هل ينتقض وضوء المرأة الحامل بالقيء؟.. الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 4th, November 2025 GMT
ورد الى دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم نقض الوضوء بالقيء؟ فهناك امرأةٌ حاملٌ في الشهر الثالث، وتعاني من قيء الطعام بعد تناوله، وتسأل: هل يُنتقض بذلك وُضوؤها؟
وأجابت الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: وضوء المرأة الحامل المذكورة لا ينتقض بقيء الطعام بعد تناوله، قليلًا كان القيءُ أو كثيرًا، ولا إثم عليها في ذلك ولا حرج، مع استحباب تجديدها الوضوء حالَ قدرتها على ذلك.
                
      
				
الطهارة شرط لصحة الصلاة
حرص الشرع الشريف على دوام الصلة بين العبد وربه من خلال الصلاة التي هي من أوجب الواجبات، وأجَلِّ الطاعات، وآكد الأركان بعد الشهادتين، ففيها يقف المسلمُ بين يَدَي ربه عَزَّ وَجَلَّ وهو خاشِعٌ له بقلبه، خاضِعٌ بجوارحه، مستحضِرٌ لجلاله سبحانه وعَظَمته، مُقْبِل بكُلِّيته على الله تعالى، إلا أن هذه العبادة لا تَتَأَتَّى إلَّا مع الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر التي هي شرط لصحة الصلاة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» أخرجه الشيخان.
حكم نقض الوضوء بالقيء
من أكثر الأعراض المُصاحبة للحمل ذيوعًا وانتشارًا: "القيء" الذي يحدث عادة بسبب التَّغيُّرات الهرمونية في جسد المرأة أثناء الحمل، والقيء من جملة النَّجاسات شرعًا، كما نَصَّ على ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشَّافعية والحنابلة، مع قصر المالكية أمر الحُكم بنجاسة القيء على المُتغير منه عن حالة الطعام -وذلك بتغيُّر أحد أوصافه- دون غيره. ينظر: "بدائع الصَّنائع" للإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي (1/ 24، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية الإمام العَدَوِي المالكي على كفاية الطالب الرباني" (1/ 129، ط. دار الفكر)، و"تحفة المحتاج" لشيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الْهَيْتَمِي الشافعي (1/ 294، ط. المكتبة التجارية الكبرى، مع "حاشية الإمام الشَّرْوَانِي")، و"شرح منتهى الإرادات" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (1/ 70، ط. عالم الكتب).
هذا بالنسبة لنجاسته، أمَّا بالنسبة لكونه ناقضًا للوضوء من عدمه، وما إذا كان هذا النقض على إطلاقه أو مُتَوَقفًا على أمر آخر، فذلك محل خلافٍ بين الفقهاء على أقوال ثلاثة، ولكل منهم مُتَّكأ شرعي استند إليه، وبيان هذه الأقوال ما يأتي:
-القول الأول: التَّفرقة بين قليل قيء الطَّعام وكثيره، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة في المشهور، على تفصيل بينهم في ذلك.
فأمَّا كثير القيء فإنَّه ناقض للوضوء، على خلافٍ بينهم أيضًا في حد الكثرة الذي يَحصل به نقض الوضوء.
فالحنفية قد جعلوه ناقضًا للوضوء حال امتلاء فم المُتَقَيِّءِ به، مع اختلافهم في الضَّابِط الذي يحصل به الامتلاء من عدمه، فالصحيح أنه يُقَدَّر بوصول الإنسان إلى حالة يَغْلبه خروج القيءِ فيها، بحيث لا يستطيع إطباق الفم عليه فيتسارع ما في فمه إلى الخروج، والأصح أنه يُقَدَّر بما يَحُول دون قدرة الإنسان على الكلام.
وأمَّا الحنابلة في المشهور فجعلوا حدَّ الكثرة منوطًا بما يأنفه كلُّ إنسان ويَسْتَهْجِنه من نفسه، وبذلك يكون معيارُ القلة والكثرة عندهم معيارًا شخصيًّا يتفاوت بتفاوت الأشخاص، على أن المُعتبر في ذلك هو نفوسُ أَوَاسِطِ النَّاس، أي: أصحاب الطِّباعِ السَّليمة دون المُوَسْوِسِين ونحوهم.
وأمَّا قليل القيء -وهو ما دون ذلك- فإنَّه غير ناقض للوضوء.
قال الإمام أبو بكر الزَّبِيدِي الحنفي في "الجوهرة النَّيِّرة" (1/ 9، ط. المطبعة الخيرية): [والقيء خمسة أنواع: ماء، وطعام، ودم، ومُرة، وبلغم. ففي الثلاثة الأُوَل ينقض إذا ملأ الفم، ولا ينقض إذا كان أقلَّ من ذلك] اهـ.
وقال الإمام شَيْخِي زَادَه الحنفي في "مجمع الأنهر" (1/ 18، ط. دار إحياء التراث العربي) مُبَيِّنًا نواقض الوضوء: [(والقيء ملء الفم) واختلف في حَدِّه، والصحيح أنه ما لا يقدر على إمساكه، وقيل: لا يمكن الكلام به، وهو الأصح، كما في "التبيين"] اهـ.
وقال الإمام شمس الدِّين الزَّرْكَشِي الحنبلي في "شرحه على مختصر الإمام الخِرَقِي" (1/ 252، ط. مكتبة العبيكان) مُوَضِّحًا حكم القيء إن كان قليلًا: [فإن كان غير فاحش لم ينقض على المشهور من الروايتين] اهـ.
وقال الإمام أبو السَّعَادَات البُهُوتِي الحنبلي في "الروض المربع" (ص: 36، ط. مؤسسة الرسالة) مُعَدِّدًا نواقض الوضوء: [(خارج من بقية البَدَن) سوى السبيل (إن كان بولًا أو غائطًا) قليلًا كان أو كثيرًا (أو) كان أبيض (كثيرًا نجسًا غيرهما) أي غير البول والغائط، كقيء ولو بحاله... والكثير ما فَحُشَ في نفسِ كلِّ أحدٍ بحسبه] اهـ.
وقال في "كشاف القناع" (1/ 146، ط. دار الكتب العلمية) مُبَيِّنًا ما ينقض الوضوء: [(وإن كانت) النجاسات الخارجة من غير السبيلين (غير الغائط والبول، كالقيء... لم ينقض إلا كثيرُها) أما كون الكثير ينقض فلقوله عليه السلام في حديث فاطمة «إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة» رواه الترمذي؛ ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل، وأما كون القليل من ذلك لا ينقض، فلمفهوم قول ابن عباس في الدم إذا كان فاحشا فعليه الإعادة. قال أحمد عدة من الصحابة تكلموا فيه، وابن عمر عصر بثرة فخرج الدم فصلى ولم يتوضأ، وابن أبي أوفى عصر دملا وذكر غيرهما ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعا. (وهو) أي: الكثير (ما فحش في نفس كلِّ أحد بحسبه) نص عليه، واحتج بقول ابن عباس: "الفاحش ما فحش في قلبك"، قال الخَلَّال: إنه الذي استقر عليه قولُه، قال في "الشرح": لأن اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيرُه حرجٌ، فيكون مَنْفِيًّا. وقال ابن عَقِيل: إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس] اهـ.
-القول الثاني: عدم انتقاض الوضوء بالقيء مُطْلقًا، دون قيدٍ أو شرطٍ أو نظرٍ في قدر القيء أو كميته أو نوعه أو غير ذلك، وهو مذهب المالكية والشَّافعية، مع استحباب تجديد الوضوء منه عند الشَّافعية.
قال الشيخ عليُّ بن خَلَفٍ المُنُوفِي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 129، مع "حاشية العلامة العَدَوِي"): [(الوضوء يجب) وجوب الفرائض (لِمَا) أي: لأجْل الشيء الذي (يخرج) معتادًا على وفق العادة (من أحد المَخْرَجَين) المُعتادَين: القُبُل والدُّبُر، وقيدنا.. بالمُعتادَين؛ لنحترز عما يخرج من غيرهما، كدم الفصادة والحجامة، والقيء المتغير عن حالة الطعام] اهـ.
قال الإمام العَدَوِي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: والقيء المتغير.. إلخ) أي: فلا ينقض] اهـ.
وقال الشيخ عِلِيش المالكي في "منح الجليل" (1/ 115-116، ط. دار الفكر): [(لا) يُنْقَض الوضوء.. بـ(قيء)] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الرَّمْلِي الشافعي في "نهاية المحتاج" (1/ 110، ط. دار الفكر): [ولا نقض أيضًا بالنجاسة الخارجة من غير الفَرْج، كقيء] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 195، ط. دار الكتب العلمية) مُبَيِّنًا ومُعَدِّدًا ما يُسن الوضوء منه: [ويُسن مِن.. قيء] اهـ.
القول الثالث: انتقاض الوضوء بالقيء مطلقًا، قليلًا كان أو كثيرًا، وهو قول الإمام زُفَر من الحنفية، والحنابلة في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
قال الإمام شَيْخِي زَادَه الحنفي في "مجمع الأنهر" (1/ 18) مُبَيِّنًا قول الإمام زُفَر في مسألة نقض الوضوء بالقيء: [وقال زُفَر: قليله وكثيره سواءٌ في نقض الوضوء] اهـ.
وقال الإمام شمس الدِّين الزَّرْكَشِي الحنبلي في "شرحه على مختصر الإمام الخِرَقِي" (1/ 253) مُوَضِّحًا حكم القيء إن كان قليلًا: [الرواية الثانية: ينقض] اهـ.
المختار للفتوى في حكم نقض الوضوء بالقيء
لَمَّا كان الحملُ مشقةً عادةً، ولا يخفَى على أحدٍ ما تعانيه المرأةُ في فترة الحمل من الوَهَن والألم، كما وصفها الحق تبارك وتعالى في غير موضِع في كتابه العزيز مُبَيِّنًا حالها أثناء حمل جنينها، وذلك في نحو قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: 14]، وقوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: 15]، فإن المُخْتارَ للفتوى هو القول بعدم انتقاض الوضوء بالقيء مطلقًا، مع استحباب تجديد الوضوء منه متى تَيَسَّر ذلك، ولا تُكَلَّف الحاملُ -أو مَن هو في مثل حالها- عناء البحث والنَّظَرِ عن كمية القيء ونوعه، وهذا هو الأوفق لسِمَة التخفيف والتيسير ورفع الحرج عن المكلفين؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وعملًا واقتداء بالنبي الشَّفيع صلى الله عليه وآله وسلم في أخذه بالأيسر، ما لم يكن في ذلك انتهاكُ حُرمة أو تضييعُ فريضة، فعن السَّيِّدة عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّها قالت: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ» متفق عليه.
وعن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» أخرجه الإمام البُخَارِي.
وأكدت بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: أن وضوء المرأة الحامل المذكورة لا ينتقض بقيء الطعام بعد تناوله، قليلًا كان القيءُ أو كثيرًا، ولا إثم عليها في ذلك ولا حرج، مع استحباب تجديدها الوضوء حالَ قدرتها على ذلك.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الطهارة صحة الصلاة الصلاة الإفتاء الحامل اهـ وقال الإمام ش قال الإمام ش قلیل ا کان ی الحنبلی على ذلک فی ذلک ى الله
إقرأ أيضاً:
حكم العدة للمرأة إذا طُلِّقت قبل الدخول وبعد الخلوة الصحيحة
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة -وهو قول الإمام الشافعي في القديم- إلى وجوب العدة إذا طُلِّقت المرأة قبل الدخول وبعد الخلوة الصحيحة باجتماعهما في مكان آمن مِن اطلاع الغير عليهما بغير إذنهما، وكان الزوج متمكِّنًا من الوطء بلا مانع حسيٍّ أو طَبْعيٍّ أو شرعيٍّ؛ "لأنَّ الخلوة الصحيحة إنما أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة مع أنها ليست بدخول حقيقة؛ لكونها سببًا مفضيًا إليه، فأقيمت مقامه احتياطًا، إقامة للسَّبَب مقام الـمُسَبَّب فيما يحتاط فيه"، كما ذَكَر الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (3/ 191، ط. دار الكتب العلمية)، والاحتياط في باب الفروج واجب.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 148- 149): [والخلوة بين الزوجين البالغين المسلمين وراء سترٍ أو بابٍ مُغلَق يوجب المهر والعدة عندنا.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (3/ 384، ط. دار الفكر): [و(لا) تجب العدة (بخلوةٍ) مُجرَّدة عن وطءٍ (في الجديد).
وقال الإمام الموفَّق ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (11/ 197، ط. دار عالم الكتب): [العدة تجب على كل من خلا بها زوجها وإن لم يمسها، ولا خلاف بين أهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس، فأما إن خلا بها ولم يصبها، ثم طلقها، فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها، وروى ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر، وبه قال عروة، وعلي بن الحسين، وعطاء، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، والشافعي في قديم قوله.
والذي عليه العمل في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً أنَّ عدة المرأة المطلقة ثلاثُ حيضاتٍ لِـمَن كانت تَحِيض، وثلاثةُ أشهُرٍ للتي لم تحض واليائس التي تَجاوَزَت سِنَّ الحيض وانقطع حيضها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 148- 149): [والخلوة بين الزوجين البالغين المسلمين وراء سترٍ أو بابٍ مُغلَق يوجب المهر والعدة عندنا] اهـ.
وقال الإمام ابن جُزَي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 400، ط. دار ابن حزم): [وإن طَلَّقها بعد الخلوة واتفقا على عدم المسيس، فالعدة واجبة.