معلومات الوزراء يستعرض تجربة المناطق الصناعية في الصين كنموذج للتنمية الاقتصادية
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
في إطار اهتمام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، برصد وتحليل التجارب الدولية في المجالات ذات الصلة بالشأن المصري، أو التي تدخل في نطاق اهتماماته، ألقى المركز الضوء على التجربة الصينية في مجال إنشاء المناطق الصناعية، موضحاً أن المناطق الصناعية تُعد ركيزة أساسية في استراتيجيات التنمية الاقتصادية الحديثة؛ حيث تعمل كمراكز جاذبة للاستثمارات، ومحفزات للإنتاج، ومختبرات للسياسات الاقتصادية.
فقد أثبتت هذه المناطق داخل الصين قدرتها على جذب الاستثمار، وتحفيز النمو، ودفع عجلة الابتكار، والتحول تدريجيًا نحو نموذج تنموي أكثر استدامة. ومن خلال سياسات مرنة، واستثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتركيز استراتيجي على الصناعات الناشئة، نجحت الصين في تحويل اقتصادها من الاعتماد على التصنيع كثيف العمالة إلى قوة عالمية في التكنولوجيا والابتكار.
وجاء هذا التحول الجذري مع انتشال نحو 700 مليون شخص من الفقر، لتصبح الصين حاليًا ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وأكبر دولة صناعية وتجارية، وتتصدر دول العالم في احتياطي العملات الأجنبية، حيث بدأت الصين رحلتها التنموية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي من خلال سياسة "الإصلاح والانفتاح"؛ حيث كانت المناطق الاقتصادية الخاصة (Special Economic Zones, SEZs) هي الشرارة الأولى التي أطلقت تحولًا اقتصاديًّا غير مسبوق، وأثبتت هذه المناطق نجاحها، لتصبح نماذج يحتذى بها لبقية البلاد.
وسلط مركز المعلومات الضوء على النمو الهائل الذي شهدته الصين في عدد المناطق الصناعية؛ والتي بلغت حوالي 403 منطقة صناعية وطنية، تساهم بنحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، مما يعكس استراتيجية ديناميكية للتنمية الاقتصادية، حيث تتسم المدن والمناطق الصناعية في الصين بتخصصات صناعية واضحة، مما يعزز الكفاءة، ويخلق تجمعات صناعية متكاملة.
واستعرض التقرير عدداً من هذه المناطق وهي:
-شنتشن (Shenzhen): أصبحت شنتشن في عام 1979 واحدة من أولى المناطق الاقتصادية الخاصة في الصين، وبدأت تجتذب أعدادًا متزايدة من الباحثين عن فرص عمل. وبينما كانت معظم المدن الصينية لا تزال تعمل على تطوير قاعدتها الصناعية، كانت شنتشن قد وضعت استراتيجية للانتقال باقتصادها إلى مرحلة جديدة.
-شنغهاي (Shanghai): استقر في منطقة تشانغجيانج الصناعية (Zhangjiang) الموجودة في مدينة شنغهاي عدد من الصناعات الراقية، بما في ذلك شركات الدوائر المتكاملة (IC)، والصناعات الدوائية الحيوية، وخدمات البرمجيات، والتي توفر دعمًا كبيرًا للصناعات الجديدة، وأشكال الأعمال الحديثة، والتقنيات والنماذج المبتكرة. كما تضم المنطقة الأساسية أكثر من 400 مؤسسة للبحث والتطوير.
-تيانجين (Tianjin): أصبحت منطقة بينهاي في تيانجين منطقة اقتصادية خاصة في عام 2009؛ حيث تحتضن المنطقة مبادرات ابتكارية في مجالات مثل الرقائق الإلكترونية والعلاج بالخلايا والجينات وتعزيز استخدامها في مجالات متعددة، كما تركز منطقة التنمية الاقتصادية والتكنولوجية في تيانجين على تطوير الذكاء الاصطناعي، وصناعة المواد الكيميائية المتخصصة، وإنشاء مراكز حديثة للبحث والتطوير.
-قوانغتشو (Guangzhou): تُعد مركزًا رئيسًا لمستحضرات التجميل والمجوهرات والأنشطة التجارية، بالإضافة إلى كونها منطقة حرة.
-نينغبو (Ningbo): تركز على المواد الكيميائية، والآلات الكهربائية، ومعدات الاتصالات، وأجهزة تكنولوجيا المعلومات.
-تشينغداو (Qingdao): متخصصة في الإلكترونيات والبتروكيماويات والآلات والمنسوجات والملابس.
-مدن أخرى: مثل: فوشان (Foshan) (بلاط السيراميك والأثاث)، ودونغقوان (Dongguan) (معدات الاتصالات)، وييوو (Yiwu) (السلع)، وهانغتشو (Hangzhou) (الملابس، الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الخضراء).
ولم يقتصر تطور المناطق الصناعية في الصين على التوسع الجغرافي والعددي فحسب، بل شمل أيضًا تحولًا نوعيًّا عميقًا في التركيز الصناعي، حيث انتقلت الصين تدريجيًّا من نموذج التصنيع كثيف العمالة والمنخفض القيمة المضافة إلى التركيز على الصناعات عالية التقنية وذات القيمة المضافة العالية، وتجلى هذا التحول في تبني مفهوم "القوى الإنتاجية النوعية الجديدة" (New Quality Productive Forces)، والذي يركز على تطوير صناعات استراتيجية وناشئة مثل: الجيل التالي لتكنولوجيا المعلومات، والمواد الجديدة، والتصنيع المتطور، والاقتصاد البحري، والمعدات البحرية، والطب الحيوي، والطاقة الجديدة، والفضاء، والذكاء الاصطناعي. وهذه المناطق أصبحت "قوى دافعة للصناعات الاستراتيجية الناشئة" و"أنظمة بيئية أساسية للشركات في طليعة التحول الصناعي".
أشار التقرير إلى أن المناطق التنموية في الصين (Development Zones, DZs) تُعد من أهم أدوات السياسة الاقتصادية التي استخدمتها الصين منذ سبعينيات القرن الماضي لتعزيز التنمية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر؛ حيث وفَّرت الحكومة لها دعمًا كبيرًا عبر تطوير البنية التحتية وتقديم الحوافز التفضيلية. وقد أثبتت الدراسات التجريبية أن هذه المناطق ساعدت على تسريع النمو الاقتصادي، وزيادة الصادرات، وتحفيز تدفق الاستثمارات. وفي عام 2018، بلغ عدد المناطق التنموية في الصين نحو ما يزيد عن 2500 منطقة على المستويات الوطنية والمحلية.
وقد ساهمت هذه المناطق في تعزيز كفاءة استخدام الأراضي الصناعية، وإن كانت بعض المكاسب ناتجة من تراكم رأس المال، وليس من تحسن في الإنتاجية الكلية. وتشير دراسات حديثة إلى أن المصانع داخل المناطق التنموية تتمتع بكثافة رأسمالية أعلى وإنتاجية أكبر لكل وحدة أرض بفضل الامتيازات الحكومية والتكامل التكنولوجي. ومع ذلك، تبرز الحاجة إلى تطوير أطر نظرية وسياسات تقييم شاملة لضمان الاستخدام الأمثل للأراضي الصناعية.
ذكر التقرير أن تجربة الصين تُمثِّل نموذجًا مهمًا للدول الساعية إلى استخدام المناطق الصناعية كأداة لتحقيق التنمية، لكنها أيضًا تُسلِّط الضوء على ضرورة التوازن بين التوسع الصناعي وكفاءة استخدام الموارد واستدامة النمو.
وتُعد المناطق الصناعية في الصين، لا سيما مناطق التنمية الصناعية عالية التقنية (High-Tech Industrial Development Zones, HTIDZs)، ومناطق التنمية الاقتصادية والتكنولوجية (Economic and Technological Development Zones, ETDZs)، محركات أساسية للابتكار والتنمية الصناعية النوعية.
إذ تحولت هذه المناطق من مجرد وجهات للتصنيع كثيف العمالة إلى مراكز حيوية للبحث والتطوير والابتكار التكنولوجي؛ واستضافت 84% من المختبرات الحكومية و78% من مراكز الابتكار التكنولوجي الوطنية في عام 2022، وتضاعفت ميزانية البحث والتطوير في هذه المناطق بأكثر من ثلاث مرات خلال العقد الماضي، متجاوزة تريليون يوان في عام 2021.
وأدى هذا التركيز الهائل للموارد البحثية والتطويرية داخل هذه المناطق إلى خلق تأثير تجميعي قوي، أسهم في جذب عدد كبير من المواهب والاستثمارات في مجالات البحث والتطوير وشركات التقنية المتقدمة. وقد أدى ذلك إلى تحقيق تقدم ملموس في التقنيات الاستراتيجية، وإلى زيادة هائلة في صادرات المنتجات عالية التقنية، التي ارتفعت من حوالي 3.2% من إجمالي صادرات الصين في عام 2012 إلى 24.4% في عام 2021، وهذا التحول يشير إلى انتقال الصين من كونها "مصنعًا للعالم" إلى "مبتكر للعالم".
كما استلهمت الصين نماذج عالمية مثل وادي السيليكون، كما في تجربة منطقة تشونغ قوان تسون عام 1988، لتطوير بيئة ابتكارية متكاملة تربط البحث العلمي بالتصنيع المتقدم. وتدعم السياسات الحديثة، كاستراتيجية "القوى الإنتاجية النوعية الجديدة"، صناعات استراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي والمواد الجديدة.
ويعد هذا النهج الشامل للابتكار، من البحث والتطوير إلى جاهزية السوق، أمرًا بالغ الأهمية لترجمة التطورات التكنولوجية إلى قيمة اقتصادية وبناء منظومة ابتكارية مستدامة وقادرة على دعم نفسها. ومن خلال إنشاء منصات متكاملة وأنظمة دعم داخل المناطق الصناعية، تسعى الصين إلى تسهيل عملية الابتكار وتسريع تحويل الإنجازات العلمية إلى منتجات وصناعات قابلة للتسويق.
وعلى الرغم من النجاحات البارزة، تواجه تجربة الصين في المناطق الصناعية مجموعة من التحديات المعقدة، بينما تفتح في الوقت نفسه آفاقًا واسعة من الفرص المستقبلية، وتتمثل أبرز التحديات التي تواجه الصين في المناطق الصناعية:
-الإرث البيئي: حيث أدى النمو الصناعي السريع في العقود الماضية إلى تدهور بيئي كبير؛ حيث كان القطاع الصناعي مسؤولًا عن أكثر من ثلثي التلوث الإجمالي في عام 2017، ولا تتجاوز نسبة "الحدائق الخضراء" 5%، مما يعكس الحاجة إلى جهود مكثفة للتحول الأخضر.
-قضايا العمالة وتأثير الأتمتة: فعلى الرغم من خلق الملايين من الوظائف، تهدد الأتمتة 77% من الوظائف في الصين، مما يثير مخاوف بشأن البطالة وضغط الأجور، خاصة للعمالة منخفضة المهارات وكبار السن.
-فجوات تنفيذ السياسات: فعلى الرغم من خفض المناطق البيئية للانبعاثات، يظهر أثرها بعد عامين، ويتراجع خلال 8 سنوات، متأثرًا بضعف اللوائح البيئية وضغوط النمو الاقتصادي قصير الأجل على الحكومات المحلية.
-الطاقة الإنتاجية الفائضة: تتجلى خطورة المشكلة في معدل استغلال الطاقة الإنتاجية في الصناعة الصينية، والذي غالبًا ما يقل عن 80%. ويحدث فائض الطاقة الإنتاجية عندما تتجاوز القدرة الإنتاجية حجم الطلب في السوق، مما يؤدي إلى انخفاض استغلال الموارد؛ ففي أغسطس 2024، بلغ هذا المعدل 74.9%، وهو أقل من نظيره في اقتصادات كبرى أخرى مثل الهند (76.8%)، والولايات المتحدة (77.96%)، وألمانيا (77.4%). وتُظهِر بعض القطاعات، مثل المنتجات المعدنية غير الحديدية، وصناعة السيارات، معدلات أسوأ، مما يعكس مشكلات هيكلية أعمق.
-الاختناقات التكنولوجية: ما زالت الصين تعتمد على التكنولوجيا الأجنبية في بعض القطاعات الاستراتيجية، بينما تشكل القيود الأمريكية على الرقائق الإلكترونية المتقدمة وأشباه الموصلات تحديًا أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي التقني.
كذلك أوضح التقرير الفرص المتاحة للصين في المناطق الصناعية:
-القوى الإنتاجية النوعية الجديدة: تمثل هذه الاستراتيجية فرصة لتعزيز الابتكار والتنمية عالية الجودة عبر التركيز على صناعات استراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة الجديدة، والمواد المتقدمة، بهدف بناء سلاسل صناعية مرنة وتنافسية.
-مبادرة الحزام والطريق (Belt and Road Initiative, BRI): تُعد هذه المبادرة منصة رئيسة للمناطق الصناعية الصينية لتوسيع نفوذها الاقتصادي عالميًّا، من خلال تصدير الفائض الإنتاجي، وتأمين الموارد. وتشير البيانات الأولية حول مشاركة الصين مع 150 دولة ضمن مبادرة الحزام والطريق إلى مستويات قياسية من النشاط خلال النصف الأول من عام 2025؛ حيث بلغت قيمة عقود الإنشاءات حوالي 66.2 مليار دولار، والاستثمارات نحو 57.1 مليار دولار. ويمثل ذلك ما يقرب من ضعف القيمة المسجلة خلال النصف الأول من الرقم القياسي السابق في عام 2024.
-المدن الذكية والتحول الرقمي: تعمل الصين على دمج التقنيات الذكية (الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، الجيل الخامس) في التخطيط الحضري والإدارة الصناعية. مدن مثل شنتشن وهانغتشو تقود تطوير النقل الذكي والحلول الرقمية، ما يعزز الكفاءة ويخفض الانبعاثات، ويدعم نمو الصناعات الرقمية.
-تصدير التقنيات الخضراء: بفضل ريادتها في الحدائق الصناعية منخفضة الكربون، أصبحت الصين مُصدّرًا رئيسًا للحلول المستدامة.
-تنمية المواهب والابتكار: تستثمر الصين في الكفاءات الهندسية والبحثية عبر مختبرات الذكاء الاصطناعي ومناطق الابتكار التجريبية، مما يدعم التعاون بين الجامعات والشركات وتسريع وتيرة التقدم التكنولوجي.
-التعلم والتكيف المستمر للسياسات: تُظهِر تجربة الصين قدرة فريدة على التعلم والتكيف، إذ استمرت الإصلاحات في المناطق الاقتصادية الخاصة ومناطق التنمية التكنولوجية، مع تركيز متزايد على الاستدامة والحوكمة المرنة.
أشار التقرير إلى أن المدن والمناطق الصناعية في الصين تشهد تحولًا نحو مرحلة جديدة ترتكز على التنمية عالية الجودة، والابتكار، والاستدامة البيئية، في إطار استراتيجية "القوى الإنتاجية النوعية الجديدة". وستواصل هذه المناطق دورها كمجالات تجريبية للسياسات، مع التركيز على تجارب أكثر تقدمًا وشمولًا من حيث التكامل والتنفيذ.
كما تركز المناطق الصناعية عالية التقنية على تعزيز الصناعات الناشئة مثل: الطب الحيوي، والطاقة الجديدة، والمواد المتقدمة، والفضاء. كما تسعى لتطوير منصات وطنية للابتكار الصناعي وتحفيز التعاون بين الشركات الرائدة والجامعات ومؤسسات البحث، بهدف تحويل الصين إلى قوة علمية وتكنولوجية رائدة.
ومن جهة أخرى، ستشهد المدن الصناعية اندماجًا أعمق مع التنمية الحضرية المستدامة، عبر بناء "مدن إسفنجية"، وهو مفهوم في التخطيط الحضري يهدف إلى جعل المدن أكثر قدرة على امتصاص مياه الأمطار واستخدامها بشكل فعّال، بدلاً من تصريفها مباشرة إلى شبكات الصرف أو التسبب في فيضانات- لمواجهة التغيرات المناخية، وتوسيع المساحات الخضراء، واعتماد معايير البناء منخفض الكربون في عام 2025.
وتُظهِر هذه الرؤية أن الصين تتجاوز تحسين الكفاءة التشغيلية، لتعيد تشكيل نموذج التنمية الصناعية ليصبح أكثر ابتكارًا، واستدامة، وتكاملًا مع البيئة الحضرية، ما يعزز مكانتها كنموذج عالمي للتنمية الخضراء.
وهكذا، تظل تجربة الصين في المناطق الصناعية دليلًا على أن الابتكار المستمر والتخطيط طويل الأمد قادران على إعادة رسم ملامح التنمية الاقتصادية نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فی المناطق الصناعیة التنمیة الاقتصادیة الذکاء الاصطناعی عالیة التقنیة تجربة الصین هذه المناطق الصین فی من خلال الصین ت فی عام
إقرأ أيضاً:
الوزراء يرسمون ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي في مصر كقاطرة للتنمية والتحول الرقمي
شهدت فعاليات الجلسة الوزارية الأولى ضمن المؤتمر الدولي الأول حول الذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة، مناقشات موسّعة لرسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي في مصر، كقاطرة للتنمية المستدامة والتحول الرقمي الوطني، بمشاركة نخبة من الوزراء والخبراء، حيث بحثوا سبل توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الخدمات العامة، ورفع كفاءة الأداء المؤسسي في مختلف قطاعات الدولة.
شارك في الجلسة كل من الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والأستاذ محمد جبران وزير العمل، وأدارت الجلسة الدكتورة هالة السعيد مستشار رئيس الجمهورية للتنمية الاقتصادية ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية السابقة.
وأكدت الدكتورة هالة السعيد أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة التنمية المستدامة، مشيرةً إلى أن الدولة المصرية أولت اهتمامًا مبكرًا بتأسيس المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي وإطلاق الاستراتيجية الوطنية، بما يعكس وعي القيادة السياسية بأهمية هذا المجال في دعم النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني في ظل التحولات العالمية المتسارعة.
وقال الدكتور خالد عبد الغفار إن الذكاء الاصطناعي يمثل مكونًا أساسيًا من مكونات التنمية البشرية والاقتصادية، موضحًا أن التعليم والصحة وتوسيع خيارات المعرفة تشكل ركائز التنمية الشاملة، وأن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا محوريًا من تحسين نوعية الحياة، مشيرًا إلى أن نحو مليار شخص حول العالم قد يتأثرون سلبًا في حال عدم تطوير مهاراتهم لمواكبة هذا التحول، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون بديلًا للإنسان، بل يتكامل معه، شرط امتلاك الأفراد للمهارات اللازمة لعصر المعرفة.
وأضاف عبد الغفار أن وزارة الصحة تمتلك قاعدة بيانات ضخمة يجري تحليلها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد أنماط انتشار الأمراض والعوامل المشتركة المؤثرة في الصحة العامة، بما يتيح التخطيط الدقيق وتوجيه الموارد بكفاءة أعلى.
من جانبه، أوضح الدكتور عمرو طلعت أن مصر تُعد الأسرع على مستوى القارة الإفريقية في خدمات الإنترنت، حيث بلغت استثمارات الدولة في هذا القطاع نحو 3.3 مليار دولار خلال السنوات السبع الماضية، مشيرًا إلى أن تطوير البنية التحتية الرقمية يُعد الركيزة الأولى لتمكين منظومة الذكاء الاصطناعي، وأن النسخة الثانية من الاستراتيجية الوطنية تركز على تعزيز قدرات البنية التحتية وتسهيل تداول البيانات بشكل آمن ومسؤول، مع الحفاظ على الخصوصية وحماية المعلومات.
وأكد طلعت أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية مستقبلية، بل أصبح علمًا قائمًا منذ الخمسينيات، واليوم يمثل أداة فاعلة لتحسين الخدمات الحكومية والصحية والتعليمية، مشيرًا إلى بدء استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة التأمين الصحي الشامل بمصر.
بدوره، أكد الدكتور أيمن عاشور أن إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي يمثل أحد المحاور الاستراتيجية للدولة، موضحًا أن الوزارة وضعت ضوابط لاستخدام هذه التقنيات داخل الجامعات، وأن الذكاء الاصطناعي يمثل داعمًا للإنسان وليس بديلًا له.
وأشار إلى أن الوزارة تدعم طلاب الجامعات والباحثين عبر برامج متخصصة في بنك المعرفة المصري، وتعمل على بناء قدرات مليون مبتكر ومبدع ضمن المبادرة الرئاسية "تحالف وتنمية"، فضلًا عن إنشاء أكثر من 45 مركزًا للتأهيل والتدريب داخل الجامعات بالتعاون مع شركات عالمية كأمازون وجوجل ومايكروسوفت لتأهيل الطلاب لسوق العمل الرقمي.
واستعرض محمد جبران وزير العمل، مجالات توظيف الذكاء الاصطناعي في القضايا العمالية، مشيرًا إلى أن قانون العمل الجديد يتضمن كافة الضمانات اللازمة لحماية حقوق العاملين، ويستفيد من أحدث التطبيقات التكنولوجية في تطوير بيئة العمل ومتابعة الأداء وتحقيق العدالة الرقمية.
وتناول المشاركون خلال الجلسة الخطط الوطنية لدمج الذكاء الاصطناعي في قطاعات الصحة والتعليم والاتصالات وسوق العمل، مؤكدين أن الأطر التشريعية وحوكمة البيانات وبناء القدرات البشرية تمثل ركائز أساسية للتوسع الآمن والمسؤول في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ودعوا إلى تعزيز الشراكات بين الحكومة والجامعات والقطاع الخاص لتسريع نقل المعرفة وتحويل الابتكار إلى تطبيقات عملية تخدم المواطن المصري وتدعم التنمية الاقتصادية المستدامة.