خلال الأيام الأولى من ديسمبر 2025، اجتاحت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (STC) مدن وادي حضرموت ومهرة، معلنة السيطرة على سيئون عاصمة الوادي في 3 ديسمبر، ثم تسلمت محافظة المهرة في اليوم التالي دون قتال، هذه التحركات تمت بدعم إماراتي وبحضور لجنة سعودية رسمية، ما جعلها لحظة فارقة نقلت الأزمة اليمنية من مرحلة الغموض إلى مرحلة القاسم الواضح.

 

أطلق المجلس الانتقالي عمليته تحت شعار «المستقبل الواعد»، فحشد قواته وسيطر على سيئون خلال ساعات، بعد اشتباكات محدودة مع اللواء الأول التابع للمنطقة العسكرية الأولى . وبالتزامن، وصلت وفود سعودية للتفاوض مع القيادات المحلية حول إعادة نشر القوات، ما أعطى إشارات إلى تنسيق سعودي–إماراتي في إعادة رسم خطوط السيطرة .

 

في 4 ديسمبر، أعلنت مصادر يمنية تسليم المهرة للانتقالي. انتقلت قيادة المحافظة، وميناء نشطون، واللواء 137 مشاة إلى سيطرة المجلس، بينما انسحب الجنود القادمون من المحافظات الشمالية . تقع المهرة على بحر العرب بطول ساحلي يزيد عن 560 كم ، وتُعد ثاني أكبر محافظات اليمن مساحةً، ما يضفي على سيطرتها أهمية جيوسياسية واقتصادية.

 

توازت عملية الانتقالي مع انتشار قوات «درع الوطن» التي تدعمها السعودية، بهدف حماية الهضبة ومداخل وادي حضرموت . كما وصل رئيس اللجنة الخاصة السعودية، اللواء محمد القحطاني، إلى المكلا للإشراف على إعادة توزيع القوات، في مشهد يكرر ما حدث في جزيرة سقطرى عام 2020 عندما سلّمت للانتقالي بحضور لجنة سعودية .

 

إن دعم دول إقليمية لمليشيات محلية بهدف تغيير حدود السيطرة يتعارض مع المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة ضد وحدة الدول . كما تنتهك هذه التحركات القرارات الأممية بشأن اليمن، وأبرزها القرار 2216 الذي يطالب جميع الأطراف بوقف العنف والامتناع عن إجراءات أحادية، تجاهل هذه القرارات يظهر أن التزامات المجتمع الدولي لم تُترجم إلى إجراءات رادعة، وأي شرعية تبقى لميثاق الأمم المتحدة عندما تتحول الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى شهود صامتين؟

 

تشير الوقائع إلى أن ما يبدو تنافساً بين السعودية والإمارات هو في الواقع تقاسم أدوار: أبوظبي تركز على الساحل والموانئ والجزر، بينما تسعى الرياض للهيمنة على الهضبة الداخلية والمعابر والحقول النفطية، ورفع الانتقالي لافتة «شارع شهداء الإمارات» في حضرموت يعكس رمزية بسط النفوذ، فيما تؤكد السعودية أنها تحرص على أمن حضرموت لكنها عملياً تترك للانتقالي السيطرة على المدن .

 

تمثل حضرموت خزّان النفط اليمني، إذ تحتوي على نحو 80 ٪ من احتياطات البلاد . وتعطيل الإنتاج في منشآت «بترومسيلة» بعد اقتحامها من مسلحين يهدد مصدر دخل رئيسي للدولة . كما دفعت الاشتباكات والنزاعات إلى نزوح سكان سيئون ومحيطها ، فيما يلوح في الأفق خطر انتقال الصراع إلى محافظتي مأرب وتعز، وهو ما قد يفاقم الأزمة الإنسانية.

 

باتت خارطة التقسيم على الأرض واقعاً ماثلاً؛ سيطرة الانتقالي على حضرموت والمهرة تتخطى خط الانفصال التقليدي قبل وحدة 1990، وتؤسس لكيان جنوبي يمتد شرقاً. في المقابل، تبدو مؤسسات الشرعية عاجزة عن حماية الأراضي، فيما تحولت إلى واجهات لتمرير قرارات إقليمية . إن استمرار هذا المسار يهدد بإعادة إنتاج سيناريو 2014 عندما سلّمت صنعاء للحوثيين، مع اختلاف الفاعلين.

 

ما يجعل المشهد أشد إيلاماً هو تواطؤ المؤسسات التي كان يفترض أن تدافع عن الدولة.  بدلاً من أن ينبري مجلس القيادة الرئاسي ومجلس النواب والحكومة وقيادات الأحزاب لرفض إسقاط المدن بيد مليشيا الانتقالي، لجأت هذه الجهات إما إلى الصمت المطبق أو إلى مباركة غير مباشرة.  ففي منتصف سبتمبر 2025، عندما أصدر رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي مجموعة من القرارات الإدارية غير المنصوص عليها في صلاحياته، هرع وزراؤه إلى اعتبارها تجسيداً لـ“مبادئ الشراكة”، بينما لزم رئيس مجلس القيادة وأعضاء الحكومة الصمت حيال هذه الأفعال التي وُصفت بأنها انتهاك صارخ لصلاحيات الرئاسة .  هذا الصمت، في نظر كثير من اليمنيين، لم يكن سوى إشارة إلى أن مؤسسات الشرعية اختارت التعايش مع الأمر الواقع أو حتى تباركه، فتحولت إلى شاهد زور على تقويض الدولة.

 

إن السيطرة على حضرموت والمهرة ليست إلا خطوة في مسار أكبر. ما يجرى يفتح شهية الفاعلين الإقليميين نحو مأرب الغنية بالنفط وتعز ذات الثقل الديموغرافي. يعتقد البعض أن الرياض قد تضغط لإعادة توزيع النفوذ في مأرب لصالحها، بينما تتطلع أبوظبي إلى تعز لإكمال سيطرتها على الساحل والبحر الأحمر. الحوثيون يراقبون هذا التفكك وقد يستغلون الفرصة للزحف نحو مأرب إذا ضعفت جبهة الحكومة . إذا اشتعلت مأرب أو سقطت تعز، فإن اليمن سيغرق في فوضى أعمق، وسيمتد الحريق إلى البحر الأحمر وقد يدخل لاعبون جدد إلى المسرح.

 

تُظهر الأحداث الأخيرة أن اليمن يقف على حافة إعادة التشكيل. حملة «المستقبل الواعد» وما تلاها من تسليم المهرة تكشف مدى عمق التنسيق السعودي–الإماراتي في إدارة الصراع ورسم الخرائط الجديدة. وبينما تتغافل القوى الدولية عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن، يزداد خطر تقسيم اليمن إلى كانتونات مناطقية، إن المهمة الكبرى أمام اليمنيين اليوم هي كيفية وقف هذا المسار والحفاظ على وحدة الدولة قبل أن يصبح التقسيم أمراً واقعاً، مع ما يحمله من كلفة إنسانية واقتصادية وسياسية.

 

اليمن اليوم بين مطرقة التاريخ وسندان التقسيم. مشاهد رفع أعلام الانفصال في سيئون والغيضة ليست سوى مقدمات لصور قادمة إذا استمرت الأمور على هذا النحو. السؤال لم يعد «هل سينقسم اليمن؟»، بل «كم دويلة ستنشأ على أنقاضه؟». إننا نقف أمام لحظة تاريخية تحتم على اليمنيين أن يحددوا مصيرهم: إما أن يتوحدوا لإعادة بناء الدولة ومواجهة التدخلات الخارجية، أو أن يقبلوا بدور المتفرج فيما يتقاسم الآخرون خريطة اليمن وثرواته. والتاريخ لا يرحم من يقف مكتوف اليدين.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: السعودية في اليمن الإمارات في اليمن المجلس الانتقالي المهرة

إقرأ أيضاً:

‏ ‏‏اقتحام معسكر للإصلاح قرب مأرب بعد سقوط حضرموت بيد فصائل الإمارات

فقد كشفت وسائل إعلام تابعة لما يسمى بالمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، عن السيطرة الكاملة على معسكر عارين الواقع في المنطقة الفاصلة بين شبوة ومأرب، وهو من أكبر معاقل الإصلاح التي كان يتحصّن فيها ضباط فرّوا من معارك عتق قبل عامين.

مراقبون رأوا في هذا التطور إشارة مباشرة إلى أن الوجهة التالية هي مدينة مأرب نفسها.

وفي اعتراف لافت بالهزيمة، أقرّ حزب الإصلاح جناح الاخوان في اليمن، بتساقط معاقله شرقي اليمن وسقوط نفوذه في هضبة حضرموت النفطية بعد عقود من السيطرة.

وسائل إعلام الإصلاح، أكدت سقوط جميع المقرات التابعة لها، بما فيها مقر قيادة مايسمى المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت، ووصول قوات الانتقالي إلى القصر الجمهوري والمقرات الرسمية في مدينة سيئون دون مقاومة تُذكر، بعد أن فقدت مليشيات الإصلاح الاتصال بقيادتها السياسية والعسكرية، وفي مقدمتهم وزير الدفاع ورئيس مجلس المرتزقة التابع للتحالف، رشاد العليمي.

 وكانت السعودية قد أرسلت الليلة الماضية وفدا عسكريا، لاقناع قيادة مليشيات المنطقة العسكرية الأولى، بتسليم مواقعها لمليشيا درع الوطن التي كانت الرياض قد شكلتها من مجاميع السلفيين عام 2021، وأشارت المصادر بأن الوفد العسكري السعودي هدد بترك المليشيات الموالية للإمارات تجتاح وادي حضرموت في حال رفضت قيادة مايسمى المنطقة الأولى التابعة لحزب الإصلاح تسليم مواقعها لمليشيا “درع الوطن”.

من جانبها، هاجمت وسائل إعلام حزب الإصلاح الرياض واتهمتها بـالتخلي عن قوات الحزب، مؤكدة أن زيارة الوفد السعودي ليست سوى مباركة رسمية لسيطرة الانتقالي على المحافظة.

وتأتي هذه الانهيارات المتلاحقة بعد اجتياح مليشيات الانتقالي لمدينة سيئون ومديريات الوادي والصحراء وسيطرتها على معسكرات مليشيات المنطقة العسكرية الأولى، ليُعلن المشهد بوضوح، أن أبوظبي تحسم حضرموت، فيما الرياض تتفرج على سقوط حليفها الأكبر دون أن تطلق رصاصة واحدة

مقالات مشابهة

  • جبهة التحرير الجنوبية تتهم واشنطن وحلفاءها بإدارة مشروع تقسيم اليمن
  • لماذا عاد اللواء سلطان العرادة إلى محافظة مأرب بشكل مفاجئ وبعد ساعات من انقلاب الانتقالي في حضرموت؟ عاجل
  • العامري: أمريكا وأدواتها تخرج الفصل الأخير من مسرحية تقسيم اليمن!
  • تداول فيديو لـاستعادة قوات حكومية السيطرة على معسكر في اليمن.. ما حقيقته؟
  • ‏ ‏‏اقتحام معسكر للإصلاح قرب مأرب بعد سقوط حضرموت بيد فصائل الإمارات
  • رئيس حلف قبائل حضرموت: محرقة بانتظار قوات الانتقالي إذا حاولت السيطرة على حقول النفط.. فيديو
  • الانتقالي يسيطر على معسكر عارين آخر معاقل الشرعية في شبوة
  • ‏بن حبريش لايزال متمسك بموقفه ويتوعد بالمواجهة لمنع الانتقالي من السيطرة على منابع النفط (فيديو)
  • نفط اليمن من حضرموت وشبوة إلى مأرب.. صراع على ثروة تحتضر