جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-04@03:08:07 GMT

الاشتراكية في قلب نيويورك!

تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT

الاشتراكية في قلب نيويورك!

 

 

 

ناصر بن جمعة الزدجالي

 

جرت العادة أن تكون انتخابات اختيار عمدة أي مدينة شأن محلي، حتى وإن كانت هذه المدينة أمريكية، وتتعلق بنيويورك، عاصمة المال والأعمال، إلّا أن الأمر بالنسبة للانتخابات القادمة بهذه المدينة الهامة يعد حالة استثنائية ومختلفة كليا.

 

لقد أصبح لهذه الانتخابات وقع خاص؛ حيث تحظى تطوراتها بمتابعة وترقب، وباتت نتائجها محط أنظار العالم، وذلك لما لها من تداعيات وانعكاسات على مستقبل السياسة الأمريكية وربما بالعالم أجمع.

تطرح هذه الحالة أسئلة كبرى، فهل يمكن لمدينة المال والأعمال والبورصات أن تنتخب عمدة اشتراكيًا مسلمًا يرفع شعار العدالة الاجتماعية بدل الأرباح؟

السؤال لم يعد افتراضًا طوباويًا؛ فمع اقتراب انتخابات الرابع من نوفمبر، تبدو نيويورك- التي طالما كانت رمزًا للرأسمالية الأمريكية- على أعتاب لحظة سياسية غير مسبوقة. في قلب هذا الزلزال الانتخابي يقف زهران ممداني، المرشح الأوفر حظًا لصنع التاريخ؛ حيث تُشير نتائج الاستطلاعات الأخيرة إلى تقدم المرشح المسلم والاشتراكي الديمقراطي نحو الواجهة- إذا لم تشهد الانتخابات مفاجآت كبرى- وبأن المرشح الأوفر حظًا بالفوز بالانتخابات ليصبح أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك. ومع أن هناك أكثر من مسلم وعربي سبق ممداني لهذا الشرف، إلّا أن المكان والزمان والظروف لها مكانة خاصة، فلماذا نيويورك، ولماذا زهران ممداني، ولماذا الآن؟

وهذا المقال يحاول تتبع ومناقشة ذلك!

لعل أهم أسباب الأهمية والاستغراب هي شخصية ممداني نفسه! فلقد جرت العادة على ترشُّح الأسماء ذات التأثير الكبير والسمعة القوية، أو تلك الشخصيات التي تحظى برمزية وكاريزما تمثّل مصالح مدعومة من جهات ذات شأن ونفوذ بالمدينة، إلّا أن ممداني كان استثناءً بكافة المقاييس؛ فالرجل لم يكن معروفًا قبل عدة أشهر ليحظى بكل هذا الزخم، شخصيته عادية، سجله الوظيفي شبه خالٍ، باستثناء عضويته بالجمعية التشريعية لولاية نيويورك، لا يزال في بداية الثلاثينات من عمره وتعليمه عادي جدًا، كما إنه لا ينتمي إلى عالم الأعمال أو البنوك الكبرى أو حتى من المشهورين على شبكات التواصل الاجتماعي. بالرغم من ذلك تمكن ممداني من عمل المستحيل واستطاع كسر احتكار النخب التقليدية. حيث نجح في حشد نحو 90 ألف متطوع إلى حملته ليبثّ فيها روح الحماس والتأييد، وهو ما مكّنه من مخالفة كل التوقعات ومقارعة الكبار وهزيمة كلًا من الحاكم الحالي والسابق للمدينة لينتزع بكل جدارة بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي الأكثر حضورًا بنيويورك للمنصب.

من الأسباب التي لا تقل أهمية عن ما سبق، هي الأيدولوجيا ومجموعة الأفكار والمبادئ  التي يعتنقها ممداني ويروّج لها في حملته الانتخابية! فالمعروف أن نيويورك هي قلعة الرأسمالية ومركز المال والأعمال والاقتصاد الحر بالعالم، وهي المدينة ذات الجالية اليهودية الأكبر والأبرز والأقوى نفوذًا، خارج الأرض المحتلة، ومع ذلك يعرّف ممداني نفسه، وبكل فخر،  على أنه اشتراكي ومن الجناح المتقدم بالحزب الديمقراطي Progressive، وأبرز أجندته تتحدث عن انقلاب في السياسات المعهودة تميل لصالح الطبقة الأقل حظوة بالمجتمع من خلال توفير وسائل نقل مجانية، وتثبيت الإيجارات لمدة خمس سنوات، وفرض ضرائب أكبر على الأغنياء بالمدينة، كما إنه يُعبِّر بوضوح عن آرائه حيال الكيان الصهيوني ويعترف أنه من المُناصرين للقضية الفلسطينية ويتحدث عن الإبادة بغزة؛ بل إنه حتى هدد باعتقال بنيامين نتنياهو إذا حضر للمدينة والعمل على تسليمه للمحكمة الدولية.

ومع كل ما يبدو أنه تناقضات مع الثوابت المُتعارف عليها للسياسة وللحدود بين الاعتقادات الشخصية والمبادئ العامة، استطاع ممداني أن يخترق هذا الجدار الناري ويتجاوز المسلّمات ويواصل مسيرته الكبرى نحو الفوز. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروف بعدوانيته لكل من يعارض توجهاته ويستمتع بسحق خصومه، حاول مرارًا التعرُّض لممداني إلى حد اتهامه بتبني الفكر الشيوعي والتهديد بإسقاط الجنسية الأمريكية عنه، لكنه لم يفلح في كل محاولاته وكانت نتائج تدخلاته عكسية. واستنتج ترامب بسرعة، أنه كلما اشتدّ عداءه لممداني، ازداد الدعم الشعبي لحملته وكأنها ثورة ناعمة على المنظومة.

ومع أن كل هذه التطورات لا تعد تغييرًا للسياسات السائدة، إلّا أنها مع ذلك تمثل  تحولات مُهمة قد تكون لها تداعيات وتأثيرات كبرى على نهج السياسة الأمريكية مستقبلًا، وذلك على عدة أصعدة مُهمة؛ فهي ثورة على قواعد اللعبة الاقتصادية، لعل أهمها:  بروز الدور المتصاعد لفئة الشباب بالولايات المتحدة الأمريكية والتحرر من بعض ما يعتقد أنها ثوابت راسخة كالرأسمالية المطلقة ودعم إسرائيل ومعاداة الأنظمة التي تختلف مع النهج الأمريكي، إضافة إلى تعزيز فرص صعود الجناح التقدمي الشاب بالحزب الديمقراطي ومواجهة القيادة الحالية والفكر الكلاسيكي للحزب، ناهيك عن تحدي أفكار وتوجهات  الرئيس ترامب ومنافستها بالانتخابات الرئاسية المقبلة. ونظرًا لأن السياسة الداخلية لأمريكا ذات أبعاد عالمية ولها تأثير حاسم على طبيعة النظام والسياسة الدولية، فإنَّ لهذه التطورات أهمية وشأنًا في قادم الأيام.

ومع إننا لا يجب أن نغرق في التفاؤل، ولا بُد من التعلم من التجارب السابقة التي تذكرنا أن الدولة العميقة لن تسمح بكل هذه التطورات دفعة واحدة، كما أن الكثير من العقبات وعلى رأسها العنصرية والتمييز والإسلاموفوبيا لا تزال حاضرة وبقوة. كما إن المفاجآت قد تحدث والتحالفات قد تتم باللحظات الأخيرة لتؤدي إلى وضع عراقيل لعملية الانتخابات، لتتضاءل معها فرص ممداني بالفوز. كما إنه حتى وإن تمكن من الفوز، فإنه قد يُغيِّر من قناعاته أو يتعرض لمضايقات كبرى تحيده عن المبادئ التي سبق وأن أعلنها والوعود التي أطلقها، وهذا أمر طبيعي ومعتاد عليه بالسياسة، إلّا أن المتفق عليه أن شرارة التحوّل قد أُشعلت، وأن نموذجه بدأ بإلهام آخرين في ولايات أخرى، وأن السياسات الحالية لن تصمد طويلًا وستتعرض للتحدي.

إنَّه تحول عميق يرمُز إلى صعود جيل عالمي جديد يُعيد تعريف اليسار في القرن الحادي والعشرين؛ يسارٌ يؤمن بالعدالة والمناخ والسلام أكثر من الشعارات الأيديولوجية. لا شك أن انتخابات نيويورك بتاريخ 4 نوفمبر ستساعدنا لنرى الطريق بشكل أوضح.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

يأكل الكنافة ويتحدث العربية.. تفاعل واسع مع تقدم ممداني بانتخابات نيويورك

تفاعلت المنصات الرقمية مع اقتراب زهران كوامي ممداني من الفوز بمنصب عمدة نيويورك كأول مسلم في تاريخ الولاية الأميركية، وسط تباين في آراء النشطاء والمغردين بشأن هذا المرشح وحملته الانتخابية.

ووفق آخر التحديثات، فإن ممداني يتقدم في الانتخابات المبكرة -التي بدأت قبل أيام وانتهت اليوم- في حين نشرت صحيفة نيويورك تايمز قائمة بأهم استطلاعات الرأي، وأظهرت جميعها تصدره السباق الانتخابي بفارق كبير عن منافسيه.

ونشر ممداني فيديو على حساباته الرسمية وهو يأكل الكنافة النابلسية ويتحدث بالعربية، وأرفق معه عنوان "أنا زهران ممداني، وعم رشِّح حالي لأكون العمدة الجديد في مدينة نيويورك".

وفي التفاصيل، يقدم ممداني نفسه على أنه مرشح الشعب وسياسي جماهيري، واشتهر في معظم خطاباته بالحديث عن معاناة الطبقة الفقيرة في نيويورك.

واعتاد زيارة المساجد بانتظام، فقد دخل أكثر من 180 مسجدا منذ ترشحه، وجعل من عقيدته كمسلم جزءا واضحا من حملته الانتخابية لرئاسة بلدية نيويورك.

لكن قبل دخوله عالم السياسة، كان ممداني مدربا لموسيقى الراب، وعُرف بانتقاده الشديد لإسرائيل، وأسس في جامعته رابطة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين".

وإجمالا، ركزت حملته الانتخابية على 3 أولويات رئيسية: وقف ارتفاع الإيجارات، وتوفير وسائل نقل عام مجانية، وفرض ضرائب على الشركات الكبرى لتمويل الخدمات الأساسية.

وكذلك، وعد ممداني ببناء 200 ألف وحدة سكنية بأسعار رخصية، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارا في الساعة بحلول عام 2030.

تباين الآراء

ورصد برنامج "شبكات" في حلقة (2025/11/2) جانبا من تفاعل المنصات الرقمية مع اقتراب ممداني من الفوز بمنصب عمدة نيويورك في الانتخابات المقررة الثلاثاء المقبل وآراء المغردين.

ومن بين تلك التعليقات، يرى خيري أن ممداني يعبر عن جيل جديد من السياسيين الأميركيين الذين يرفضون العباءة الفكرية الغربية ويسعون جاهدين لتحقيق العدالة فكتب قائلا:

زهران ممداني ظاهرة تعبر عن جيل جديد من السياسيين الأميركيين الذين لا ينتمون إلى المنظومة الفكرية الغربية، ويحاول بناء خطاب جديد يقوم على العدالة ومناهضة الاستغلال.

بواسطة خيري

أما عبد الله فيرى استخدام ممداني اللغة العربية خلال الحملة الانتخابية "دليلا على احترامه وتقديره الجالية العربية في الولايات المتحدة"، مرجحا فوزه في الانتخابات.

خطوة ذكية جدا من ممداني. السياسة فن فهم الناس، واستخدامه للغة العربية دليل احترام وتقدير للجالية العربية في أميركا. لو استمر بهذا الأسلوب القريب من الناس، ففرصه بالفوز كبيرة جدا.

بواسطة عبد الله

وأعرب "سام" عن قناعته بأن تمسك ممداني بجذوره العربية سوف يزعج مناهضيه وكارهيه، متمنيا له التوفيق في السباق الانتخابي.

هو إنت بدون ما تحكي عربي جلطتهم، هلأ (الآن) شو راح يصير فيهم؟ إن شاء الله بتنجح يا برو.

بواسطة سام

لكن "دوفا" يرى في سياسة ممداني الانتخابية محاولة واضحة لكسب أصوات العرب والمسلمين، مدعيا أنه "لا يعرف عن الإسلام شيئا"، كما أنه يدعم الشواذ جنسيا والليبرالية.

تكسب انتخابي واضح، يلامس فيه قلوب المسلمين والعرب، وهو لا يعرف الإسلام لا من قريب ولا بعيد. يدعم المثليين وليبرالي.

بواسطة دوفا

في المقابل، استبعد علي فوز ممداني بمنصب عمدة نيويورك في ظل عزم اليمين الأميركي التصدي له "رغم أنه يحظى بقبول كبير لدى العرب والمسلمين".

الرجال يظهر من الفيديو أن دمه خفيف ومقبول لدى العرب والمسلمين، ولكن أعتقد أن اليمين الأميركي لن يسمحوا له بالفوز.

بواسطة علي

يذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف ممداني بأنه شيوعي مهووس، مضيفا أن "جميع الحمقى يدعمونه"، كما توعد باعتقاله إذا عارض عمليات إدارة الهجرة والجمارك الأميركية.

إعلان

ولم يقتصر هجوم ترامب على ممداني بالتصريحات، فقد هدد بقطع التمويل الفدرالي عن مدينة نيويورك إذا فاز في الانتخابات الحالية.

مقالات مشابهة

  • انتخابات عمدة نيويورك.. زهران ممداني لـCNN عن تأييد ترامب وماسك لكومو: يريدان دمية
  • 26 مليارديرا أميركيا يسعون لخسارة ممداني منصب عمدة نيويورك
  • الأوفر حظًا لمنصب عمدة نيويورك.. من هو المرشح الديمقراطي زهران ممداني؟
  • يأكل الكنافة ويتحدث العربية.. تفاعل واسع مع تقدم ممداني بانتخابات نيويورك
  • ممداني يتقدّم السباق إلى رئاسة بلدية نيويورك
  • زهران ممداني يتقدم مجددا في سباق عمدة نيويورك
  • ممداني يتقدم السباق إلى رئاسة بلدية نيويورك
  • زهران ممداني المرشح الأقوى لعمدة نيويورك.. لماذا يدعمه غالبية يهود المدينة؟
  • انتخابات عمدة نيويورك 2025.. من هو المرشح الديمقراطي زهران ممداني الأبرز؟