مقال.. كيف حافظ معلمو القدس على هوية المدينة منذ اللحظات الأولى للنكسة؟
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
شنت إسرائيل حربها المعروفة بـ"حرب الأيام الستة" في 5 يونيو/حزيران 1967م، وفي اليوم الثالث من بدء العمليات العسكرية تمكنت إسرائيل من استكمال احتلال القدس -كانت قد احتلت 84% منها إبان معارك النكبة- وشرعت مساء اليوم السادس من تلك الحرب في هدم حارة المغاربة ومسحها كاملا، لتجهيز المكان لاحتفالات دينية يهودية قد تمت في اليوم التاسع، الثلاثاء 13 يونيو/حزيران.
لم ينته يونيو/حزيران من عام 1967 حتى أعلن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) ضم القدس الشرقية إلى إسرائيل، أي إخضاعها للقوانين الإسرائيلية على المستويات كافة، الأماكن الدينية والمدارس والمؤسسات الثقافية والصحية، وغيرها. وتعامل الاحتلال مع القدس الشرقية باعتبارها مدينة "محررة" منح نفسه حرية العبث في شؤونها كافة، وليست "مدينة محتلة" يحتفظ سكانها بهويتهم وحقوقهم المدنية.
هكذا ساد الرعب والقلق أوساط المجتمع المقدسي الذي استذكر مذابح النكبة، خاصة دير ياسين المجاورة. ولكن انبرى عدد من قادة المجتمع الشجعان الذين قرروا مواجهة الاحتلال، فوقع صراع حقيقي بين الاحتلال والمجتمع المدني المقدسي، تجلى في إنشاء الهيئة الإسلامية برئاسة المرحوم عبد الحميد السائح التي تصدت لهجمة وزارة الأديان الإسرائيلية، وقامت الهيئة بحماية الأماكن المقدسة واستمرار إدارتها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غزل أبو ريان.. طفلة غزية تناشد العالم لتأمين العيش والعودة إلى المدرسةlist 2 of 2بحثا عن الأمان والقيم المحافظة.. التعليم المنزلي يشهد طفرة في أميركاend of listففي مجال التعليم والمدارس، ووفقا لقرار الاحتلال توحيد مدينة القدس وجعلها عاصمة له، فإن المنظومة التعليمية في دولة الاحتلال أخذت تتجه نحو انتزاع الهوية العربية والإسلامية للتعليم في القدس الشرقية، من أجل إلحاقها بمنظومة الاحتلال التعليمية، بأسرلتها وتهويدها.
في تلك الأثناء، كان معلمو القدس يراقبون كل ما يجري على الأرض من أحداث، وذلك بقيادة التربوي المقدسي العريق المرحوم حسني الأشهب، إذ جمع حوله نخبة من المعلمين الأوفياء الذين استجابوا لنداء الوطن؛ فكانوا الدرع الحصينة في حماية الوعي والانتماء وتثبيت الهوية لأجيال القدس.
إعلانكما أن المجتمع المقدسي كان سندا قويا لتلك القيادة التربوية الوطنية، فعندما وضعت سلطة الاحتلال يدها على مدرسة الرشيدية الثانوية (حكومية) كانت تضم 39 معلما و12 طالبا فقط، علما بأنها كانت تضم نحو 780 طالبا قبل الحرب.
وهكذا احتدم الصراع مع الاحتلال بأن رفض المجتمع المدني المقدسي الخضوع لإملاءات الاحتلال بفرض منهاجه على مدارس القدس، ويوجز التربوي المقدسي المرحوم طاهر النمري مراحل الصراع بالآتي:
تحرك رئيس مكتب التربية حسني الأشهب لتشكيل مجموعة "بؤرية" كخلية أزمة، تتكون من حسني الأشهب، وفوزي جابر، وطاهر النمري، وعلية نسيبة، وفاطمة أبو السعود، وإبراهيم الباشا، وعبد الجليل النتشة. وحملت هذه المجموعة مسمى "لجنة المعلمين السرية"، وكان رئيسها "حسني الأشهب"، وأمين سرها "النمري" وجسر الاتصال فيها المعلمتين: علية نسبية وفاطمة أبو السعود. قامت القيادة المكلفة بالمحافظة على مناهج التعليم العربي في مدينة القدس، وهكذا استمر العمل الجاد والفاعل، بقيادة "حسني الأشهب" الذي كان يوجه السياسات التربوية العليا، بالتنسيق "الدائم" مع الحكومة الأردنية. أعلن المرحوم حسني الأشهب عن إضراب المعلمين فأضرب الطلبة بدعم المجتمع المدني المقدسي ومساندته، وتبنى الإضراب ودعمه بقوة واقتدار العديد من الشخصيات التربوية الوطنية المقدسية، ومنهم نهاد أبو غربية مدير الكلية الإبراهيمية، وم. حسن القيق مدير المدرسة الصناعية الثانوية التابعة لجمعية دار اليتيم العربي، وفاطمة أبو السعود، وعلية نسيبة، والأب ألفرد روك مدير كلية تراسنطة، وطاهر النمري الذي اعتقله الاحتلال مع حسني الأشهب، وغيرهم. عندما استشعر الاحتلال تأثير هذه المجموعة قام بعد 6 أشهر باعتقال أعضاء اللجنة من الرجال، بالإضافة إلى المرحوم أحمد عبد اللطيف، فأجرى ضباط مخابرات الاحتلال -وهم أكاديميون كذلك- تحقيقات حوارية مع المعتقلين، انتهت بصمودهم واضطرار الاحتلال للإفراج عنهم بعد 44 يوما. كانت هناك 48 مدرسة حكومية ألحقها الاحتلال بوزارته "المعارف"، وعين مديرين لها، فغادر مئات الطلبة تلك المدارس وتوجهوا إلى المدارس التي التزمت بالمنهاج الأردني، فكان رد اللجنة السرية برئاسة حسني الأشهب أن قامت بتشكيل مدارس بديلة، وهي المدارس الخاصة الخمس التالية: الفتاة اللاجئة، والنظامية، والنهضة، والروضة، والأيتام الإسلامية. فقد قام حسني الأشهب باستئجارها واستخدام تراخيصها، وعندما فاضت أعداد الطلبة والمعلمين عن إمكانات الاستيعاب، وبغرض الاستفادة من التراخيص؛ قام بتفريع كل مدرسة إلى مجموعة مدارس أخرى تحت المسمى نفسه، ولكل منها رمز خاص (أ، ب، ج…).في النهاية، أُرغِم الاحتلال على القبول بتعليم المنهاج العربي في مدارس القدس، وحتى في المدارس الرسمية التابعة لبلدية الاحتلال. ويعود ذلك إلى القيادة المكلفة بالمحافظة على مناهج التعليم العربي في مدينة القدس. وهكذا استمر العمل الجاد والفاعل بقيادة حسني الأشهب الذي كان يوجه السياسات التربوية العليا بالتنسيق الدائم مع الحكومة الأردنية. وفي إشارة إلى دور المرحوم حسني الأشهب في المحافظة على شخصية الإنسان المقدسي وهويته، تقتضي الأمانة أن أذكر جملة قالتها السيدة الشيماء البديري (واحدة من أبناء الجيل الذي نهل من إنجازات فترة حسني الأشهب) إذ تقول "رحم الله حسني الأشهب وصحبه الكرام الذين لولاهم لما تعلمنا العربية، ولكنا نتجرع العبرية في كل شأن من شؤون حياتنا". لم يتوقف دور القيادة التربوية الوطنية عند فرض المنهاج العربي في التعليم، وإنما امتد أثرهم ليكونوا حاضنة للمعلمين الوطنيين الذين تشملهم إجراءات الاحتلال بالفصل أو بالملاحقة، وذلك بتوفير أماكن عمل لهم في المدارس التي تُدار فلسطينيا، بعيدا عن هيمنة الاحتلال.
مثلا، يروي محمود شقير في مذكراته التي كتبها "محمود الكعبي" أنه عندما فُصل، هو وزميله، من إحدى المدارس الخاصة لأسباب سياسية، قام حسني الأشهب بتعيينهما في مدرسة دار الأيتام الثانوية المسائية الواقعة في طريق الواد في البلدة القديمة.
كما أن كاتب هذه السطور فصلته سلطات الاحتلال من مدرسة بنات أريحا الثانوية لأسباب سياسية، فاستدعاه المرحوم حسني الأشهب، وطلب منه التوجه إلى المرحوم نهاد أبو غربية، رئيس الكلية الإبراهيمية بالقدس، حيث عُيّن معلما في تلك الكلية الرائدة التي تربض في خاصرة الجامعة العبرية، وتحفظ عروبة المكان. إعلان
بمرور الزمن، وبالإصرار ومضاعفة الجهود، وباستصدار تراخيص لمدارس أخرى؛ أصبح الآن في القدس 51 مدرسة أوقاف كان يطلق عليها مدارس حسني الأشهب، تشكل مديرية تربية القدس، وتدار مباشرة من قبل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ومديرية أوقاف القدس، إضافة إلى 76 مدرسة خاصة وأهلية.
في تعليقه على سبل مواجهة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في تهويد قطاع التعليم واستقطاب طلبة مدارس وكالة الأونروا في القدس بعد حظرها وصدور قرار بإغلاقها، قال رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي إن القدس بحاجة إلى قيادة توحد موقف المقدسيين.
وأضاف أن كل ما تقوم به بلدية… pic.twitter.com/199d6SxGqc
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) December 23, 2024
بين منهاجينهكذا، نجد أنفسنا أمام قيادة تربوية تاريخية أنقذت الأجيال المقدسية التالية من ضياع محقق، إذ إن المنهاج الإسرائيلي الذي كانت دولة الاحتلال تسعى إلى فرضه بالقوة، يقطع مقومات انتمائهم إلى هويتهم الوطنية، وإلى أمتهم، وتراثهم الوطني، ويُخضعهم إلى "غسل دماغ" ينكر عروبة مدينتهم المقدسة، ويتنكر للانتماء إلى أمتهم كأمة عربية عريقة، ولا يسعى إلى وحدتها وعزتها، في حين أن المنهاج الأردني يغرس في الطالب صدق الانتماء إلى وطنه وأمته، وإلى الإنسانية بوجهها العادل، ويقوم على تربية المتعلم تربية سليمة قويمة، ملؤها حب الوطن والانتماء له والدفاع عنه.
وبعد مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية حلّ المنهاج الفلسطيني محل المنهاج الأردني، وذلك رفع وتيرة الصراع مع الاحتلال الذي طور أساليبه من أجل اختراق العملية التعليمية لمصلحة مخططاته التي بدأها عام 1967 وفق الوصف أعلاه.
من جانب آخر، لا بد لنا من التوقف عند المجتمع المدني المقدسي الذي استمر قائما على التعليم في القدس، بعيدا عن الاحتلال وأمواله، من خلال مؤسسات تربوية غير ربحية، إسلامية ومسيحية، مثل كلية الأمة، ومدارس رياض الأقصى الإسلامية، ومدارس الإيمان، ومدارس الأوقاف المذكورة أعلاه، ومؤسسة فيصل الحسيني (2002)، وأعداد كبيرة من رياض الأطفال والمدارس الأساسية التي تديرها جمعيات خيرية وأطر نسوية، ومؤسسة "النيزك" المشهورة التي ترعى الطلبة المبدعين في المجالات العلمية والتكنولوجية. وهناك عدد كبير من المؤسسات التعليمية التي تتبع الكنائس في القدس، يضاف إلى ذلك مدارس تعلم الطلبة مقابل أقساط كالكلية الإبراهيمية بالقدس وغيرها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات التربویة الوطنیة المدارس الخاصة العربی فی الذی کان فی القدس
إقرأ أيضاً:
قرية الولجة.. سلة غذائية في وجه مشروع القدس الكبرى
قرية الولجة واحدة من أقدم القرى الفلسطينية، تبعد نحو 8 كيلومترات جنوب غرب مدينة القدس، و4 كيلومترات شمال غرب مدينة بيت لحم. سيطر الاحتلال الإسرائيلي على أراضيها -التي كانت مساحتها قبل النكبة تزيد على 17 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)- ولم يبق منها سوى 3 آلاف دونم حتى عام 2025.
استقر جزء من أهلها على بعد بضعة كيلومترات من أراضيهم المهجرة، وأسسوا ما صار يعرف لاحقا باسم "الولجة الجديدة".
الموقعكانت قرية الولجة قبل نكبة 1948 تمتد على تل مرتفع يبعد نحو 8 كيلومترات جنوب غرب مركز مدينة القدس، وحوالي 4 كيلومترات شمال غربي مدينة بيت لحم، على ارتفاع يقارب 750 مترا فوق سطح البحر.
في القرن التاسع عشر ازدهرت القرية بمحاصيلها الزراعية، وشكلت سلة غذائية للقدس ومحيطها، بفضل وفرة مياهها المتدفقة، وخصوبة أراضيها المزروعة بمحاصيل مختلفة.
وشهدت القرية تطورا ملحوظا مع إنشاء سكة الحديد التي ربطت القدس بالساحل الفلسطيني، ومرت عبر أراضيها، مما أسهم في اتساع رقعتها العمرانية وتعزيز طابعها البنائي بالحجارة والإسمنت.
ويروى في الموروث الشعبي أن اسم "الولجة" اشتق من موقعها الإستراتيجي المحاط بالجبال، والذي جعل منها ممرا طبيعيا لعابري السبيل، إذ كانوا يلجون عبرها، أي يدخلون منها، فسميت الولجة بمعنى المدخل.
تحد القريةَ من الشرق قريتا شرفات والمالحة، ومن الشمال عين كارم، ومن الشمال الغربي صطاف، ومن الغرب بتير، ومن الجنوب الغربي القبو، ومن الجنوب الخضر. وقد بلغت مساحة أراضيها قبل الاحتلال حوالي 17 ألف دونم ونصف الدونم.
مع اندلاع النكبة عام 1948 استولى الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من 70% من أراضي الولجة، ثم استكمل السيطرة على معظم ما تبقى منها بعد نكسة 1967.
ورغم التهجير القسري الذي دفع أهالي القرية إلى الهجرة نحو الدول العربية ومناطق فلسطينية مجاورة، فإن جزءا منهم استقر على بعد بضعة كيلومترات جنوب شرق قريتهم الأصلية، وأسسوا ما بات يعرف لاحقا بـ"الولجة الجديدة"، وكان ذلك بدعم من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي وفرت لهم مأوى داخل حدود الضفة الغربية، ضمن محافظة بيت لحم.
إعلانبعد نكسة 1967 أحكم الاحتلال طوقه الاستيطاني على القرية، فأقام مستوطنتي "غيلو" و"هار غيلو" على أراضيها الشرقية والجنوبية الشرقية، ثم فصل المستوطنات وما تبقى من أراضي القرية عبر طرق التفافية تخدم المستوطنين فقط، قبل أن يعزز السيطرة ببناء جدار الفصل الإسرائيلي الذي ضم مساحات واسعة من أراضي الولجة إلى حدود بلدية الاحتلال في القدس.
نتيجة لذلك لم يتبق للقرية سوى منفذ وحيد من الجهة الشمالية، يتحكم به الاحتلال عبر حاجز عسكري مقام في عمق أراضيها، فيعرقل حركة سكان القرية ويقيد تنقلهم.
فاق عدد سكان الولجة قبل اندلاع النكبة 1910 نسمة، موزعين على حوالي 300 منزل، وكان معظمهم مسلمين، وارتبطت حياتهم بشكل وثيق بالزراعة التي شكلت عماد اقتصادهم، فقد شغلت الحبوب والبساتين ما زاد على 8 آلاف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) من أراضيهم.
أما الولجة الجديدة التي أُسّست بعد النكبة فيقدر عدد سكانها بحوالي 3 آلاف نسمة، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2025، وتقطنها 4 عائلات كبيرة، وهي: الأعرج والحجاجلة وعبد ربه والوهادنة.
ورغم حرص سكانها على التعليم، فإنهم يعانون من نقص حاد في البنية التحتية والخدمات الأساسية، إذ تضم القرية مدرستين فقط بصفوف دراسية محدودة، إحداهما أنشأتها وكالة الأونروا، ولا تكفي لاستيعاب أعداد الطلاب المتزايدة، مما يضطرهم إلى الالتحاق بمدارس مدينة بيت لحم لمواصلة تعليمهم.
معالم تاريخيةاتسمت مباني قرية الولجة بطابع عمارة تقليدي، بني من الحجارة والطوب والإسمنت، وكانت منازلها متقاربة تفصلها أزقة ضيقة ومتعرجة، تعكس النسيج الريفي الفلسطيني القديم.
تشكلت ملامح القرية من مجموعة من المحال التجارية البسيطة، إلى جانب الآثار التاريخية مثل المدرجات الزراعية، والحمامات التي يعتقد أنها تعود للحضارة الرومانية.
كما أنها احتوت مسجدا عرف باسم مسجد الأربعين، عمل على تعليم الأطفال القراءة والكتابة إلى جانب أداء الصلوات، وكان ذلك قبل افتتاح مدرسة ذكور أساسية في القرية.
ورغم تدمير الاحتلال للولجة، بقيت بعض معالمها قائمة، ومن أبرز ما بقي منها:
عين الحنية
تزخر القرية بنحو 18 عين مياه، ومن أبرزها عين الحنية التي كانت تشكل متنفسا طبيعيا للفلسطينيين، ومصدرا رئيسا لخدمة المزارعين والرعاة.
خصصت سلطات الاحتلال منذ عام 2016 أكثر من 14 مليون شيكل إسرائيلي (نحو 4 ملايين دولار) لتحويل العين والمنطقة المحيطة بها إلى "حديقة وطنية" تحت إدارة "سلطة الطبيعة" الإسرائيلية.
ولتنفيذ المخطط نقلت حاجز الولجة العسكري إلى موقع أقرب من القرية، مما فصل العين عن أراضي الولجة، وقيد وصول الأهالي إليها، بينما خصصت المنطقة لاستجمام المستوطنين وترفيههم.
بقي في محيط العين ركام 3 منازل تعود لعائلة الصيفي التي هجرت من الولجة في نكبة 1948.
وتتدفق مياه العين في بركة يعتقد أنها شكلت في الفترة البيزنطية جزءا من كنيسة نسبت لأحد الحواريين، وهي لذلك تعتبر بقعة مقدسة لدى المسيحيين أيضا.
إعلان نفق عين الجوزةيمر في القرية نفق مائي محفور في صخورها يعرف باسم نفق عين الجوزة، وهو من أكبر أنفاق عيون المياه في الريف الفلسطيني، ورغم التقديرات التي تنسبه للعصر الحديدي فإن نظام الري المستخدم فيه يعتقد أنه أقدم من ذلك.
شجرة زيتون معمرةتحتوي القرية على واحدة من أقدم أشجار الزيتون الفلسطينية، ويقدر عمرها بنحو 3500 عام.
في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1948 هاجمت عصابات إسرائيلية قرية الولجة، إلا أن مجموعة من الجنود المصريين غير النظاميين صدوا الهجوم إلى جانب الفلسطينيين، مما أفشل محاولات احتلال القرية في تلك المرحلة.
وقع الأردن في أبريل/نيسان 1949 اتفاقية هدنة مع إسرائيل، منحت على إثرها قرية الولجة للاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب قرى بيت صفاف وبتير والقبو.
وفي أعقاب ذلك ضم الاحتلال نحو 70% من أراضيها إلى سيطرته، وأنشأ على جزء منها مستوطنة "عمينداف" عام 1950، فلم يبق من مساحتها سوى 6 آلاف دونم.
هاجر المقدسيون من قريتهم، وانتقل جزء منهم إلى منطقة قريبة أسسوا فيها ما عرف لاحقا بـ"الولجة الجديدة".
عقب نكسة 1967 وسع الاحتلال سيطرته لتشمل نحو 50% من الأراضي المتبقية من الولجة، وأنشأ عليها مستوطنتي "غيلو" عام 1971، و"هار غيلو" عام 1972.
كما شقت سلطاته شارعا اخترق أراضي القرية المهجرة لتسهيل حركة المستوطنين، وطوقها بجدار الفصل العنصري، مما قلص أراضيها إلى نحو 3 آلاف دونم، مع بقاء منفذ واحد للقرية نحو الخارج من الجهة الشمالية.
وبموجب اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1995، صنف ما يزيد على 99% من أراضي الولجة ضمن مناطق "ج"، وهي مناطق تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، ويمنع البناء عليها من دون الحصول على تصريح من السلطات الإسرائيلية التي ترفض منحه غالبا.
مشروع القدس الكبرىفي إطار مشروع القدس الكبرى الاستيطاني الذي يهدف إلى توسيع حدود المستوطنات المحيطة بالقدس، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى السيطرة على قرية الولجة كلها، وتهجير سكانها.
إذ يشكل موقعها الإستراتيجي نقطة محورية لتعزيز الكتل الاستيطانية المحيطة بالقدس، والتي تعرف بـ"مستوطنات الطوق"، بهدف فرض سيطرة إسرائيلية أوسع وغلبة يهودية أكبر.
ولتحقيق ذلك نفذ الاحتلال سلسلة من المشاريع الاستيطانية في أراضي الولجة، كان من أخطرها:
حاجز الولجةأعلنت بلدية الاحتلال في القدس بنهاية عام 2017 نيتها نقل حاجز الولجة الذي يقع على الجهة الشمالية من القرية.
هيأت السلطات لهذا المشروع عبر هدم أكثر من 14 منزلا فلسطينيا في المنطقة المحاذية للحاجز بين عامي 2020 و2024، ثم نقلته عام 2025 كيلومترين جنوبا باتجاه أراضي القرية.
حرم المشروع سكان الولجة من الوصول إلى نحو 1200 دونم من أراضيهم الزراعية، كما منعهم من الاستجمام في عين الحنية، التي باتت تقع ضمن السيطرة الإسرائيلية بعد نقل الحاجز.
يشكل الحاجز المنفذ الوحيد لسكان القرية، ولذلك يستغله الاحتلال في تقييد حركتهم، مما يؤثر سلبا على حياتهم الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، أغلق الاحتلال الحاجز مدة أسبوعين عقب عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
هدم المنشآت
تعاني قرية الولجة منذ سبعينيات القرن الماضي من سياسات ممنهجة لهدم المنشآت الفلسطينية، إذ أصدرت سلطات الاحتلال بين عامي 1982 و2014 نحو 100 أمر هدم لمنازل في القرية، كما هددت نحو 70 منشأة أخرى بين عامي 2018 و2025.
وفي عام 2024 هدمت نحو 24 منزلا، إلى جانب 40 منشأة بين عامي 2016 و2022.
ويزعم الاحتلال أن المنازل المهدومة بنيت من دون تراخيص، إلا أن محاولات السكان للحصول على هذه التصاريح غالبا ما تواجه رفضا إسرائيليا متكررا، نتيجة لغياب مخطط هيكلي معتمد للقرية.
إعلانرفع أهالي القرية عام 2016 قضية جماعية شملت 38 حالة تهديد بالهدم إلى محاكم الاحتلال، بهدف إجبار السلطات على وضع مخطط هيكلي، مما قد يسهل إصدار التراخيص ويمنع قرارات الهدم، إلا أن المحكمة رفضت ذلك وأجلت البت في القضايا مرات عدة.
وفي عام 2022 طالب 50 نائبا ديمقراطيا أميركيا وزير الخارجية الأميركي آنذاك أنتوني بلينكن بوقف تهجير 38 عائلة فلسطينية من الولجة جراء تهديدات إسرائيل بهدم منازلهم، مؤكدين أن تلك الإجراءات تقوض كرامة الفلسطينيين وفرص إحلال السلام.
بناء المستوطناتتحقيقا لمشروع القدس الكبرى وإحاطة المدينة المقدسة بطوق من المستوطنات الممتدة، أقرت "اللجنة اللوائية للبناء والتنظيم" الإسرائيلية عام 2021 إنشاء 700 وحدة استيطانية جديدة على أراضي الولجة.
وتعود بدايات النشاط الاستيطاني في القرية إلى ما بعد النكبة، حين أقامت سلطات الاحتلال على أراضيها مستوطنة "عمينداف" عام 1950.
ثم في عام 1971، أنشأ الاحتلال مستوطنة "غيلو" على أراضي الولجة وبيت جالا وشرفات وبيت صفافا التي احتلها بعد النكسة، وامتدت على مساحة تقدر بنحو 3 آلاف دونم.
وبعد ذلك بعام شرع الاحتلال ببناء مستوطنة "هار غيلو" على أراضي الولجة وبيت جالا، على مساحة بلغت 400 دونم. ثم وضع مخططات لتنفيذ توسعة على "هار غيلو" تشمل إنشاء وحدات ومرافق إضافية، إلى جانب طرق التفافية تربطها مع "غيلو " المجاورة، ومستوطنات شمال القدس وجنوبها، ومستوطنات بيت لحم، مما يعزز السيطرة الإسرائيلية على محيط القدس ويعمق عزل الولجة.