسون: «الميلاد والموت هما ركيزتا حياتنا. العيش نحو الموت في الزمن يمنح الحياة اتجاهًا وإطارًا لفهم التغييرات التي تُحدثها الحياة.
يختلف العالم تمامًا بين الشباب والكبار. الشباب ينظرون إلى الأمام، والكبار ينظرون إلى الماضي. ما يهمنا يتغير مع تقدمنا في العمر. احتمال الموت يُلهم هذه التغييرات. لدى الشباب فهمٌ فكريٌّ بأن الموت آتٍ إلينا جميعًا، لكن فناءهم لم يُدرك بعد. أما بالنسبة للكبار، فيبدأون يستوعبون الموت».
نحن نقول: بعد رحيلكم الخاطف بتنا نجتهد طويلا لرسم صور حية لذكرياتكم وتفاصيل أحاديثكم معنا، وكأننا نحاول أن نفهم كل الغاز الماضي التي كنتم تخبرونا بها، واليوم نحاول أن نبقيكم بيننا من خلال صفحات الذكريات، كأننا لم نستفق من الحلم إلى الحقيقة، كل ما يفعله الغياب بأرواحنا المتعبة شيء يفوق الخيال..
نتذكر دوما كلماتكم الأخيرة، وضحكاتكم الآتية من صدى الذكريات، وأشياء لطالما بقيت تربطنا بالماضي منها: فنجان قهوتكم الصباحية، وحبات من ثمرة، وفاكهة تعيد إليكم جميل نهاركم بعد غروب الشمس وسطوع ضوء القمر.
كل تلك الذكريات الآن تطفو فوق أحاديثنا بنكهة الحضور البهي.. نعيد سرد ذكرياتكم القديمة معنا؛ لأننا لا زلنا نتشبث بحبل حضوركم، وإن كنتم تحت الثرى في حياة أخرى فأنتم على مقربة منا.. ستظل رسائل الذكرى نحو العالم الآخر مفعمة بوجود الإنسان وما تحمله الذكريات من وجع ينغرس في باطن الأرض، لذا ينطق قلبي النابض بالحياة كلمات ود إلى قلوبكم الصامتة «أحبكم بحجم هذا الكون».