الجزيرة:
2025-10-29@20:45:23 GMT

ما وراء انتفاضة أوروبا ضد إسرائيل

تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT

ما وراء انتفاضة أوروبا ضد إسرائيل

على مدار عامين من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، خرجت إلى الشوارع الملايين من الشعوب الأوروبية لدعم القضية الفلسطينية، إذ قدرت أعداد الفعاليات الداعمة للقضية الفلسطينية بأكثر من 45 ألف فعالية انتشرت في 800 مدينة أوروبية عبر 25 دولة في أوروبا.

فكانت شعوب القارة الأوروبية من القارات الأكثر وقوفا ضد الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل، ودعما لحقوق الشعب الفلسطيني.

شهدت بعض البلدان الأوروبية حراكا شعبيا كثيفا داعما للقضية الفلسطينية، وعلى رأس هذه الدول إيطاليا التي شهدت خلال عامين من الإبادة الجماعية أكثر من 7600 فعالية في أكثر من 186 مدينة.

بينما تلتها في دعم القضية الفلسطينية ألمانيا التي شهدت أكثر من 7 آلاف فعالية في أكثر من 131 مدينة، ومن ثم تلتها إسبانيا التي شهدت أكثر من 5900 فعالية في 134 مدينة، مع كثافة في مستوى الفعاليات في بريطانيا، وفرنسا.

وفي هولندا، شارك في آخر مظاهرة أكثر من 250 ألف شخص، وقد تكون من كبرى المظاهرات في هولندا، وكذلك في باقي الدول الأوروبية.

تولّد من هذا الحراك اعتراف أكثر من 10 دول أوروبية جديدة بالدولة الفلسطينية، كان أبرز هذه الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، بريطانيا، وفرنسا، وأستراليا، وكندا، ليرتفع عدد الدول الأوروبية التي تعترف بالدولة الفلسطينية إلى 22 دولة، من أصل 27 دولة.

لكن ما الذي جرى ويجري في أوروبا ؟ ومن يقود هذا الحراك؟

1- اليسار الأوروبي المحرك الرئيسي لهذه التحولات

تعد ظاهرة انحياز اليسار الأوروبي إلى القضية الفلسطينية ظاهرة لافتة للنظر ومع ذلك، لا يمكن وضع كل اليسار الأوروبي في سلة واحدة، لا من حيث الأيديولوجيا الفكرية، ولا من حيث حماسته لدعم القضية الفلسطينية، إذ ينقسم اليسار في أوروبا إلى ثلاثة أنواع؛ أولها اليسار الجذري (الراديكالي)، ويسار الوسط الذي يضم اليسار الاجتماعي، واليسار الديمقراطي.

إعلان

يتميز اليسار الراديكالي الجذري بأنه ينادي بالعدالة الاجتماعية، ومحاربة النيو ليبرالية، والمناداة بحقوق المهاجرين، ودعم حقوق الشعوب الضعيفة والمقهورة الواقعة تحت الاحتلال، ودعم جميع قضايا الأقليات والمساواة بين الجنسين، ومكافحة التمييز العنصري والفجوات الاجتماعية، ودعم قضايا المحافظة على البيئة والمساواة الاجتماعية.

هذا اليسار يعتبر أقلية في أوروبا، وإن كان يشارك أحيانا في الائتلافات الحكومية. هذا اليسار هو المحرك الأساسي والرئيسي الداعم للقضية الفلسطينية في أوروبا، والخصم الشديد للحكومة الإسرائيلية المتطرفة.

بينما يأتي اليسار الاجتماعي في أوروبا داعما للقضية الفلسطينية، لكنه أقل حماسا من اليسار الجذري، حيث يركز في نظريته السياسية على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والتضامن مع الأقليات وحماية حقوق الضعفاء، والدعوة إلى زيادة دور الدولة في تقديم الخدمات الأساسية من صحة وتعليم.

هذا اليسار يدخل في التحالفات السياسية، ويشارك في تشكيل الحكومات الائتلافية، لذلك نجد أن مواقفه تكون أقل حدة في مواجهة جرائم الكيان الصهيوني، ويكون أقل حماسة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني.

ثم يأتي بعد ذلك اليسار الديمقراطي الذي يحاول الجمع بين القيم الاشتراكية الاقتصادية والديمقراطية التشاركية، ويدعم العدالة الاجتماعية عبر الديمقراطية، ويدعم فكرة الاقتصاد المختلط بين السوق الحر، وقيام الدولة بتقديم الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، كما يدعم حقوق الإنسان، والحقوق المدنية، ودعم الأقليات وحقوقهم.

هذا اليسار بالعادة هو من يقود التحالفات في تشكيل الحكومات، لذلك يكون أقل تفاعلا من اليسار الجذري في دعم القضية الفلسطينية، والانحياز لحقوق الشعب الفلسطيني.

2- تفاعل جيل "زد" في أوروبا

يتفاعل الجيل المولود ما بين عام 1997 وعام 2012، والذي تتراوح أعماره ما بين 13 سنة إلى 28 سنة، والمعروف بجيل "زد" بشكل كبير مع القضية الفلسطينية، هذا الجيل الذي نشأ على الثورة المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويشكل تقريبا ربع التركيبة السكانية للمجتمعات الأوروبية.

إذ تظهر استطلاعات الرأي أن الجيل الذي تتراوح أعماره ما بين 14 إلى 18 سنة في أوروبا هو الجيل الأكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية والأكثر دعما لحقوق الشعب الفلسطيني، على خلاف الأشخاص الأكبر سنا الذين يدعمون القضية الفلسطينية بشكل أقل من الجيل الشاب، إن ظاهرة دعم الجيل الشاب للقضية الفلسطينية تعود لعدة أسباب، أهمها:

سهولة الوصول للمعلومة: فالشعوب الأوروبية كانت في السابق تعيش تحت سطوة السيطرة الإعلامية الإسرائيلية التي استغلت رواية "الهولوكوست" لتبرر كل أعمال إسرائيل وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني.

فمع بدء عصر الثورة المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي، وسهولة وصول المعلومة بعدة أشكال (الصوت والصورة والفيديو)، انقلب المشهد السياسي في أوروبا لدى الجيل الشاب، وبدأ يشاهد ما يجري في فلسطين على حقيقته، بعيدا عن سيطرة الإعلام الموجه الذي يمرر ما يريد، ويقص ويخفي ما يريد.

المنظومة التعليمية الغربية للجيل الحديث: التي تقدس حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، حيث وجدت الفئة الشابة في القضية الفلسطينية ومظلومية شعبها الصورةَ الواقعية الواضحة في الانحياز لحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية في أعلى تجلياتها الإنسانية. المنظومة الفكرية الأوروبية الحديثة التي تركز على حقوق المرأة وحقوق الأطفال، فكان التعاطف مع الضحايا كبيرا في غزة، خاصة أن هناك أكثر من 12 ألفا و400 طفل استشهدوا في الحرب وأكثر من 1236 امرأة فلسطينية سقطت في هذه الحرب، مما زاد من نسبة التعاطف الكبير من قبل الجيل الشاب مع الضحايا الفلسطينيين. اهتمام الشباب الأوروبي بالقضايا العالمية وشعورهم أن هناك ترابطا كبيرا في القضايا الإنسانية، جعل الاهتمام بالقضية الفلسطينية والإبادة الجماعية التي تتصدر الإعلام العالمي، محط اهتمام الشباب ودعمهم لها واهتمامهم بها. ارتفاع نسبة الهجرات العربية بعد الربيع العربي إلى أوروبا، وخاصة من الطبقات المتوسطة، واندماج الجاليات العربية في المجتمعات الأوروبية مما ساهم في إعادة تشكيل قناعات الشعوب الأوروبية حول القضية الفلسطينية، ونشر معاناة الشعب الفلسطيني وتعزيز الرواية الفلسطينية عن أصل وجوهر الصراع ومظلومية الشعب الفلسطيني. إعلان 3- التناقض بين ما هو رسمي وما هو شعبي أوروبيا

رغم أن هناك انسجاما كبيرا ما بين ما هو رسمي وما هو شعبي في دعم القضية الفلسطينية في دولة مثل إسبانيا، فإن هناك أيضا مواقف رسمية أقل اهتماما من مواقف شعوبها في نصرة القضية الفلسطينية.

لكنّ هناك أيضا تناقضا فجا بين ما هو رسمي وما هو شعبي من القضية الفلسطينية، مثل إيطاليا، وألمانيا، وهولندا، رغم المواقف الشعبية الداعمة بشكل كبير لهذه الدول للشعب والقضية الفلسطينية، فإن مواقف الحكومات الألمانية، والإيطالية، والهولندية على وجه الخصوص مخالفة لمواقف شعوبها.

إذ تعتبر إيطاليا، وألمانيا، وهولندا من أكثر الدول التي خرجت فيها المظاهرات لدعم القضية الفلسطينية، لكن حكومات هذه الدول لم تتخذ المواقف الحقيقية والصادقة تجاه القضية الفلسطينية. فهي لم تعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر/أيلول الماضي كما فعلت معظم الدول الأوروبية، كما أن مواقفها من إدانة جرائم إسرائيل خجولة لم ترتقِ إلى مستوى تطلعات الشعوب الأوروبية ومطالبها في الوقوف في وجه قادة الحكومة الإسرائيلية وملاحقتهم في جرائم الحرب.

لكن لماذا هذا التناقض ما بين المواقف الرسمية والشعبية في بعض دول أوروبا من القضية الفلسطينية؟

يمكن تفسير هذا التناقض بعدة عوامل:

الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين، هي 5 دول أوروبية، أبرزها ألمانيا، وهولندا، وإيطاليا، وجميع هذه الدول محكومة من حكومات وسط اليمين وتشارك بها أحزاب يمينية متطرفة، ومعلوم أن حكومات اليمين وحكومات وسط اليمين في أوروبا أقل اهتماما بالقضية الفلسطينية والمبادئ الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

إذ تركز هذه الحكومات على المحافظة على الهويات الوطنية ومواجهة الهجرات ووضع البرامج الاقتصادية لرفاه شعوبها، ولا تهتم بالقضايا الإنسانية وحقوق الإنسان بشكل كبير، خاصة إذا تعلق الأمر بالشعوب الضعيفة.

حجم التبادل الاقتصادي بين أوروبا وإسرائيل، إذ بلغ حجم التبادل الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل أكثر من 45 مليار يورو، مما يجعل المصالح الاقتصادية مقدمة على القيم الإنسانية والانحياز لحقوق الإنسان، خاصة لدى الحكومات التي تمتاز بالأيديولوجيا اليمينية وحتى لدى حكومات وسط اليسار الأكثر براغماتية في التعامل مع المواقف السياسية. الشعور بـ "عقدة الذنب"، وخاصة في دولة مهمة مثل ألمانيا، إذ استطاعت إسرائيل أن تنسج من رواية "المحرقة" معاناة إنسانية تجعل ألمانيا تعيش عقدة ذنب دائمة لا يمكن تجاوزها، خاصة مع تحويل فكرة معاداة السامية إلى فكرة مقدسة يصعب المساس بها، مما يجعل ألمانيا دائما في خانة الاتهام، وتبقي جريمة المحرقة ماثلة أمامها على الطاولة في كل قرار يمكن أن تتخذه بخصوص القضية الفلسطينية. موقف الولايات المتحدة الأميركية المنحاز بشكل فج لدولة إسرائيل، إذ إنها الدولة الأكثر استخداما "الفيتو" في حماية إسرائيل، فقد استخدمت حق النقض (الفيتو) 114 مرة، منها 80 مرة لمنع إدانة إسرائيل، و34 مرة ضد قوانين تساند حق الشعب الفلسطيني.

وهي الدولة الوحيدة دائمة العضوية في مجلس الأمن التي لا تعترف بالدولة الفلسطينية بشكل رسمي، ومعلوم حجم المصالح الاقتصادية والعسكرية والأمنية التي تربط الولايات المتحدة بدول الاتحاد الأوروبي وخاصة الدول الكبرى.

ما حصل في غزة من حرب إبادة جماعية، وفي ظل انتشار الإعلام البديل المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي، وتصاعد دور اليسار في أوروبا على المستويين؛ الشعبي، والرسمي، وظهور طبقة جيل "زد" المتحررة من المواقف السياسية والإشكاليات والعقد الفكرية التي نشأت وتشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن من كل ذلك تشكيل تيار أوروبي رسمي ونخبوي وشعبي داعم للقضية الفلسطينية، إن أحسن حَمَلة القضية الفلسطينية الاستثمار في الإعلام لتعزيز الرواية الفلسطينية، مما يخلق حالة من التوازن على المستوى الدولي في دعم القضية الفلسطينية، وحقوق شعبها المظلوم.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات فی دعم القضیة الفلسطینیة حقوق الشعب الفلسطینی بالدولة الفلسطینیة للقضیة الفلسطینیة الشعوب الأوروبیة حقوق الإنسان الجیل الشاب هذا الیسار هذه الدول فی أوروبا أکثر من ما بین

إقرأ أيضاً:

إسرائيل: الجثة التي أعادتها حماس لا تعود لأي من المختطفين في غزة

زعمت السلطات الإسرائيلية أن رفات الجثة التي أعادتها حركة حماس، مساء الإثنين، لا تعود لأي من المختطفين الثلاثة عشر المحتجزين في قطاع غزة.

 

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن معهد الطب الشرعي يواصل فحص الرفات لتحديد ما إذا كانت تعود لأحد الإسرائيليين الذين أُعيدوا للدفن سابقًا داخل إسرائيل.

وأفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن القيادة السياسية ستعقد اجتماعًا عاجلًا اليوم لمناقشة الرد على ما وصفته بـ"الانتهاك من جانب حماس"، مشيرةً إلى أن إسرائيل تبحث فرض عقوبة فورية محددة.

ونقلت القناة عن مصدر سياسي قوله: "لن تنتظر إسرائيل أكثر من ذلك، وستتخذ إجراءات رادعة حيال هذا التصرف".

مقالات مشابهة

  • رشيد:موقف العراق ثابت تجاه القضية الفلسطينية
  • هند الضاوي: الفوضى الداخلية بإسرائيل تخدم القضية الفلسطينية
  • الجامعة العربية: ندعو إلى وقف إطلاق النار في الفاشر السودانية التي تتعرض لحصار من قوات الدعم السريع
  • NYT: كيف تبنى المرشح لعمدة نيويورك زهران ممداني القضية الفلسطينية؟
  • مايا مرسى: المخدرات العابرة للحدود من أهم التحديات التي تواجه العالم
  • إسرائيل: الجثة التي أعادتها حماس لا تعود لأي من المختطفين في غزة
  • بسام راضي: شباب أوروبا إحساسهم زاد بالقضية الفلسطينية.. فيديو
  • إسرائيل تُحرّض أوروبا على وقف دعمها المالي للسلطة الفلسطينية
  • الدول التي لديها أكبر عدد من السفارات حول العالم (إنفوغراف)