هل سَبق علمُ النحو علمَ المعاجم؟ أم أنّهما جاءا بشكلٍ متزامن، المعروف أنّ العالم اللّغوي أحمد بن خليل الفراهيدي هو عالمٌ رائدٌ في الحقلين، فالدراسات التأريخية تشير إلى جهود متزامنة له في علمي النحو والمعاجم، إلا أنّ المدارس المنبثقة عن علم النحو كانت أوسع انتشاراً وأكثر حضوراً بعد أن نَظّمت هذا العلم ووضعت أصولَه وقواعده بفضل مدرستي البصرة والكوفة، فظهر هناك تباينٌ في القول النحوي وفي قواعده المعيارية، نتيجة تَنوّعٍ في فلسفات تلك المدارس النحوية وفي منهجياتها، تبعاً لآراء علماء كل مدرسة من هاتين المدرستين كالفراهيدي وسيبويه والفراء والكسائي وسواهم.

..، فقد أخذوا بالاعتبار حين وضعوا القواعد النحوية المعيارية شيئاً من التداول اللغوي وأيضاً اختلاف السياقات والقرائن المحيطة بمتحدِّثي العربية، فظلّ النحو العربي الضابط والحارس الأهم لسلامة اللغة وصوابيّتها. 
شرارة الانطلاق كانت حينَ لاحظ أبو الأسود الدؤلي واضِعُ أركان علم النّحو الأول بتوجيه من الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - وجودَ اختلافٍ في فهم مُحدِّثه في جملةٍ حَملت دلالتي الاستفهام والتعجب في ذات الوقت، فقد راحت القصة تنتشر وتُدرّس ويستشهد بها نحوياً، وهي جملة «ما أجمل السماء»، فقد فرض ذلك الالتباس أهلية وجود معيارية صارمة لقواعد الإعراب وفق حالتي التعجب والاستفهام وغيرها... وذلك تبعاً للسياق المقامي.
لكن في المعجم كان الأمر مختلفاً بعض الشيء، فقد كانت المعاجم، خاصةً تلك التي جاءت بعد معجم العين للفراهيدي، والذي تُعرف دوافع تأليفه وسلامة منهجيته، كانت تزيدُ من رقعة اللفظ اللغوي كلما اطّرد التداول الذي ولّد معه ألفاظا جديدة وصلت حدّ الغرابة وقلّة الاستعمال، فهناك ألفاظ كثيرة مَنحوتة ومهجورة رغم عدم خروجها عن الأصل اللغوي، والسبب كما يراه بعض علماء الاستشراق اللغوي يَكمُن في أن المعاجم العربية قد أدخلت ألفاظا نادرة الاستعمال، كان قد ابتكرها أصحاب المهنة والحِرف، فمنها على سبيل المثال ألفاظ الخيل وأوصافه، فكثيراً ما نجد أسماء تدل على الخيل وهي في حقيقة الأمر أوصاف أطلقها أصحابها على خيلهم، إذ لم تكن ألفاظاً وليدة مجتمع تداولي متجانس، وهو ما برّر كثرة الأسماء والأوصاف وتعدّدها في المعجم العربي، لكن في الحوسبة الحديثة صار يمكن ضبط مدونة الأوصاف والمسميات والألقاب تلك في حال تعاون المدونون مع الحاسوبيين لحصر تلك الألفاظ وتمييز الأصيل والشائع من الطارئ والدخيل.
*أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أخبار ذات صلة اختتام الدورة الثانية من «دبي الدولية للمكتبات والنشر» «مهرجان الشيخ زايد».. ملتقى ثقافات العالم

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: نزار قبيلات الثقافة

إقرأ أيضاً:

سعد الدين الهلالي: الدولة المصرية القديمة كانت دولة موحدة

قال الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الدولة المصرية القديمة كانت دولة موحدة، وما فعله المصريون هو رد اعتبار لأجدادنا في عقيدتهم، وعندما يخرج شيخ الأزهر وتخصصه عقيدة، ووزير الأوقاف، وتخصصه الحديث، وهما أصعب تخصصين، فنحن أمام مباركة دينية لهذه الآثار.

"السياحة": أغطية المتحف الكبير البلاستيكية مخلفات مؤقتة لحفل الافتتاح.. والشركة بدأت إزالتهابعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. زاهي حواس يدعو لتغيير قوانين اليونسكو واستعادة نفرتيتي وحجر رشيد

وأضاف سعد الدين الهلالي، في برنامج "الحكاية" مع الإعلامي عمرو أديب، على فضائية "ام بي سي مصر"، أن رموز المصريين القدماء ليست وثنية، لأن هذه الرموز موجودة في الإسلام، ولهذا شعار الهلال يرمز للإسلام، وهو ليس موجود على عهد النبي ولا في أي عهد آخر، ولهذا لا يمكن أن نقول أن رمز الهلال وثنية.

وأشار إلى أن الشعب المصري لأول مرة يجتمع بعد انتصار 73 على فرحة، وهذا ما جعل الاتجاه السلفي والإخواني يحتضرون، لأنهم بذلوا جهد كبير في استقطاب الشعب واختطافه في الإسلام الضيق، لأنهم يتاجرون بالدين ويسعون إلى الحكم.

طباعة شارك سعد الدين الهلالي المتحف الآثار الإخوان السلفيين المصريين

مقالات مشابهة

  • بملتقى الوحدة الشتوي السابع:سحب قرعة بطولات الجامعات وكليات المجتمع والأحياء الشعبية
  • عادل حقي: موسيقى "المنبر" كانت تحديًا كبيرًا
  • سعد الدين الهلالي: الدولة المصرية القديمة كانت دولة موحدة
  • هل كانت حضارة مصر وثنية؟ عالم أزهري يرد على المُتشددين بالأدلة القرآنية
  • تواجه حكما بالحبس.. الاقتصادية تحدد مصير هدير عبد الرازق الأربعاء المقبل
  • عُمان وإيران تبحثان تعزيز التعاون الصّناعي والتّجاري
  • سفير فلسطين لدى روسيا: اتفاق وقف إطلاق النار بغزة يعمل على النحو المنشود
  • سلطنةُ عُمان وإيران تبحثان تعزيز التعاون الصّناعي والتّجاري
  • محافظ القاهرة: العقود الماضية كانت شاهدة على عمق وتميز العلاقات المصرية اليابانية