كشفت ورقة بحثية حديثة عن تحولات جذرية في بنية الأمن الإقليمي باليمن، مؤكدة أن الجنوب بات اليوم المحور الأكثر تأثيرًا في منظومة الأمن البحري العربي، ومركز الثقل الجديد في الاستقرار الإقليمي. 

الورقة التي صدرت عن مؤسسة اليوم الثامن للدراسات والإعلام حملت عنوان "الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن (2000–2025): من ازدواجية صنعاء إلى نموذج عدن الأمني".

وأكدت أن استمرار التجاهل الدولي للقوى الأمنية الجنوبية أضعف فعالية الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب، ومنح التنظيمات المتطرفة –وفي مقدمتها القاعدة– فرصة لإعادة التموضع من خلال تحالفات هجينة تربط الحوثيين والإخوان والتنظيم الإرهابي ضمن شبكة مصالح مشتركة مدعومة من إيران

وأوضحت  إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تجاهلت الحرب الحقيقية على الإرهاب في اليمن، رغم الأدلة الميدانية التي تؤكد أن الإنجازات الحقيقية ضد تنظيم القاعدة تحققت في الجنوب، على يد القوات المحلية المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة، لا في الشمال الذي ظلّ غارقًا في ازدواجية المواقف وتوظيف الإرهاب سياسيًا.

وتحلل الورقة التي أعدها الباحث صالح أبو عوذل، رئيس مؤسسة اليوم الثامن للدراسات والإعلام التوجهات الأمريكية في اليمن خلال ربع قرن، وتخلص إلى أن واشنطن تقف أمام مفترق حاسم؛ فإما أن تعيد صياغة استراتيجيتها عبر الانخراط المباشر مع القوى المحلية الجنوبية بوصفها الشريك الميداني الأكثر فاعلية في الحرب على الإرهاب، أو أن تواصل نهج "الإدارة عن بُعد"، وهو ما يتيح للتنظيمات الإرهابية إعادة بناء قدراتها في فراغ السلطة شمالًا.

وقال الباحث: أن واشنطن، وعلى مدى عقدين من الزمن، اعتمدت على الضربات الجوية والطائرات بدون طيار كأداة رئيسية في الحرب على الإرهاب، دون أن تُنشئ تحالفات ميدانية حقيقية مع القوى المحلية الفاعلة، وهو ما جعل نتائج الحرب محدودة التأثير وأحيانًا عكسية.

وتقترح الورقة تبنّي استراتيجية "الأمن المحلي المتمكّن" القائمة على دمج القوات النظامية والقبلية ضمن إطار مؤسسي موحد، خاصة في محافظات أبين وشبوة وحضرموت، مع إنشاء آلية تنسيق أمني إقليمي تضم الجنوب اليمني، والإمارات، ومصر، والبحرين، ضمن منظومة أمن البحر الأحمر وخليج عدن.

وتذهب الورقة إلى أن اليمن الجديد لن يكون امتدادًا لصنعاء القديمة، بل خريطة أمنية وسياسية تتشكل من الجنوب، حيث بدأت بالفعل مرحلة ما بعد الحرب التقليدية على الإرهاب، مشيرةً إلى أن النجاحات الميدانية في عدن والمكلا تمثل "نموذجًا محليًا" يمكن البناء عليه في مقاربة مكافحة الإرهاب.

وفي هذا السياق، تشير الورقة إلى أن العمليات الأمنية التي نفذتها القوات الجنوبية –مثل عملية "سهام الشرق" في أبين– مثّلت نقطة تحول في مكافحة الإرهاب وإثبات فعالية نموذج الشراكة المحلية، في وقت كانت فيه الدولة المركزية منهارة ومليشيا الحوثي تسيطر على الشمال.

وأشار الباحث صالح أبو عوذل إلى أن التجربة الجنوبية، ولا سيّما عملية "سهام الشرق" التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين عام 2022م، قدّمت نموذجًا فعّالًا في مكافحة الإرهاب على أسس محلية ومجتمعية. إذ نجحت القوات الجنوبية في تفكيك بنية تنظيم القاعدة وطرده من معاقله في وادي عومران والخيالة وسلسلة الجبال الممتدة بين أبين وشبوة، في وقت كانت فيه الضربات الأمريكية عاجزة عن تحقيق نتائج مماثلة، رغم امتلاكها التفوق التقني والاستخباراتي. وأكد أن الولايات المتحدة لم تُبدِ أي دعم مباشر أو سياسي لهذه العمليات، رغم كونها تمثل أول تجربة ناجحة في اجتثاث الإرهاب ميدانيًا منذ بدء الحرب الأمريكية عام 2002م.

وتنتقد الورقة بوضوح مرحلة ما قبل 2011، حيث سيطرت صنعاء على القرار الأمني لكنها مارست "ازدواجية سياسية خطيرة"، تعاونت استخباراتيًا مع واشنطن من جهة، ودعمت جماعات مسلحة لاستخدامها كورقة ضغط داخلي من جهة أخرى.

وترى الورقة أن هذه الازدواجية أنتجت بيئة خصبة لنمو الإرهاب، محولة اليمن إلى مسرح تصفية حسابات سياسية، وأدت إلى فقدان واشنطن الثقة في شركائها في صنعاء، قبل أن تنتقل المعركة لاحقًا إلى الجنوب حيث أعيد بناء مقاربة جديدة للأمن المحلي بدعم من التحالف العربي.

واختتمت الورقة توصياتها بالتأكيد على أن مستقبل الحرب على الإرهاب في اليمن لن يُحدَّد بميزان القوة العسكرية وحده، بل بقدرة القوى الإقليمية والدولية على بناء شراكات واقعية مع الفاعلين المحليين الجنوبيين. كما شددت على أن الجنوب سيغدو أحد أهم محاور الأمن البحري العربي، ما يستدعي رؤية دولية جديدة تنظر إليه بوصفه شريكًا في الاستقرار الإقليمي، لا مجرد ساحة صراع.

وختمت الورقة بدعوة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى إعادة تعريف مقاربتهم لليمن، بحيث لا تُبنى السياسات على بقايا صنعاء القديمة، بل على واقع جديد يتشكل من الجنوب الذي بات اليوم –بحسب توصيفها– الخيار الواقعي لإنقاذ اليمن ومكافحة الإرهاب واستعادة الاستقرار.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: مکافحة الإرهاب على الإرهاب فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

ملتقى يناقش تفعيل دور مجالس أولياء الأمور بمدارس مسندم

نظمت المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة مسندم اللقاء التعريفي السنوي لمجالس أولياء الأمور بمدارس المحافظة برعاية معالي السيد إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم البوسعيدي محافظ مسندم.

وقال بدر بن محفوظ الحميدي المدير العام المساعد للشؤون الإدارية والمالية بتعليمية مسندم: إن وزارة التربية والتعليم أولت اهتمامًا كبيرًا بتفعيل دور مجالس أولياء الأمور في دعم العملية التعليمية لبناء شراكة مجتمعية من منطلق قناعتها بأن الأسرة شريك أساسي في تعزيز القيم، وصقل المهارات، وتنمية روح الانتماء والمسؤولية لدى أبنائنا الطلبة.

شهد اللقاء تقديم عرض مرئي تناول العرض تطوير ممارسات التدريس من خلال توظيف المنصات التعليمية، وأنظمة إدارة التعلم، والمصادر التعليمية المفتوحة وأدوات الذكاء الاصطناعي في تصميم تجارب تعليمية مخصصة، وبيئات تعلم مرنة وتفاعلية تعزز من فعالية التدريس، وتحفّز المتعلمين على المشاركة في الأنشطة والإبداع.

كما قدمت أوراق عمل متنوعة حملت الورقة الأولى وقفات مع قانون التعلم المدرسي قدمها علي بن كرم البلوشي رئيس قسم الشؤون القانونية بتعليمية مسندم، وتناولت أبرز الأحكام والمضامين القانونية التي تضمنها قانون التعليم المدرسي.

أما الورقة الثانية فكانت حول مؤشرات التحصيل الدراسي بمدارس المحافظة قدمتها منيرة بنت محمد الشحية مديرة دائرة القياس والتقويم بتعليمية مسندم تناولت فيها أهم المؤشرات التي تُقاس بها كفاءة العملية التعليمية وجودتها، ومدى اكتساب المتعلمين للمعارف والمهارات والقيم المستهدفة لتطوير التعليم وتحسين مخرجاته من متابعة أداء الطلاب، وتحليل النتائج، واكتشاف جوانب القوة والضعف في النظام التعليمي من خلال تقييم فاعلية المناهج وطرق التدريس وبيئة التعلم.

وفي الورقة الثالثة قدم محمد بن عبد الله الشحي مدير دائرة التوجيه المهني والإرشاد الطلابي ورقة عمل بعنوان (سلوكيات الطلبة تحديات وحلول) تناول فيها العوامل التي تؤثر في جودة العملية التربوية التعليمية.

وناقشت الجلسة الحوارية أهمية التعاون بين الأسرة والمدرسة لتحقيق بيئة تعليمية أفضل للأبناء. شارك في الجلسة عدد من المتحدثين من مختلف القطاعات التربوية والاجتماعية، وتناولت جملة من المحاور الرئيسية كدور الأسرة في المنظومة التعليمية والتوجيه الديني والتربوي والتنمية الاجتماعية ودعم التعليم، والتحديات التي تواجه الأسر في دعم العملية التعليمية. وطرحت مقترحات لتعزيز الشراكة بين البيت والمدرسة، وتم التأكيد على أهمية التكامل بين الخدمات الاجتماعية والتعليمية لتحقيق بيئة تعليمية متكاملة.

مقالات مشابهة

  • ملتقى يناقش تفعيل دور مجالس أولياء الأمور بمدارس مسندم
  • غروندبرغ يطلع الزنداني على نتائج اتصالاته وتحركاته الاخيرة بشأن السلام في اليمن
  • وزير الخارجية يلتقي المبعوث الاممي إلى اليمن
  • مباحثات بين صهر ترامب ونتنياهو بالقدس حول الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة
  • تزامناً مع الغارات الإسرائيليّة على الجنوب والبقاع.. ماذا تشهد أجواء الضاحية الجنوبية؟
  • البخيتي: حرب اليمن والسعودية لم تعد حدودية بل وجودية فرضها بن سلمان
  • حمدين صباحي: اليمن قدم نموذج مشرف والمؤتمر القومي يتشرّف باستضافة السيد عبد الملك الحوثي
  • الدول العربية تحذّر: نرفض إعادة إعمار غزة وفق الشروط الأمريكية والإسرائيلية
  • ورقة اقتصادية: التجارة الإلكترونية في اليمن وسيلة بقاء وفرصة للنجاة من الحرب