لماذا تضغط واشنطن بشراسة لإنجاح صفقة غزة؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
أعلن ترامب خطته المكونة من 20 نقطة في 29 سبتمبر 2025، واضعا مهلة للخامس من أكتوبر لقبول حماس أو مواجهة "الجحيم"، ودخلت الصفقة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر. هذا الإنجاز يمثل حجر الزاوية في السياسة الخارجية لترامب في ولايته الثانية. فلماذا تضغط واشنطن بشراسة لإنجاح صفقة غزة؟
أولا: رهان ترامب على إرثه السياسي المبكر
الفشل في إنجاح صفقة غزة لن يكون مجرد إخفاق دبلوماسي لترامب، بل تقويض كامل لعلامته التجارية السياسية القائمة على "فن الصفقات".
الإدارة الأميركية كلفت كبار مسؤوليها بالموضوع، حيث يتواجد نائب الرئيس جي دي فانس حاليا في إسرائيل، معربا عن تفاؤل حذر بشأن خطط ترامب للسلام في الشرق الأوسط رغم عنف نهاية الأسبوع الذي هدد وقف إطلاق النار الهش. هذه ليست سياسة اعتيادية؛ إنها قضية شخصية لترامب. النجاح هنا يعني إثبات صحة نهجه الكامل في السياسة الخارجية والتفاوض.
ثانيا: إعادة تشكيل النظام الإقليمي - الفرصة الذهبية
الصفقة تمثل محاولة جذرية لإعادة ترتيب موازين القوى في الشرق الأوسط. الضغط من تركيا ومصر وقطر، متأثراً بالهجمات الإسرائيلية في لبنان وإيران وقطر، ساعد في إجبار حماس على القبول. واشنطن تدرك أنها أمام فرصة نادرة: إضعاف أو إزالة حماس كقوة حاكمة، مع تعزيز الشركاء العرب المعتدلين في آن واحد.
هنا تكمن نقطة محورية: الصفقة السعودية ستشمل اتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل، بالإضافة إلى ميثاق دفاع بين الرياض وواشنطن قد يضخ أموالاً كبيرة في الاقتصاد الأميركي. السعودية تعهدت بالفعل باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى أربع سنوات. هذه ليست مجرد دبلوماسية؛ إنها صفقات اقتصادية ضخمة يريد ترامب عرضها كإنجازات في إدارته الجديدة.
ثالثا: معضلة الرهائن - الضغط الحاد والمستمر
قضية الرهائن نقطة ضغط مباشرة وحادة. فبعد عودة الرهائن الأحياء إلى ديارهم، اتهمت إسرائيل حماس بتأخير إعادة رفات الرهائن، بينما تقول حماس إن العودة "قد تستغرق بعض الوقت" بسبب الدمار.
كل تأخير يزيد من الضغط الداخلي الإسرائيلي ويهدد بتفكيك الإطار بالكامل. المواطنون الإسرائيليون منهكون، والعائلات تطالب بالضغط على حماس للالتزام بالاتفاق. وتظهر استطلاعات الرأي أن ما يقرب من 70 في المئة من الإسرائيليين يعطون الأولوية لموضوع الرهائن على استمرار العمليات العسكرية.
رابعا: هشاشة الصفقة - المشي على حبل مشدود
قُتل جنديان إسرائيليان في غزة يوم الأحد، مما دفع إسرائيل لشن غارات جوية، وهي المرة الأولى التي يُقتل فيها جنود إسرائيليون منذ وقف إطلاق النار. ومع ذلك، أكد الطرفان التزامهما بعد ذلك. حكومة نتنياهو اعترفت ضمنيا يوم الأحد بأنها كانت في مأزق حرج - لا يمكنها تجاهل مقتل جنديين من الجيش الإسرائيلي في غزة، لكن تحت الضغط الأميركي، لم ترغب أيضاً في تعريض المناخ الهش للخطر.
واشنطن تعرف أن هذا هش للغاية. إسرائيل "انتهكت عمداً وعلناً وبصراحة كل وقف إطلاق نار تم تحقيقه حتى هذه اللحظة"، وفقا لمايكل شيفر عمر-مان من منظمة DAWN. التاريخ لا يبشر بالخير، لكن واشنطن تراهن على أن هذه المرة ستكون مختلفة بسبب حجم الضغط الدولي المركّز.
خامسا: التزام عسكري أميركي - جلد في اللعبة
القيادة المركزية الأميركية تنشئ مركز تنسيق مدني عسكري في إسرائيل مع 200 عنصر من القوات الأميركية ذوي خبرة في النقل والتخطيط والأمن واللوجستيات والهندسة. هذا الانخراط الأميركي المباشر - رغم أنه ليس داخل غزة - يشير إلى استعداد واشنطن للاستثمار بموارد حقيقية ومصداقية.
ليست مجرد كلمات دبلوماسية؛ إنها التزام ملموس يجعل فشل الصفقة أكثر إحراجا لأميركا.
سادسا: التناقضات المتأصلة - المقامرة الكبرى
الصفقة تحتوي على تناقضات جوهرية لم تُحل. يتطلب إطار ترامب من حماس نزع سلاحها والتخلي عن دور مستقبلي في حكم غزة، رغم أن حماس لم تذكر أنها ستفعل ذلك. في 3 أكتوبر 2025، استجابة للمقترح، وافقت حماس على إطلاق سراح أي رهائن متبقين في غزة و"تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من التكنوقراط المستقلين"، لكنها لم توافق على نزع السلاح أو التخلي عن النفوذ في غزة.
واشنطن تراهن على قدرتها على فرض شروط لم توافق عليها حماس بالكامل، مستخدمة الضغط العربي والاحتياجات الإنسانية لسكان غزة كرافعة. إنها مقامرة عالية المخاطر.
سابعا: النفوذ عبر إعادة الإعمار - السيطرة على المستقبل
مع تدمير غزة بالكامل تقريبا، من يسيطر على إعادة الإعمار - التي من المحتمل أن تمولها دول الخليج والغرب - يسيطر على مستقبل غزة. ستُدار غزة بموجب الحكم الانتقالي المؤقت من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، مسؤولة عن تقديم الإدارة اليومية للخدمات العامة.
واشنطن تريد هذا النفوذ. إعادة بناء غزة ستستغرق سنوات وتكلف مليارات. من يضخ هذه الأموال سيحدد التوجه السياسي والاقتصادي للقطاع للعقود القادمة.
ثامنا: الورطة السياسية الإسرائيلية - نتنياهو بين المطرقة والسندان
يعتمد نتنياهو الآن على الموالين له للبقاء في السلطة - اليمين المتطرف والمتدينين المتشددين، مما يضعه في موقف صعب وهو يفكر في تمديد وقف إطلاق النار إلى المرحلة الثانية. إذا انتقل إلى المرحلة الثانية كما نعرفها، لإنهاء الحرب، فهذا شيء قد ينهي ائتلافه.
وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والوزير بتسلئيل سموتريتش هددا بالاستقالة من الحكومة إذا تقدمت الصفقة. رحيل بن غفير أضعف ائتلافه، وخروج سموتريتش المحتمل سيُنهي حكومته فعلياً، مما يؤدي على الأرجح إلى انتخابات.
واشنطن تستغل هذا الضعف. دونالد ترامب يقدّر الولاء، والولاء لبيبي وحكومته ودولة إسرائيل أمر حيوي. نتنياهو يحتاج ترامب أكثر من حاجته لحلفائه اليمينيين، وواشنطن تعرف ذلك جيداً.
تاسعا: النافذة الزمنية الضيقة - الآن أو أبدا
قبل أسابيع فقط، رفض نتنياهو بغضب أي شخص اقترح أن الحرب يجب أن تنتهي بصفقة، مصرا بدلاً من ذلك على "النصر الكامل". لكن مفاهيم نتنياهو انهارت، واحدة تلو الأخرى، مع تكثيف ترامب الضغط.
ترامب يحتاج انتصارات في وقت مبكر من ولايته عندما تكون رافعته في أعلى مستوياتها. الكارثة الإنسانية - أكثر من 67 ألف شخص قُتلوا في حرب إسرائيل على غزة، وصفتها منظمات حقوق دولية ولجنة أممية بالإبادة الجماعية - تخلق ضغطا محليا ودوليا.
عاشرا: منع حرب إقليمية أوسع - تجنب الكارثة
بعد هجمات إسرائيل على لبنان وإيران وقطر، هناك خوف من اشتعال إقليمي. صفقة غزة يمكن أن تستقر الشرق الأوسط الأوسع في لحظة من التقلب الشديد.
تمثل كل من الصفقة السعودية ومشروع الغاز القطري نوع الإنجازات الاقتصادية الكبرى التي يأمل ترامب في عرضها في إدارته الجديدة - لكنها تتطلب استقراراً إقليمياً ولا يمكن أن تتحقق بينما تظل غزة منطقة حرب.
خلاصة القول
دفع واشنطن مدفوع بتقاطع غير مسبوق: حاجة ترامب الشخصية لانتصار في السياسة الخارجية، كارثة إنسانية حقيقية تتطلب عملا، فرصة لإعادة تشكيل ديناميكيات القوة الإقليمية بإضعاف الجماعات المدعومة من إيران، ونافذة سياسية ضيقة قبل أن تستطيع السياسة الداخلية الإسرائيلية أو الفاعلون الإقليميون إفشال التقدم.
الإدارة تحاول بشكل أساسي تثبيت صفقة قبل أن تمزقها تناقضاتها الكامنة - إسرائيل تحافظ على وجود عسكري مقابل السيادة الفلسطينية، حماس تحافظ على النفوذ مقابل متطلبات نزع السلاح. إنها رهان عالي المخاطر على أن الضغط الأميركي، وتنسيق الدول العربية، والإرهاق المتبادل يمكن أن ينتج بطريقة ما سلاما دائما حيث فشلت عقود من الجهود.
واشنطن تعرف أن الفشل ليس خيارا - ليس فقط بسبب إرث ترامب، بل لأن البديل قد يكون حربا إقليمية شاملة لا يمكن السيطرة عليها.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات صفقة غزة الشرق الأوسط الولايات المتحدة الرهائن غزة ترامب حماس سموتريتش نتنياهو لبنان إيران أخبار أميركا أخبار فلسطين أخبار إسرائيل صفقة غزة ترامب خطة ترامب صفقة غزة الشرق الأوسط الولايات المتحدة الرهائن غزة ترامب حماس سموتريتش نتنياهو لبنان إيران أخبار أميركا وقف إطلاق صفقة غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
مناورات نتنياهو تهدد خطة ترامب للسلام في غزة
واشنطن – أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” بأن هناك مخاوف متزايدة داخل البيت الأبيض من أن يفشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاق السلام في غزة الذي رعته إدارة الرئيس ترامب.
وأشار عدة مسؤولين في الإدارة الأمريكية إلى أن هناك قلقا حقيقيا من أن ينسحب نتنياهو من الخطة السلمية التي تقودها واشنطن، ما قد يهدد التقدم المحرز في المفاوضات.
وتتركز جهود الوساطة الأمريكية – بقيادة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، ونائب الرئيس جي دي فانس، وصهر ترامب جاريد كوشنر – على إقناع نتنياهو بالامتناع عن شن “هجوم عسكري شامل” جديد على حركة الفصائل الفلسطينية في غزة، والتركيز بدلا من ذلك على تنفيذ مراحل الاتفاق الحالي.
من جهته، جدد نتنياهو التزامه بهدف “نزع سلاح حركة الفصائل وتحقيق جميع أهداف الحرب، مشيرا إلى أن الضغط العسكري على الحركة هو ما دفعها إلى الموافقة على صفقات إعادة الرهائن.
وبحسب تقرير لقناة “12” الإسرائيلية، فقد أبلغ ويتكوف وكوشنر نتنياهو خلال لقائهما به أن واشنطن ترفض بشكل قاطع أي خطوة قد تعرض وقف إطلاق النار للخطر، وشددا على ضرورة بذل كل جهد ممكن للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
في المقابل، واجهت الجهود الأمريكية انتقادات داخل إسرائيل، إذ شن عضو الكنيست عن حزب الليكود، عاميت هاليفي، هجوما لاذعا على المبعوث ويتكوف، متهما إياه وفريقه بـ”التقاعس عن حماية أمن إسرائيل” و”المخاطرة بمصالحها الاستراتيجية”.
المصدر: وكالة “تاس” + RT