جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-10@06:54:11 GMT

لزوم ما يلزم في حوكمة التشغيل

تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT

لزوم ما يلزم في حوكمة التشغيل

 

 

 

حمد الصبحي

 

الحديث عن حوكمة التشغيل في سلطنة عُمان، لم يعد موضوعًا إداريًا محدود الأثر، بل أصبح ضرورة وطنية تدخل في صميم التحول الاقتصادي الذي تقوده "رؤية عُمان 2040"، فالرؤية- بوصفها عقدًا مجتمعيًا وإطارًا استراتيجيًا- لا تبحث عن تحسينات تجميلية في سوق العمل، بل تسعى إلى إعادة بناء المنظومة نفسها على أسس أكثر عدالة وكفاءة وتنافسية.

ومن هنا، تصبح الحوكمة عنصرًا تأسيسيًا في تحقيق توازنٍ طال انتظاره بين متطلبات الاقتصاد، واحتياجات سوق العمل، وتطلعات القوى البشرية الوطنية.

إن سوق العمل العماني مرَّ بتحولات متسارعة خلال العقود الماضية؛ توسعٌ في المخرجات التعليمية، نموٌّ في الأنشطة الاقتصادية، وتغير أولويات القطاع الخاص. وفي ظل هذه التحولات، كانت مساحة الارتجال في القرارات التشغيلية أكبر من مساحة التخطيط، وكانت الحلول الجزئية تعلو على الحلول الجذرية، الأمر الذي خلق اختلالات هيكلية يعرفها المتخصصون جيدًا: فجوة بين المخرجات والوظائف، اعتماد مفرط على العمل الوافد في بعض القطاعات، تفاوت في جودة بيئات العمل، وتذبذب في السياسات. وهنا، تظهر الحوكمة كمسار تصحيحي لا يهدف إلى السيطرة؛ بل إلى تنظيم الإيقاع وضبط المسار وإنتاج قرارات قابلة للقياس وللمساءلة.

الحوكمة- بمفهومها الحديث- لا تكتفي بوضع القواعد، بل تضمن الالتزام بها، وتحوّل المعلومات إلى بيانات، والبيانات إلى سياسات، والسياسات إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في واقعه المهني والاقتصادي. إنها إطار يُنهي عهد القرارات المقطعية، ويقدم بدلاً منه منظومة تُدار بالأدلة، وتُراقَب بالمؤشرات، وتُقوَّم بالنتائج. وبهذا، تصبح منظومة التشغيل أكثر قدرة على التوقع، وأقل تعرضًا للتقلبات، وأكثر ثقة في نظر المستثمرين والباحثين عن عمل على حد سواء.

لقد راهنت «رؤية 2040» على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولم تعد الدولة هي المشغّل الأول؛ بل المنظّم الأول. وهذا التحول- بقدر ما هو مهم- يحتاج إلى حوكمة صارمة تضع قواعد واضحة لدور كل طرف. فالقطاع الخاص يحتاج إلى مرجعية مستقرة وواضحة تشجعه على الاستثمار وتوسيع قاعدة الوظائف، والقوى العاملة تحتاج إلى ضمانات تحمي حقوقها وتمنحها بيئة عادلة ومحفزة، والجهات الحكومية تحتاج إلى أدوات تمكّنها من الرقابة والمتابعة والتحسين المستمر. من دون هذه العناصر الثلاثة، تفقد الشراكة توازنها، وتفقد السوق ثقتها، ويفقد الشباب يقينه بمستقبله المهني.

غير أن التحدي الأكبر لا يكمن في بناء الأنظمة، بل في إعادة بناء الثقافة المؤسسية. فالحوكمة ليست نصوصًا تُكتب بقدر ما هي سلوك يُمارس. إنها انتقال من منطق المجاملة إلى منطق الكفاءة، ومن إدارة المصالح الضيقة إلى إدارة المصلحة الوطنية، ومن منطق رد الفعل إلى منطق الاستشراف. فإذا لم تصبح الحوكمة جزءًا من الوعي اليومي للمؤسسات- العامة والخاصة- فسوف تبقى القرارات متقدمة لغويًا ومتأخرة فعليًا، وستبقى الطموحات أسرع من التنفيذ.

إنَّ مستقبل التشغيل في عُمان لا يُقاس بعدد الفرص فقط؛ بل بجودتها واستدامتها وارتباطها بالقطاعات الواعدة التي تراهن عليها الرؤية: الاقتصاد الرقمي، اللوجستيات، السياحة، الصناعة المتقدمة، والطاقة. وهذه القطاعات، بطبيعتها التنافسية، لا تقبل الفوضى ولا العشوائية، وتحتاج إلى سوق عمل منضبط بعقد حوكمة واضح يُحفّز الإنتاجية، ويكافئ الجدارة، ويحتضن المواهب الوطنية بوصفها رأس المال الأول لهذا الوطن.

ولذلك، فإن الحوكمة ليست محطة أخيرة؛ بل بداية الطريق. إنها الخطوة الأولى نحو سوق عمل يسير بمعايير لا بأمزجة، وبمؤشرات لا بوعود، وبثقة لا بتخمين. وحين تكتمل هذه المنظومة، ستصبح الوظيفة قيمة مضافة للاقتصاد، لا عبئًا عليه، وسنرى سوقًا يليق برؤية 2040 وطموح هذا الجيل الذي يملك الشغف والقدرة، ولا ينتظر سوى منظومة عادلة تفتح له الطريق.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الجمارك: نظام «ACI» يسهم في ميكنة الإجراءات وتعزيز الحوكمة والشفافية

أكد أحمد أموي رئيس مصلحة الجمارك، أننا نعمل على بناء منظومة جمركية متطورة، تعتمد على الميكنة والذكاء الاصطناعي بما يسهم فى تعزيز كفاءة الإجراءات وتقليل زمن الإفراج، وتحسين بيئة الاستثمار، وتشجيع الصناعة المحلية، وزيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية في الأسواق الإقليمية والعالمية.

قال أموي، إن منصة «نافذة» الإلكترونية أصبحت اليوم تغطي مختلف مسارات حركة التجارة، مع التطبيق الإلزامي لنظام التسجيل المسبق للشحنات الجوية «ACI» اعتبارًا من يناير المقبل، لافتًا إلى أن «ACI» يسهم في ميكنة وسرعة إنهاء الإجراءات قبل وصول البضائع للموانئ، ويضمن أعلى مستويات الحوكمة والشفافية.

أضاف أن متوسط زمن الإفراج الجمركي تراجع خلال عام ٢٠٢٥ إلى نحو ٥ أيام، وأننا نستهدف يومين فقط خلال خلال الفترة المقبلة، بالنسبة للسلع الاستراتيجية خاصة الأغذية والأدوية.

أوضح أن الأولوية في سرعة الإفراج الجمركي تُمنح للشركات الملتزمة ضمن برنامج المشغل الاقتصادي المعتمد، الذي يُعد «القائمة البيضاء» للشركات الملتزمة، ويتيح لها إجراءات ميسرة دون الحاجة للتدقيق الكامل في جميع الشحنات.

أشار إلى أن مصلحة الجمارك تحرص على التواصل المستمر مع المستخلصين الجمركيين، وإطلاعهم على التحديثات والتعديلات في الإجراءات أولًا بأول، بما يضمن السلاسة في تطبيقها، لافتًا إلى أننا نعمل حاليًا على تطبيق التبنيد والتقييم الآلي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة التقديرات الجمركية وتعزيز الحوكمة والحد من التحليل اليدوي.

مقالات مشابهة

  • وفد خليجي يطّلع على ممارسات حوكمة منظومة التعليم العالي في الإمارات
  • اجتماع عربي لدعم حوكمة الإنترنت.. وتنظيم الاتصالات يطلق مبادرة نوعية لـ IPv6
  • عمالقة التكنولوجيا السبعة: ولادة مراكز قوة خارج منطق الدولة
  • رئيس جامعة قنا يتابع إجراءات تطبيق حوكمة المشتريات" شراء"
  • منطق الصراع داخل الشرعية.. كيف أنهى التناحر السياسي فرص مواجهة الحوثي؟
  • سايحي: رئيس الجمهورية أعطى الأولوية لمسألة التشغيل
  • هل يلزم القانون بالإفصاح عن المواد الخطرة في المياه التابعة للدولة؟
  • دور الحوكمة في تعزيز فعالية نظم اليقظة الاستراتيجية
  • الجمارك: نظام «ACI» يسهم في ميكنة الإجراءات وتعزيز الحوكمة والشفافية
  • النرويج: الحوكمة في غزة يجب أن تكون فلسطينية