الأسبوع:
2025-11-10@14:09:40 GMT

«سدي تيمان».. فضيحة اللواء والفيديو والمعتقل

تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT

«سدي تيمان».. فضيحة اللواء والفيديو والمعتقل

في يوليو 2024، تم تسريب مقطع فيديو قصير من داخل معتقل «سدي تيمان» الإسرائيلي بمنطقة النقب. يُظهر مجموعة من ضباط وجنود الاحتلال يعذّبون معتقلًا فلسطينيًا مقيّد اليدين، شكّلت الواقعة نقطة تحوّل واضحة. كشفت عن هشاشة التوازن بين الجيش، الإعلام، والجهاز القضائي، وسط أجواء متوترة سياسيًا بشكل غير مسبوق منذ نشأة الكيان.

الفيديو المسرب من المعتقل، مدته لا تتجاوز دقيقة واحدة، لكنه يتضمن كل ما تتعمد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إنكاره منذ عقود.«سدي تيمان»، قاعدة عسكرية كبيرة يعود تاريخ إنشائها إلى الخمسينيات. تقع شمال غرب بئر السبع. تضم وحدات عسكرية متعددة «لواء جفعاتي، وحدة الشرطة 392، قيادة سلاح الهندسة، ومركز الإمداد العسكري».

إقرار قانون «المقاتلين غير الشرعيين» في ديسمبر 2023، حول جزءًا من «سدي تيمان» إلى معتقل سيء السمعة. القانون يثير أزمة منذ 2002. يجيز اعتقال أي مشتبه في تنفيذ

«أعمال عدائية» ضد إسرائيل. يبرر الاحتجاز المفتوح دون لائحة اتهام، وينتصر للمحاكمة بدون أدلة. منذ 2005، يشهد المعتقل «جوانتانامو إسرائيل»، انتهاكات فجة ضد الفلسطينيين. التعذيب الشامل أزهق أرواح 36 محتجزًا بداخله.

مضمون الفيديو، مصدر الأزمة، لا يمكن تأويله أو تخفيف محتواه. الضرب كان متعمدًا. المنفذون تصرفوا بثقة من اعتاد الإجرام دون خوف من المحاسبة. بدا المكان معدًا. يحتوي على أدوات احتجاز ثابتة وكاميرات مراقبة رسمية. الأجواء تؤكد أن الممارسات لم تكن عشوائية أو انفعالًا لحظيًا. جزءًا من منظومة اعتقال تخضع لإشراف وتسلسل قيادي. الفيديو مجرد شهادة بصرية على اعتياد التصرفات غير الإنسانية.

ثقافة إجرامية داخل جيش الاحتلال، تطبقها عناصره بسلطات مطلقة على المعتقلين الفلسطينيين. ما قبل العدوان على غزة «2023-2025» ليس كما بعده. عناصر جيش الاحتلال ظهروا في التسجيل يمارسون العنف بلا مبالاة. التعذيب صار إجراءً إداريًا لا يستدعي ترددًا أو شعورًا بالذنب. الفيديو رآه كثيرون في إسرائيل والعالم. دليل علني جديد على عنف مؤسسي، لا تجاوزات فردية.

المقطع كان عنوانًا واضحًا لسياسة الإفلات من العقاب. نهج ترسخ داخل جيش الاحتلال منذ عقود.تسريب الفيديو جسد صراعًا بين تيارات متنازعة داخل المنظومة القانونية الإسرائيلية، القضية تجاوزت حدود الانضباط العسكري (!) إلى مربع الخلاف السياسي بين الحكومة اليمينية وأجنحة وزارة الدفاع. تضارب مصالح وتلاعب بأدلة. تحولت الواقعة من تسريب إعلامي إلى أزمة رسمية.

حين انتشر الفيديو، حاولت القيادة العسكرية الإسرائيلية احتواء الضرر بسرعة. جرى تعليق مهام ضباط مشاركين، لكن التسريبات اللاحقة كشفت أن لجنة التحقيق لم تُشكَّل فعليًا إلا بعد أيام، وأن بعض الضباط حاولوا حذف سجلات كاميرات أخرى في المعتقل. قيادات إسرائيلية خشيت أن يجرّ التحقيق سلسلة اعترافات تمتد إلى مستويات أعلى.

أخلاقيًا (إن كانوا يعرفون معناها أصلًا)، أحدث الفيديو انقسامًا في الرأي العام الإسرائيلي. أصوات في اليمين برّرت ما حدث واعتبرته «ضرورة أمنية» لحماية الجنود من «مخاطر إرهابيين محتملين»، فيما رآه آخرون انهيارًا أخلاقيًا للجيش الذي يزعم أنه من بين «الأكثر انضباطًا». ظهر التباين بوضوح في الإعلام: جناح حاول التخفيف من وطأة المشهد، وجناح آخر نقل شهادات لمحققين سابقين تحدثوا عن منظومة عنف تمتد لسنوات.

في المؤسستين العسكرية والسياسية، كانت ردود الفعل متناقضة. جيش الاحتلال زعم أن الحادثة «لا تمثل قيم المؤسسة»، بينما اعترف مسئولون قانونيون بأن الفيديو يتطابق مع شكاوى سابقة قدّمها معتقلون من غزة «ضرب، تجويع، وإذلال»، ومع انكشاف حجم التواطؤ، بدأ النقاش في الكنيست (البرلمان) حول صلاحيات المراقبة على السجون العسكرية، لكنه توقّف سريعًا.

القضية فجّرت عاصفة داخل إسرائيل، خصوصًا في أوساط اليمين المتطرف الذي رأى في التحقيق ضد الجنود «طعنة في الظهر». النيابة العسكرية التزمت الصمت بشأن مصير المعتقل الفلسطيني ونتائج التحقيق مع الجنود.الإعلام الإسرائيلي اتهم مكتب المدعية العسكرية بالتضليل والتستر، معتبرًا الحادثة مؤشرًا على أزمة أعمق تضرب المنظومة العسكرية والسياسية برمتها.

المحاولات الرسمية لاحتواء فضيحة الانتهاكات الممنهجة ضد الفلسطينيين جاءت متأخرة. مرتبكة. وزارة الخارجية الإسرائيلية دعت إلى «عدم استغلال الحادثة سياسيًا». الجيش ردّ ببيان مقتضب على فيديو التعذيب «قيد الفحص». سعت الحكومة وأجهزتها «في تصوري»، إلى التمويه على أصل القضية. سلّطت الأضواء على التسريب نفسه. اتُّهمت المدعية العسكرية العامة «يفعات تومر- يروشالمي» بتقويض الأمن القومي.

«يفعات تومر- يروشالمي»، تواجه تحقيقًا واسعًا بعد ظهور فيديو يُظهر جنود احتياط يعتدون على معتقل فلسطيني في قاعدة سدي تيمان. تُتهم بالاحتيال وإساءة استخدام السلطة وعرقلة العدالة وتسريب معلومات سرية، وشبهات بإخفاء أدلة وهاتف محمول مرتبط بالقضية. فوضى تجدد تأكيد أزمة ثقة غير مسبوقة في إسرائيل. أجهزة الدولة تتصارع على إدارة الرواية الرسمية للأحداث، ومقطع فيديو يدحرج كرة اللهب.

وجدت نفسها متهمة بكشف مواد مصنفة «سرية» عبر تمرير مقطع الفيديو إلى وسائل إعلام. المدعية العسكرية (أصبحت سابقة منذ استقالتها الجمعة الماضية) كانت تتعرض لضغوط من اليمين الإسرائيلي المتطرف. يقولون إنها «تقوض روح الجيش».. من حملوها المسئولية عن التسريب (قبل اعترافها حرصًا على صورة إسرائيل في الداخل والخارج!) رجحوا أنها كانت تحاول الدفاع عن نفسها في مواجهة الضغوط!

كانت «يفعات تومر- يروشالمي» تدرك حساسية موقعها. طوال فترة العدوان على غزة، واجهت ضغوطًا من الحكومة اليمينية لإغلاق ملفات ميدانية خشية استخدامها لاحقًا ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية. استخدمت صلاحياتها لتصفية حسابات داخلية مع خصومها في النيابة، وأدارت شبكة صغيرة من الموالين داخل المكتب، تتبادل معهم الوثائق والمراسلات عبر قنوات غير رسمية.

تحركاتها كانت تستهدف جعل مسار التحقيقات معقدًا. لم يكن التلاعب في الملفات استثناءً، بل ممارسة متكرّرة. مئات الشكاوى التي قدّمها معتقلون من غزة والضفة تم تجميدها بدون استدعاء شهود أو مراجعة أدلة. في حالات أخرى، صُنّفت الانتهاكات على أنها «تجاوزات ميدانية». استراتيجية الاحتلال إغلاق الطريق أمام أي مساءلة جنائية. أسلوب متكرر جعل القضاء العسكري جدار حماية للجيش، لا ضمانًا للالتزام بالقانون.

قضايا تخص ضباطًا كبارًا خضعت لمراجعة سياسية قبل تحويلها إلى المحاكم العسكرية. تُعرض على مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي قبل اعتمادها. التدخل المباشر ألغى الحدود بين العدالة والانصياع السياسي. أصبح التماهي بين المؤسستين كاملًا. تسريبات معتقل «سدي تيمان» قلبت الصورة المزعومة عن جيش الاحتلال من مؤسسة منضبطة (!!!) إلى أداة تبرير لتجاوزاته.

فجأة، اختفت المدعية العسكرية بعد استقالتها. الواقعة أضافت عنصرًا دراميًا إلى المشهد.عُثر على سيارتها قرب الساحل، وأعلنت الشرطة أنها مفقودة، قبل أن تظهر لاحقًا في أحد مستشفيات تل أبيب. اختفى هاتفها. بدأت الشبهات حول إتلاف بيانات تتعلق بمسار التحقيق. تمسكت جهات داخل الجيش الإسرائيلي برواية متفق عليها «كانت تحاول حماية المؤسسة العسكرية من تصفية سياسية يقودها خصوم في الحكومة».

حين قدّمت «يفعات تومر- يروشالمي» استقالتها، مؤخرًا، بدا واضحًا أن الحدث تجاوزها. أظهرت المؤشرات انقسامًا حادًا بين النيابة والشرطة العسكريتين الإسرائيليتين حول إدارة الملف. تحدّثت وسائل إعلام عن سلسلة استقالات وتحقيقات داخلية مرتبطة بها. كان التسريب جزءًا من أزمة أوسع تتعلّق بصلاحيات «الرقابة العسكرية» في إسرائيل.

«الرقابة العسكرية» كيان تابع للجيش، مهمته ضبط ما يُنشر في الإعلام «أمنيًا وعسكريًا»، ومنع تسرب المعلومات حتى لا تُكشف أسرار تتعلق بالعمليات أو تهدد أمن القوات أو تلمّح إلى أنشطة استخباراتية داخلية أو خارجية. تملك صلاحيات واسعة، منها إلزام وسائل الإعلام بعرض المواد ذات الطابع الأمني عليها قبل النشر، ولها حق الحذف أو المنع الكامل، وتمتد رقابتها إلى شبكات التواصل والمحتوى الرقمي.

في فبراير 2024، أصدرت تومر- يروشالمي تحذيرًا رسميًا لقادة الجيش حول سلوكيات غير قانونية في غزة، بما فيها نهب ممتلكات مدنية واستخدام القوة المفرطة. تصريحاتها أثارت استياء القيادة العسكرية، لكنها أصبحت اليوم دليلًا سياسيًا ضدها، ممهّدة الطريق لتصفية حسابات داخل المؤسسة الأمنية، وكشفت الانقسامات الداخلية في الجيش بين الالتزام بالقانون والسياسات المؤسسية.

أفرجت المحكمة صباح الجمعة عن «يفعات تومر- يروشالمي»، وضعتها تحت الإقامة الجبرية المؤقتة. تواصلت رحلة البحث عن الهاتف المفقود.يتوقعون أنه يحمل أدلة حاسمة. وأقول إنها بهارات لتسويق القضية إعلاميًا. المعلومات المتضاربة حول العُثور على الهاتف في محيط شاطئ بـ«تل أبيب»، وتفاصيل مثيرة عن شحنه وصورة على شاشته وأشياء أخرى ترويج إضافي.

منذ اللحظة الأولى لانفجار فضيحة «سدي تيمان»، لم يكن واضحًا من الجهة المسئولة فعليًا عن إدارة التحقيق. تداخلت الصلاحيات بين الجيش وجهاز الأمن العام «الشاباك» ووزارة الدفاع. تحوّلت القضية إلى ساحة تنافس على النفوذ أكثر منها سعيًا لتقصّي الحقائق. كل طرف أراد فرض روايته وتحديد من يملك الحق في محاسبة المؤسسة العسكرية على أفعالها، ما جعل الأزمة تكشف بنية الدولة الأمنية من الداخل.

رأى الجيش أن الملف يخصه وحده، باعتباره حادثة ميدانية تقع ضمن اختصاص النيابة العسكرية. لكن «الشاباك» تعامل مع التسريب كقضية أمن قومي، معتبرًا أن تسرب المواد المصنفة «سرية» يمثل خطرًا على العمليات الجارية في غزة. وبين الموقفين، حاولت وزارة الدفاع بقيادة الوزير يسرائيل كاتس أن تمسك بخيوط القضية لتوظيفها سياسيًا، سواء بتصفية الخصوم داخل الجيش أو بتعزيز سلطتها في مواجهة القيادة العسكرية.

كاتس، المعروف باندفاعه، استغل حالة الفوضى لتوسيع نفوذه داخل المؤسسة. بدأ بإعادة ترتيب التعيينات في مواقع حساسة، وعيّن مقربين في لجان المراجعة الخاصة بالقضية. يقاوم رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زمير، هذه التحركات، معتبرًا إياها تدخلًا سياسيًا سافرًا يهدد استقلال القوات. ظهرت الخلافات علنًا عندما تسرّبت محاضر اجتماعات مغلقة كشفت تبادل اتهامات بين الرجلين حول تسريب المعلومات للصحافة.

يلعب جهاز «الشاباك» دورًا مزدوجًا. يراقب مسار التحقيق خشية انكشاف أساليبه في استجواب المعتقلين، ويسرّب تقارير محددة لتوريط أطراف داخل الجيش. هذه المناورات عمّقت الفوضى داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية. صراع أجهزة غير مسبوق يكاد يعلن عن نفسه في وسائل الإعلام، إذ تمتلك كل جهة أدواتها ومصادرها وتروّج ما يخدم مصالحها المباشرة.

حاولت المستشارة القضائية للحكومة «غالي بهاراف- ميارا» التدخل. استدعت قادة الأجهزة لعقد اجتماع طارئ. حذّرت من انهيار التنسيق الأمني الداخلي. وجدت نفسها وسط معركة نفوذ تتجاوز سلطتها القانونية. «كاتس» يسعى لترسيخ هيمنته عبر إنشاء وحدة رقابة جديدة تابعة مباشرة لمكتبه. قيادة الأركان ترى في تدخل الوزير خطرًا على «التسلسل القيادي العسكري». «زمير» يتمسك بسيادة الجيش على ملفاته.

وسط هذا الاشتباك، تسرّبت وثائق داخلية تشير إلى أن قرارات أساسية في التحقيق اتُّخذت بناءً على حسابات سياسية لا قانونية. تأجيل استجواب ضباط كبار وإعادة تصنيف ملفات التعذيب كقضايا انضباط جاءت جميعها في سياق صراع السيطرة بين الأجهزة. تحوّل التحقيق إلى ساحة تصفية حسابات داخلية، يتبادل فيها السياسيون والعسكريون الاتهامات تحت غطاء «الحفاظ على الأمن القومي».

صراع يكشف عن هشاشة البنية المؤسسية في إسرائيل. تتداخل حدود السلطات وتتقاطع الولاءات بين السياسي والأمني والقانوني. بدلًا من أن تعمل الأجهزة بتكامل، يسعى كل طرف لتثبيت موقعه في معادلة القوة التي أعادت الفضيحة رسمها. أصبح واضحًا أن القضية لم تعد مجرد تحقيق في تسريب، بل اختبارًا فعليًا لوحدة الدولة الأمنية وقدرتها على مواجهة أزماتها دون الانزلاق إلى صراع داخلي مفتوح.

محاولات لفت الأنظار لم تُخفِ مضمون الفيديو. ظل حاضرًا كصورة مختزلة لما يجري خلف الجدران المغلقة لمراكز الاعتقال الإسرائيلية. لم يعد بالإمكان فصله عن سياق العدوان على غزة، ولا عن السياسة العامة التي شرّعت استخدام العنف كأداة ردع. كل ثانية في مقطع فيديو «سدي تيمان» توثيق صريح لانهيار القيم التي طالما تغنّى بها الاحتلال في دعايته الرسمية.

أعادت الفضيحة إلى الواجهة اتهامات لقوات الاحتلال بارتكاب جرائم حرب. وضعت إسرائيل تحت ضغط شديد.لم تؤثر فقط في صورة الجيش، بل امتدت لتشمل سمعة الكيان نفسه. صعّبت على حكومة بنيامين نتنياهو الترويج لروايتها حول غزة وفلسطين عمومًا في المحافل الدولية. تقلّل من محاولات تبرير العدوان. أصبحت الأزمة جزءًا من مسار لتقييم سلوك إسرائيل في النزاعات المسلحة وفق معايير حقوق الإنسان.

استقالة المدعية العامة العسكرية «يفعات تومر- يروشالمي» كانت الشرارة التي كشفت عمق التآكل داخل منظومة القضاء العسكري الإسرائيلي. مكتب الادعاء العسكري (المعنيّ بملفات تتعلق بسلوك الجيش في الأراضي الفلسطينية) متورّط في عمليات تلاعب بالملفات، متهم بحذف مواد مصوّرة من قضايا سابقة تخص انتهاكات في غزة والضفة، وغلق ملفات دون مبررات قانونية واضحة.

هل قرارات غلق الملفات كانت بتوجيهات مباشرة من قيادات في هيئة الأركان؟ هل القضاء العسكري لم يعد سلطة رقابية وأصبح امتدادًا للأوامر العسكرية؟ تساؤلات كثيرة تطرح نفسها وسط انهيار بقايا الثقة بين المستويات القانونية والعسكرية. القضاة العسكريون، الذين يُفترض استقلالهم، باتوا يُعيّنون وفق الولاء المؤسسي لا الكفاءة. مراجعات انتقائية للأحكام، تهريب وثائق إلى خارج النظام الإلكتروني الرسمي. تحوّلت النيابة العسكرية إلى دائرة مغلقة تُدير نفسها بمعاييرها الخاصة، وتتصرف كأنها فوق القانون الذي أنشأها.

انكشفت للمجتمع الإسرائيلي حقيقة طال إخفاؤها: القضاء العسكري مجرد أداة لتلميع صورة الجيش أمام الخارج، ووظيفته الفعلية ضمان ألا تصل أي تهمة جدية إلى المحاكم الدولية. لكن ليست هناك جريمة كاملة. تسريب فيديو التعذيب في «سدي تيمان» حرّك المياه الراكدة، وكشف عن انهيار قانوني عميق، وتبرير للعنف، وتورط في شبكات فساد وتواطؤ متشابكة.

اتسعت دائرة الشبهات. تحول مكتب الادعاء العسكري إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين الأجهزة. الشرطة العسكرية بحكم تحقيقاتها، والأمن العام «الشاباك» بحكم مراقبة تدفق المعلومات. النتيجة فوضى إدارية وتسريبات متبادلة عمّقت فقدان الثقة في النظام القانوني كله، لكنها تصب في مصلحة حكومة بنيامين نتنياهو، والأحزاب اليمينية المتطرفة المتحالفة معه. تراها فرصة لإعادة هيكلة القضاء العسكري بالكامل.

صراعات النفوذ بين الأجهزة الإسرائيلية أكدت ممارسات تتجاوز الحدود القانونية والأخلاقية في معتقل «سدي تيمان». يتعرض الأسرى الفلسطينيون لتعذيب ممنهج، وإهمال طبي متعمّد، واستخدام قيود جسدية تعسفية تعيق الحركة وتؤذي الجسد والعقل معًا. كاميرات المراقبة، التي أصبحت محور فضيحة التسريب، سجّلت لحظات عنف جسدي وحشي. يُعزل المعتقلون عن العالم، ويُحاطون بحواجز تمنع الرصد، ما يدل على وعي كامل بالانتهاكات المرتكبة.

تحوّل المعتقل إلى مختبر لانتهاكات ممنهجة. السياسات العسكرية تجاه المعتقلين اقترنت بمحاسبة ضعيفة ومسار قضائي غير فعّال، ما جعل الانتهاكات شبه رسمية. الحالات الموثقة أظهرت نمطًا متكررًا من الضرب والتهديد والاحتجاز في ظروف غير إنسانية، في مخالفات واضحة للقوانين الدولية وللقانون العسكري الإسرائيلي نفسه.

تتجاهل المحكمة العليا في إسرائيل المطالب المتكررة بإغلاق السجن، وتكتفي بتأكيد ضرورة تحسين الظروف دون فرض رقابة صارمة أو اتخاذ إجراءات حاسمة، هذا التجاهل عزّز استمرار الانتهاكات، وجعل القضاء المحلي يبدو عاجزًا عن فرض المساءلة على الجيش. القرار القضائي أظهر ثغرة في النظام تسمح بممارسة سلطات قمعية دون رقابة فعالة، ما يعكس ضعف آليات حماية حقوق المعتقلين الفلسطينيين.

فيديو «سدي تيمان» يجدد التذكير بالخلل الأعمق في المنظومة الإسرائيلية. تحوّل المعتقل إلى مساحة اختبارية لطرق التعامل مع المعتقلين الفلسطينيين. تم تهميش القانون والإنسانية لصالح «الأمن الميداني». بيئة رسمية سمحت بأسلوب عنف متكرر، وتُظهر الاتهامات المتبادلة بين التيار اليميني الحاكم والمؤسسة العسكرية مأزق إسرائيل الحقيقي.

يحاول كل طرف حماية صورته، لكن الصراع على السلطة والصلاحيات في إدارة الملف الأمني جعل الفضيحة أعمق من مجرد خرق إداري. استقالة المدعية العسكرية العامة كانت فرصة للتيار الحاكم لإعادة ترتيب الأوراق. تعيين مدعٍ عام جديد «المحامي إيتاي أوفير، المستشار القانوني لوزارة الدفاع»، محاولة صورية لـ«تلميع» صورة الجيش. قرار يوضح الرغبة السياسية في السيطرة على تداعيات الفضيحة دون معالجة أسبابها الجذرية.

يبدو مستقبل المحاسبة على الانتهاكات في غزة معقدًا. ما يحدث يكشف الفجوة بين القانون العسكري الرسمي وممارسات القوات ميدانيًا. يثبت ضعف النظام القضائي نفسه. أمام إسرائيل خياران متوازيان: الأول «الأرجح»، تكثيف السرية والرقابة الداخلية وتضييق نطاق المعلومات للحفاظ على صورة الجيش. الثاني (الأقل احتمالًا)، إصلاح جزئي اضطراري عبر إعادة هيكلة، لكنها تظل غير واضحة المعالم والتداعيات.

لجوء إسرائيل إلى السرية المطلقة دون إصلاح حقيقي سيؤدي إلى مزيد من الانهيار الداخلي. ستحكم على نفسها بالعجز عن استعادة ثقتها الداخلية والدولية (المفقودة أصلًا). فضيحة «سدي تيمان» دليل واضح على سياسة عنف ممنهجة وممارسة سلطة خارج إطار القانون، ما يضع كل مكونات الاحتلال أمام مسئولية مباشرة عن الأضرار التي لحقت بصورتها، وستظل، لأن من تربّى على العنف سيورّثه.

اقرأ أيضاًارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 69 ألفا و176 شهيدا

قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية بالضفة الغربية

الصحة اللبنانية: استشهاد مواطن في غارة إسرائيلية بصيدا جنوب البلاد

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل الفلسطينيين سدي تيمان معتقل سدي تيمان المنظومة القانونية الإسرائيلية المدعیة العسکریة المؤسسة العسکریة القضاء العسکری جیش الاحتلال فی إسرائیل صورة الجیش یفعات تومر سدی تیمان انهیار ا جزء ا من سیاسی ا واضح ا فی غزة

إقرأ أيضاً:

الكيان يكشف عن تعزيز وجوده العسكري جنوب البحر الأحمر بالقرب من باب المندب

 

كشف الاحتلال الإسرائيلي، عن التواجد العسكري بمناطق سيطرة  مليشيات الامارات في اليمن.

وأفادت وسائل اعلام عبرية بأن قوات الاحتلال تنشط حالياً بمناطق في البحر العربي والبحر الأحمر.

ونقلت صحيفة تايمز اوف إسرائيل عن مصادر قولها ان الاحتلال عزز منذ أكتوبر الماضي وجوده العسكري جنوب البحر الأحمر بالقرب من باب المندب.

ومع ان الاحتلال يحتفظ بمواقع عسكرية في اريتريا على الضفة الأخرى من البحر الأحمر الا ان حديث اعلامه عن تعزيز وجوده خلال الأشهر الأخيرة يشير إلى تطورات شهدتها المنطقة هناك حيث تم افتتاح عدة قواعد عسكرية في جزر يمنية عدة أبرزها زقر.

وتؤكد هذه التطورات توفير مليشيات الامارات بقيادة الخائن طارق صالح والتي تنشط في مناطق قريبة من باب المندب غطاء لتحركات الاحتلال هناك.

 

مقالات مشابهة

  • «الصناعات العسكرية» تعلن ارتفاع نسبة توطين الإنفاق العسكري إلى 24.89% في عام 2024
  • شهادة أسير محرر من غزة حول انتهاكات الاحتلال بمعتقل "سديه تيمان"
  • الكيان يكشف عن تعزيز وجوده العسكري جنوب البحر الأحمر بالقرب من باب المندب
  • الجيش الإسرائيلي يواجه أزمة بشرية وسط تصاعد التوترات العسكرية
  • المنفي يبحث مع قيادات الجيش إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية
  • إسرائيل.. نقل المدعية العسكرية "المعاقَبة" إلى المستشفى
  • عميد طب قصر العيني يهنئ طارق عبد القادر سلام برئاسة الأكاديمية الطبية العسكرية
  • إسرائيل تؤكد أن رفات الرهينة المسترجعة من غزة تعود إلى رقيب أول في الجيش
  • العثور على “هاتف” المدعية العسكرية قد يهز إسرائيل ويسقط رؤوسا كبيرة