لجريدة عمان:
2025-12-06@23:30:43 GMT

حكاية انتحال قصيدة تتغنى بالتراب العُماني

تاريخ النشر: 6th, December 2025 GMT

حكاية انتحال قصيدة تتغنى بالتراب العُماني

محمد بن سليمان الحضرمي -

إنها ليست مجرد قصيدة، بل أنشودة عذبة المشرب، سالت من قريحة الشاعر الكويتي أحمد السقاف (ت: 2010م)، وعلقت في قلوب العمانيين، يوم أن كانوا يتوزعون في مدن الشتات خارج الوطن، باحت بها قريحة الشاعر وهو ينظمها، محبة لعمان الأرض والوطن، عمان الماضي العريق، والتاريخ العميق، عمان الانسان الطيب حيثما يكون، وأينما ساقته أقداره، وتبدأ القصيدة بهذه المطلع الذي ألهب المهج:

كُلُّ شِبْرٍ مِنَ التُّرابِ العُمَانِي

هُوَ قلبِي وَمُهْجَتِي وَكَيَانِي

أفتديهِ وَكُلُّ حَبَّةُ رَمْلٍ

منهُ أغلى عِندِي مِنَ العِقْيانِ

أهلهُ مَعْشَرِي فأنَّى تَوَجَّهْتُ

وَجَدْتُ الوِجْدانَ مِنْ وِجْدانِي

ومع أن الشاعر السقاف لم يرَ عُمان بأم عينيه، ولم يطأ أديمَها الذي هو كل شبر منها، بمثابة قلبه ومهجته وكيانه، لكنه رآها في عيون أصدقائه العمانيين، الذين زاملهم في سنوات الدراسة ببغداد، وتعرَّف عليهم، ورأى فيهم عمان الجميلة، فجاءت أنشودته هذه التي نشرتها مجلة «العربي»، مارس 1968م، قطعة غنائية باحت بها مهجة الشاعر، تتضمن رُوحًا صادقة، ومحبة لعمان وأهلها، ولكن على ما يبدو فإن القصيدة أغْرَت أحد الشعراء في عمان فانتحَلها، مشاركًا بها في أول مسابقة شعرية، نظمتها وزارة «الإعلام» مطلع السبعينات، ظنًا منه أن القصيدة مجهولة، وأن لا أحد سيعرف انتحاله لها، ولعله لم يكن يدري أن «العربي» كانت ديوان العرب الحديث، وفي يد كل قارئ عربي، يتابعونها عددًا بعد آخر.

وقبل أن أسرد حكاية انتحال هذه القصيدة، التي حدثني عنها الأديب أحمد بن عبدالله الفلاحي أكثر من مرة، واستأذنته في الكتابة عنها، فسمح لي مشكورًا، مع وعد بعدم ذكر اسم الشاعر المنتَحِل، كما أني لا أكتب عنها لغمز منتحلها أو لمزه، إنما لتوثيق حدث ثقافي عاشته الساحة الثقافية في عمان، مع بدايات أعوام السبعين، بدايات النشر والكتابة والاطلاع على المعرفة والثقافات، من خلال المجلات كمجلة العربي، وهو حدث كتَبَتْ عنه الصحافة العُمانية، ممثلة في «جريدة عُمان»، ورئيس تحريرها آنذاك الوقت الشاعر هلال بن سالم السيابي، وكان في لجنة التحكيم أدباء وفقهاء كبار، من أمثال الشيخ سالم بن حمود السيابي (ت: 1993م)، والشيخ ابراهيم بن سعيد العبري (ت: 1973م)، المفتي السابق لعمان، والشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام الحالي للسلطنة، ولأن اللجنة لم تكن على اطلاع بمجلة ذائعة الصيت كالعربي، ولا بما يُنشَر في الصحف والمجلات، فقد أجازتها ومنحتها المركز الأول، وكيف لا تحصد قصيدة كهذه على المركز الأول!، فقد أصبحت بعد نشرها في مجلة العربي، أنشودة العُمانيين المغتربين، وروحهم التي حلَّقت في أرجاء الوطن العربي، وسفيرتهم الشعرية لعُمان.

وقبل أن أسرد ما تبقى من تفاصيل حكاية الانتحال الطريفة هذه، أتحدث عن الشاعر الكويتي أحمد محمد زين السقاف، بحسب ما نشر عنه من دراسات، من بينها دراسة أعدها الدكتور خليفة الوقيان، بعنوان: «أحمد السقاف حياته ومختارات من شعره»، قدَّمها بمناسبة مهرجان ربيع الشعر الرابع، الذي نظمته مؤسسة جائزة عبدالعزيز بن سعود البابطين للإبداع الشعري، في الكويت عام 2011م، ولد السقاف عام 1919م عمل في عدة وظائف تخدم الجانب التعليمي والثقافي في الكويت، ومنجزاته الثقافية في الكويت كثيرة، أهمها ميلاد مجلة العربي عام 1958م علي يديه، وأشرف على طباعة معجم «تاج العروس»، وعاش الشاعر عمرًا طويلا إلى أن توفي بتاريخ 14 أغسطس 2010م، بعد مسيرة حافلة، ومنجزات ستظل ذكرى خالدة لشخصية ثقافية وأدبية، تركت في الحياة بصمة أدبية مهمة.

أما مناسبة كتابته للقصيدة، فكما كتب مؤلفها في هامش القصيدة بديوانه المطبوع، وكذلك في الكتاب الذي أعده الوقيان: (القصيدة رد على مطالبة شاه إيران بالبحرين)، ومن إيران إلى البحرين حيث مطالبة الشاه بها، ليخرج شاعر من الكويت، فيبدأ قصيدته بالتغني بعُمان: (كلُّ شِبْرٍ مِنَ التُّرابِ العُمانِي)، وبعد أبيات ثمانية من مطلع القصيدة، نقرأ هذين البيتين:

أيُّ فَرْقٍ تَرَاهُ بَيْنَ كَرِيْمٍ

مِنْ عُمانٍ وَمَاجِدٍ بَحْرَانِي

نَحْنُ عُرْبٌ وَلَنْ نَكُونَ لِدَى الجَدِّ

سِوَى الأكْرَمينَ فِي المَيْدانِ

حتى قال الشاعر متحدثا عن الشعب العُماني:

والأناسِيُّ كلُّهم ذلكَ الشَّعْبُ

المُصَفَّى مِنْ خالِصِ الإيمانِ

دَوَّخُوا البُرْتَغَالَ في البَرِّ وَالبَحْرِ

وَكانُوا في الحَرْبِ كالطَّوْفانِ

أتكون قصيدة السقاف، نداء استغاثة كويتية بعُمان، لنصرة البحرين من تهديد إيران؟، أم أشبه بإشارة أحمد شوقي لعُمان، في قصيدته التي ألقاها يوم تكريمه أميرًا للشعراء:

قد قَضَى اللهُ أنْ يُؤلَّفَنا الجُرْحُ

وأنْ نَلتَقِى على أشْجَانِه

كُلَّما أَنَّ في العِرَاقِ مَريْضٌ

لَمَسَ الشَّرْقُ جَنْبَهُ في عُمانِه

ولم يكن السقاف قد زار عُمان من قبل، إنما تعرَّف عليها من أصدقائه العمانيين، في أول بعثة دراسية أوفدتها الحكومة، في عهد السلطان سعيد بن تيمور للدراسة في بغداد، وكان السقاف زميلا لهم، وكانت محبته لأصدقائه العمانيين، تسمح له أن يقرأ جمال عُمان فيهم، فكتب هذه القصيدة بعنوان: «عُمان والخليج العربي»، وكتب الباحث الدكتور محسن بن حمود الكندي قراءة فيها، ضمن مشروعه النقدي: «كتابات عمانية مبكرة، بأقلام عربية»، نشرها في الصفحة الثقافية بجريدة عُمان، ونقرأ في تقديمه للقصيدة: (تمثل قيمةً كبيرةً في نفوس العُمانيين والعرب جميعًا، وهي في جانبِها الخاص انعطافة نفسيةُ وروحية للعُمانيين، الذين تغنوا بها كثيرًا ووجدوا فيها معززًا روحيًّا لنفوسهم الثكلى، المليئة بالإحباطات والهزائم النفسية، جرَّاء ما وقع بوطنهم، من خذلان في ذلك الفترة العصيبة، من ستينيات القرن العشرين وما قبلها، فكانت أنشودتهم المُفضَّلة، وملاذهم الشعري الحالم بالأمل).

وعودة الى حكاية الانتحال هذه، فإنه بعد فوز القصيدة بالمركز الأول، نشرتها جريدة عُمان، وتلقفتها ذائقة الشاعر هلال بن سالم السيابي، وحينها كان رئيس التحرير للجريدة، فكتب فيها مقالة، يؤكد فيها أن القصيدة ليست لهذا الشاعر العماني، وإنما لمؤلفها الكويتي أحمد السقاف، وبعد أن نشر مقالته تلك، وشاع خبر الانتحال، لجأ الشاعر المنتحل الى تقديم شكوى برئيس التحرير، بحجة أنه تجنَّى عليه بهذه التهمة، وأنه مؤلف القصيدة وصاحبها، فبلغ الخبر للأستاذ حفيظ بن سالم الغساني، الذي كان يسيِّر أعمال وزارة الاعلام خلال تلك الفترة، وطلب من الاستاذ هلال الدليل على صدق اتهامه، ولكن الدليل يحتاج إلى تقديم ذلك العدد من مجلة العربي، كمؤكِّد على نسبة القصيدة لشاعرها السقَّاف.

ولم يكن العدد في يد الأستاذ هلال كاشف الانتحال، فقد مضى على نشره خمس سنوات، فتذكر الأستاذ أحمد الفلاحي أن الشيخ علي بن جبر الجبري (ت: 1995م) يحتفظ بكامل أعداد المجلة، وذهبا إليه في منزله بضاحية «الميابين» بمسقط، للبحث عن ذلك العدد، الذي نشرت فيه العربي قصيدة السقاف، بعنوان «عُمان والخليج العربي»، وبعد بحث دؤوب في كراتين ورقية غير منظمة، تمكنا من الحصول عليه، وحملا العدد ليقدماه دليلا على الانتحال، الذي أصبح قضية شغلت بال المسؤولين في وزارة الاعلام، والمنظمين للمسابقة، ولجنة التحكيم التي لم تكن على اطلاع بالقصيدة المنشورة في العربي.

يقول الأستاذ أحمد الفلاحي، إنه من المؤسف جدًا، أن ينتحل شاعر عماني قصيدة كهذه، وهي لشاعر كبير معروف، فقد نشرتها مجلة العربي من قبل، وهي من أكثر المجلات انتشارًا في أرجاء الوطن العربي، وحين نشرت القصيدة في مجلة العربي عام 1968م، وكانت تمجِّد عمان، وتعلي من مكانتها، تهافت العمانيون على شراء ذلك العدد، خاصة أولئك الذين كانوا خارج الوطن، مبهورين بهذا النداء العذب لمطلع القصيدة:

كلُّ شِبْرٍ مِنَ التُّرَابِ العُمَانِي

هُوَ قلْبِي وَمُهْجَتِي وَكَيَانِي

والمؤسف أن الشاعر السقاف لم تستضفه إحدى مؤسساتنا الثقافية، في الفترة التي كان فيها على قيد الحياة، ولم يكن ضمن الشعراء الذين استضافتهم السلطنة ممثلة حينها في وزارة التراث القومي والثقافة، للمشاركة في «الندوة الأولى لشعراء دول الخليج العربية»، التي أقيمت في شهر مارس 1982م، وانما كان حظ الاستضافة من نصيب الشاعر الكويتي الكبير محمد الفائز (ت: 1991م)، وقد تغنى بعمان هو الآخر، بأجمل ما كتب، وقصيدته «يا ساحل الرَّيحان» شاهد على ذلك، ومثل السقاف جدير بالتكريم، وأن توثق لهم زيارات كريمة لوطن أحبَّه، وهام فيه شعرًا، وكتب فيه قصيدة لم يكن لشاعر من أبناء الوطن أن يكتب مثلها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مجلة العربی لم یکن

إقرأ أيضاً:

أيمن بهجت قمر : محظوظ بـ أبويا وبـ أمي وبـ جوز أمي

نشر الشاعر الغنائى أيمن بهجت قمر تعليقا مثيرا عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يتحدث فيها عن فترة طفولته وكيف تشكل وجدانه. 

وقال أيمن بهجت قمر : " أكيد الشاعر والكاتب بيتأثر بالتجارب اللي في حياته، وأنا كنت محظوظ في طفولتي إني كنت عايش عالمين مختلفين بسبب انفصال أبويا وأمي.. عند أبويا الكاتب الراحل بهجت قمر الشقة 120 متر في الدقي المكدسة بالأصدقاء والنجوم شقة بلا حرمة فمفتوحة 24 ساعة. 

وأضاف أيمن بهجت قمر : اكتسبت منها خبرات وعاصرت ناس كتير عظماء، من حسن حظي إني أقابلهم بجانب لعب الكورة في الشارع مع كل الفئات، وولاد الناس البسطاء العاملين بالإكشاك وولاد غفراء المنطقة، اللي بيتجمعوا كلهم عادي في اوضتي برضه، وبمثل معاهم مسرحيات في الاوضه وافيشات على باب الشقة بدون أي اعتراض من والدي.

حمزة العيلي عن منى زكي: كلمة قد تدمر إنسانًا أو تسعدهتكريم عمر خيرت فى الدورة الأولى من مهرجان الأوبرا العربية بالدوحةهنا الزاهد تهنئ هدى المفتي بعيد ميلادهامخرجة فيلم فلسطين 36: أردنا للأرشيف أن يكون حاضرا ونابضا بالحياةأيمن بهجت قمر يروي طفولته مع والدته  

وأوضح أيمن بهجت قمر : "تروح عند أمي ربنا يخليهالي في عمارة المنيل، وجوز أمي المخرج الراحل عادل صادق، تلقى الحياة الشيك الأرستقراطية النظام يوم الجمعة والعزبة ولمة العيلة وطبعا لإنه مخرج كل مراحل طفولتنا متصورة فيديو، وده من حسن حظي، وهناك تلاقي نوعية فنانين تانيين من أصحاب زوج والدتي زائد بعض الأصدقاء المشتركين بين أبويا وجوز أمي، اللي كنت بشوفهم عندنا. 

وأشار أيمن بهجت قمر : عندنا برضه بس عند أمي كان النوم بدري واللعب مع ناس معينة ومافيش حاجه اسمها لعب في الشارع، أخرنا على البسطة أو تحت في الجراج والالتزام بالعقاب لما أمي تبرق لي، ثم بعدها طبعا هضيف رحلة الكفاح اللي عيشتها لوحدي، بعد فقداني للحياتين دول بشكل مفاجئ فأعتقد إن ده كله ساعد إني أكون الشخص اللي أنا عليه الآن.. انا محظوظ بـ أبويا وبـ أمي وبـ جوز أمي.

أيمن بهجت قمر  طباعة شارك أيمن بهجت قمر الشاعر الغنائى أيمن بهجت قمر أعمال أيمن بهجت قمر أفلام أيمن بهجت قمر أغانى أيمن بهجت قمر

مقالات مشابهة

  • يغسل الروح.. فريدة سيف النصر تتغنى بـ «دولة التلاوة» وتثير تفاعل جمهورها
  • أحمد عبد القادر ميدو: سقوط كل الاتهامات التي وجهتها جماعة الإخوان الإرهابية ضدي
  • أيمن بهجت قمر : محظوظ بـ أبويا وبـ أمي وبـ جوز أمي
  • يشارك به 200 خيل أصيل..حكاية سباق مرماح الخيول السنوي الذي تنظمه القبائل العربية بأسوان
  • هل قتل البلابسة قصيدة السلام؟
  • العيدروس يعزّي في وفاة الشيخ هاشم أحمد السقاف
  • حبس 3 عاطلين بتهمة انتحال الصفة والاستيلاء على أموال المواطنين في القليوبية
  • بأسلوب انتحال الصفة.. ضبط 3 عاطلين بتهمة سرقة آخر في القليوبية
  • جامعة اليرموك تحتفي بالشاعر الراحل أحمد يوسف