حمود بن سنجور الزدجالي **

 

يُعد الشمول المالي إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الدول الحديثة. ومع تسارع التحول الرقمي وتغير أنماط التعاملات المالية، أصبحت الحاجة إلى إشراك كافة فئات المجتمع في النظام المصرفي أكثر إلحاحًا، خصوصًا في الدول التي تسعى إلى تنويع اقتصادها وتعزيز قدراتها التنافسية مثل سلطنة عُمان.

وفي السياق العُماني، يبرز الشمول المالي كأحد العناصر الحيوية الداعمة لأهداف رؤية "عُمان 2040"، والتي ركّزت على بناء اقتصاد متنوّع قائم على المعرفة، وتمكين المجتمع من استخدام أدوات مالية حديثة وآمنة. وقد عمل البنك المركزي العُماني والقطاع المصرفي خلال السنوات الماضية على تنفيذ برامج ومبادرات تستهدف رفع نسبة الأفراد والشركات الذين يملكون حسابات مصرفية ويستخدمون قنوات الدفع الإلكتروني.

الشمول المالي لا يعني مجرد امتلاك حساب بنكي؛ بل يشمل حصول الأفراد والمؤسسات على خدمات مالية مناسبة مثل الادخار، والتحويلات، والتمويل، والاستثمار والتأمين، والخدمات الرقمية بطريقة تُلبِّي احتياجاتهم وتتمتع بالقدرة على الحماية والأمان. ورغم التطور الملحوظ في البنية المالية العُمانية، إلّا أن هناك فئات من المجتمع لا تزال خارج نطاق التعاملات المصرفية الكاملة، خاصةً العاملين في المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، والعمالة منخفضة الدخل، وبعض المناطق الريفية.

لقد اتخذ البنك المركزي العُماني خطوات واضحة لتعزيز الشمول المالي، من بينها إصدار توجيهات لتنظيم الدفع الإلكتروني، وتطوير البنية الأساسية لأنظمة التحويلات المحلية، وتشجيع الابتكار في التقنية المالية (FinTech). كما ساهمت البنوك العُمانية في تسهيل فتح الحسابات وتقليل الرسوم وتعزيز الخدمات الرقمية مثل التحويل عبر الهاتف، والمحافظ الإلكترونية، والدفع دون لمس؛ مما جعل التعامل المصرفي أكثر سهولة وانتشارًا بين مختلف شرائح المجتمع.

ويمثّل تعزيز الشمول المالي فرصة كبيرة لدعم الاقتصاد الوطني؛ فكل ريال يتم إيداعه في البنوك يُعزِّز قدرتها على تمويل المشاريع الإنتاجية والخدمية؛ سواءً في قطاع السياحة، أو الصناعة، أو اللوجستيات، أو المشروعات الصغيرة التي تُعد محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي. كما يساهم تقليل الاعتماد على النقد الورقي في خفض التكاليف ورفع مستوى الأمان المالي وتحسين الكفاءة التشغيلية للاقتصاد.

وتتحمل الجهات المعنية دورًا محوريًا في تعزيز الشمول المالي من خلال تحويل الرواتب والمعاشات عبر الحسابات البنكية وتشجيع المؤسسات على استخدام الوسائل الرقمية في إجراء معاملاتها المالية. كما إن إلزام الشركات بتحويل المدفوعات عبر النظام المصرفي يسهم في رفع مستوى الشفافية ويحد من الاقتصاد غير الرسمي.

أما البنوك، فيقع على عاتقها تطوير منتجات مالية تتناسب مع فئات المجتمع المختلفة، خاصة الشباب ورواد الأعمال، وبتكاليف منخفضة، إضافة إلى تكثيف جهود التوعية المالية عبر حملات موجهة تُعرّف الأفراد بحقوقهم وخياراتهم المصرفية. كما إن تحسين خدمة العملاء وتبسيط الإجراءات يساهمان بشكل كبير في جذب الفئات التي كانت تتجنب التعامل مع البنوك لأسباب اجتماعية أو لضعف الوعي.

وفي ظل الانتشار الواسع للهواتف الذكية في السلطنة، أصبحت الخدمات المالية الرقمية قناة رئيسية لتعزيز الشمول المالي؛ فالتحويلات عبر الهاتف، والدفع الإلكتروني، والمحافظ الرقمية، أصبحت أدوات يومية يستخدمها الأفراد في المدن والقرى على حدّ سواء. وقد أثبتت التجارب الدولية أن الخدمات المالية عبر الهاتف ساعدت في دمج الملايين في النظام الاقتصادي، وهو ما يمكن أن يتحقق بدرجة أكبر في السلطنة مع تعزيز الثقة والاستفادة من الحلول الرقمية المحلية.

ختامًا.. يُعد الشمول المالي ركيزة أساسية لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة في سلطنة عُمان. ومع تكامل جهود الدولة والبنوك والأفراد، يمكن للسلطنة أن تحقق نموذجًا متقدمًا في المنطقة يعتمد على اقتصاد رقمي متطور، وبنية مصرفية قوية، ومجتمع قادر على التعامل بفعالية مع مستجدات العصر.

إنَّ المضي قدمًا في تعزيز الشمول المالي هو استثمار حقيقي في مستقبل الاقتصاد الوطني وجودة الحياة للمواطن والمقيم على حدّ سواء.

** الرئيس التنفيذي السابق للبنك المركزي العماني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تعزيز التنمية المحلية وتمكين الشباب في المجالات التقنية والإبداعية

"العُمانية": وقّع مكتب محافظ شمال الباطنة والشركة العُمانية للنطاق العريض اتفاقية تعاون تهدف إلى تعزيز التنمية المحلية بالمحافظة عبر تنفيذ مهرجانات وفعاليات مجتمعية متنوعة، تركز على تدريب الباحثين عن عمل وتمكين الأسر المنتجة ودعم مشاركتها في الحراك الاقتصادي.

وتنص الاتفاقية على التعاون في تنفيذ المبادرات المجتمعية والاقتصادية التي تجمع بين التدريب، والتمكين، ودعم المشاريع الصغيرة، وتأتي هذه الاتفاقية ضمن برامج الاستثمار الاجتماعي للشركة العُمانية للنطاق العريض، لتعزيز دور القطاع الخاص في خدمة المجتمع وتطوير المحافظات عبر شراكات استراتيجية مع الجهات الحكومية.

وقد وقّع الاتفاقية كلٌّ من المهندس ناصر بن مبارك الهِنائي، نائب الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية والاستراتيجية بالشركة العُمانية للنطاق العريض، والمهندس ناصر بن أحمد الهنائي، مدير عام بلدية شمال الباطنة.

وأوضح المهندس ناصر بن مبارك الهنائي نائب الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية والاستراتيجية بالشركة العُمانية للنطاق العريض أن هذه الاتفاقية تأتي امتدادًا لالتزام الشركة بمسؤولياتها المجتمعية، مؤكدًا أن الشركة ترى في هذه الشراكات ركيزة أساسية لتعظيم الأثر الوطني.

وقال إن الشركة حريصة على أن تتجاوز مبادراتها جانب الدعم المالي إلى بناء قدرات حقيقية للشباب، وتوفير بيئة مناسبة لابتكار مشروعات مستدامة، وتسعى من خلال هذا التعاون إلى توفير فرص تدريب وعمل، وتعزيز حضور الأسر المنتجة في منظومة الاقتصاد المحلي إلى جانب جهود الجهات المختصة بالمحافظة.

وأضاف أن الشركة ستواصل الاستثمار في البرامج التي تعزز الاندماج الاجتماعي والاقتصادي بما يتواكب مع مستهدفات رؤية "عُمان 2040".

من جانبه أكد المهندس ناصر بن أحمد الهنائي، مدير عام بلدية شمال الباطنة أنّ هذه الشراكة تُجسّد نموذجًا فاعلًا للتكامل المؤسسي، مشيرًا إلى أن محافظة شمال الباطنة تواصل أعمالها بمختلف المبادرات النوعية التي تُسهم في رفد سوق العمل بمهارات جديدة، وتفتح آفاقًا أكبر للأسر المنتجة.

وقال إن المحافظة تعمل على بناء بيئة داعمة للمشاريع المجتمعية، وهذه الاتفاقية تمثل إضافة حقيقية لمسار التنمية، ونثق بأن أثَرها سيظهر بشكل ملموس في تمكين الشباب وتحسين دخل الأسر المنتجة.

وتمثل هذه الاتفاقية خطوة نوعية في دعم مستهدفات رؤية "عُمان 2040" المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمحافظات، إذ تؤكد حرص الجانبين على بناء شراكات وطنية تُسهم في تطوير المحافظات وتعزيز التكامل بين القطاعين العام والخاص بما يخدم المجتمع العُماني ويسهم في تنميته المستدامة.

كما وقّعت الشركة العُمانية للنطاق العريض اتفاقية تعاون مع شركة الإبداع الرابع، لدعم برنامج "مرسى – النسخة الخامسة لعام 2025"، وهو برنامج وطني يهدف إلى تدريب وتمكين الشباب العُماني الباحث عن عمل في مجالات التقنيات الناشئة والإبداع الرقمي.

وبموجب هذه الاتفاقية، سيتم تنفيذ برنامج "مرسى 2025" على ثلاث مراحل متسلسلة، تبدأ بالإعداد والتأهيل واختيار المشاركين، ثم التدريب التطبيقي وحلقات العمل التقنية والإبداعية، وصولاً إلى مرحلة التمكين والربط الوظيفي عبر عرض المشاريع والتسويق الرقمي وتسهيل التوظيف للشركات.

وقّع الاتفاقية كلٌّ من المهندس ناصر بن مبارك الهنائي، نائب الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية والاستراتيجية بالشركة العُمانية للنطاق العريض، والمهندس أحمد بن خلفان البحري، الرئيس التنفيذي لشركة الإبداع الرابع.

وأكد الطرفان على أهمية هذه الشراكة في تمكين الشباب العُماني وتنمية قدراتهم، وتعزيز التعاون بين الشركات الوطنية والمبادرات المجتمعية.

كما أكدا أن الاتفاقية تمثل نموذجاً ناجحاً للتعاون بين القطاعين العام والخاص لدعم المبادرات الوطنية وصقل مهارات الشباب العُماني بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل الحديث.

مقالات مشابهة

  • بريد ليبيا يوقّع اتفاقية تعاون مع مصرف السراي لتوسيع الشمول المالي
  • "منتدى الإدارة المحلية" يُرسخ نهج اللامركزية في تمكين المحافظات ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية
  • الصدمات المالية وتأثيرها على المجتمع
  • تعزيز التنمية المحلية وتمكين الشباب في المجالات التقنية والإبداعية
  • أهداف ومؤشرات أداء.. وزير الصحة يضع الإنسان في قلب سردية التنمية الاقتصادية
  • مشاركون في منتدى الدوحة: الشمول المالي يعزز الكرامة والقدرة على الصمود خلال الأزمات
  • الفرص الاقتصادية والمخاطر والانعكاسات الاجتماعية
  • عبد العاطي يبحث تعزيز التعاون مع قطر في المجالات الاقتصادية والتجارية والخدمية
  • برلماني: تقوية البنية المؤسسية لسوق المال يدعم التنمية الاقتصادية المستدامة