تل أبيب"أ ب": حتى الأسبوع الماضي، كانت الميجور جنرال يفعات تومر-يروشالمي تشغل منصب المدعية العسكرية للجيش الإسرائيلي. أما الآن، فهي خلف القضبان وفي قلب فضيحة تهز كيان الإحتلال بعد سلسلة غريبة من الأحداث شملت استقالتها المفاجئة، واختفائها لفترة وجيزة، ثم عملية بحث محمومة انتهت بالعثور عليها على أحد شواطئ تل أبيب.

بدأت القصة التي تشبه حلقات المسلسلات الدرامية الأسبوع الماضي، عندما أقرت تومر-يروشالمي باعتراف صادم بأنها هي من وافقت على تسريب مقطع فيديو من كاميرات المراقبة كان محور تحقيق مثير للانقسام السياسي حول عملية تعذيب خطيرة ضد أسير فلسطيني في أحد السجون العسكرية الإسرائيلية سيئة السمعة.

ويظهر الفيديو جزءا من اعتداء يتهم فيه جنود إسرائيليون بالتحرش الجنسي بمعتقل فلسطيني.

كانت تومر-يروشالمي قد هدفت من تسريب الفيديو العام الماضي إلى كشف خطورة الانتهاكات التي كان مكتبها يحقق فيها، لكنها بدلا من ذلك أثارت عاصفة من الانتقادات من قبل القادة السياسيين اليمينيين في إسرائيل. وبعد أن استقالت الأسبوع الماضي تحت ضغط شديد، استمر منتقدوها في توجيه الإهانات الشخصية ضدها.

وتركت رسالة غامضة لعائلتها، ثم تخلت عن سيارتها بالقرب من الشاطئ، ما أثار مخاوف من أنها قد أقدمت على الانتحار، ودفع السلطات إلى إطلاق عملية بحث مكثفة شملت استخدام طائرات مسيرة عسكرية.

لكن تم العثورعليها على قيد الحياة مساء الأحد على الشاطئ، ليطلق ضدها بعد ذلك سيل جديد من الهجوم.

وكتب الإعلامي اليميني والمقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ينون ماجال، على منصة "إكس": "يمكننا استئناف الإعدام الجماعي الآن"، مرفقا تعليقه برمز تعبيري يغمز بعينه.

وبعد الكشف عن اختفاء أحد هواتف تومر-يروشالمي، بدأ سياسيون ومعلقون يمينيون باتهامها بتدبير محاولة انتحار وهمية بهدف تدمير أدلة محتملة.

وتظهرهذه الحادثة غير العادية أن عامين من الحرب المدمرة زادت من انقسام شديد للكيان قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر2023 .كما تجعل من تومر-يروشالمي أحدث حلقة في سلسلة طويلة من كبار المسؤولين الأمنيين الذين تركوا مناصبهم أو أجبروا على مغادرتها، ليستبدل معظمهم بأشخاص يعتبرون موالين لنتنياهو وحكومته المتشددة.

ويصرف الغضب من التسريب الأنظار عن الانتهاكات الجسيمة التي تشكل جوهر القضية.

وخلال جلسة محكمة عقدت الاثنين، أعلن القاضي تمديد احتجاز تومر يروشالمي حتى اليوم الأربعاء، بشبهة ارتكابها جرائم احتيال وخيانة أمانة وعرقلة سير العدالة. وبينما تتواصل التحقيقات في أفعالها، تحتجز يروشالمي حاليا في سجن نسائي بوسط إسرائيل.

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن المدعي العسكري السابق، الكولونيل ماتان سولوميش، تم اعتقاله أيضا على خلفية التحقيق في تسريب الفيديو، فيما رفض مكتب رئيس الوزراء التعليق على اعتقاله.

وتظهر ردود الفعل الغاضبة على الفيديو المسرب مدى الانقسام العميق في المجتمع الإسرائيلي، وقد ساهمت، ولو مؤقتا، في تحويل اهتمام الإعلام والجمهور نحو التسريب بدلا من الانتهاكات .

ووفقا للائحة الاتهام الموجهة ضد الجنود، وقعت حادثة الاعتداء في 5 يوليو 2024 داخل سجن سديه تيمان العسكري. وكانت وكالة أنباء أسوشيتد برس قد أجرت تحقيقات سابقة حول ادعاءات سوء معاملة وتعذيب في السجن نفسه، تعود إلى فترة ما قبل الحادث الذي ظهر في الفيديو.

ويظهر الفيديو، الذي بثته قنوات إسرائيلية، مجموعة من الجنود يقودون أسيرا فلسطينيا إلى منطقة أحاطوها بالدروع في محاولة واضحة لإخفاء ما يفعلونه. وتقول لائحة الاتهام إن الجنود اعتدوا على الأسير الفلسطيني واعتدوا عليه جنسيا باستخدام سكين، ما تسبب له بإصابات متعددة.

وقال أحد أفراد الطاقم الطبي المطلعين على القضية، طالبا عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته، إن الأسير نقل إلى مستشفى مدني وهو في حالة خطيرة تهدد حياته، مصابا برضوض في البطن والصدر وكسور في الأضلاع. وأضاف أن الأسير خضع لعملية جراحية بسبب الإعتداء الجنسي، ثم أعيد إلى سجن سديه تيمان بعد أيام. وأكد أن هذه كانت أبشع حالة تعذيب شهدها بين الحالات التي تعامل معها من ذلك السجن.

وعندما وصلت الشرطة العسكرية في يوليو لاعتقال الجنود المشتبه بتورطهم في الانتهاك، اشتبكت مع محتجين كانوا يعارضون الاعتقالات. ولاحقا، اقتحم مئات المتظاهرين العنيفين مركز الاحتجاز نفسه.

وفي رسالة استقالتها، كتبت يروشالمي أنها كشفت أدلة على الانتهاكات لمواجهة الادعاءات التي تزعم أن الجيش يستهدف جنوده ظلما، مشيرة إلى أن تلك المزاعم أصبحت تهدد نظام إنفاذ القانون العسكري، في إشارة منها إلى حادثة اقتحام المركز.

وقالت في الرسالة إن على الجيش "واجب التحقيق عندما توجد شبهات معقولة بحدوث عنف ضد محتجز"، مضيفة: "للأسف، لم يعد هذا الفهم البديهي، بأن هناك أفعالا لا يجوز ارتكابها حتى ضد أكثر المحتجزين إجراما، مقنعا للجميع".

وأشارت وثائق صادرة عن مكتب الادعاء العسكري الإسرائيلي، حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس، إلى أن الأسير الفلسطيني الذي تعرض للاعتداء في الفيديو تم إطلاق سراحه الشهر الماضي وإعادته إلى غزة ضمن صفقة تبادل شملت أسرى فلسطينيين مقابل رهائن إسرائيليين أحياء.

ولا تزال القضية قيد النظر أمام المحكمة العسكرية.

شبكة من القضايا القانونية

ويقول يوهانان بلسنر، رئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلي في القدس، إن على إسرائيل أن تحسم ثلاث قضايا قانونية منفصلة في إطار التحقيق الجاري حول ما حدث في "سجن سديه تيمان ".

القضية الأولى تتعلق بالأدلة التي تشير إلى أن جنودا إسرائيليين أساؤوا معاملة معتقلين فلسطينيين أثناء احتجازهم.

أما القضية الثانية، فتدور حول ما إذا كان مدنيون إسرائيليون، بينهم أعضاء في الكنيست، قد حاولوا عرقلة التحقيق من خلال اقتحام القاعدة العسكرية التي يحتجز فيها الجنود المتهمون بتلك الأفعال.

أما القضية الثالثة، فتتصل بما إذا كان المدعي العام العسكري نفسه قد ارتكب مجموعة من المخالفات، من بينها الاحتيال، بهدف تقويض التحقيق في واقعة تسريب مقطع الفيديو الذي يعتقد أنه يظهر الانتهاكات إلى وسائل الإعلام.

وقال بلسنر إن الخطاب الحاد خلال الأيام الماضية أعاد إلى الأذهان الأجواء التي سادت في إسرائيل قبيل هجوم 7 أكتوبرالذي أشعل الحرب في غزة، حين كانت اسرائيل منقسمة بشدة بسبب مساعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإجراء تغييرات واسعة في النظام القضائي.

وأضاف بلسنر أن القلق الذي ساد لساعات مساء الأحد بشأن مصير تومر-يروشالمي يجب أن يكون بمثابة "إشارة توقف" للمجتمع الإسرائيلي، وخصوصا للمعلقين الذين وجهوا إليها انتقادات شخصية لاذعة.

وأشار بلسنر إلى أن رمزية الموقف كانت واضحة، إذ كانت تومر-يروشالمي في قاعة المحكمة بينما كانت الحكومة الإسرائيلية تعقد المراسم الرسمية لإحياء الذكرى الثلاثين لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين.

ويعتبر كثيرون أن اغتيال رابين شكل أدنى نقطة في تاريخ إسرائيل من حيث الانقسامات والتحريض داخل المجتمع، ويخشون أن الأحداث الدرامية التي شهدها هذا الأسبوع تنذر بعودة اسرائيل إلى فترة مشابهة من الاضطراب الداخلي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تومر یروشالمی رئیس الوزراء إلى أن

إقرأ أيضاً:

فضيحة تهز جيش الاحتلال.. زامير يتحرك لتعيين مدعٍ عام جديد

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء الأحد، أن رئيس الأركان الجنرال إيال زامير يعتزم تعيين مدعٍ عام عسكري جديد خلفًا للمدعية السابقة يفعات تومر يروشالمي، التي أُقيلت مؤخرًا على خلفية تسريب مقطع فيديو يوثق اعتداء جنود إسرائيليين على أسير فلسطيني خلال صيف عام 2024.

وأوضح زامير، في بيان نُشر عبر الحساب الرسمي للجيش على منصة "إكس"، أنه عقد اجتماعًا موسعًا مع كبار ضباط النيابة العسكرية، لبحث تداعيات الأزمة التي هزت الثقة داخل المؤسسة القضائية للجيش. 

وقال: "لقد ألحقت أحداث الأيام الماضية ضررًا بالغًا بسمعة الجيش، وزعزعت ثقة الجمهور في نظامنا القضائي العسكري"، مؤكدًا أنه سيجري قريبًا تعيين قيادة جديدة قادرة على "إعادة ترميم الانضباط واستعادة ثقة الجنود والجمهور".

وأضاف رئيس الأركان: "على الرغم من السلوك غير المسؤول لبعض الضباط، إلا أنني واثق بقدرة النيابة العسكرية على النهوض مجددًا ومواصلة أداء دورها الحيوي في تطبيق القانون وحماية القيم الأخلاقية للجيش الإسرائيلي".

القسام تسلم جثامين 3 جنود إسرائيليين عبر الصليب الأحمرلعمق العلاقات بين البلدين.. ملكة الدنمارك تشارك بحفل في سفارة بلادها بالقاهرةاستشهاد الأسير محمد غوادرة في سجون الاحتلال وسط تصاعد الانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين

وجاء قرار الإقالة والتعيين الجديد في أعقاب الجدل الواسع الذي أثاره تسريب مقطع مصور نُشر في وسائل إعلام إسرائيلية، أظهر جنودًا يعتدون جسديًا وجنسيًا على أسير فلسطيني داخل مركز احتجاز في صحراء النقب. وقد حمّل مسؤولون إسرائيليون يروشالمي المسؤولية المباشرة عن تسريب المقطع، الذي وُصف بأنه "الضربة الأخطر لصورة الجيش الإسرائيلي منذ تأسيسه".

وفي تطور لاحق، أفادت الشرطة الإسرائيلية صباح اليوم أن يروشالمي فُقدت لساعات بعد العثور على سيارتها متوقفة قرب أحد شواطئ تل أبيب، وبداخلها رسالة وُصفت بأنها "رسالة وداع"، ما أثار شبهات بانتحارها. غير أن مصادر رسمية أكدت لاحقًا العثور عليها على قيد الحياة، وأنها تخضع للرعاية الطبية والنفسية.

وتُعد يفعات تومر يروشالمي أول امرأة تصل إلى منصب المدعية العسكرية العامة في إسرائيل منذ عام 2021، وتشغل رتبة لواء، وهو المنصب الأعلى في السلك القضائي العسكري. وتتمثل مهامها في الإشراف على النظام القضائي داخل الجيش، وتقديم المشورة القانونية للقيادة العليا، وتمثيل المؤسسة العسكرية أمام المحاكم الدولية.

ويرى محللون أن هذه الأزمة تُعد الأخطر في تاريخ القضاء العسكري الإسرائيلي، إذ كشفت عن صراع داخلي بين القيادة الميدانية والنيابة العامة بشأن قضايا الانتهاكات ضد الفلسطينيين، في وقت يسعى فيه الجيش إلى إصلاح صورته أمام المجتمع الدولي بعد سلسلة من التقارير التي وثّقت تجاوزات واسعة في حرب غزة.

طباعة شارك الاحتلال الإسرائيلي رئيس الأركان الجنرال إيال زامير يفعات تومر الشرطة الإسرائيلية تومر يروشالمي

مقالات مشابهة

  • هند الضاوي: فيديو تعذيب الأسرى في «سديه تيمان» فضيحة تاريخية لإسرائيل
  • بعد فضيحة تعذيب الأسرى .. تعيينات جديدة تضرب جيش الاحتلال الإسرائيلي
  • بعد فضيحة "الفيديو المسرب".. ما مصير المعتقل الفلسطيني؟
  • فضيحة فساد في اسرائيل - اعتقال رئيس "الهستدروت" وزوجته ومسؤولين آخرين
  • بعد «الفيديو المسرب».. كواليس اعتقال سلطات الاحتلال للمدعية العسكرية المستقيلة يروشالمي
  • دولة الاحتلال تعلن اعتقال المدعية العسكرية بعد الفيديو المسرب
  • إسرائيل.. اعتقال المدعية العسكرية بعد "الفيديو المسرب"
  • فضيحة تهز جيش الاحتلال.. زامير يتحرك لتعيين مدعٍ عام جديد
  • تومر يروشالمي تستقيل بعد إقرارها بالموافقة على تسريب فيديو سدي تيمان.. وكاتس: استقالة صحيحة