جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-17@19:07:35 GMT

كيف نُحرر الصحة من القالب الطبي؟

تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT

كيف نُحرر الصحة من القالب الطبي؟

 

 

علي عبد الحسين اللواتي

 

فاجأتني ابنتي بتسجيل حفيدتي، التي تجاوزت العامين بقليل، في نادٍ صحي مخصص للأطفال (KIDS GYM). قد يبدو هذا التصرف للوهلة الأولى نوعًا من الرفاهية المبالغ فيها، لكن بعد تأمل، اتضح أنه يغرس ثقافة النشاط البدني كعنصر أساسي في الروتين اليومي للطفل، وهو سلوك قد يرافقه كقيمة أصيلة مدى الحياة.

أما المشهد الثاني، فكان ملاحظتي لعدد من الأسر في ساحة الخوير يستمتعون بالمشي، بينما يقود أطفال بعضهم دراجاتهم الهوائية.

هذان المشهدان، على بساطتهما، كانا الدافع للتفكير العميق في كيفية الارتقاء بهذه السلوكيات الفردية الإيجابية لتصبح "ثقافة مجتمعية" راسخة.

من "العلاج " إلى "صناعة الصحة"

في سياق التوسع العالمي المستمر في بناء المستشفيات؛ لمواكبة الطلب المتنامي على الخدمات الصحية، يظهر بوضوح نهج استراتيجي بديل أكثر استدامة وهو التحول الجذري من ثقافة "علاج المرض" إلى ثقافة "صناعة الصحة"؛ حيث إن الاعتماد على التدخل العلاجي بعد الإصابة بالمرض يمثل حلًا متأخرًا وباهظ التكلفة، يستنزف ميزانيات الدول والأفراد، في حين يكمن الاستثمار الحقيقي والأكثر جدوى في الوقاية.

وتطبِّق سلطنة عُمان حاليًا حزمة من البرامج الوقائية المهمة، منها: الفحص قبل الزواج، والفحوصات الدورية للفئة العمرية فوق الأربعين عامًا، إضافة إلى برامج التحصينات الوطنية والحماية من الأمراض المعدية. كما أولت سلطنة عُمان اهتمامًا بتدخلات صحية دقيقة ذات أثر كبير، مثل إضافة اليود إلزاميًا إلى الملح، وعلى الرغم من الأهمية البالغة لهذه الخطوات، فإن تحقيق قفزة نوعية حقيقية يتطلب دمج هذه الجهود ضمن "مشروع وطني شامل" يُدار بفكر قيادي مختلف.

الخروج من "القالب الطبي"

يكمُن التحدي الراهن في أن ملف "الوقاية"، عندما يُدار حصريًا من منظور طبي، يركز بطبيعته على الجوانب العلاجية الوقائية (مثل اللقاحات والفحوصات) كأولوية، لكن هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية ترتبط بالصحة الوقائية المجتمعية يجب إدراجها، وتشمل:

نوعية الغذاء المعروض في الأسواق ومستويات السكر والملح فيه والمواد الحافظة. تأسيس نمط حياة صحي ونشاط بدني كجزء من الهوية المجتمعية. الثقافة الحياتية والسلوكية (مكافحة التدخين، تنظيم النوم، إدارة الضغوط النفسية). تعزيز الثقافة العلمية والمعرفية التي تخلق مجتمعًا شغوفًا بالتعلم واستغلال قدراته الذهنية إلى أقصى حد.

تنمية "الصحة الذهنية" كركيزة وقائية

بناءً على مفهوم "استخدام القدرات الذهنية لأقصى حد"، يمكن إطلاق برامج وطنية لتحفيز "المرونة العصبية" (Neuroplasticity). لقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن "الذكاء" ليس سمة جامدة، بل يمكن تطوير القدرات المعرفية بفاعلية. فالدماغ البشري يمتلك قدرة مذهلة على إعادة تنظيم نفسه وبناء وصلات عصبية جديدة كاستجابة مباشرة للتجارب والتعلم المستمر.

لذا، يجب تشجيع الأنشطة الذهنية المعقدة، مثل اكتساب لغات جديدة، أو تعلم العزف على آلة موسيقية، أو ممارسة القراءة العميقة والمستمرة، كجزء لا يتجزأ من "سلوك الحياة" المجتمعي، وهذا التوجه سيسهم في بناء مجتمع يتمتع بصحة ذهنية عالية ومرونة معرفية.

وإدراج هذه الأنماط السلوكية الصحية كبرامج ثقافية ورياضية للشباب والمجتمع، ضمن مهام وزارة الثقافة والرياضة والشباب، تمثل إضافة فريدة تثري الأنماط الثقافية التقليدية كالحفاظ على التراث والأعراف والفنون مثلًا، ويوسع مفهوم الرياضة ليتجاوز المنافسات والمسابقات المحلية والدولية.

إنَّ هذا التحول في الرؤية يحقق هدف استراتيجي وهو الخروج من المنظور الطبي؛ حيث يُحرِّر مفهوم الوقاية من "القالب الطبي"  (المرتبط بالمرض والدواء) ويعيده إلى إطاره الأوسع "مشروع وطني متكامل لأسلوب حياة"، وهذا يتطابق تمامًا مع رؤية الوزارة لقطاعات الشباب والرياضة والثقافة.

المحاور الستة المتكاملة

المحور الأول: تعزيز الثقافة الحياتية وهو محور استراتيجي يهدف لبناء ثقافة مجتمعية صحية، ويتم ذلك عبر إطلاق حملات وطنية مبتكرة ومستدامة لمكافحة التدخين والشيشة والمؤثرات العقلية، بالتوازي مع نشر ثقافة "جودة الحياة" للتعامل الفعال مع الضغوط النفسية وتجنب أنماط الحياة السلبية كالسهر غير المبرر.

المحور الثاني: الحوافز والبرامج الرقمية يتمحور هذا حول إطلاق "تطبيق وطني لجودة الحياة "حيث يتيح للأفراد تسجيل فحوصاتهم وأنشطتهم البدنية، مرتبطًا بنظام نقاط ومكافآت. يمكن الاستفادة من تجارب سنغافورة الناجحة في "اللعبة" (Gamification) عبر تطبيقات مثل Healthy 365 وLumiHealth.

المحور الثالث: المشاركة المجتمعية والبنية التحتية تفعيل دور المراكز المجتمعية والمساجد في تنظيم برامج للمشي الجماعي وربطها بنظام النقاط. يتطلب هذا أيضًا توسيع مسارات المشي والحدائق العامة وتجهيزها بمؤشرات تحفيزية للخطوات المقطوعة والمسافات.

المحور الرابع: تفعيل الأندية الرياضية؛ حيث إن اعتماد الأندية الرياضية المنتشرة في مختلف ولايات السلطنة كـ "مراكز لتطوير أساليب الحياة". هنا، يمكن الاستفادة بشكل كبير من التجربة الهندية الرائدة في برنامج "أيوشمان بهارات" (Ayushman Bharat)؛ حيث أطلقت الحكومة الهندية في 2018 خطة لتحويل 150000 مركز صحي أوَّلي إلى "مراكز للصحة والعافية". وتُركِّز هذه المراكز بشكل أساسي على تمكين الأفراد والمجتمعات من اختيار سلوكيات صحية لتقليل مخاطر الأمراض المزمنة، مع تقديم خدمات لتعزيز العافية، بما في ذلك أنشطة مجتمعية مثل اليوغا.

المحور الخامس: الإطار التشريعي والرقابي دعم الجهود الثقافية بتشريعات ضامنة، مثل إلزام المطاعم والمقاهي بعرض السعرات الحرارية بوضوح، وفرض شروط صحية ومعايير محددة على المشروبات عالية السكر والأطعمة السريعة، أسوة ببعض الدول الأوربية، إضافة إلى إمكانية تخصيص ساعات أسبوعية للنشاط البدني ضمن برامج التحفيزية في المؤسسات.

المحور السادس: المتابعة وقياس الأثر هنا يأتي دور وزارة الصحة كشريك استراتيجي، حيث يصبح دورها حيويًا واستشاريًا في تحديد مؤشرات الأداء الوطنية (KPIs)، تشمل هذه المؤشرات أهدافًا واضحة مثل خفض معدلات السمنة والسكري بنسب محددة، وتقليل انتشار الأمراض المزمنة الأخرى.

من "الاختيار الصعب" إلى "الخيار الأسهل"

تكشف دراسة نجاح التجربة السنغافورية أن فلسفتها قامت على مبدأ جعل "الخيار الصحي هو الخيار الأسهل" للمواطن في حياته اليومية.

إنَّ تغيير مفهوم الصحة الوقائية إلى ثقافة لأسلوب الحياة ضمن القيادة الاستراتيجية العليا والمتمثلة في وزارة الثقافة والرياضة والشباب، هو الخطوة الأولى والأساسية لجعل "جودة الحياة" خيارًا سهلًا ومتاحًا ومُدمجًا في ثقافة المجتمع.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الصحة العالمية تحذر: أكثر من 900 وفاة في غزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي

جنيف – أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 900 مريض توفوا في قطاع غزة نتيجة تأخر عمليات الإجلاء الطبي للعلاج خارج القطاع.

وأوضحت المنظمة أن نحو 16,500 مريض ما زالوا ينتظرون الموافقة على السفر، بينهم 4,000 طفل بحاجة عاجلة للإجلاء، محذرة من أن أي تأخير في حالات حرجة يعادل حكما بالإعدام.

ودعا مدير عام منظمة الصحة العالمية  تيدروس أدهانوم غيبرييسوس إلى فتح جميع المعابر فورا والسماح بحرية الحركة الطبية والإنسانية من غزة وإليها، مشيرا إلى أن الإغلاق وعرقلة نقل المرضى أديا إلى انهيار الوضع الصحي وتفاقم الحالات الحرجة.

وأشارت المنظمة إلى أنها نفذت منذ مايو 2024 نحو 119 مهمة إجلاء، نقلت خلالها 8,000 مريض بينهم 5,500 طفل، بينما تعمل المستشفيات اليوم بأقل من نصف طاقتها بسبب نقص الأدوية والوقود والمعدات الأساسية.

وتواصل الصحة العالمية التعاون مع جهات محلية ودولية لإعادة بناء النظام الصحي المتضرر بشدة جراء الحرب.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة ومحافظ بورسعيد يتفقدان قصر الثقافة للوقوف على الأعمال المطلوبة لتطويره
  • وزير الثقافة ومحافظ بورسعيد يتفقدان قصر ثقافة بورسعيد
  • وزير الثقافة يتفقد أعمال تطوير قصر ثقافة بورسعيد
  • الصحة العالمية: 900 وفاة بغزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي
  • مساعد وزير الثقافة يزور طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا
  • الصحة العالمية: وفاة 900 مريض بغزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي
  • أكثر من 900 وفاة في غزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي
  • الصحة العالمية تحذر: أكثر من 900 وفاة في غزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي
  • «ثقافة وسياحة أبوظبي» تشارك في «مؤتمر آيكوم 2025»