حكم الدخول بالزوجة قبل ليلة الزواج
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
الزواج.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الزوج ليس من حقه شرعًا المطالبة بالمعاشرة الزوجية كحقٍّ من حقوقه بمجرَّدِ عقد الزواج؛ وذلك حتى يتمَّ الزِّفَافُ وتقيم الزوجة بمسكن الزوجية، أما الدخول بها سرًّا دون استئذان وليّها ودون احترامٍ للأعراف الاجتماعية والتقاليد المتبعة في ذلك فلا يجوز شرعًا؛ حفاظًا على حقوق كُلًّا الزوجين في تقدير حصول الطلاق أو الوفاة مع إنكار الدخول.
وأقَرَّ الإسلامُ الزَّواجَ وحثَّ عليه باعتباره سُنةً من سنن المرسلين، وحاجةً تتطلبها طبيعةُ الإنسان، وضرورةً لبقاء نوعِه في هذه الدنيا، وفيه من لطائف آيات الله تعالى ما يدعو إلى التَّفكُّرِ؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ [الرعد: 38]، وقال جلّ شأنه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]، وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحَيَاءُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ» أخرجه الترمذي وأحمد.
عقد الزواج وأثره في إباحة الدخول بالزوجة:
وأوضحت الإفتاء أن الزواج عقدٌ تتوقف صحَّته على شروطٍ وأركانٍ؛ متى توفَّرت كان الزواجُ صحيحًا شرعًا وترتبت عليه آثارُه.
ومِنْ أبرز آثار عقد الزواج: إباحةُ الدخول إذا اتَّفق العاقدان على أن يتم الدخولُ مباشرةً بعد العقد، ومن ثَمَّ يَحِلُّ الزوجان لبعضهما، أمَّا في حالة عدم الاتفاق بينهما على موعدٍ مُحدَّدٍ للدخول بعد العقد فينبغي ألَّا يتمَّ إلا بإذن الولي أو إعلامِه، أو الإشهادِ على ذلك؛ لأن الدخول يترتب عليه أحكامٌ أخرى قد يُنكِرُها أحدُ المتعاقدَين، ومنها النَّسب الذي يثبت بالفِراش؛ فالفراشُ لا يتمُّ إلا بالدخول، وكذلك استحقاقُ الزَّوجَةِ كاملَ المهر؛ فإنها لا تستحقُّ كاملَه إلا بالدخول، وكذلك أحكام الثيوبة والبِكارة، وغير ذلك مما يفرَّق فيه بين ما قبل الدخول وبعده.
وأضافت أن العرفُ جارٍ على أن المعاشرةَ الزَّوجيَّة لا تكون إلا بعد الزِّفاف؛ فوجب احترامُه ومراعاتُه؛ لقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
الزواج:
قال الإمام الزركشي الشافعي في "تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع" (3/ 473، ط. مكتبة قرطبة): [قال ابن السمعاني في "القواطع": والعرف في الآية ما يعرفه النَّاس ويتعارفونه فيما بينهم، وكذا قال الإمام ابن عطيَّة: معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا تردُّه الشريعة، وقال الإمام ابن ظفر في "الينبوع": ما عَرَفَتْهُ العقلاءُ أنه حسنٌ وأقرَّهم الشَّارع عليه؛ فمنه الرجوع إلى العرفِ والعادةِ في معرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية؛ كصغر صبيَّةٍ وكِبَرِها، وإطلاق ماءٍ وتقييده، وكثرة تغيره وقلّته.. وكفء نكاحٍ، وتهيؤ زفافٍ] اهـ.
حكم الدخول بالزوجة سرا قبل الزفاف:
وقالت إذا حَدَث الدُّخول سِرًّا بين العاقد والمعقود عليها، ثم انكشف ذلك للنَّاس قبل الزِّفَاف؛ فالعرفُ يَعْتَبِرُ ذلك أمرًا مُشِينًا للزَّوجين معًا، وقلةَ احترامٍ للأهل تقتضي الاعتذارَ والأسفَ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم ارتكاب ما يُعتذر منه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ وَاجْعَلْهُ مُوجَزًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَأْيَسْ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ تَكُنْ غَنِيًّا، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الزواج إتمام الزواج أحكام الزواج دخول الزواج الله ع
إقرأ أيضاً:
خليل الشكيلي: إبراهيم عليه السلام نموذج الوفاء المطلق في الطاعة دون تردد أو اعتراض
شهد جامع لزغ بولاية سمائل محاضرة دينية للداعية خليل الشكيلي بعنوان "التسليم على طريقة النبي إبراهيم"، تحدث فيها بأسلوب إيماني مؤثر عن مقام الخليل عليه السلام في القرآن الكريم، وما تضمنته سيرته من معاني الاستسلام الكامل لله تعالى والطاعة الخالصة التي رفعت قدره وجعلته إماما للناس ومثالا في الإيمان واليقين، استهل الشكيلي حديثه بالتأكيد على أن ذكر النبي إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم ليس مجرد استحضار لتاريخ نبي مضى، بل هو درس دائم لكل مؤمن يسعى إلى ترقية إيمانه وإصلاح علاقته بربه، فقال: "نجد ذكر النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام في مواضع كثيرة من كتاب الله، وقد أثنى الله تعالى عليه ثناء عظيما في أكثر من موضع، وهذا الثناء لم يأتِ إلا لمن بلغ الغاية في الصدق والاستسلام والطاعة"، ثم تلا قوله تعالى: "إِن إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمة قَانِتا لِلهِ حَنِيفا وَلَمْ يَك مِنَ الْمشْرِكِينَ، شَاكِرا لِأَنْعمِهِ اجْتَبَاه وَهَدَاه إِلَى صِرَاط مسْتَقِيم"، مشيرا إلى أن الله سبحانه وتعالى جمع في هذه الآية وحدها أكثر من عشر صفات من صفات الكمال التي اجتمعت في إبراهيم عليه السلام، ليظهر مقامه الرفيع بين أنبياء الله، وقال الشيخ الشكيلي: "وحين يقول الله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا، ندرك أن هذا المقام لا ينال إلا بالعبودية الصادقة والتسليم الكامل لله عز وجل، ولذلك كانت سيرة إبراهيم عليه السلام مدرسة في الطاعة واليقين".
وتابع موضحا أن عظمة النبي إبراهيم لم تكن في كثرة أعماله فحسب، بل في نوعية طاعته لله، قائلا: "لقد كان استسلام إبراهيم استسلاما مطلقا، لا تردد فيه ولا اعتراض، بل تصديق وتسليم، فكلما أمره الله بأمر نفذه من غير تردد، وكلما ناداه الحق استجاب من غير حرج في صدره"، وأوضح أن هذا هو الفرق بين إسلام عامة الناس وإسلام الخليل، فالإسلام درجات، وأعلاها ما يكون على طريقة إبراهيم عليه السلام، حين يبلغ العبد مقام الرضا التام، فيسلم أمره كله لله، وأضاف قائلا: "لو شبهنا الإسلام بعمارة شاهقة لها طوابق كثيرة، فإن الطابق الأول هو طابق الذين أسلموا ولكنهم يقعون في التقصير، ثم يعلو من يحافظ على صلاته وصيامه واجتنابه المعاصي، أما إبراهيم عليه السلام فكان في قمة هذه العمارة، حيث لا يرى في الطاعة إلا وجه الله".
وانتقل الداعية إلى بيان أن هذا المقام الرفيع لا يتحقق إلا بصدق اليقين، مبينا أن الله تعالى حين قال: "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين"، فإن هذه الكلمة وحدها تختصر معنى الإسلام الحق الذي يقوم على المبادرة إلى الطاعة دون تردد، فقال: "استسلم إبراهيم في لحظة الخطاب، لم يحتج إلى تفكير ولا مراجعة، لأن قلبه كان عامرا بالإيمان، وعقله مملوءا باليقين"، وأضاف متأملا: "وهذا ما نفتقده اليوم في كثير من الناس، إذ يختبرهم الله بأمر فيترددون، أو يبتليهم بنعمة فينسون الشكر، أما إبراهيم فكان يسارع إلى كل أمر إلهي وكأنه هدية من الله".
وأشار الشكيلي إلى أن الابتلاءات التي مر بها الخليل عليه السلام لم تكن إلا وسائل لرفع درجته عند الله، فقال: "لقد ابتلي إبراهيم بأن يلقى في النار، وأن يهاجر عن وطنه، وأن يؤمر بذبح ابنه، وكل ذلك قابله بالتسليم، فما اهتز قلبه ولا ضعف يقينه، بل قال لابنه: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، فجاء الرد الإيماني من الابن: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"، وعلق الشيخ قائلا: "هنا نرى مشهدا من أعظم مشاهد الإيمان في تاريخ البشرية، فالأب مستسلم لأمر الله، والابن مستسلم مع أبيه، وكأنهما روحان اتحدتا في الطاعة، وبهذا التسليم تحقق الوعد العظيم وجاء الفداء".
ثم مضى ليربط هذه المواقف القرآنية بواقع المسلم اليوم، فقال: "ليس المقصود من قصص الأنبياء أن نتلوها في المصاحف فحسب، بل أن نحياها في حياتنا اليومية، فكل واحد منا له نصيب من امتحان إبراهيم، وإن اختلفت صوره، فربما ابتلاك الله بمرض أو فقد أو ضيق رزق، لينظر: هل تسلم أم تعترض؟ هل ترضى أم تجزع؟"، وأضاف بأسلوب تأملي: "المؤمن الحق لا ينظر إلى البلاء في صورته الظاهرة، بل يرى فيه لطف الله الخفي، لأن الله لا يبتلي عبده ليعذبه، بل ليصنع منه عبدا صادقا".
وبين أن محبة الله تعالى تتفاوت في القلوب، فمن الناس من يعبد الله طمعا في الجنة، ومنهم من يعبده خوفا من النار، وهؤلاء لهم أجرهم، "لكن هناك من يعبد الله حبا له سبحانه، لا طمعا ولا خوفا، بل لأن الله أهل لأن يعبد ويحب لذاته"، وأضاف: "هؤلاء هم الخاصة من عباد الله، بل الخاصة الخاصة، الذين لا تحركهم الرغبة في الثواب ولا الرهبة من العقاب، وإنما محبتهم لله محبة خالصة، فهم يعبدون الله بالله، أي يعبدونه كما يريد هو، لا كما يريدون هم".
ثم استشهد بقوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، مفسرا الآية بأنها دعوة للعبودية الخالصة التي لا يشوبها غرض دنيوي، وقال: "العبودية ليست أن نطلب من الله ما نريد، بل أن نرضى بما يريد، وهذا هو مقام التسليم، وهو سر المحبة التي ميزت إبراهيم عليه السلام"، وتابع حديثه قائلا: "كل من أراد أن يكون من ورثة إبراهيم في الإيمان فليتعلم هذا السر العظيم، سر العبودية بلا اعتراض، والطاعة بلا شرط".
وانتقل في محاضرته إلى الحديث عن مقام الصديقين والأبرار الذين وصفهم الله بقوله: "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين هم بآيات ربهم يؤمنون، والذين هم بربهم لا يشركون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون"، مبينا أن هؤلاء هم الذين وصفهم العلماء بأنهم "الأكياس الألباب"، أي أصحاب القلوب الصافية التي سمت فوق الشهوات والمخاوف، وقال: "إن استغفارهم ليس من ذنب ارتكبوه، وإنما استغفار على لحظة غفلة عن الله، لأنهم يشعرون أن كل لحظة تمر دون ذكر الله هي نقص في حق العبودية".
وأشار الشكيلي إلى أن إبراهيم عليه السلام كان نموذجا لهذه الحالة الإيمانية الرفيعة، "فهو الذي وفى، كما قال الله تعالى: وإبراهيم الذي وفى، أي أتم ما كلف به دون نقصان، ولم يجعل في طاعته لله لحظة تردد أو اعتراض"، وأضاف موضحا: "وهذا الوفاء هو ما جعل الله يرفعه في الدنيا والآخرة، فقال سبحانه: وآتَيْناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين، فجمع له الحسنتين في الدارين".
وفي سياق تدبري عميق، تحدث خليل الشكيلي عن معنى اتخاذ الله لإبراهيم خليلا، فقال: "الخلة هي أعلى درجات المحبة، وهي التي تملأ القلب حتى لا يبقى فيه لغير الله مكان، فإبراهيم لم يترك شيئا من نفسه إلا لله، فاستحق أن يكون خليله"، ثم أضاف: "ولم يعط هذا المقام إلا لنبيين كريمين: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، كما قال النبي ﷺ: إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا".
وأكد أن مقام التسليم ليس مجرد شعار يرفع أو دعوى تقال باللسان، بل هو سلوك يترجم في لحظات الابتلاء، قائلا: "حين يأتي أمر الله فلا مجال للمساومة، لأن القلب المؤمن لا يختار على اختيار الله شيئا"، واستشهد بقوله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"، موضحا أن هذه الآية هي ميزان العبودية الحقيقي، فمن وجد في قلبه حرجا من أمر الله فليعلم أنه لم يحقق التسليم بعد، بعدها وجه خطابه للحاضرين بقوله: "يا أيها الإخوة، إن أعظم ما نحتاج إليه اليوم هو أن نتعلم من إبراهيم عليه السلام معنى الإسلام الحقيقي، لا الإسلام بالهوية أو العادة، بل الإسلام بالاستسلام والرضا، فالإيمان ليس كلمات تقال، وإنما مواقف تختبر"، وأضاف في نبرة مؤثرة: "لو علم الناس لذة التسليم لله لما اعترضوا على قدره يوما، ولما جزعوا عند البلاء، لأن القلب الذي ذاق طعم التسليم يعيش مطمئنا مهما تغيرت الأحوال"، ثم أعاد التأكيد على أن طريق التسليم يبدأ من المعرفة بالله، لأن من عرف الله أحبه، ومن أحبه سلم له، ومن سلم له رضي بكل ما يقضي، وقال: "حين يستقر في القلب أن الله حكيم رحيم، يسهل على الإنسان أن يقول كما قال إبراهيم: أسلمت لرب العالمين"، وأردف قائلا: "هذا هو جوهر الرسالة التي أراد القرآن أن يرسخها فينا من خلال قصة إبراهيم، أن نصل إلى مقام الرضا المطلق، فنقول بقلب مطمئن: اللهم لك الحمد في كل حال".