24 نونبر، 2025

بغداد/المسلة: بتصاعد الجدل السياسي والاقتصادي في بغداد عن حاجة العراق إلى رئيس حكومة يفكّر بمنطق الدولة لا بمنطق الحملات الانتخابية، في لحظة تبدو فيها الأزمات المعيشية أكبر من أن تُدار بعقلية جمع الأصوات.

ويأتي هذا الطرح مدفوعًا بقلق متزايد من أن استمرار ربط القرار التنفيذي بالمكاسب الانتخابية قد كلف البلاد سنوات من التعثر الاقتصادي وضعف الخدمات وازدياد معدلات الفقر والبطالة.

وظهرت دعوات متزايدة في الأوساط الاقتصادية والسياسية العراقية لضرورة اختيار رئيس وزراء جديد لا ينشغل فقط بالترشح والفوز في الانتخابات، بل يركّز على معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة في البلاد. ووفقًا لخبراء، فإن تحسنًا اقتصاديًا ملموسًا سيكون بمثابة جسر نحو استقرار سياسي واجتماعي وأمني أكبر.

وذكر الكاتب بلال الخليفة أن تجربة الولايات المتحدة خلال الكساد العظيم تقدم عبرة تاريخية لا يستهان بها: «بعد الأزمة العالمية عام 1932، تولّى فرانكلين ديلانو روزفلت الرئاسة في 4 مارس 1933، وبعد يومين أعلن عطلة مصرفية وإغلاق البنوك، ثم أصدر الأمر التنفيذي رقم 6102 في 5 أبريل 1933، الذي ألزَم المواطنين بتسليم سبائكهم المعدنية من الذهب والبنكنوتات المغطاة بالذهب إلى الحكومة، تحت طائلة غرامة تصل إلى 10 آلاف دولار أو السجن لعشر سنوات».

وتابع بلال الخليفة أن ذلك الأمر «كان نوعًا من الانتحار السياسي»، لأنه جاء مصحوبًا بتهديد صريح للمواطنين، وأجبرهم على تسليم الذهب بسعر ثابت 20.67 دولار للأونصة، في وقت ارتفع فيه سعر الذهب لاحقًا، مما أضرّ كثيرين.

ووصف بلال القرار بأنه «خيار بالقوة»، إذ تجاهل فريقي المجمعات والجمعيات، وقبِل فقط ببعض الاستثناءات في القطاعات الصناعية والفنية مثل المجوهرات والطب والدهانات.

وذكَّر أن ما قام به روزفلت لم يكن مجرد قرار مؤقت، بل تبعه قانون احتياطي ذهبي في 1934، رفع بموجبه سعر الذهب إلى 35 دولارًا للأونصة، مما أتاح للحكومة الأميركية تحقيق أرباح كبيرة من إعادة تقييم احتياطيها الذهبي.

واهتم بلال بهذا المثال التاريخي ليربطه بحالة العراق الحالية: «إذا نجحت أميركا في تجاوز الكساد، فقد آن الأوان لعراق ما بعد الأزمات أن يختار قيادة سياسية لا تهدف فقط إلى الضمانات الانتخابية، بل إلى بناء أساس اقتصادي قوي»، كما قال.

ولا يعزز  تحسين النمو الاقتصادي في العراق، النمو الاجتماعي، فقط، بل يعزّز من قدرات الدولة في إدارة الملف السياسي والأمني، في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 43 مليون نسمة ويشهد تحديات بنيوية متعلقة بالفقر والبطالة والبنية التحتية.

و الناتج المحلي للفرد في العراق لا يزال منخفضًا نسبيًا، إذ بلغ حوالي 4180 دولارًا أمريكيًا في 2024، وفق مؤشرات حديثة.

و يرى التحليل ان اختيار شخصية قريبًا من هذه الرؤية – حاملة أولوية الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي بدلاً من المناورة الانتخابية – سوف يكون الشرارة التي تحتاجها بغداد لإشعال دينامية تنموية حقيقية، وليس مجرد استحقاق انتخابي.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

أربيل تحاول صياغة خريطة السلطة عبر الثلث الكردي الضامن

27 نونبر، 2025

بغداد/المسلة: عادت أربيل إلى مركز الضغط السياسي داخل بغداد بفعل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتحركات التي رافقتها، مع بروز  الحزب الديمقراطي الكردستاني كقوة مفصلية تضيف نقطتين أساسيتين إلى رصيدها: المقاعد البرلمانية والعلاقات الإقليمية والدولية.

وأسفرت الانتخابات عن حصول الكتل الكردية، كافة، على 58 مقعداً من أصل 329 في مجلس النواب، مع تمركز مقاعد الكرد — الأغلبية — في محافظات إقليم كردستان إضافة إلى بعض المحافظات المتنازع عليها.
ووتصدر الديمقراطي النتائج في الإقليم، بفوزها بعدد معتبر من المقاعد في أربيل ودهوك، متقدمة على الاتحاد الوطني وبقية الكتل الكردية.

وولّد هذا التمركز إقراراً متجدداً لدور أربيل كوسيط سياسي قد يُستخدم لتشكيل تحالفات برلمانية وحكومية، خصوصاً مع تأكيد بعض المحللين أن الكتل الشيعية التي لم تعد تملك أغلبية واضحة (220 مقعداً) باتت بحاجة إلى شركاء من الأكراد والسنة لتمرير ترشيح رئيس الوزراء أو تشكيل حكومة.

وأطلق مسؤول كردي بارز حديثاً حجة أن قوة الديمقراطي  لا تأتي فقط من عدد المقاعد، بل من سعيه لتوسيع قاعدة الدعم لتشمل ناخبين غير كرد، ما أعطاه زخم انتخابي غير مسبوق ووضعه في موضع “وسيط وطني” محتمل.

وأدى هذا الموقف إلى تحولات في جدول اللقاءات بين بغداد وأربيل، مع زيارات من زعامات شيعية وسنية، ما يشير إلى إعادة حساب دور الإقليم في المعادلة السياسية الوطنية، دون أن تتضمن هذه الجولة حتى الآن زيارة إلى مناطق نفوذ الاتحاد الوطني مثل السليمانية، مما يعكس تهميشاً نسبيّاً لهذا الشريك الكردي.

ووسّع محللون هذا الواقع في القول إن أربيل قد تمنح نفسها «ثلثاً ضماناً ومعطّلاً» في تشكيل الحكومة، ليس فقط عبر رئاسة الجمهورية — وهو التقليد المتبع منذ 2005 — بل أيضاً عبر لعب دور مؤثر في تحديد الكتلة الأكبر وحسم التوافقات على رئاسة الوزراء.

وتؤكد هذه الديناميكية أن القوى الشيعية، رغم ارتباطها ببعض فصائل المقاومة، لم تعارض علناً رغبة الولايات المتحدة في تعزيز أهمية الديقراطي الكردستاني، وهو ما يجعل من الحزب الكردي جسراً محتملاً لموازنة النفوذ الإقليمي والدولي، وضمان دعم غربي للحكومة المرتقبة.

وفي ضوء هذا الواقع تبدو أربيل، وليس فقط كردستان التاريخية، محط أنظار الأطراف السياسية العراقية التي تسعى لتثبيت ائتلاف حاكم قادر على تجاوز الانقسام التقليدي بين الشيعة والسنة، مع ضمان مشاركة كردية متوازنة تمنح الاستقرار.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • الإطار التنسيقي: الاعتداء على المنشآت الوطنية تهديد لأمن العراق
  • أربيل تحاول صياغة خريطة السلطة عبر الثلث الكردي الضامن
  • رئيس حكومة يتبرع؟!
  • الأمن الوطني يفكك شبكات التزوير والفساد المالي في بغداد
  • أمانة بغداد تؤسس مجلساً بلديّاً لحماية المناطق التراثية
  • أمانة بغداد تدق أبواب المجاري: مشاريع استراتيجية لتجاوز أزمات الأمطار
  • البارزاني وهاريس يؤكدان على الإسراع في تشكيل حكومة الإقليم والاتحادية
  • رغبة خارجية تغطي الخلافات السنية بعباءة المجلس السياسي الوطني
  • المفوضية تستبعد الفائز عن منظمة بدر مهند الخزرجي
  • مصدر سياسي: التوافق السياسي من يحسم أسم رئيس الحكومة الجديدة