ليست جغرافيا.. بل روح
تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT
حمود بن سعيد البطاشي
في خريطة الوطن، قد تتشابه الولايات في تضاريسها، وجبالها، وأوديتها، ولكن ما يُميز كل ولاية ليس موقعها الجغرافي، بل الروح التي تسكنها، والنبض الذي يحرك أهلها نحو البناء والعطاء.
فالولاية الحيَّة ليست تلك التي تُرسم حدودها بالمسطرة، بل التي تُرسم ملامحها بسواعد رجالها ونسائها، بعزيمة شبابها، وبإخلاص من آمن أن الانتماء ليس شعورًا يُقال؛ بل مسؤولية تُمارس.
                
      
				
في كل زاوية من ولاياتنا العُمانية حكاية نجاحٍ بدأت بفكرةٍ صغيرة، وكبرت بالعزيمة، وتحققت بالصبر والمثابرة. وما دماء والطائيين إلا مثالٌ حيّ على ذلك.. ولايةٌ عرفت كيف تُحافظ على ماضيها، وتزرع الأمل في حاضرها، وتمضي بخطى واثقة نحو مُستقبلٍ أكثر إشراقًا.
هنا لا يتحدث الناس عن التحديات بقدر ما يتحدثون عن الفرص، ولا ينتظرون الحلول من الخارج لأنهم يؤمنون أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، من روح التعاون، ومن لحظة صدقٍ تُولد فيها فكرة تخدم الجميع.
إنّ مفهوم الولاية لا يكتمل دون المواطنة الفاعلة؛ فالمسؤولية لا تقتصر على المؤسسات الرسمية وحدها، بل تمتد لتشمل كل فردٍ يرى في المكان امتدادًا لذاته. حين يعمل المواطن بضمير، والمسؤول بأمانة، ورجل الأعمال بإخلاص، والمثقف بفكرٍ واعٍ، حينها فقط تتحول الولاية إلى نموذجٍ وطنيٍ ملهم؛ فالنجاح لا يُصنع بالشعارات ولا بالتصفيق، بل بالتخطيط والعمل والاستمرارية، وبأن يتعامل كل شخص مع موقعه في المجتمع كقطعة من لوحة الوطن الكبرى.
في ولايتنا الغالية، حين تتلاقى الإرادة مع النَّية الطيبة، تولد مشاريع تمشي على الأرض: ممشى عام يربط الناس بالرياضة واللقاء، وقريةٌ قديمة تُعاد إليها الحياة بروحٍ تراثيةٍ متجددة، وشبابٌ يبتكرون فرصًا من رحم الواقع الصعب.
وهنا نكتشف أن التنمية ليست ميزانية تُخصص فقط، بل ثقافة عملٍ جماعي يتقنها من يُؤمن بالهدف قبل أن يطالب بالنتيجة.
لقد آن الأوان أن نُعيد صياغة مفهوم "الولاية" في أذهاننا. فالولاية ليست مجرد أرضٍ نعيش فيها، بل هي هويةٌ تُشكّلنا، ومسؤوليةٌ تُحاسبنا، وتاريخٌ يُلزمنا أن نواصل المسيرة. هي الأم التي تحتضن أبناءها جميعًا بلا تفرقة، وتفرح بإنجاز كل واحدٍ منهم كما لو كان إنجازها هي.
ومن هنا تبدأ روح التنافس الإيجابي بين الولايات، لا في من يملك أكثر؛ بل في من يخدم أكثر ويُعطي بصدقٍ أكبر.
وحين تكون الولاية بهذا الوعي، لا تعود بحاجة إلى من "يتحدث باسمها"، لأنّ إنجازاتها تتحدث عنها. يصبح الطريق المعبد رمزًا للتعاون، والمجلس العام ساحة للحوار، والمشروع الصغير درسًا في الإصرار.
وحين تتوحد الجهود، تسقط الفوارق بين المواطن والمسؤول، لأنّ الهدف واحد: أن تبقى عُمان جميلة، من المركز إلى الأطراف.
إنّ روح الإنجاز لا تُستورد، ولا تُفرض بقرارات؛ بل تُزرع في القلوب. تبدأ من فكرةٍ صادقة يهمس بها أحدهم في مجلس، لتصبح مشروعًا يتحدث عنه الجميع. تبدأ من مبادرة شاب، ومن اقتراح شيخٍ حكيم، ومن يدٍ تمتد بالعون لا باللوم.
وحين تتكاتف القلوب بهذا الإيمان، تصبح كل ولايةٍ عُمانية منارةً صغيرة في وطنٍ كبير، تضيء طريق التنمية وتُعلي راية الانتماء الصادق.
إننا بحاجة إلى أن نؤمن أن الولاية ليست جغرافيا نُقيم فيها؛ بل روحٌ تُقيم فينا. وحين نحملها في قلوبنا بهذا الإحساس، سنرى أن كل خطوةٍ نحو الإصلاح هي عبادة، وكل لبنةٍ في البناء صدقة، وكل كلمةٍ صادقة في سبيل الخير جهادٌ في سبيل الوطن.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وصول 642 نازحًا من الفاشر إلى الولاية الشمالية
الأسر الفارة من ويلات الحرب لجأت إلى الولاية الشمالية بحثًا عن الأمان، لكنها تواجه تحديات معيشية تفوق قدرة المجتمعات المستضيفة على الاستجابة، مع توقعات بتضاعف أعداد الوافدين خلال الأيام المقبلة..
التغيير: الخرطوم
أعلنت شبكة أطباء السودان، عن وصول 642 نازحًا من مدينة الفاشر إلى منطقة الدبة بالولاية الشمالية، بعد رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر جراء ما وصفتها بـ”المجازر التي ترتكبها قوات الدعم السريع في الفاشر”.
وأكدت الشبكة، عبر بيان السبت، أن النازحين يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة بسبب انعدام المأوى ونقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب وغياب الخدمات الصحية، خاصة بين الأطفال والنساء وكبار السن.
وأضاف البيان أن الأسر الفارة من ويلات الحرب لجأت إلى الولاية الشمالية بحثًا عن الأمان، لكنها تواجه تحديات معيشية تفوق قدرة المجتمعات المستضيفة على الاستجابة، مع توقعات بتضاعف أعداد الوافدين خلال الأيام المقبلة نتيجة استمرار تدهور الأوضاع في دارفور.
وناشدت الشبكة السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية والإغاثية داخل السودان وخارجه التحرك العاجل لتقديم المساعدات الطبية والغذائية، وتوفير المأوى والدعم النفسي والاجتماعي للنازحين، محذّرة من انهيار الوضع الإنساني بشكل كامل إذا لم تُتخذ إجراءات فورية.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه مدينة الفاشر عقب سيطرة الدعم السريع عليها الأحد الماضي تصعيدًا خطيرًا في أعمال العنف والانتهاكات ضد المدنيين، ما أدى إلى موجات نزوح متزايدة نحو ولايات أكثر استقرارًا، وسط عجز واضح في الاستجابة الإنسانية.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، يشهد السودان واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، إذ تجاوز عدد النازحين داخلياً 7 ملايين شخص، فيما لجأ أكثر من 4 ملايين إلى دول الجوار، وفق تقديرات الأمم المتحدة. وتُواجه الأسر الفارة أوضاعاً إنسانية كارثية بسبب انعدام المأوى والغذاء والخدمات الصحية، وسط ضعف الاستجابة الإنسانية وتراجع التمويل الدولي، ما جعل الأزمة السودانية تُصنَّف كـ«أكبر كارثة إنسانية حالية على مستوى العالم».
الوسومالأزمة الإنسانية في السودان النازحون الولاية الشمالية جرائم الدعم السريع في الفاشر حرب الجيش والدعم السريع